حزب مصر العروبة رشح زعيمه الفريق سامي عنان نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق الذي أدار مصر في فترة تحول عنيفة.
أهم دلالات هذا الترشح أنه يذكرنا أن هناك أحزابا في مصر، وأنها ما زالت حية ترزق. كدنا ننساها بالفعل في ظل منتخب “دعم مصر” الذي أوجد حياة سياسية برلمانية غريبة للغاية ليس لها مثيل في العالم كله.
الأحزاب هي التي تدعم الحراك السياسي والاقتصادي وليس المنتخب المتوحد الذي لا يشذ فيه صوت بالمعارضة أو النقد ولا يملك هذا “الترف” إطلاقا، فكله يتماهى ويتبارى فى دعم سياسة الرئيس السيسي وأرائه ومنطلقاته وقراراته.
حزب مصر العروبة أعاد لنا ولو مؤقتا طعم الأحزاب، فقد وجدت لكي تتنافس على السلطة ببرنامج يحقق القبول والرضا الشعبي ويجذب الناس عبر التصويت لمرشحيها.
أما الشعارات الجوفاء التي يرددها البعض من قبيل أن المرحلة حاسمة ودقيقة والأعداء يتربصون من كل ناحية للايقاع بمصر، فهي نوع من أكل العيش والارتزاق للعواطلية على حساب المصلحة الوطنية الحقيقية التي لا تتحقق إلا بإعلاء “لا” قدرا ومكانة والحوار مع أصحابها وتوسدهم السلطة إذا اختارهم الصندوق في انتخابات نزيهة وشفافة.
الفريق سامي عنان ليست شخصية عادية. اسمه تردد بقوة لقيادة مصر عندما اندلعت ثورة يناير وضيقت الخناق على استمرار مبارك في الحكم. كان موجودا حينها في زيارة عمل بالولايات المتحدة، وقطع زيارته وعاد على الفور، فاهتمت وسائل الإعلام العالمية بعودته ومغزاها وأهميتها وبقوة شخصية الرجل وأهميته.
الفريق من أنصار الحريات والديمقراطية، وكان على رأس جناح الصقور الذي طالب منذ الأيام الأولى للثورة باستجابة مبارك لمطالب الثوار في ميدان التحرير، وأن حكمه مات اكلينيكيا. وفي المقابل لم يكن طامعا في السلطة شأنه شأن بقية المجلس العسكري الذي كلفه مبارك في كلمة التنحي القصيرة بإدارة شؤون الدولة، وسار جنبا إلى جنب مع زملائه وعلى رأسهم المشير حسين طنطاوي لتسليم الأمر إلى رئيس منتخب بعد وضع الدستور والاستفتاء عليه، وقبلها انتخاب البرلمان الذي لم يتم دورته بعدما أبطلته المحكمة الدستورية العليا.
بأخلاق وقيم ومبادئ المقاتل الشريف الشجاع لم يعترض على إقالة الرئيس المنتخب له، مثله مثل وزير الدفاع المشير طنطاوي. خرجا من القيادة بقرار ساذج وعبيط من مرسي لا أجد له حتى الآن سببا مقنعا.
لقد خسرت العملية الديمقراطية أكبر داعميها وأكثرهم احتراما وتوقيرا وخبرة سياسية، ولو لم يقيلهما مرسي واحتفظ بمشورتهما وقوتهما إلى جانبه، لمرت الفترة الأولى للرئاسة بسلام. كتبت مقالا بعد 3 يوليو قلت فيه إن مرسى خسر من سهل الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الحكم المدني المنتخب، وبخسارتهما أصبح ظهره مكشوفا فلم يعمر طويلا في الحكم.
كنت أرى أن طنطاوي وسامي عنان نسخة مصرية من عبدالرحمن سوار الذهب في السودان من حيث الزهد في السلطة والرغبة في تولية حكم منتخب بآليات دستورية كاملة. طنطاوي رفض الاستجابة لنصائح هيكل التي كانت تنقلها وسائل الإعلام حول “الرئيس الضرورة” وسار على نهجه الفريق سامي عنان الذي ظل متمسكا بمبدأ إعادة السلطة إلى الشعب فهو صاحب الاختيار والكلمة العليا.
بعد اندلاع مظاهرات 30 يونيه استقال عنان من منصبه الشرفي كمستشار للرئيس للشؤون العسكرية. وقال في اتصال هاتفي مع قناة العربية الحدث “الشعب المصري قال كلمته، وبالتالي فعلى الجميع أن ينصت وينفذ”.
جاء في بيان استقالته “من منطلق انتمائي الوطني وتاريخي الذي أعتز به في خدمة مصر وشعبها، أعلن تضامني الكامل مع جموع المصريين الشرفاء الرافضين للقمع والقهر وانتهاك الحريات وتقسيم المجتمع”.
نفس المبادئ التي ذكرته عنه شهادات الشهود حول موقفه من استمرار حكم مبارك بعد ثورة ميدان التحرير عليه.
في انتخابات 2014 أعلن ترشيح نفسه ولكنه انسحب بعد وساطات صحفية من المقربين. ليس هناك سبب واحد لأي وساطة تحرم كفاءة لها حق الترشح أو تحمله على الانسحاب، فذلك إثراء للعملية السياسية وللانتخابات ومدعاة للشعب أن يفرز من يستحق ويحقق النجاح في مهمته التي يجب أن تظل تكليفا صعبا لا تشريفا.
لا أعلم إذا كان ترشحه الحالي سيمضي إلى نهايته أم سيتكرر انسحابه. بعد تراجع الفريق شفيق الذي كنا نتمنى استمراره لإخراج انتخابات عصرية بمواصفات غربية تكسب الشرعية لمن يفوز فيها، لا استطيع أن أجزم بشأن أي مرشح آخر. لكن وجود عنان على أي حال هو قوة للانتخابات وقوة للسيسي إذا فاز بها. قلت شيئا من هذا في مقال “الفرصة الضائعة” الذي كان يتناول تراجع شفيق عن ترشحه.
القاهرة – فراج إسماعيل