أتاحت أوروبا لعدد كبيرٍ من النساء المهاجرات تجربة العيش باستقلالية، من خلال تأمين الحياة المادية المستقلة، إضافةً لطبيعة المجتمعات المشجعة لدور المرأة واستقلاليتها. فكيف تقيم بعض النساء المهاجرات تجاربهن
عندما وصلت آلاء من سوريا إلى ألمانيا كانت تعلم أنها ستعيش بمفردها، أن عليها منذ هذه اللحظة أن تحضّر طعامها بنفسها لأن والدتها لم تعد تقيم معها، عليها أن تدفع فواتيرها بنفسها، كذلك عليها أن تتحمل مسؤولية الضرائب والمنزل، أي أن تقوم بكل ما كان هناك من يقوم به عنها في سوريا
آلاء قصاب، 25 عامًا، قدمت من حلب في سوريا منذ سنتين إلى ألمانيا، ترى أن خوض تجربة العيش بمفردها كان أمرًا جيدًا بالنسبة لها على الأقل، ففي المجتمعات العربية عادةً ما تنتقل الفتاة من منزل والديها إلى منزل زوجها دون أن تخوض تجربة العيش باستقلالية إلا في حالات نادرة.
تقول آلاء لـ”مهاجر نيوز” “عندما قدمت إلى هنا كان خطيبي يعيش في ألمانيا لذلك اعتمدت عليه في الكثير من الأمور، لكن الأمور السلبية في هذه التجربة جاءت من الضغط النفسي الناتج عن عدم المعرفة بهذه البلاد، ما هي الأمور التي يجب القيام بها في بعض المواقف؟ ما هي البروتوكولات المتبعة عند الطبيب أو في مكان عام؟ لم يكن لدي مرجع وكان علي أن أكتشف كل شيءٍ بنفسي، وهذا ما خلق لدي حالة من الضغط النفسي والاكتئاب في مرحلةٍ ما”.
وتتابع آلاء “ربما الأمور السلبية نفسها كانت إيجابية من ناحيةٍ أخرى، حيث علمتني هذه التجربة الكثير، والأمر الأهم أنني هنا تمكنت من منع الناس من التدخل في حياتي، كان بإمكاني أن أوقف من يتدخل بحياتي عند حده أو أقطع علاقتي به دون خوف من لومٍ اجتماعي أو ضغط، على عكس سوريا حيث أن المجتمع يخلق عامل ضغطٍ كبير على حياتنا”.
تعلمت العيش بمفردي
في المجتمعات العربية تعيش العديد من الفتيات حياةٍ اتكالية بعيداً عن الاستقلالية لأسبابٍ خارجة عن إرادتها في كثيرٍ من الأحيان، تفرضها العادات والتقاليد، وطبيعة المجتمع، وحتى الدين أحيانًا، لذا تجد العديد من الفتيات والسيدات أنفسهمن في أوروبا أمام تجارب مختلفة تجبرهنّ على الاستقلالية في كثيرٍ من الأحيان.
في ظروفٍ تشابه ظروف آلاء انتقلت كريستين من حلب إلى ألمانيا لمتابعة دراستها للحصول على شهادة الدكتوراه. كريستين التي كانت تعتبر الفتاة المدللة في العائلة، وضِعت وجهاً إلى وجه مع حقيقة أنه عليها العيش بمفردها. كان عليها أن تحصل على سكن، أن تقوم بتجهيز المنزل، أن تسجل في شركة الكهرباء، وأن تسجل مكان سكنها والعديد من التفاصيل التي لم تكن قد سمعت عنها من قبل.
تروي كريستين لـ”مهاجر نيوز تجربتها مع العيش باستقلالية وتقول “كان هناك الكثير من المهام التي علي القيام بها عندما أتيت بمفردي، ما خلق ضغطاً كبيراً، أمضيت فترتي الأولى بمزاجٍ عصبي، ونوبات بكاء، لأني لم أكن أعرف من أين أبدأ، وما الذي يجب علي فعله، لكن مع مرور الوقت علمني كل هذا كيف أعيش بمفردي، كيف أقوم بكل شيْ بمفردي، حتى أني بدأت بتدبر تفاصيل حياتي والقيام بفعل أشياء لم أتخيل من قبل أنه بإمكاني فعلها، والتحدي الأكبر أن كل ذلك كان بلغةٍ غريبة، وفي بيئة مختلفة لا أعرف عنها شيء”.
وتتابع كريستين “على الرغم من كل التسهيلات هنا، إلا أني لا زلت أشعر بالخوف ليس لانعدام الأمان، إنما لغرابة المحيط والبيئة عني، خاصةً أني أعيش في مدينةٍ صغيرة ما جعل حتى العلاقات الاجتماعية صعبةً بالنسبة لي، وجعل المدينة موحشة”.
الأمان المادي سبب رئيسي للاستقلال
تربط العديد من النساء حياتهن بزوجٍ أو أبٍ أو أخٍ من أجل الحصول على الاستقرار المادي، حيث لا تعمل العديد منهن، لكن هذا الأمر لم يعد موجودا في أوروبا، ما مكن النساء من البحث عن استقلاليتهن برأي رهف، السيدة الثلاثينية التي تعيش في برلين، وتقول رهف “عندما تمكنت من الحصول على منزل بمفردي وراتب يكفيني لإعالة نفسي، علمت أنني لم أعد بحاجةٍ لأحد، وأنه آن الأوان للعيش باستقلالية، وهذا ما أثر على طريقة نظري حتى لنفسي. أصبح لحياتي قيمة، وأقدم نفسي للناس بأني ممرضة، لا رهف أخت فلان أو زوجة فلان، وهذا أعطاني سعادة مطلقة رغم التعب ورغم رفض العائلة”.
التعب ثمن الحرية!
لا تعتبر البيئة التي قدمت منها جميع اللاجئات في ألمانيا وأوروبا عموماً متشابهة، ما جعل التجارب لهؤلاء النساء تختلف بين واحدةٍ وأخرى، ومن وجهة نظر شذى، الفتاة العشرينية، التي وصلت إلى مدينة ليون الفرنسية منذ 4 سنوات، فإن أهم ما حدث لها هو تجربة العيش بحرية.
وتقول شذى لـ”مهاجر نيوز” “أعيش بمفردي منذ 4 سنوات، وهذا علمني الكثير وتخللته الكثير من الصعوبات، لكن كل هذا كان ثمناً لحريتي، فأنا اليوم أعيش بحرية مطلقة، لا رقابة لأحد على حياتي. أنا سيدة نفسي ووقتي وحتى نقودي، يمكنني أن أقود دراجتي من دون رقابة اجتماعية تقيمني بطريقةٍ سلبية، وهذا أمر رائع”.
نور التي تعيش في باريس تتفق مع شذى في مسألة الحرية، وتقول لـ”مهاجر نيوز” “أعيش هنا تجسيدًا للحرية التي كنت أتمناها، والتي كانت بداخلي قبل وصولي لأوروبا، حاربت كثيراً من أجلها، سافرت وعملت، وتمكنت من إقناع أهلي بأني قادرة على تحمل المسؤولية حتى أتمكن من العيش بحرية، ودفعت ثمناً كبيراً لهذا من تعب وجهد، من أجل أربعة أحرف (حرية)”.
أما برأي كريستين فإن مسالة الحرية تختلف من امراة لأخرى، بحسب الخلفية الاجتماعية التي قدمت منها، فبالنسبة لها “لم يتغير شيء على حياتها، فبقيت تعيش بنفس قدر الحرية الذي كانت تتمتع به ضمن محيطها في سوريا، كما أنها لا تزال تخبر والدتها بتحركاتها كما كانت تفعل هناك”.
رقابة اللاجئين لبعضهم قاسية
يخلق المهاجرون عادة في بداية سنوات الهجرة، مجتمعاتٍ موازية يعيشون ضمنها، نتيجةً لضعف اللغة، ومن أجل الحاجة للمساعدة، لكن هذه المجتمعات الموازية تكون
مقيدة لحرية النساء بالقدر الذي كانت حريتهم مقيدة به في بلدانهم الأصلية وربما أكثر، بحسب شذى، التي تقول “عادةً عندما تصل الفتاة إلى أوروبا بمفردها فإنها تعاني كاي لاجئ أو مهاجر آخر، من مشاكل الروتين، وربما قلة النقود، وعدم وجود سند، لذا تعتقد في كثير من الأحيان أن المجتمع الموازي من دائرة المهاجرين من جنسيتها يمكن أن يقدم لها المساعدة، لكن لهذا نتائج سلبية في كثير من الأحيان، حيث من الممكن أن تتعرض للاستغلال، أو يحاول البعض تشويه سمعتها، أو اعتبارها عبء لمجرد طلبها السماعدة، مما يضطرها للوصول إلى النتيجة النهائية بسرعة والتي هي الاستقلالية بشكل تام”. وتضيف “عدا عن أن أبناء الجالية السورية هنا يمارسون رقابة أصعب مما كانت بمجتمعي المحيط في سوريا مثلا، فهنا أناس من خلفيات متعددة، ويفرضون شروطهم بطريقة مزعجة، لقد عانيت كثيرًا حتى وصلت إلى الاستقرار، وتعرضت للمضايقات عندما طلبت المساعدة”. من وجهة نظر نور، الربط بين الصعوبات التي تعترضها وبن كونها أنثى “أمر غير منصف بالكامل، فهي تتعرض لضغوط ومصاعب تواجه كل اللاجئين تقريباً”، وتتابع “ربما يراهن العديدون بأنني لن أتمكن من متابعة حياتي بشكل سلس لأني أنثى وأنني بحاجة للرعاية بشكل دائم وهذا أمر غير صحيح، ويحاول العديدون لعب دور الوصاية علي، لكني أعمل على التخلص من هذا”. “النعمة الأكبر هي أنه يمكن تحديد العلاقات هنا دون الاكتراث” برأي آلاء هذا هو الأهم، ويقود لنتيجة واحدة “المرأة هنا تتمتع بحرية أكبر وقادرة على أن تكون مستقلة ماديًا ومعنوياً”