المستشار الألماني أولاف شولتس
عندما اجتاحت أزمة الديون القارة الأوروبية عام 2010، كانت اقتصادات دول مثل إسبانيا واليونان والبرتغال على شفا الانهيار التام، ولولا تدخل ألمانيا آنذاك لإنقاذها لربما انهارت اقتصادات أوروبا بالكامل. كانت ألمانيا، وما زالت، محرك أوروبا الاقتصادي ومركزها الصناعي الأول، والدفة التي توجه سياسات القارة العجوز.
ولكن، يبدو أن ألمانيا اليوم تعيش ظروفاً مغايرة تماماً؛ إذ تدخل هي نفسها في نفق اقتصادي مظلم، فيما بات اقتصادها، الأكبر في أوروبا، على مشارف انكماش للعام الثاني على التوالي، مما يبدد الآمال بتعافٍ اقتصادي يعتمد على الاستهلاك الداخلي. ومع هذا المشهد القاتم، تتعرض الساحة السياسية في ألمانيا لعدم استقرار حاد، بعد أن أقال المستشار أولاف شولتس وزير المالية، مما تسبب في انهيار التحالف الحكومي الهش، ودفع وزراء الحزب الليبرالي إلى الانسحاب من الحكومة، لتجد البلاد نفسها مهددة بانتخابات مبكرة مع مطلع العام المقبل.
في ظل هذه الأزمات المتشابكة، تبدو الآمال في الخروج من الأزمة ضئيلة، خصوصاً مع تعقيدات سياسية واقتصادية وعسكرية تتفاقم يوماً بعد يوم، فهل ما يحدث هو بداية مسار تراجع يصعب الرجوع عنه؟ أم أن ألمانيا قادرة على تخطي أزمتها كما فعلت تحت قيادة أنجيلا ميركل في الماضي؟
ألمانيا في عهد ميركل؟
في عام 1999، وصفت صحيفة “الإيكونوميست” ألمانيا بلقب “رجل أوروبا المريض”، إذ كانت البلاد حينها تواجه أزمة اقتصادية خانقة. وعندما تولت أنجيلا ميركل منصب المستشارة في 2005، كانت ألمانيا على حافة ركود يهدد استقرارها، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل خمسة ملايين، وعانت الميزانية من عجز تجاوز 94 مليار دولار، أي ما يعادل 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزاً بذلك المعايير الأوروبية.
بدت ميركل، التي عُرفت بتحفظها وخجلها، كخيار غير متوقع لقيادة تغيير جريء، إلا أنها اتبعت نهجاً غير تقليدي منذ البداية. ففي خطوة جريئة، خفضت الضرائب على الشركات من 25% إلى 12.5%، رغم حاجة الاقتصاد الملحة إلى كل يورو لسد العجز الضخم. كانت هذه الخطوة بمثابة مقامرة على استنهاض الاقتصاد من خلال تحفيز القطاع الخاص وزيادة جاذبية ألمانيا للاستثمارات، ما أثبت لاحقاً أنه نهج ناجح ساعد في تحويل البلاد من اقتصاد مترنح إلى عملاق أوروبي جديد.
إذ كان يعرف أن الاقتصاد الألماني يعتمد بشكل كبير على ما يعرف بالألمانية “الميتلشتاند” أي الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد الألماني. ففي عام 2015، كانت هذه الشركات توظف حوالي 61% من القوى العاملة وتساهم بنصف قيمة الإنتاج المحلي.
فأسهمت خطوة ميركل في تخفيض الضرائب حينها، إلى جانب إصلاحات أخرى، في تحفيز الاستثمارات بشكل لافت، مما أدى إلى تضاعف الإيرادات الضريبية وقلص العجز في الميزانية بشكل كبير من 94 مليار دولار إلى 9 مليارات فقط خلال عامين.
وعندما ضربت الأزمة المالية العالمية في 2008، كانت ألمانيا قادرة على الصمود، حيث خصصت 500 مليار دولار لإنقاذ بنوكها. وفي 2010، في وقت كانت اقتصادات أوروبا تتعثر تحت وطأة الديون وشبح الإفلاس، حققت ألمانيا بقيادة ميركل أعلى معدل نمو منذ توحيد البلاد بعد سقوط جدار برلين، بل وساعدت بعض دول الاتحاد الأوروبي على تجنب الإفلاس، على الرغم من الانتقادات التي واجهتها ميركل في تلك الدول بسبب سياساتها التقشفية المشروطة.
وقد أثمرت سياسات ميركل الاقتصادية عن إنجازات ملموسة في بلادها، إذ تمكنت من تخفيض معدل البطالة إلى أكثر من الثلثين ورفعت الناتج المحلي الإجمالي من 2.8 تريليون دولار إلى 3.8 تريليون دولار، لتضع ألمانيا كرابع أقوى اقتصاد في العالم.
على الصعيد السياسي، كانت ميركل تحظى بتقدير واسع على المستوى الإقليمي والعالمي إلى حد كبير، فقد حافظت على توازن دقيق في علاقات ألمانيا مع كل من روسيا والصين، رغم عضوية بلادها في حلف الناتو وقيادتها للاتحاد الأوروبي.
إذ سمحت لروسيا أن تكون منفذاً لتزويد ألمانيا بالطاقة الرخيصة، مع غض الطرف عن بعض سياساتها التوسعية، على أمل الحد من طموحات الكرملين. أما الصين، فقد جعلت منها شريكاً تجارياً رئيسياً، مما أثمر عن ازدهار في التجارة والاستثمارات، رغم ذلك تطالها الكثير من الانتقادات التي تتهمها بإفراطها في توطيد تلك العلاقات التي ربما قد ساهمت في تقوية الاقتصاد الصيني وتسريب التكنولوجيا المتقدمة لبكين، بالإضافة للاعتماد الكبير على الطاقة الروسية والتي أدى انقطاعها إلى أزمة كبيرة الآن.
كانت ميركل بالنسبة لكثير من مواطنيها، نموذجاً للاعتدال والاستقرار والواقعية البراغماتية، وهي صفات جعلت سياستها ملاذاً آمناً للبلاد خلال الأزمات المتعاقبة. من أزمة منطقة اليورو إلى أزمة المهاجرين، وحتى جائحة كورونا، استطاعت ميركل تجاوز كثير من التحديات التي هددت بلادها.
لكن مع رحيلها، تركت ميركل ألمانيا في مواجهة تحديات غير مسبوقة، فإلى جانب الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، تواجه البلاد صعوداً لليمين المتطرف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وحكومة ائتلافية هشة تبدو عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة داخلياً وخارجياً. ومع التغيرات في المشهد العالمي و عودة دونالد ترامب للرئاسة الأميركية، باتت ألمانيا ومن ورائها أوروبا أمام مستقبل مربك وإرادة سياسية ضعيفة.
ألمانيا اليوم.. رفاهية على المحك
بعد مرور عقدين من الزمن، وتحديداً في عام 2023، أعادت صحيفة “الإيكونوميست” وصف ألمانيا بأنها “رجل أوروبا المريض”، ولكن هذه المرة بصيغة تساؤل، مما يثير التساؤلات حول قدرة ألمانيا على تجاوز تحدياتها الراهنة كما فعلت تحت قيادة أنجيلا ميركل. غير أن الوضع يبدو اليوم أشد تعقيداً؛ فألمانيا تواجه مزيجاً من الأزمات الداخلية والخارجية التي تضغط بشدة على اقتصادها ونظامها السياسي.
ففي هذا العام، قدمت كبرى المعاهد الاقتصادية الألمانية تقريراً قاتماً يتوقع انكماش الاقتصاد الألماني، ما يؤشر لتغير جذري في حالة الرفاه التي طالما تمتع بها الألمان. فووفقاً لبعض التقارير الاقتصادية، يعاني الاقتصاد الألماني من ركود يتجلى في أزمات تصيب كبرى الصناعات، خاصةً قطاعي السيارات والكيماويات، وهما عمودا الاقتصاد الألماني.
أزمة صناعة السيارات: الصين تهز عرش الصناعة الألمانية
تمثل صناعة السيارات المصدر الرئيسي للصادرات الألمانية، حيث ساهمت في عام 2022 بنسبة 15.4% من إجمالي الصادرات. ومع ذلك، تواجه شركات السيارات الكبرى، مثل فولكسفاغن وأودي ومرسيدس وبي إم دبليو، تحديات كبيرة.
فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة فولكسفاغن، التي تُعتبر واحدة من أكبر مشغلي العمالة في البلاد بـ650 ألف موظف، عن تراكم إنتاج يزيد على 500 ألف سيارة غير مباعة. وقد صرح رئيس الشركة بأن ألمانيا تشهد تراجعاً في القدرة التنافسية على الصعيد العالمي، خصوصاً أمام الصين، التي أصبحت السوق الأكبر والأكثر نمواً للسيارات الكهربائية.
لم يقتصر تراجع صادرات ألمانيا على السوق الصينية فحسب، بل شهدت الصين تقدماً مذهلاً، إذ ارتفع تصديرها للسيارات من أقل من مليون سيارة قبل عام 2020 إلى 2.5 مليون سيارة في عام 2022، متفوقةً لأول مرة على ألمانيا في عام 2023.
وهذا التقدم السريع للصناعة الصينية أضر بالصادرات الألمانية، والتي كانت تصل في 2017 إلى أكثر من 4 ملايين سيارة. والأكثر من ذلك، بدأت الصين تنافس ألمانيا داخل السوق الأوروبية، مما دفع شركة “سيكست” الألمانية، لتأجير السيارات، لطلب شراء 100 ألف سيارة من الشركة الصينية BYD.
ولا تقتصر الأزمة على قطاع السيارات فقط؛ إذ تواجه الصناعات التقليدية الألمانية تهديدات جديّة بالانكماش أو حتى الاختفاء. فوفقاً لتقرير نشرته DW الألمانية، تعاني صناعة الكيماويات – أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الألماني – من صعوبات متزايدة، حيث لم يعد أكبر مجمع كيميائي في أوروبا، BASF، والذي يعد أيضاً الأكبر إنتاجاً في العالم، مربحاً كما كان في السابق. هذه التحديات دفعت الشركة إلى إغلاق عدة مصانع داخل ألمانيا، في محاولة لتقليص الخسائر الناجمة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وانقطاع الإمدادات الرخيصة من الطاقة التي كانت تصل من روسيا.
لماذا هذا التراجع المخيف للصناعة في ألمانيا؟
أدت الحرب الأوكرانية إلى انقطاع إمدادات الغاز الروسي الرخيص، الذي كان داعماً رئيسياً للصناعة الألمانية لعقود، مما أرهق الصناعات الألمانية بشكل كبير. و الحلول البديلة، مثل الغاز المسال ومصادر الطاقة الأخرى، باتت تثقل كاهل الاقتصاد الألماني نتيجة ارتفاع التكاليف، ما أدى إلى تضخم عام وزيادة في أسعار الطاقة. ووفقاً لتقرير أخر من DW، فإن محاولة ألمانيا التحول إلى الطاقة النظيفة واتباع معايير صديقة للبيئة أضافت تكلفة أخرى، إذ زادت تكاليف الإنتاج، وأثرت على تنافسية المنتجات الألمانية في الأسواق العالمية.
بالإضافة لذلك، ذكر معهد روبرت كوخ للدراسات أنّ ألمانيا تعاني منذ سنوات من نقص حاد في اليد العاملة في مختلف قطاعات الحياة، وأنّ هناك أسبابا مختلفة لهذا النقص فكثير من الألمان غير مقتنع بفكرة الإنجاب، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الشيخوخة، حيث أن واحداً من كل خمسة أشخاص في ألمانيا يزيد عمره عن 66 عاماً، مما يكهل الميزانية و يهدد مدفوعات صندوق التقاعد في البلاد، بالإضاف إلى هجرة عدد كبير من الألمان والاستقرار في بلدان أخرى مثل إسبانيا أو سويسرا و أميركا.
ولمواجهة تحدي نقص اليد العاملة، اتجهت ألمانيا إلى الاستفادة من خبرات اللاجئين الذين وصلوا منذ عام 2015، حيث أسهموا وأبناؤهم في سد بعض الفجوات في سوق العمل. ورغم ذلك، تظل ألمانيا بحاجة إلى المزيد من العمالة، وهي حاجة قد تغطيها الهجرة. لكن تزايد شعبية حزب “البديل” اليميني المتطرف يثير قلق المجتمعات المهاجرة والأقليات في البلاد؛ فالحزب يروج في برامجه الانتخابية لسياسات تهدف إلى تقييد الهجرة وتعزيز الهوية القومية التقليدية، مما يهدد بزيادة التمييز والعنصرية.
وقد أظهرت نتائج الانتخابات الإقليمية الأخيرة صعودًا غير مسبوق لليمين المتطرف منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خاصة في الولايات الشرقية التي تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية. هذا التحول في ميول الناخبين يطرح تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية والتعايش الاجتماعي في ألمانيا، فضلاً عن تأثيره على سياسات الهجرة والاندماج.
إضافةً إلى ذلك، حذّر خبراء اقتصاديون من أن تفاقم قوة اليمين المتطرف قد يزيد من أزمة نقص العمالة الماهرة في شرق البلاد، مما قد يدفع الشركات إلى نقل أعمالها خارج المنطقة. ففي تقرير لـ DW، أشار رئيس اتحاد النقابات العمالية في ساكسونيا إلى أن التطرف اليميني كان في تزايد مستمر لسنوات، مما يعقد من معالجة أزمة العمالة. كما أوضح أنه مع تقاعد نحو 300 ألف عامل في ساكسونيا خلال السنوات العشر المقبلة، ستتسع فجوة العمالة، ما يستدعي الاعتماد على العمالة الماهرة الأجنبية، بجانب توظيف الرقمنة في مجالات أخرى لسد هذا النقص.
وربما تواجه ألمانيا تحديًا اقتصاديًا متزايدًا يتمثل في احتمالية تدهور علاقاتها التجارية مع دول الشرق الأوسط، لا سيما الدول العربية، نتيجة مواقفها الداعمة للاحتلال. فرغم الانتقادات المتزايدة، أكد المستشار الألماني مراراً استمرار التزام بلاده بتزويد الاحتلال بالأسلحة والذخائر، مما يجعلها ثاني أكبر مورد للأسلحة للاحتلال الإسرائيلي بعد الولايات المتحدة. مما قد يهدد مستقبل العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية، التي تعتبر سوقًا حيوية للمنتجات والمشاريع الألمانية.
ففي عام 2023 بلغ حجم التبادل التجاري بين ألمانيا والدول العربية نحو 62 مليار يورو، إلى جانب استثمارات عربية في ألمانيا تصل قيمتها إلى 100 مليار يورو، مما يجعل هذه العلاقات الاقتصادية ذات أهمية استراتيجية لكلا الطرفين. وفي حال اطلاق حملات مقاطعة شعبية ضد المنتجات والشركات الألمانية في الدول العربية، قد يضيف ذلك أعباء اقتصادية جديدة إلى التحديات التي تواجهها ألمانيا.
أعباء الناتو وعودة ترامب
إضافة إلى الأزمات الاقتصادية الداخلية، تعاني ألمانيا من ضغوط خارجية مرتبطة بكلفة الحرب الأوكرانية والتوترات الأمنية المتصاعدة في أوروبا. فقد وجدت ألمانيا نفسها مضطرة إلى زيادة إنفاقها العسكري تماشياً مع التهديدات الأمنية وتلبية لمتطلبات حلف الناتو التي بلغت 2% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. يُعزز هذا القرار مخاوف برلين من احتمالات تراجع التزام الولايات المتحدة بالحلف، خاصةً بعد عودة دونالد ترامب إلى السلطة وتهديداته السابقة تجاه الناتو، حيث كان قد هدد بتقليص دعم واشنطن للحلف إن لم تلتزم الدول الأعضاء بزيادة إنفاقها الدفاعي.
تشكل هذه العوامل ضغطاً إضافياً على ألمانيا، إذ تُجبرها على إعادة توزيع الموارد من دعم القطاعات الحيوية إلى تعزيز الإنفاق العسكري، في وقت تواجه فيه البلاد أصلاً تحديات اقتصادية وصناعية كبرى، مما يعمّق الأزمة ويزيد من تعقيد مسار الحل.
هل يمكن حل هذه الأزمة؟
إيجاد حل لأزمة ألمانيا الحالية يبدو معقداً ويواجه صعوبات حقيقية، خاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية المتشابكة. تشير التقارير إلى أن الطريق نحو التعافي قد يكون صعب للغاية، خصوصاً مع التوترات السياسية التي باتت تعصف بالمشهد السياسي داخل ألمانيا نفسها، مما يزيد من تعقيد الحلول الاقتصادية.
إذ تصاعدت الخلافات داخل الحكومة الألمانية الائتلافية، ما أسفر عن إقالة وزير المالية كريستيان ليندنر من قبل المستشار أولاف شولتس، في خطوة تعكس حجم الانقسام الحاصل في برلين.إذ تعود جذور هذه الخلافات إلى طبيعة الائتلاف غير المسبوق في البلاد، الذي يجمع بين ثلاثة أحزاب ذات توجهات مختلفة: الحزب الديمقراطي الاجتماعي، والحزب الديمقراطي الحر، وحزب الخضر.
يبرز الانقسام حول عدة محاور رئيسية، منها:
السياسات الاقتصادية: يدعو الحزب الديمقراطي الحر إلى سياسات تقشف وتخفيض الإنفاق الحكومي للسيطرة على العجز، بينما يدعم كل من الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر زيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية والبنية التحتية. هذا التباين ظهر جلياً في الخلاف حول كيفية تمويل خطط دعم الطاقة للأسر والشركات لمواجهة الارتفاع الحاد في التكاليف نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وهي خطة تم تفعيلها مرات عدة منذ بدء النزاع.
السياسات البيئية: يمثل حزب الخضر قوة دافعة لتحقيق أهداف بيئية طموحة، تهدف إلى الحد من الانبعاثات وتحويل الاقتصاد نحو مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن هذه السياسة تواجه معارضة من الحزب الديمقراطي الحر، الذي يخشى من تأثيرها على الصناعات التقليدية وارتفاع تكاليف الإنتاج. من أبرز نقاط الخلاف هذا العام قرار تقليل الاعتماد على الفحم ووقف إنتاج السيارات العاملة بالوقود التقليدي بحلول 2030، وهي خطة تواجه اعتراضاً من قبل شركات السيارات الألمانية التي ترى فيها تهديداً لمستقبلها.
سياسات الهجرة: هناك انقسام حاد حول سياسات الهجرة، حيث يدعم كل من الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر نهجاً أكثر انفتاحاً، في حين يدعو الحزب الديمقراطي الحر إلى تشديد السياسات المتعلقة بالهجرة واللجوء. وبرزت هذه التباينات بشكل واضح في النقاش حول استقبال اللاجئين من مناطق النزاع مثل سوريا وأوكرانيا، حيث يرى الديمقراطي الحر أن تدفق اللاجئين قد يضيف عبئاً على الاقتصاد الألماني في ظل الظروف الحالية.
أزمة دستورية حول القروض والسياسات المالية
أحد الملفات التي عمقت الانقسام داخل الحكومة الألمانية هو الجدل حول دستورية الميزانية، إذ قضت المحكمة الدستورية بعدم جواز الاعتماد على القروض بشكل مفرط، وهي سياسة اعتادت ألمانيا الالتزام بها لعقود. هذه المسألة وضعت المستشار شولتس ووزير المالية المقال ليندنر في مواجهة مباشرة، حيث يتبنى ليندنر سياسة مالية محافظة تستند إلى ضبط الدين العام، بينما يدعو شولتس إلى سياسة أكثر مرونة تتيح استخدام القروض لدعم الاقتصاد في مواجهة الأزمات.
تواجه ألمانيا تحديات متشابكة تجعل إيجاد حل سريع أمراً صعباً. فإلى جانب الخلافات السياسية الداخلية، هناك عقبات خارجية مثل ارتفاع تكاليف الطاقة، وتأثير الحرب الأوكرانية، وتنامي المنافسة الصينية في الصناعات الكبرى، بالإضافة إلى عودة ترامب التي ربما تبشر بمفاجآت غير سارة للقارة الأوروبية بأكملها.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية