منذ عقود طويلة٬ كانت الوحدة 8200 تعد العمود الفقري لمنظومة الاستخبارات الإسرائيلية، حيث تختص بالتجسس الإلكتروني وجمع الإشارات وتحليل البيانات. ولعبت دورًا محوريًا في العديد من عمليات التجسس والاغتيالات ومتابعة الخصوم لوقت طويل جداً. ومع ذلك، بعد السابع من أكتوبر 2023، شهدت الوحدة ما وصفه مسؤولون سابقون بأنه “أسوأ أزمة في تاريخها”، وذلك نتيجة الضربة القاضية التي وجهتها المقاومة الفلسطينية، والتي كشفت ضعف هذه الوحدة في التنبؤ والإعداد لمثل هذه الهجمات.
والوحدة 8200 هي أكبر وحدات الاستخبارات الإسرائيلية وأهمها، وتُعرف أحيانًا بـ”وحدة SIGINT الإسرائيلية”. تهدف إلى جمع وتحليل المعلومات عبر وسائل تكنولوجية متقدمة، بدءًا من اعتراض المكالمات والرسائل إلى اختراق الشبكات الإلكترونية للخصوم. كما أنها مسؤولة عن تقديم الدعم الإلكتروني للعمليات العسكرية والسياسية، وتعمل كجزء حيوي من الهيكل الأمني الإسرائيلي.
ما حجم الضرر الذي تعرضت له أكبر وأهم وحدات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية 8200؟
- ذكر مراسل موقع “أكسيوس” الأمريكي باراك رافيد، استنادًا إلى تصريحات ثلاثة ضباط استخبارات إسرائيليين سابقين، أن الوحدة 8200 تواجه “أسوأ أزمة في تاريخها” عقب هجوم “طوفان الأقصى؛ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
- يرى هؤلاء الضباط أن الوحدة تعاني من نقص في المهارات الاستخباراتية الأساسية، مما يجعلها عرضة لفشل جديد إذا لم تُعالج المشكلات الحالية.
- وصف الضباط تعيين أوري ستاف قائدًا للوحدة مؤخراً بأنه “استمرار لذكرى الفشل”. وأضافوا أن ستاف، الذي شغل منصب نائب القائد السابق يوسي شاريئيل لمدة ثلاث سنوات الذي استقال بعد عملية طوفان الأقصى، ليس لديه الخبرة الاستخباراتية المطلوبة، إذ ركز على الجانب التقني دون تطوير الجانب الاستخباراتي الذي تحتاجه الوحدة الآن.
- وقال أحد كبار المسؤولين السابقين، إن القائد الجديد للوحدة أوري ستاف فشل في التأثير على قائد الوحدة السابق يوسي شارييل، “ولم يوقف الغباء الذي أدى إلى الكارثة”.
- وذكر الموقع أن الضباط السابقين الثلاثة اتفقوا على أنه رغم أن ستاف تدرج في المناصب التقنية داخل الوحدة، إلا أنه ليس رجل استخبارات، وهو ما تحتاجه الوحدة في الوقت الحالي، مشيرين في الوقت نفسه إلى أنه ظل نائبا لرئيس الوحدة السابق على مدى 3 سنوات، ومن ثم فهو مشارك في اتخاذ القرار والإخفاقات التي أدت إلى الفشل.
- يقر هؤلاء المسؤولين أن الوحدة 8200 تعرضت لضربة قاسية جداً وغير مسبوقة٬ وأضافوا أنه من أجل التغلب على الفجوة في مجال الاستخبارات، سيكون من الضروري تعيين نائب قائد يأتي من مجال الاستخبارات، خصوصا أن “هناك حاجة لإعادة بناء الوحدة من الصفر تقريباً”.
- يعتقد المسؤولون السابقون أنه سيكون من الضروري تشكيل فريق استشاري من جنود الاحتياط ذوي الخبرة في مجال الاستخبارات الذين سيعملون بشكل وثيق مع قائد الوحدة ونائبه وقائد مركز المخابرات في عملية إعادة التأهيل.
طوفان الأقصى وجه ضربة قاضية للوحدة 8200
- الهجوم الذي قادته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023 كان بمثابة صدمة مدوية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية. تمكنت المقاومة من تنفيذ هجوم مفاجئ واسع النطاق دون أن تتمكن الوحدة 8200 من التنبؤ أو تقديم تحذيرات مسبقة. اعترف خبراء استخبارات إسرائيليين وأمريكيين بأن هذا الفشل كان غير متوقع بالنظر إلى قدرات الوحدة العالية في التجسس والتحليل.
- فشلت الوحدة في التنبؤ بهجوم طوفان الأقصى الذي تمكن خلاله مقاتلو كتائب القسام من اختراق قاعدة أوريم العسكرية في النقب التي تعد مركز التجسس الإسرائيلي على العالم، والسيطرة على مستوطنات في غلاف غزة لساعات، وقتل وأسر العديد من الجنود الإسرائيليين. كما استولت المقاومة على وثائق حساسة وأجهزة استخباراتية عالية القيمة. هذا الإخفاق تسبب في استقالة “يوسي شاريئيل” بعد إقراره بالمسؤولية الشخصية عن الهجوم.
- في 12 سبتمبر/أيلول الماضي، أبلغ يوسي شاريئيل رئيس الأركان هرتسي هاليفي، استقالته من منصبه بعد مسؤوليته عن الإخفاقات الاستخباراتية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما قبلها.
- وتداولت منصات عبرية خطابا منسوبا لقائد الوحدة 8200، يؤكد فيه استقالته قائلا: “في 7 أكتوبر فشلت في مهمتي.. اليوم بعد الانتهاء من التحقيقات الأولية، أود أن أمارس مسؤوليتي الشخصية وأسلم القيادة إلى من بعدي”.
- على الرغم من الحرص على أن تكون هوية قائد الوحدة سرية، إلا أن صحيفة الغارديان البريطانية استطاعت كشف هوية قائد الوحدة في تقرير لها نشر في أبريل/نيسان 2024 في حادثة تعد “هفوة أمنية مُحرجة”، للقائد الاستخباراتي الذي استقال لاحقاً.
- وقالت الصحيفة إن مدير الوحدة يوسي سارييل ترك هويته مكشوفة على الإنترنت إثر نشره كتابا على موقع أمازون عام 2021 باسم مستعار وهو “العميد واي إس” كما هو متعارف عليه عادة. إلا أن النسخة الإلكترونية منه حملت حساب “غوغل” خاص أنشئ باسمه وبيانات البطاقة الشخصية وروابط لخرائط الحساب وملفات أخرى.
- وأكدت الصحيفة حينها أن “يوسي سارييل” هو المؤلف السري لكتاب “فريق الآلة البشرية”، الذي يقدم فيه رؤيته لكيفية تغيير الذكاء الاصطناعي العلاقات بين العساكر والآلات الحربية. وقد ألف سارييل الكتاب بإذن من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بعد أن كان باحثا زائرا في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية في واشنطن.
- وأوضح الجيش الإسرائيلي في السادس من أبريل/نيسان 2024 في بيان نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية أن كشف الكتاب للتفاصيل الشخصية لسارييل “خطأ”، مبينا “أنه سيسعى للتأكد لمنع تكرار حالات مشابهة في المستقبل”.
- وبيّن تقرير صحفي إسرائيلي أن سارييل أصبح رئيسا للاستخبارات في القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي عام 2017، ثم ترقى ليقود الوحدة 8200.
- وكثير من الأفكار التي نشرها سارييل في كتابه تبنتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إذ لوحظ تطبيق كثير منها في الحرب التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
المقاومة ضربت قلب الوحدة 8200
- تعد قاعدة أوريم العسكرية “يَرْكون” التي اخترقتها المقاومة يوم السابع من أكتوبر٬ من أهم المنشآت للتجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية لدى الاحتلال الإسرائيلي، وهي مقر عمل الوحدة 8200 التي تعد أبرز وحدات المخابرات العسكرية الإسرائيلية، وموقعها في مدينة هرتسيليا شمال تل أبيب.
- لعب موقع هذه القاعدة -في منطقة تماس بين قارتي آسيا وأفريقيا- دورا في إمكانية رصد اتصالات وإشارات على نطاق واسع تخص دول المنطقة٬ حيث تعد أوريم من أكبر القواعد المخصصة للتنصت في العالم، كما أشارت صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” الفرنسية في تقرير قبل سنوات٬ إلى أن هذه القاعدة قادرة على مراقبة كافة وسائل التواصل بما فيها المكالمات والبريد الإلكتروني وغيرها، في دول الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا.
- على الرغم من قدرة القاعدة و”نجاحاتها المتعددة”، فإنها أخفقت في معرفة تفاصيل وتجهيزات كتائب القسام لعملية طوفان الأقصى التي فاجأت الاحتلال الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ دخل مقاتلو كتائب القسام هذه القاعدة السرية، وقتلوا من فيها، وأخذوا منها ملفات استخباراتية وأجهزة غاية في الحساسية.
- وعرف مقاتلو القسام كيفية العثور على هذه القاعدة السرية من بين عدة قواعد بجوارها، ثم تمكنوا من التنقل والوصول بالضبط إلى البوابة الخلفية للقاعدة والتي كانت فارغة، ونجحوا بالانسحاب من الموقع بعد انتهاء مهمتهم فيه وإجهازهم على عدد من قوات الاحتلال.
ما أوجه القصور الهيكلية لدى الوحدة 8200؟
- كشف تقرير نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” بعد السابع من أكتوبر أن قادة الوحدة اجتمعوا في اليوم التالي للهجوم، حيث تبادلوا الاتهامات حول المسؤولية. وأشار إلى أن الوحدة تأثرت بقرارات سابقة لتقليص عدد الموظفين وتعليق الأنشطة أثناء الليل وعطلات نهاية الأسبوع، مما جعلها غير نشطة على حدود غزة وقت وقوع الهجوم.
- بيّن التحقيقات أن ضابطة من الوحدة حذّرت رؤساءها قبل الهجوم بشهر بوجود مخطط لتسلل جماعي من غزة، لكن هذا التحذير أُهمل نظرًا لتكرار تحذيرات سابقة لم تتحقق. وفي شهادات حديثة بثتها القناة 12 الإسرائيلية، أكدت مراقبات قرب الحدود أنهن أبلغن عن تحركات مريبة قبل الهجوم، لكن المسؤولين تجاهلوا هذه التنبيهات. وبرر القادة تصرفهم بأنه منذ 12 شهرا حذر الضباط في الوحدة من سيناريوهات مشابهة ولم يحدث شيء، لذا لم يتفاعل أحد مع التنبيه الأخير.
- واستذكرت عدة تقارير إسرائيلية ما حدث في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، حين فشلت الوحدة في التنبؤ بالتخطيط للهجوم الذي أعدت له الدول العربية على “إسرائيل”.
الوحدة 8200.. تاريخ وأزمات
- يعود تأسيس الوحدة 8200 إلى ثلاثينيات القرن العشرين خلال الانتداب البريطاني، وجرى تطويرها بعد عام 1948 لتصبح إحدى الركائز الأساسية للاستخبارات الإسرائيلية.
- لعبت الوحدة دورًا محوريًا في حروب عدة، مثل اعتراضها مكالمة بين جمال عبد الناصر وملك الأردن عام 1967، كما قالوا إنهم اعترضوا اتصالا هاتفيا بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والمجموعة التي اختطفت السفينة الإيطالية (أكيلي لاورو) عام 1995. لكن الوحدة أخفقت أيضًا في توقع هجمات كبيرة، مثل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
- يقول القائمون على قاعدة “أوريم” إنهم استطاعوا اختراق المفاعلات النووية الإيرانية بإطلاق فيروس “ستوكسنت”، وهو من الفيروسات الإلكترونية الأكثر شهرة، ويرتبط بتخريب البنية التحتية.
- وهذا البرنامج من النوع المعروف بـ”دودة الحاسوب”، وهي برامج قائمة بذاتها لا تعتمد على غيرها صنعت بهدف تدمير وسرقة بيانات مستخدمي شبكة الإنترنت، أو إلحاق الضرر بهم. وتتميز هذه البرامج بسرعة الانتشار وصعوبة التخلص منها، بسبب قدرتها على التلون والتناسخ والمراوغة.
- واليوم٬ تواجه الوحدة تحديات جديدة تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي وتأثيره على العلاقات بين العسكريين والتكنولوجيا. قائدها السابق، يوسي شاريئيل، ألف كتابًا تناول هذه القضايا، لكن الكشف عن هويته تسبب في أزمة أخرى أضافت مزيدًا من الضغوط والحرج على الوحدة.
- تشير التوصيات في لجان التحقيق التي تم تشكيلها مؤخراً إلى ضرورة إعادة هيكلة الوحدة من الصفر، مع التركيز على تعزيز القدرات الاستخباراتية بدلًا من الاعتماد المفرط على التكنولوجيا وحدها. يُتوقع أن تستمر الانتقادات والمراجعات لتحديد مسؤوليات القيادة عن الإخفاقات الأخيرة، وضمان عدم تكرارها في المستقبل.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية