بين “الوطن الجديد” و”الوطن القديم” لاجئون تائهون في تحديد الوجهة

Asyel-Irak

 

لا يزال كثير من اللاجئين غير معتادين على تفاصيل كثيرة في حياتهم، ما يجعلهم يتجهون للتعلق بالماضي والعيش فيه. لكن هذا الأمر ليس معمماً إذ يتخبط البعض بين الوطن والوطن الجديد، فيعيش هؤلاء في حالة ضياع قد تسبب أحياناً أزماتٍ نفسية.

“لا قدرانة فل ولا قدرانة إبقى” (لا أستطيع الذهاب ولا البقاء).. هكذا تعبّر فيروز عن حالة الضياع التي تعيشها.. لكن هذه الجملة تعبّر عن حال الكثير من اللاجئين الذين يعيشون في أوروبا وألمانيا على وجه الخصوص..

“أريد أن أكون هناك”.. هكذا تصف لمى حالتها. لمى السيدة السورية القادمة والتي في بداية الثلاثينيات وأمٌ لطفلين تشعر بغربةٍ حقيقة “في المكانين” بحسب ما تقول، وتتابع لمهاجر نيوز “عندما أنظر إلى صور أصدقائي الذين لا يزالون في دمشق أشعر بغيرةٍ حقيقية، أريد أن أكون معهم.. أن أشاركهم لحظاتهم رغم سوء أوضاعهم، وعلمي بأنهم يحسدونني على العيش في الخارج. أعلم أني كنت أشعر بالغربة داخل وطني عندما كنت في سوريا، وأعلم كثيراً أنه لا يمكنني التأقلم في حال عدت للعيش هناك. لذا أعتقد أنني أحنّ إلى حياتي القديمة وماضيي وأريدهما حاضرين في حياتي الجديدة لتصبح مثالية، لأكون كأي إنسان عادي لديه كل ما بناه في حياته حوله”.

أعيش في بلدين بآنٍ واحد..

تفرضُ الحربُ الدائرة هناك إيقاعها على تفاصيل حياة السوريين في ألمانيا، إذ لا يمكن أن يمتنعو عن متابعة مصائر أهلهم وأحبائهم الذين بقيوا في الداخل، لكن تفاصيل الحياة تشغلهم في ألمانيا. مما يجعلهم يعيشون صراعاً من نوعٍ آخر، بحسب ما يعيش عمر، الناشط السوري السابق في مدينة ديرالزور والذي يدرس اللغة الألمانية حالياً في مدينة زاربروكن عاصمة ولاية زارلاند.

يقول عمر “أذهب إلى المدرسة كل صباح وأتعلم الألمانية، أعيش وأتعايش مع لغةٍ جديدة وأناسٍ وثقافةٍ مختلفين. أحبُّ حياتي الصباحية كثيراً، لكن بعد عودتي للمنزل أتابع عملي لتوثيق الانتهاكات في دير الزور وأرى صور أصدقائي وأقاربي الذين يموتون أو يعيشون بالخوف، فانتقل مباشرةً إلى هناك. أشعر أن هناك قضيتي وحياتي، لذا أشعر بصعوبة لمتابعة حياتي هنا. ألوم نفسي على نجاتي ربما، لكنني أعلم أنه يجب أن أتابع عملي لأكوّن حياتي هنا، وهذا أمرٌ صعبٌ جداً. اشعر بأني مشتت، أخاف أن أكمل حياتي وأركز على ما أعيشه هنا فقط، وأخاف أن تمر السنون وأبقى أعيش في مكانٍ آخر نفسياً، أما جسدياً فأعيش في ألمانيا”.

Omar-Asyelعمر

في حين يرى علي الشاب الجامعي أنه انتهى من فترة الضياع عندما وجد ما يشغله، عندها توضحت معالم حياته المستقبلية أمامه، يقول عمر “لا أعتقد أنني سأشعر بأنني ألماني مئة بالمئة في أي يوم، لكن مع هذا لا أشعر أني سوري مئة بالمئة الآن، هناك أشياء أحبها في المجتمع الجديد، لكن هناك ما يشعرني دائماً بأنني لست من هنا”.

ماجد العوضي الخبير بشؤون اللاجئين والذي يعمل على مساعدتهم في الاندماج يؤكد ما قاله علي ويضيف ، أعتقد أن المسالة هي مسألة وقت، تشتت الانتماء أمر طبيعي في البداية ريثما يجد الشخص الطريق الواضح لمستقبله في البلاد الجديدة. لكن أحياناً الظروف غير المساعدة والروتين والبيروقراطية تجعل الشخص يشعر بشكل دائم أنه ينتمي لمكان آخر لعدم قدرته على التأقلم مع الظروف الجديدة في البداية”.

انقطعت عن الأخبار.. وأعيش في اللامكان..

أن يهمك ما يحصل في مكانٍ ما، دليلٌ على الانتماء إليه في بعض الأحيان، وأن تكون قائمة القنوات المفضلة لديك تنقل ما يخبرك عن هناك أو هنا، هذا دليلٌ على أنك تعيش في أيٍّ من المكانين، لذلك قرر إبراهيم أن ينقطع عن متابعة الأخبار نهائياً، أن ينفصل عن هناك، لكنّه “يتلصص بين الحين والآخر” على ما يحدث في سوريا بحسب تعبيره، إبراهيم الشاب الثلاثيني، قرر أن يتابع ما يجري في ألمانيا، لكن هذا “لم يثر اهتمامه” لذلك يعيش اليوم “دون اهتمامات، خارج الزمان والمكان”

أما مهند الذي زار سوريا بعد قدومه إلى ألمانيا يتحدث عن تجربته ويقول “خلال ثلاث سنوات من غربتي هنا شعرت بتقلباتٍ مختلفة، في البداية كنت أشعر أنني أنتمي لهناك فقط، إلى سوريا، لكن بعد زيارتي الأولى بدأت أشعر بعدم تقبلي للكثير من التفاصيل التي كنت أمارسها أنا أيضاً قبل سفري. أصبحت هناك اشياء تجعلني أشعر بأنني لا يمكن أن أعيش هناك، كما أن الناس هناك يعطونك شعورا بأنك لم تعد تنتم إليهم، فلقد تجاوزوا غيابك، أكملوا حياتهم، ودائماً منذ وصولي يسألونني متى ستسافر”.

الخبير في شؤون الاندماج ماجد العوضي يقول “إن هذا لاشعور من شأنه أن يعيق عملية الاندماج في كثير من الأحيان، حيث يخلق عوائق نفسية لمتابعة سير عملية الاندماج، خاصةً إذا ما كان الشخص لا يزال يملك عائلة في الوطن، يعاني من صعوبة لم الشمل. لكن الحل ليس بيد اللاجئين أنفسهم فقط، إذ أن المسؤولية تقع على الطرفين اللاجئين ودول اللجوء التي عليها أن تزيل العراقيل القانونية على الأقل. كما أنه على اللاجئين عدم الاستسلام في حال ظهور عائق، وأن يعرفوا أن التاقلم والعيش يجب أن يكون في مكان واحد دون تشتيت والتركيز على المستقبل والعمل لأجل ذلك”.

Mohand-Shahabمهند

ويختم مهند حديثه ضاحكاً “قررت بعد عودتي من سوريا أن أقتنع أن هنا في ألمانيا هو مكاني، لكن اللغة غريبة، الناس مختلفون، لا شيء يشبهني، لا ماضي لي هنا، لذا أعيش بين ماض ينتمي لمكان، وحاضر ومستقبل ينتميان لمكانٍ آخر، أشعر بشيء غريب، لا أقدر أن أعيش هنا ولا هناك”.

وبانتظار تخطي عتبة الحنين والماضي، والمضي بشكلٍ أسرع نحو المستقبل، لا يزال الكثيرون معلقين بين وطنين، فيما يبحثُ آخرون عن وطنٍ ربما يكون ثالثا غير ما مضى وما هو حالياً.

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …