يواصل الاحتلال الإسرائيلي لليوم الـ15 على التوالي، الإطباق على منطقة شمال قطاع غزة، حيث أغلق كافة المنافذ الرئيسية بالآليات والسواتر الترابية، وعزل المنطقة عن مدينة غزة، تحت قصف دموي مستمر ونسف للبيوت فوق رؤوس ساكنيها.
ومع منتصف ليلة السبت، بدأ جيش الاحتلال توغلاً جديداً ضمن عمليته العسكرية البرية المتواصلة شمال قطاع غزة التي وسعت نطاقها تل أبيب الجمعة بالدفع بلواء “جفعاتي” لتعزيز قواتها في المنطقة المحاصرة منذ 15 يوماً.
وفي السبت، أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة، استشهاد أكثر من 400 فلسطيني، بينهم أطفال ونساء ومسنين وإصابة مئات، خلال 15 يوماً من الإبادة الإسرائيلية لشمال القطاع.
فيما أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية، انقطاع الإنترنت بشكل كامل عن محافظة شمال قطاع غزة.
محافظة شمال غزة هي أحد المحافظات الخمسة في قطاع غزة، وتضم مدينة جباليا ومدينة بيت لاهيا ومدينة بيت حانون، ومدينة الشيخ زايد، بالإضافة إلى تجمعات ريفية وهي قرية أم النصر، عزبة بيت حانون، مشروع العلمي، تل الزعتر، الفالوجا، وبئر النعجة.
وتصل مساحة شمال قطاع غزة إلى 62 كم مربع، وتشكل نحو 17% من إجمالي مساحة قطاع غزة، وهي غنية بالمناطق الزراعية،ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني كانت مساحة الأراضي الزراعية في شمال غزة حوالي 34 ألف دونم للعامين 2020-2021.
تعرضت المنطقة منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للعدوان البري في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشهدت توغل آليات الاحتلال، التي دمرت عشرات آلاف المنازل، والمحاصيل الزراعية، لا سيما في بيت حانون وبيت لاهيا.
كيف بدأ اجتياح شمال قطاع غزة؟.. خريطة توضيحية
بدأ الاجتياح الثالث لجباليا، في 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث أعلن جيش الاحتلال بدء العدوان، بذريعة منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة، بينما يرى المراقبون أن ما يجري هو تطبيق لخطة الجنرالات.
لكن سبق هذا الإعلان الإسرائيلي، هجمات شرسة على المناطق الشرقية والغربية للمنطقة ذاتها، تعد هي الأعنف منذ مايو/أيار الماضي.
واستكمالاً لذلك، أمر جيش الاحتلال المواطنين الذين يقدر عددهم بنحو 300 ألف فلسطيني، بإخلاء بلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا بالكامل، والتوجه جنوباً عبر ما يسمى “الممر الآمن”.
مصادر ميدانية أكدت لـ”عربي بوست”، أن آليات الاحتلال دخلت من ثلاثة محاور وهي:
- محور الشيخ زايد شمالاً
- محور شرق تل الزعتر والإدارة المدنية شرقاً.
- محور الفالوجة ومنطقة القصاصيب غرباً.
وقبل الدخول البري في منطقة شمال قطاع غزة، قام الاحتلال بحجب المساعدات الإنسانية والاحتياجات الأساسية عن المواطنين الذين يقدر عددهم بـ 300 ألف ، بنحو أسبوعين، وعليه فقد استخدم سلاح التجويع قبيل البدء بالهجوم البري.
ما هي القوات المشاركة في اقتحام شمال قطاع غزة؟
تشرف الفرقة 162 الإسرائيلية على العمليات في شمال قطاع غزة، وتحديداً منطقة جباليا، منذ العدوان الإسرائيلي على المنطقة.
وهي فرقة مدرعة نظامية في الجيش الإسرائيلي، وتتبع لقائد المنطقة الجنوبية، وتضم العديد من الألوية والكتائب.
بحسب إعلان جيش الاحتلال في بداية العملية، فإن الألوية القتالية المدرعة 401، و460 تعملان ضمن الفرقة 162 ضد شمال قطاع غزة.
ولكن الاحتلال الإسرائيلي أعلن في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2024، عن انضمام لواء غفعاتي إلى الفرقة 162، في إطار توسيع عمليته العسكرية.
حيث أصبحت الألوية المدرعة 401 و460 في وضع إسناد لكتيبة “روتم” (كتيبة استطلاع خاصة)، التابعة للواء غفعاتي الذي ما زال ينشط مقاتلوه في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
بحسب مصدر لـ”عربي بوست”، فإن استدعاء الكتيبة التابعة للواء غفعاتي، سببه اتخاذ سلطات الاحتلال قراراً بتوسيع العملية في جباليا. وعليه فإن هناك حاجة لقوة مشاة وليست قوة مدرعة كما في 401 و460 التي يصعب عليها المناورة داخل المناطق السكنية المكتظة، حيث يسهل استهدافها من عناصر المقاومة الفلسطينية.
المصدر ذاته أشار إلى أن الأهداف العملياتية للكتيبة التابعة للواء غفعاتي، في جباليا تتمثل في:
- البحث عن أسرى إسرائيليين.
- الوصول إلى عناصر وقادة المقاومة.
- الوصول والبحث عن أنفاق للمقاومة.
- محاصرة مراكز الإيواء والتحقيق مع المواطنين.
كما أشار إلى أن السياسة العملياتية التي ينتهجها جنود الاحتلال الآن في جباليا، قائمة على تقدم قوات المشاة بإسناد من المدرعات مع كثافة نارية من المدفعية والطائرات الحربية.
ماذا حدث في الساعات الأخيرة بمحيط المستشفيات ومراكز الإيواء؟
خلال الساعات الماضية، تقدمت الآليات حتى وصلت إلى مفترق مدينة الشيخ زايد، تحديداً محيط المستشفى الإندونيسي، إلى جانب توغل من المناطق الشرقية تجاه عزبة الكحلوت ومنطقة الكرم.
يضاف ذلك إلى مناطق التوغل الأساسية في الغرب، بمناطق بئر النعجة والفالوجة ومحيطها.
بحسب مصادر ميدانية، فإن جيش الاحتلال، يحاصر حالياً أربع مدارس ونادياً رياضياً وصالة أفراح، وبعض مقار المؤسسات والجمعيات، والتي جميعها تستخدم كمراكز إيواء للنازحين في جباليا.
وقرب مراكز الإيواء وتحديداً في أحياء “الشيخ زايد” و”الرباط” و”تل الزعتر”، لا تزال عشرات العائلات محاصرة داخل منازلها نتيجة تقدم الآليات الإسرائيلية.
كما كثف جيش الاحتلال من مهاجمته للمستشفيات، حيث قصف المستشفى الإندونيسي المحاصر، وقام بهدم جزء من السور الخارجي للمستشفى.
كما تعرض مستشفى العودة لقصف مدفعي، حيث تعرضت الطوابق العليا منه للقصف، وتتجه الآليات لإطباق الحصار عليه.
وقال مدير عام وزارة الصحة في غزة، منير البرش، إن “اثنين من المرضى استشهدا في قسم العناية بمستشفى الإندونيسي بعد حصار قوات الاحتلال الإسرائيلي للمستشفى وتدمير مولد الكهرباء التي تعتمد عليه في ظل انقطاع التيار الكهربائي”.
أما بالنسبة لمستشفى كمال عدوان، فإن الاحتلال الإسرائيلي يحاول فرض حصار ناري عليه، إلى جانب تقدم ملحوظ للآليات من مفترق زايد.
وفيما يتعلق بمدارس الإيواء، فإن قوات الاحتلال ارتكبت العديد من المجازر في مدرسة أبو حسين، التي تؤوي مئات النازحين بمخيم جباليا، وتقدمت آلياته تجاه محيط المدارس الموجاورة لبركة أبو راشد.
كما اقتحم الجيش الإسرائيلي، مدرسة حلب بالقرب من دوار زايد، ونادى على المواطنين الذكور الخروج من المدرسة.
واقتحم الجيش الإسرائيلي أيضاً مدرسة فلسطين، حيث تتمركز آلياته أمام بوابة مدرسة حفصة مقابل أبو راشد بمخيم جباليا.
إلى ذلك، شنت طائرات الاحتلال ومدفعيته، غارات عنيفة على المربعات السكنية المقابلة لمدرسة الفاخورة بمخيم جباليا المحاصر، ومدرسة خليفة في منطقة الشيخ زايد بمشروع بيت لاهيا.
هل يطبق الاحتلال خطة الجنرالات في شمال قطاع غزة؟
كان موقع “وللا” العبري، ذكر سابقاً أن القيادة الجنوبية في جيش الاحتلال، تخطط منذ فترة طويلة لعملية واسعة النطاق للفرقة 162 في شمال القطاع مع التركيز على منطقة جباليا.
الموقع العبري أوضح أن هدف العملية العسكرية في شمال قطاع غزة، هو السيطرة بشكل كامل عليها، وإذا توسعت العملية فإنه سيتم إخلاء سكان بيت لاهيا وبيت حانون بالكامل أيضاً إلى الجنوب.
كما أوضح أن العملية تهدف إلى تهجير السكان، بالإضافة إلى قتل المقاومين، وتدمير البنية التحتية لحركة حماس هناك، وإذا تَمَّت هذه الخطوات فإن الجيش سيكون قادراً على مهاجمة نشطاء حماس، بالإضافة إلى احتلال منطقة واسعة، بحسب الموقع.
ما هي خطة الجنرالات الإسرائيلية؟
ترتبط “خطة الجنرالات” باسم الجنرال غيورا آيلاند، والذي كان رئيساً سابقاً لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والذي اقترح منذ بداية الحرب بتدمير القطاع.
وفي 4 سبتمبر/أيلول الماضي، نشر “منتدى قادة ومقاتلي الاحتياط” في جيش الاحتلال “خطة الجنرالات”، وتتمثل بالتالي:
- تحويل منطقة شمالي قطاع غزة والتي تشمل المناطق الشمالية مع مدينة غزة حتى “ممر نتساريم” إلى منطقة عسكرية مغلقة.
- إصدار أوامر إخلاء للسكان الفلسطينيين البالغ عددهم نحو 600 ألف بإخلاء منطقة شمال قطاع غزة والتوجه إلى الجنوب عبر ممرات يحددها الجيش الإسرائيلي، خلال مهلة تصل إلى أسبوع.
- فرض حصار كامل على المنطقة، مع منع وصول المساعدات بما فيها الاحتياجات الأساسية لمن تبقى من السكان.
آيلاند يعتقد بأن قطع شريان الحياة لمن تبقى في شمال قطاع غزة، قد يسهم في الضغط على حركة حماس، مضيفاً أن خُطته إذا لم يتم تنفيذها، فلن يتم تحقيق أهداف الحرب المتمثلة بـ”القضاء على حماس، وإعادة الرهائن”.
وفقا للجنرال آيلاند، “فإن التجويع حتى الموت يسود الموقف، حيث يؤكد أن الصفقة الأولى في نوفمبر/2023 تكللت بالنجاح، وذلك “لأن إسرائيل أدخلت للقطاع فقط شاحنتين مساعدات يومياً”.
فيما توقعت صحيفة هآرتس، أن المرحلة الثانية لـ”خطة الجنرالات:، تتضمن استكمال السيطرة على شمالي قطاع غزة حتى ممر نتساريم.
ورأت أن نتنياهو يحلم بما قد يعتبره أنصاره إنجازاً، متمثلاً في توسيع “أراضي إسرائيل” لأول مرة منذ سنوات طويلة، وسوف يكون ذلك “نصره الكامل” على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على حد زعمه.
وتطابق الخطة مع رؤية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير وغيرهما من ساسة اليمين المتطرف، الذين طالبوا باتخاذ مثل هذه الإجراءات منذ بداية الحرب.
وفي أواخر الشهر الماضي، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش يوآف غالانت وقّعا على دراسة العمليات التي يمكن تنفيذها في غزة على أساس “خطة الجنرالات”.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان