بالفيديو – ارتفاع معدلات الفقر ينعش تجارة الأعضاء في مصر.. وسطاء ينتشرون في المقاهي وتدوينات على فيسبوك لجلب المشترين

تزايدت وتيرة ضبط عصابات تجارة الأعضاء في مصر خلال الفترة الماضية، وذلك بمشاركة وسطاء منتشرين على المقاهي في المناطق الشعبية التي تعرف غياباً أمنياً، يحاولون إغراء المواطنين بمبالغ مالية كبيرة مقابل بيع أعضائهم.

وتعد مصر أرضاً خصبة لوسطاء التجارة في الأعضاء البشرية، بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور الذي تعرفه البلاد، جراء ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار.

ويوجد في مصر أسواق لتجارة الأعضاء البشرية يشغلها الوافدون الأجانب من الدول العربية والإفريقية إلى مصر خلال السنوات الماضية، ومؤخراً ألقت الأجهزة الأمنية في مصر القبض على تنظيم عصابي يستقطب المحتاجين لشراء أعضائهم البشرية مقابل ملايين الجنيهات يحصلون عليها من التأمين الطبي.

إذ كوّن مجموعة من الأشخاص تنظيماً بمحافظة سوهاج (جنوب مصر)، واستدرجوا المواطنين المحتاجين للمال، واتفقوا معهم على إنهاء إجراء التأمين على الأعضاء، ومنها العين، والتي تصل قيمتها إلى 25 مليون جنيه، ومن ثم إتلافها طبياً، واختلاق حادثة للحصول على قيمة التأمين.

وقادت الصدفة للكشف عن العصابة عندما لاحظ أحد العاملين بمستشفى سوهاج العام، نقصاً في بعض المحاليل الطبية التي تستخدم في العمليات الجراحية، وأبلغ إدارة المستشفى التي حققت في الأمر وتوصلت إلى أن أحد الممرضين وراء سرقتها.

وكشفت التحقيقات مع الممرض عن عصابة التأمين على الأعضاء في سوهاج، واعترف الممرض باشتراكه مع آخرين في عملية إتلاف أعضاء بشرية مؤمن عليها لدى إحدى شركات التأمين على الأعضاء، للحصول على قيمة التأمين والتي بلغت للعي”ن الواحدة 25 مليون جنيه مصري، وللساق 70 مليون جنيه.

وقبل هذه الواقعة بأيام قليلة ضبطت الأجهزة الأمنية طبيب تحاليل طبية عمل على استقطاب المجني عليهم من الفقراء وإيوائهم في مساكن، تمهيداً لشراء أعضائهم بثمن بخس، في حين يحصل هو على مبلغ ضخم، عقب بيع الأعضاء لزراعتها في أجساد ذوي الملاءة المالية.

سماسرة في المقاهي

خلال هذا التقرير حاول “عربي بوست” الوصول إلى حالات وسماسرة تورطوا في عمليات تجارة الأعضاء، بمساعدة أحد الأشخاص الذي يتواجد يوميًا على أحد المقاهي الشعبية بمنطقة عين شمس بمحافظة القاهرة وهي تعد إحدى المناطق الشعبية التي يقطنها أيضًا عدد كبير من اللاجئين تحديداً الوافدين من السودان.

وكان هذا الشخص يستمع يوميًا إلى عشرات العروض التي يقدمها السماسرة للمواطنين المصريين والأجانب الذين يجلسون على المقهى، ومحاولة جذبهم نحو استئصال الكلى على الأغلب في مقابل مادي يتراوح ما بين 50 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه بحسب كل حالة.

وفي المقهى التي توجد في منطقة تعرف غياباً أمنياً، قابلنا محمد سعيد، أحد المواطنين الذي أكد لنا أنه تلقى عرضاً من ممرض يعمل بإحدى المستشفيات الخاصة، والذي أعطاه مقابل 150 ألف جنيه مقابل عملية استئصال الكلى.

وأضاف المتحدث “عربي بوست” أن الممرض طمأنه بأن العملية ستتم وفقاً لأسس طبية وبعد إجراء التحاليل اللازمة التي تضمن عدم وجود أي أضرار طبية، وبحيث تتماشى مع الحالات التي تحتاج إلى عمليات زراعة الكلى.

وقال محدثنا إن الشاب الممرض أخبره أن العمليات لا تخالف الشرع أو القانون، رغم أن قانون نقل الأعضاء يضع شروطاً للتبرع، من بينها أن يكون هناك موافقة كتابية للمتبرع، وألا يكون المستفيد من خارج نطاق الأسرة.

وأخبره الممرض الوسيط أنه سيحصل على نسبة 20% من إجمالي المبلغ قبل العملية وباقي النسبة عقب إجرائها وقدم العديد من التعهدات التي تضمن الحصول على الأموال، مضيفاً: “كان حديثه فيه ثقة لأنه يجري العملية بإحدى المستشفيات الخاصة الشهيرة”.

وأشار الشاب إلى أنه فكر في البداية الاستجابة لطلب السمسار، إذ إنه بحاجة ماسة للمال لظروفه الاقتصادية الصعبة، وراتبه لا يتجاوز 5000 جنيه (100 دولار شهرياً)، وهو مبلغ غير كافٍ للإنفاق على والدته أو الزواج، والمبلغ قادر على أن يساعده على فتح مشروع خاص به.

لكن ما دفع المتحدث للتراجع هو أن أحد الذين أجروا عملية استئصال كلى نصحه بعدم إجراء العملية، مشيراً إلى أنه يعاني أوضاعاً صحية صعبة منذ أن استأصلها إذ أصيب بفشل كلوي والتهاب في الرئة جعله طريح الفراش إلى جانب تكبده عناء عمليات الغسيل الكلوي بشكل مستمر.

وبعدما لمس فيه الممرض الوسيط التردد، أخبره أن المقابل يمكن أن يرتفع إلى 300 ألف جنيه للعملية، وهو ضعف المبلغ الذي قدمه في البداية، لكن بعدما حاول الاستفسار عن الموضوع، أشار إلى أن السمسار قام بإغرائه مالياً لجذبه نحو إجراء العملية وعرض عليه مبلغ 300 ألف جنيه أي ضعف ما قام بعرضه في البداية لكنه رفض أيضًا.

ويوضح الشاب ذاته أن ما يقرب من عشر أفراد من القاطنين قرب المقهى أجروا بالفعل عمليات خلال العامين الماضيين، وأنه يمكن التواصل مع أي منهم للتأكد من عدم وجود أخطار.

مشيراً إلى أن الفحوصات والتحاليل المطلوبة تُجرى بواسطة إحدى المعامل التابعة للمستشفى ولا يتكلف بها المريض، ويتم التجهيز لإجراء العملية خلال أسبوع إلى أسبوعين على الأكثر ويحصل المريض على قيمة العضو كاملة بعد يومين من إجراء العملية.

فيسبوك للبحث عن متطوعين

وتنتشر تدوينات للعديد من المصريين على مواقع وصفحات فيسبوك من الراغبين في بيع أعضائهم بسبب الحاجة المادية، أو الراغبين في شراء أعضاء بشرية لهم أو لذويهم بمقابل مادي، كما أنه من اللافت قيام بعض السودانيين الذين يتواجدون في مصر أيضًا بعرض أعضائهم للبيع.

وقال مصدر مطلع بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن غالبية التدوينات التي يتم رصدها تكون لشباب في سن يتراوح ما بين 17 و35 عاماً، ويتحدث هؤلاء عن معاناتهم من توفير النفقات ويعرضون بيع كلاهم إما لتسديد الديون أو عدم القدرة على الإنفاق على الأسرة والرغبة في افتتاح مشروع جديد، أو عدم القدرة على دفع قيمة السكن، وهذا الشق الأخير يتعلق بالسودانيين الذين يعرضون بيع كلاهم.

وأضاف أن الردود على هذه التدوينات تأتي في الغالب من بعض المرضى بدول الخليج، أو الوسطاء ثم يكون التواصل بينهم بعيداً عن التدوينات العلنية، وفي المقابل يعلن البعض عن حاجته إلى الكلى أو الكبد أو القرنية وغيرها من الأعضاء بحثًا عن إمكانية توفيرها عبر مواقع التواصل وفي تلك الحالة دائمًا ما يدخل السماسرة على خط هذه الطلبات للحصول على نسبتهم مقابل توفير الحالات.

وأشار إلى أن غالبية التدوينات تأتي من مناطق عشوائية أو شعبية في القاهرة أو في المحافظات والمراكز الفقيرة، ولا يكون لدى الساعين في بيع أعضائهم رغبة في التعرف على الآثار الجانبية لتلك العمليات وتكون الرغبة في الحصول على المال أقوى في الأغلب من أي تحذيرات.

وارتفعت معدلات الفقر في المجتمع المصري، بحسب تصريحات سابقة لوزيرة التضامن الاجتماعي السابقة نيفين القباج قبل ثلاث سنوات حيث أشارت إلى أن عدد الأسر الفقيرة بلغ 8.5 ملايين أسرة، وتضم قرابة 31 مليون فرد.

وتوقعت دراسة مستقلة أجريت قبل عامين أن يرتفع مستوى الفقر في مصر إلى 35.7%، في عام 2022/2023، وذكرت الدراسة التي أعدتها مستشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هبة الليثي، أن نسبة الفقر بلغت 33.7% في 2022 في حين كانت النسبة 31.1% في 2021 ارتفاعاً من 29.7% وفق آخر إحصاء رسمي في 2020.

وزادت وتيرة ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، حيث قفز معدل التضخم لإجمالي الجمهورية إلى 40.3% على أساس سنوي في سبتمبر من العام الماضي، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وقال مصدر مطلع بنقابة الأطباء المصرية، إن ضعف الإجراءات الحكومية في التعامل مع عمليات استئصال الأورام وتمددها كان سببا في منح التراخيص لفتح مستشفيات خاصة تكون في الأغلب مشبوهة وتستهدف تحقيق أرباح غير شرعية، الأمر الذي ساهم في تمدد تجارة الأعضاء البشرية.

كما أن القانون يعاني كذلك قصوراً لأنه لا يُوضح بالتفصيل الإجراءات القانونية التي تضمن عملية نقل الأعضاء بصورة شرعية، هذا بالإضافة إلى عدم اهتمام مافيا بيع الأعضاء بالإجراءات القانونية الضعيفة بالأساس نظير ما يحصل عليه الأطباء المخالفون والسماسرة من مبالغ هائلة.

وأشار المصدر ذاته، إلى أن نقابة الأطباء طالبت بتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم نقل الأعضاء، والفصل بينها وبين القوانين المنظمة لزراعة الأعضاء، غير أن الحكومة لم تستجب لهذه المطالب دون سبب مقنع.

لافتًا إلى أن النقابة طالبت بإعدام من يتورط في مثل هذه الجرائم التي لا تقل خطورة عن القتل وقد تؤدي إلى الوفاة لكن هناك قناعة بأن المؤبد يكفي في حال ثبوت الاتجار في الأعضاء البشرية وقاد ذلك إلى وفاة المريض.

وذكر المصدر نفسه أن غالبية عمليات الاتجار بالأعضاء لا تتم من خلال أشخاص توفوا بالفعل لأن هناك إقبالاً من جانب المواطنين الأحياء الساعين لبيع أعضائهم ويكون ذلك أكثر طلبًا لمسايرة الغلاء المعيشي الذي تعرفه مصر.

مشيراً إلى أن نقابة الأطباء تقوم مباشرة بشطب أي طبيب يتورط في مثل هذه الجرائم إلى جانب العقوبة الجنائية التي يُعاقب بها الطبيب، مطالبًا بضرورة تشديد الرقابة من جانب الجهات الأمنية والمحلية على الأطباء الذين يكتفون بإجراءات عمليات نقل الأعضاء دون الحصول على موافقة اللجنة التي تتشكل من وزارة الصحة ونقابة الأطباء والطب الشرعي بوزارة العدل، والاكتفاء بموافقة المتبرع والذي كثيراً ما يكون هناك استغلال لحالته.

وشن القانون المصري عقوبات مشددة على من يقوم بالاتجار بالأعضاء البشرية تتراوح العقوبة ما بين السجن المشدد وغرامة 500 ألف جنيه، والسجن المؤبد والغرامة مليون جنيه، فضلًا عن عقوبات إدارية توقع على المستشفيات والأطباء، كما يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه كل من نقل عضواً بشريًا بما يندرج تحت الاتجار بالأعضاء.

كشفت دراسة صدرت عن منظمة الصحة العالمية أن مصر تعد مركزاً إقليمياً للاتجار بالأعضاء البشرية، وصُنفت ضمن أعلى خمس دول على مستوى العالم في تصدير الأعضاء البشرية مع كل من الصين، والفيليبين، وباكستان، وكولومبيا، وهي الأولى على مستوى الشرق الأوسط.

وفي العام 2022، وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بإنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا داخل المدينة الطبية الجديدة في معهد ناصر، بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة بهدف إنشاء منظومة متكاملة، تشمل قاعدة بيانات لعمليات الزرع، والمرضى، والمتبرعين.

توافد اللاجئين فاقم الأزمة

وذكر مصدر حقوقي مهتم بأوضاع اللاجئين، أن توافد ما يقرب من 9 ملايين لاجئ ووافد عربي وأجنبي إلى مصر خلال السنوات الماضية دفع إلى أن تصبح مصر أحد الأوجه البارزة لمافيا تجارة الأعضاء حول العالم.

وأضاف المصدر نفسه في تصريح لـ”عربي بوست” أن صعوبات الهجرة والنزوح دائما ما يصاحبها الرغبة في توفير المال بكافة السبل الممكنة، وهو ما انعكس على تزايد حالات استئصال الأعضاء بخاصة من السودانيين والصوماليين والإريتريين والإثيوبيين، وهؤلاء يشكلون عنصراً لجذب سماسرة تجارة الأعضاء.

وأوضح أن مقاهي بعينها في القاهرة الكبرى وتحديداً في منطقة أرض اللواء بالقرب من وسط القاهرة معروفة بوجود هؤلاء بحثًا عن اللاجئين تحديداً، وأن بعض اللاجئين يلجؤون إلى مفوضية اللاجئين أو الأجهزة الشرطية للشكوى من وجود هؤلاء، فيما ينجذب الجزء الأكبر منهم لدفعهم نحو إجراء عمليات الاستئصال، لافتًا إلى تراجع عمليات سرقة الأعضاء التي كانت منتشرة في السابق مع إقدام اللاجئين والمواطنين عليها.

وفي مايو/ أيار 2024، ضبطت الأجهزة الأمنية بمحافظة بورسعيد، سيدة كانت تعتزم تخدير طفلها من أجل استخراج أحشائه وأعضائه الداخلية، وبيعها لمافيا الاتجار بالأعضاء البشرية، بعد أن تواصلت الأم مع أشخاص على مواقع “الدارك ويب”، وطلبوا منها تصوير طفلها وهو عارٍ تماماً، وإرسال فيديوهات وصور له مقابل الحصول على أموال طائلة، وقامت الأم بإعطاء نجلها جرعة زائدة من المخدر، ثم ألقي القبض عليها.

وفي العام 2021 تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط عصابة مكونة من 10 أشخاص من بينهم 3 أطباء وموظفة بأحد معاهد الكلى وموظف في معمل خاص وممرض بمستشفى خاص، قامت بأكثر من 100 عملية سرقة أعضاء بشرية، واستقطبت أشخاصاً راغبين في التبرع بأعضائهم من خلال إعلانات نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقبلها تمكنت هيئة الرقابة الإدارية من ضبط أكبر شبكة دولية للاتجار بالأعضاء البشرية، تضم 41 متهماً، منهم 12 طبيباً، و8 ممرضين وعدد من أساتذة الجامعة والوسطاء، الذين تمكنوا من تحقيق ثروات طائلة من خلال تلك العمليات غير المشروعة.

وتستغل الشبكة، التي تضم مصريين وعربًا، الظروف الاقتصادية لبعض المصريين للاتجار في الأعضاء مقابل مبالغ مالية زهيدة في حين يحصلون على مبالغ مالية باهظة وبيعها للمرضى المصريين والأجانب بملايين الجنيهات وإجراء تلك الجراحات في أماكن غير مرخص لها.

المصدر – وكالات عالمية

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …