الإثنين , 23 ديسمبر 2024

بالصور – جنوب لبنان يثير شهية المستوطنين منظمة “أوري تسافون” توسع حدود إسرائيل؟

جنود إسرائيليون يقفون بالقرب من دبابة بالقرب من حدود إسرائيل مع لبنان

بعد إنكار، اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بأن مستوطنين إسرائيليين تجاوزوا الحدود إلى جنوب لبنان، وأقاموا خيامًا بهدف إنشاء مستوطنة يهودية.

وكان الجيش قد نفى في وقت سابق على اعترافه تقارير عن قيام مستوطنين من منظمة “أوري تسافون” بنصب خيام في لبنان، لكنه عاد ليؤكد تجاوزهم “الخط الأزرق” الحدودي قرب بلدة مارون الراس.

وفي الوقت الذي وصف فيه الاحتلال هذا التجاوز بأنه “حادث خطير يستوجب التحقيق”، كشفت المنظمة عبر موقعها أن قوات الاحتلال كانت ترافق المستوطنين أثناء نصب الخيام في الأراضي اللبنانية.

وفي الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري، نشرت المنظمة صورًا تُظهر ست عائلات من المستوطنين أثناء نصبهم خيامًا وزراعة أشجار في مارون الراس، وبجوارهم جنود الاحتلال. وعلّقت المنظمة قائلة: “وصلت ست عائلات من حركة الاستيطان في جنوب لبنان للاستقرار في لبنان”.

فمن هي منظمة “أوري تسافون” التي تسعى لفرض الاستيطان في أراضي اللبنانيين؟ وما هي استراتيجية المنظمة لتوسيع حدود الاحتلال عن طريق الاستيطان؟

تأسست منظمة “أوري تسافون”، التي استقت اسمها من آية توراتية تعني حرفياً “استيقظ يا شمال”، في أواخر مارس/آذار الماضي بهدف الترويج لاستراتيجية تتجاوز مجرد الدعوة إلى الحرب وإعادة الاحتلال، لتشمل أيضًا إنشاء مستوطنات إسرائيلية في جنوب لبنان. وتتبنى المنظمة، التي تمكنت من حشد آلاف المؤيدين، رؤية تعتبر استيطان لبنان ضرورة استراتيجية وعملية.

تزعم المنظمة في رؤيتها أن “دولة لبنان” لا وجود ولا وظيفه لها، وما هي إلا نتاج عن تسويات استعمارية بين فرنسا وبريطانيا لتعزيز مصالحهم. وترى أن الحدود الحالية بين لبنان والأراضي المحتلة حدود مصطنعة، لا قيمة لها، وأن اتفاقيات مثل سايكس بيكو ومؤتمر باريس ليست سوى أدوات مرحلية لا تستحق الاحترام.

موقع المنظمة وصور لعائلات المستوطنين مع جنود الاحتلال في جنوب لبنان – موقع منظمة “أوري تسافون”

وتزعم المنظمة على موقعها، أن لبنان أرض إسرائيلية حتى ولو انسحب منها الاحتلال، وتدعو استطينتها كما تدعو لاستيطان غزة، إذ ترى أن “النصر هو انتزاع الأراضي من العدو؛ أرض هي أرض الوطن: سواء في غزة أو في لبنان أو في جبل الهيكل.”

وجاء تأسيس منظمة “أوري تسافون” لتخليد ذكرى “يسرائيل سوكول”، جندي في جيش الاحتلال قُتل في غزة في يناير/كانون الثاني الماضي، خلال مشاركته في حرب إبادة الفلسطينيين. وكان سوكول معروفًا بأحلامه المتطرفة التي لم تقتصر على بناء المستوطنات في غزة، بل امتدت لتشمل الاستيطان في لبنان. فوفقًا لعائلته، كان يسرائيل يعتقد أن السيطرة على لبنان ضرورة لتحقيق رؤيته لما يسميه “أرض إسرائيل الكبرى”.

في مقابلة مع صحيفة جويش كارنتس، قال شقيقه يعقوب سوكول: “كنا نمزح أنا ويسرائيل حول العيش في لبنان، لكنها كانت نكتة تحمل دائمًا نية جادة. إنها الأرض التي يجب أن تكون في أيدينا”.

وبحسب تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية قال سوكول والد يسرائيل، رغم أنه يقدر رسائل التعازي بمقتل ابنه في زمن الحرب، إلا أن “العزاء سيأتي عندما تكون لدينا مستوطنات في لبنان، وفي غزة، وعلى الجانب الآخر من نهر الأردن، والمعبد الثالث” في القدس.

وبعد مقتل يسرائيل، حضر عاموس عزاريا، الناشط البارز في حركة إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في غزة، عزاء العائلة. و هناك، ناقش مع أسرة سوكول سبل تحقيق رؤى يسرائيل المتطرفة. وهذه المحادثات هي ما أسفرت عن تأسيس منظمة “أوري تسافون”، التي أصبحت اليوم منصة متطرفة للدعوة إلى الاستيطان في جنوب لبنان، بحسب تقرير صحيفة جويش كارنتس.

ومنذ انطلاقها، شهدت المنظمة نموًا سريعًا، حيث تجمع منتدياتها الرسمية على تطبيق واتساب الآن ما يقرب من 3000 عضو من مختلف أنحاء الأراضي المحتلة. في هذه المجموعات الافتراضية، يشارك القادة بانتظام صورًا للانفجارات في شمال الأراضي المحتلة ولبنان، بالإضافة إلى انتقادات لما يصفونه بـسياسة الاحتلال المتخاذلة في المنطقة. كما يناقشون مقترحات لإعادة تسمية المدن اللبنانية بأسماء عبرية، ويروجون لإعلانات رحلات تجديف مستقبلية إلى جنوب لبنان تحت شعار: “إنه ليس حلمًا؛ إنه حقيقة”

منظمة استيطانية دينية

تحاول منظمة “أوري تسافون” تعزيز تأثيرها على الأرض من خلال حملات دعائية وفعاليات تهدف للترويج لاستيطان جنوب لبنان. شملت جهودها وضع ملصقات في المدن شمال الأراضي المحتلة تدعو لتوطين لبنان، وتنظيم أول احتجاج لها في أبريل الماضي قرب كيبوتس ألونيم، حيث قادوا مسيرة سيّارات من الكيبوتس في الجليل الأسفل، ونظموا وقفة تنادي بـ”إقامة مستوطنات في جنوب لبنان لإعادة الأمن للمستوطنات الشمالية”.

وكان معظم المشاركين ممّن ينتمون إلى حركة “نحلاه” الاستيطانية التي جمّعت حتى الآن 600 طلب من عائلات يهودية ترغب أيضاً في الاستيطان في قطاع غزة ، ونظّمت في القدس المحتلة قبل أشهر مؤتمر “عودة الاستيطان إلى غزة” بحضور وزراء وأعضاء في الكنيست من “الليكود” وكتلة “الصهيونية الدينية”.

تكررت بعدها تجمعات لأعضاء المنظمة، و استخدموا فيها طائرات بدون طيار وبالونات لإرسال منشورات إلى الجانب اللبناني من الحدود، تحمل تهديدات : “احذر! هذه أرض إسرائيل التي يملكها اليهود. يجب عليكم إخلاؤها على الفور”.

وفي مناسبة أخرى، نظمت المجموعة خلوة ليلية في يوم السبت بالقرب من الحدود للعائلات المستعدة للاستقرار. وكتبوا: “من خلال الاقتراب جسديًا من الحدود، نعبر عن رغبتنا في الاستقرار في جنوب لبنان”.

بينما ذروة نشاط المنظمة كانت في مؤتمر افتراضي في يونيو، حضره مئات الأشخاص، تناول الارتباط اليهودي التاريخي بلبنان، والسياق الجيوسياسي، ونماذج سابقة للاستيطان. وقد لاقت هذه التحركات تغطية إعلامية واسعة ودعماً من شخصيات بارزة مثل عضو الكنيست السابق موشيه فيجلين، مما منح أفكار المنظمة المتطرفة زخماً جديداً.

تأثيرها

في المؤتمر الافتراضي لمنظمة “أوري تسافون”، حضر حاجي بن آرتسي، شقيق سارة نتنياهو، زوجة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ليؤكد رؤية المنظمة المتطرفة، قائلاً: “لسنا متطرفين، والحدود بين لبنان وإسرائيل مصطنعة، والجليل يمتد إلى الليطاني”.

أم عن شرح كيفية تأسيس مستوطنات وشرعنتها قانونياً، كان هناك محامي يدعى دورون نير تسيفي، وأشار إلى وجود “سوابق” في الضفة الغربية، وأن مثل هذه التسويات قد تحظى بموافقة دولية. وأضاف أن الاستيطان في جنوب لبنان يمكن تسويته أيضاً لأسباب أمنية، كما فعلوا ذلك عندما اعترف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة الاحتلال على الجولان في 2019.

يُذكر أن إسرائيل تحتل معظم هضبة الجولان السورية منذ حرب يونيو 1967، وتواصل توسيع سيطرتها على أراضٍ إضافية في المنطقة، مستغلة الأوضاع في سوريا، وهو وضع لا يعترف به المجتمع الدولي ويثير قلقاً بشأن توسع الاحتلال إلى لبنان.

بينما عنونت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تقريرها عن المنظمة أن أعضائها عددهم قليل جدًا، إلا أن بعض التقارير الإسرائيلية الأخرى تشير إلى أنه لا ينبغي الاستخفاف بحركة الاستيطان في لبنان.

أشارت ناتاشا روث رولاند، الباحثة في شؤون اليمين الإسرائيلي المتطرف، إلى أن المستوطنين تمكنوا على مدى العقود الماضية من تحقيق مكاسب سياسية من خلال الضغط على حكومة الاحتلال من أقصى اليمين، مما أجبرها على تقديم تنازلات. وفي هذا السياق، أشار محللون إسرائيليون إلى أن دمج مجموعات متطرفة مثل “أوري تسافون” في التيار السياسي الرئيسي قد يكون أكثر جدوى مما يبدو، حيث قال المؤرخ الإسرائيلي عكيفا إلدار: “هكذا بدأت حركة الاستيطان، بزرع بذور تحولت إلى غابة”. بالإضافة لذلك، صارت هذه الأفكار الاستيطانية تكتسب زخماً وسط الإسرائيليين بعد الحرب الحالية.

وبالاساس، يتماشى هذا النهج مع الحلم الصهيوني بإقامة “إسرائيل الكبرى”، المستند إلى ما يدعيه اليهود بأنه وعد إلهي لسيدنا إبراهيم -عليه السلام- بمنحه أراضي تمتد بين نهري العريش والفرات. ويُستخدم هذا الادعاء لتبرير الاستيطان والتوسع على حساب أراضي الفلسطينيين

حلم صهيون”، خريطة “إسرائيل الكبرى” في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون – جامعة كورنل

كما وثق الكاتب أسعد زروق في دراسة حول “الفكر الاستعماري الصهيوني”، أن أول رئيس وزراء للاحتلال، ديفيد بن غوريون، أعلن بشكل صريح أن حدود فلسطين الانتدابية ليست سوى البداية. ففي أحد خطاباته قال: ” إن خريطة فلسطين الحالية إنما هي خريطة الانتداب، وللشعب اليهودي خريطة أخرى يجب على شباب اليهود أن يحققوها وهي خريطة التوراة التي جاء فيها: وهبتك يا إسرائيل! ما بين دجلة والنيل”.  كما أكد بن غوريون في عام 1952 أن “الدولة قامت على جزء فقط من أرض إسرائيل”، ما يعكس جوهر الأيديولوجية الصهيونية التي تتجنب إسرائيل التحدث عنها علنًا لتجنب الانتقادات الدولية، لكنها تبقى الدافع الأساسي وراء مشاريع التوسع والاستيطان.

استراتيجية المنظمة: “المستوطنات تغير الحدود”

ترى منظمة “أوري تسافون” أن تحقيق رؤيتها يتطلب غزو جنوب لبنان بعد هزيمة حزب الله، وتعتبر الاستيلاء على الأرض وطرد السكان اللبنانيين أساسًا لنجاح مشروعها. وكما صرح بن آشير، أحد مؤسسي المنظمة، خلال مؤتمرها: “النصر الحقيقي في الشرق الأوسط هو الاستيلاء على الأرض”، مشددًا على ضرورة نزع السكان اللبنانيين كخطوة حتمية.

تتبنى المنظمة نموذجًا استيطانياً أكثر تطرفًا من الضفة الغربية، حيث تنتقد الأخيرة باعتبارها “نموذجًا ضعيفًا” لأنها وفقاً لبن آشير “تتجاهل مشكلة جيوسياسية أساسية: الوجود الهائل للسكان العرب، وهو أمر لم يقترح زعماء المستوطنات حلاً له حقاً. إنها نقطة عمياء استراتيجية”. بدلاً من ذلك، تروج “أوري تسافون” للنموذج الاستيطاني الذي طبقه الاحتلال في مرتفعات الجولان، حيث تم تطهير المنطقة عرقيًا من معظم سكانها السوريين بعد احتلالها في حرب 1967، وحققت إسرائيل من خلاله السلام والأمن للاحتلال، و ظلت الحدود مع سوريا هادئة لمدة خمسين عاماً وفقًا لزعم بن آشير.

وقد أشار قادة المنظمة في رسالة على تطبيق واتساب إلى أن احتلال الجولان كان “الأكثر جرأة” في تاريخ الاحتلال لأنه تم خارج نطاق حدود الانتداب البريطاني، وكان يسكنه مئات القرى السورية. يرون أن ما حدث في الجولان يمكن تكراره في جنوب لبنان، كما أوضح المحامي نير تسفي، الذي يعتبر أن إنشاء “المستوطنات يمكن أن يغير الحدود”

يشير تسفي إلى نموذج مستوطنة “مروم جولان”، التي بدأت بمبادرة فردية وصغير، حيث “صعد عدد قليل من الناس إلى مرتفعات الجولان وأسسوا [مستوطنة] مروم جولان”.  وبعد ما يقرب من 15 عامًا، ضمت الحكومة الإسرائيلية رسميًا مرتفعات الجولان، وبعد حوالي أربعة عقود من ذلك، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان (وهو الموقف الذي أكدته مؤخرًا إدارة بايدن).

بالنسبة للمنظمة، فإن “استيطان لبنان ليس حلمًا بعيدًا”، بل يتطلب الصبر والتنفيذ الممنهج، مستعينة بالمثل الشهير لمؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل. “كل ما تحتاجه هو الصبر.”

المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية

شاهد أيضاً

أيرلندا – نرى تاريخنا بعيون الفلسطينيين .. ونتحدى إسرائيل في دعم فلسطين؟

“نرى تاريخنا بعيون الفلسطينيين”، لم تكن هذه الكلمات لرئيس وزراء أيرلندا السابق ليو فاراكدار أمام …