بدأ الجيش السوداني قبل أيامٍ، ما أطلق عليه “هجوم الخميس”، بهدف تحرير المدن التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وذلك في عملية عسكرية واسعة شملت مدن ولاية الخرطوم الثلاث، الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري”.
شارك في هذه العملية العسكرية قوات برية وجوية وبحرية، واستطاع الجيش السوداني خلالها السيطرة على بعض المناطق التي كانت خاضعة لقوات الدعم السريع، كما استطاع عبور جسور النيل الأبيض والفتيحاب والحلفايا التي تربط أم درمان مع الخرطوم والخرطوم بحري.
الجيش السوداني من قلب الخرطوم بعد هروب قوات الدعم السريع pic.twitter.com/4PMo8tHEQ9
— خبرني – khaberni (@khaberni) September 26, 2024
في هذا التقرير نرصد خريطة التطورات الجديدة في المشهد السوداني وكذلك إلى أين توقفت الحرب الدائرة بين الجيش وبين قوات الدعم السريع.
لماذا أطلق الجيش السوداني العملية العسكرية في هذا التوقيت؟
تقترب فترة الأمطار الموسمية التي استمرت ثلاثة أشهر من نهايتها في السودان، وقد أدت الأمطار إلى تحول أجزاء من الريف إلى طين، وغمرت الأنهار الموسمية (الوديان)، مما أعاق حركة السير على الطرق الوعرة. وأدى هذا إلى هدوء في أنشطة القتال منذ يوليو/تموز 2023، باستثناء المناطق الحضرية.
ومع جفاف الأرض، من المتوقع أن تشتعل المعارك، وهو ما حدث بالفعل إذ أطلق الجيش السوداني، عمليته التي أطلق عليها البعض اسم “هجوم الخميس”، من أجل تحرير مدن ولاية الخرطوم.
ويجب الإشارة إلى أنَّه في العام الماضي، تزامنت بداية موسم الجفاف (أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول) مع معارك كبيرة في نيالا، وزالنجي، وبليلة، وجبل أولياء، والجنينة (أردمتا)، وود مدني – وكلها أسفرت عن انتصارات لقوات الدعم السريع.
بعد 17 شهراً من القتال، تسيطر قوات الدعم السريع الآن على منطقة بحجم السويد أو العراق تقريباً، ناهيك عن مناطق صحراوية شاسعة في الشمال حيث تستطيع الحركة بحرية. وتمتد سيطرتها من الحدود التشادية في الغرب إلى الخرطوم في الوسط، وإلى الحدود الإثيوبية عند محمية الدندر الوطنية في الجنوب الشرقي.
وفي الوقت نفسه، تراجعت القوات المسلحة السودانية، بقيادة عبد الفتاح البرهان إلى بورتسودان، بعد أن فقدت السيطرة على معظم العاصمة. واقتناعًا منها بأن الأسلحة الجديدة والمجندين الجدد سوف يقلبون مجرى الحرب في نهاية المطاف، قاطعت محادثات وقف إطلاق النار التي ترعاها الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية.
ماذا حدث في هجوم الخميس؟
شَنَّ الجيش السوداني هجومًا مفاجئًا من أم درمان على الخرطوم مؤمنًا موطئ قدم في منطقة المقرن في الجزء الشمالي الغربي من المدينة، وهاجمت قوات القوات المسلحة السودانية، التي ارتدت عصابات الشهداء الخضراء، التي تعكس طبيعة العملية عالية الخطورة، جِسرين، جِسر النيل الأبيض (الفيلق الطبي) وجِسر الإنقاذ، المعروف أيضًا باسم جِسر الفاتح.
وفي الوقت نفسه، شَنَّت قوات الجيش في الخرطوم بحري وأجزاء أخرى من الخرطوم هجمات تحويلية، فيما قصفت القوات الجوية منطقة المقرن وأحياء أخرى.
لا يفصل الخرطوم عن أم درمان سوى مئات الأمتار، لكن الجيش احتاج إلى حوالي عام ونصف العام للدخول إليها في حرب مدن تعتمد أحد أهم تكتيكاتها على التمركز في البنايات العالية وقصف أي هدف متحرك، وهذا ما تفعله قوات الدعم السريع بالتحديد في مناطق سيطرتها.
في بحري، التي عبر الجيش إليها أيضًا من أم درمان عبر جسر الحلفاية، حققت قواته أحد أكبر تقدمه منذ اندلاع الحرب، وتمكنت من ربط قواتها القادمة من أم درمان مع تلك الموجودة في بحري. فيما أعلن الجيش السوداني سيطرته على كامل منطقة الكدرو، التي يربطها شارع المعونة مع مدينة بحري القديمة حيث يوجد مقر سلاح الإشارة التابع للجيش.
وفي أقصى شمال بحري، تقدم الجيش والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة نحو مصفاة الخرطوم (الجيلي)، كما استطاعت الفرقة الثالثة مشاة بولاية نهر النيل استعادة السيطرة على منطقة حجر العسل القريبة من بحري مساء الجمعة.
منطقة المقرن غرب الخرطوم
إثر عبور القوات، أصبحت منطقة المقرن الاستراتيجية غربي الخرطوم ساحة لأشرس المواجهات العسكرية، والتي قد تصبح نتيجتها حاسمة في ربط الجيش لقواته القادمة من أم درمان مع نظيرتها الموجودة في مقر القيادة العامة للجيش، ما قد يسفر عن واقع عسكري جديد في مركز العاصمة الحيوي.
عملية الجيش البرية التي شارك فيها لواءان، والمدعومة من الطيران الحربي والمُسيرات والمدفعية الثقيلة الموجهة، حوّلت منطقة المقرن التي تضم أكبر وأعلى بنايات الخرطوم ومن ضمنها بنك السودان المركزي، إلى ساحة مواجهات عنيفة حيث تصاعد الدخان فوق سمائها طيلة نهار الخميس.
الوصول إلى كوبري الفتيحاب
انطلقت عملية الجيش العسكرية الأكبر في الخرطوم حين انطلقت قواته من داخل مقر سلاح المهندسين في أم درمان، وصولًا إلى كوبري الفتيحاب الذي يعد جزءًا من محيط منطقة أم درمان العسكرية، لتتوغل إلى داخل مقر سلاح الاستراتيجية العسكرية الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع.
وقد توغلت قوات الجيش إلى قلب السوق العربي الواقع في محيط القصر الرئاسي، بالإضافة إلى مناطق متاخمة لمحيط ميدان جاكسون، وهي المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع.
وتعد منطقة قلب الخرطوم التي وصلت إليها قوات الجيش هي المنطقة الاستراتيجية التي تقع ما بين القيادة العامة وم منطقة الشجرة العسكرية.
أما في مدينة بحري شمالي الخرطوم، فإن معارك ضارية وقعت في المدينة التي تسيطر عليها الدعم السريع على أجزاء واسعة منها، خاصة الأجزاء الشرقية والشمالية الشرقية، بالإضافة إلى مناطق مجاورة لحي شرق النيل، وطول الشريط النيلي المطل على أم درمان.
واستغلت قوات الدعم السريع وجودها على ضفاف النيل في قصف مدينة أم درمان، ما أسفر عن مقتل 50 مدنيًا بين يومي 19-25 سبتمبر / أيلول 2024.
الجيش تمكّن من فتح محاور متعددة بالمدينة شملت أحياء: الكدرو والدروشاب والسامراب ونبتة، فيما وصل السبت 28 سبتمبر/ أيلول 2024، إلى منطقة الحلفايا على بعد عدة كيلومترات من “سلاح الإشارة” بعدما التحمت قواته القادمة من أم درمان بالقوات الموجودة في بحري.
وفي محور الجيلي، أقصى شمالي بحري، استطاع الجيش التوغل حوالي 15 كيلومترًا جنوبًا تجاه مصفاة الخرطوم للبترول (الجيلي)، والتي تسيطر عليها “الدعم السريع”.
قوات الجيش السوداني دمرت مطار نيالا
لجأت قوات الجيش السوداني في هذه الاشتباكات إلى قصف مطار نيالا الدولي، وهو أحد البنى التحتية الحيوية للأنشطة المدنية والحكومية ممّا تسبب القصف في إلحاق أضرار جسيمة بمرافق المطار.
وجاء الهجوم بعد يومين فقط من تقارير عن هبوط طائرة مجهولة لتسليم إمدادات عسكرية لقوات الدعم السريع التي تسيطر على المدينة.
وذكرت عدّة من وسائل الإعلام المحلية خلال نهاية الأسبوع أن طائرة شحن من طراز إليوشن IL-76 روسية الصنع هبطت في مطار نيالا وبقيت على الأرض لمدة ساعة وربع الساعة قبل المغادرة.
ومن الممكن أن يؤدي تدمير المطار إلى إعاقة قدرة قوات الدعم السريع على تلقي الإمدادات والتعزيزات في الوقت الذي تتنافس فيه المجموعة شبه العسكرية على الاستيلاء على الفاشر.
لكن المطار لم يكن قيد الاستخدام منذ أبريل/نيسان 2023، باستثناء الطائرة الغامضة التي هبطت يوم السبت. وتخضع معظم مناطق دارفور لسيطرة قوات الدعم السريع، كما أُغلقت المطارات في مختلف أنحاء المنطقة، رغم وجود مناقشات بشأن إعادة فتحها أمام حركة النقل الإنساني.
فك حصار منطقة كادرو
في الوقت نفسه سيطرت القوات المسلحة السودانية على جسر آخر على نهر النيل وتقدمت إلى حي حلفايا في الخرطوم بحري وانضمت إلى القوات المتقدمة من كدرو. وتنهي العملية بشكل فعال حصار منطقة كادرو العسكرية، مما يسمح بتعزيز هذا الجيب وإعادة تزويده بالإمدادات.
وبثت وسائل الإعلام العسكرية مشاهد لجنود ما يسمى بـ “جيش كرري” في أم درمان وهم يهتفون ويعانقون جنود “جيش كادرو” في الخرطوم بحري. وجيش القوات المسلحة السودانية في أم درمان أكثر عدّة وأفضل تسليحاً من جيش كادرو، لذا فإن توحيد القوتين يشكل تطوراً كبيراً.
أين يتمدد الجيش السوداني الآن في مقابل وجود قوات الدعم؟
يجب الإشارة إلى أن منطقة المقرن وسط الخرطوم تشهد مواجهات عنيفة بين الجيش والدعم السريع حيث تمكن خلالها الجيش من:
- السيطرة على مقر البنك المركزي وبعض المؤسسات الحكومية المحيطة بعد أن عزز وجوده في دائرة نصف قطرها عدة كيلومترات، وبرج الساحل، الذي كان يتمركز فيه قناصة من قوات الدعم السريع، ما أدى إلى إبطال فعاليته.
- المعارك لا تزال مستمرة مع تراجع الدعم السريع إلى منطقة السوق العربي، وأصبح الجيش قريبًا من الوصول إلى القصر الجمهوري.
- فيما تواصل قوات الجيش السوداني التقدم شرقًا باتجاه قاعة الصداقة، وجنوبًا نحو المناطق الإستراتيجية الواقعة جنوب شرقي نفق الاستاد، الذي يُعتبر نقطة محورية وسط العاصمة السودانية.
- تمكنت القوات العسكرية في أم درمان، التي عبرت جسر النيل الأبيض، من السيطرة على منطقة المقرن شرقًا وصولاً إلى مسجد الشهيد شمالًا، وجنوبًا حتى وزارة الاستثمار.
- بالتزامن مع المعارك الدائرة في منطقة المقرن ومحور جسر الفتيحاب الذي يربط بين شرق أم درمان وغرب العاصمة، كثف الجيش السوداني من غاراته الجوية على مواقع قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم، بهدف تعزيز تقدمه العسكري في المنطقة.
- في محور بحري، تمكن الجيش من إحكام سيطرته على منطقتي أزرقياب والحلفايا، وأعلن سيطرته على منطقة الكدرو شمالي الخرطوم.
- سيطرة الجيش السوداني على قاعدة عسكرية تتبع لقوات الدعم السريع في ولاية شمال دارفور، وتكبيدها خسائر في الأرواح والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى أسر العشرات من الجنود.
- القوات المشتركة الموالية للجيش السوداني تمكنت من تحرير قاعدة بئر مزة، التي تبعد نحو 28 كيلومترًا شمال مدينة كتم بولاية شمال دارفور.
- قاعدة بئر مزة كانت مركزًا لتجميع وتدريب المقاتلين القادمين من خارج السودان، إضافة إلى أنها كانت مركزًا رئيسيًّا لإيصال الوقود والأسلحة من الحدود الشمالية الغربية للسودان مع دولتي ليبيا وتشاد.
- قوات الجيش فرضت سيطرتها الكاملة على الحدود الثلاثية التي تجمع السودان وليبيا وتشاد، ودمرت كل القواعد والارتكازات الرئيسية لقوات الدعم السريع في مناطق الصحراء الكبرى مثل “وادي هور، وادي أمبار، بئر مرقي” وغيرها.
تواجد قوات الدعم السريع:
يسيطر الدعم السريع على مناطق كثيرة من العاصمة الخرطوم، وكذلك واصلت قوات الدعم السريع السيطرة على المواقع الاستراتيجية في وسط الخرطوم، بما في ذلك مقار الوزارات الحكومية.
يسيطر الدعم السريع على المعمل القومي للصحة العامة (إستاك).
يسيطر الدعم السريع على منطقة الكدرو.
قوات الدعم السريع تسيطر على منطقة مدرسة عون الشريف قاسم في الحلفايا بمدينة بحري.
الدعم السريع يسيطر على جسور النيل الأبيض، الفتيحاب، والحلفايا.
خلفية الحرب في السودان
يجب الإشارة إلى أن السودان ذهب إلى الحرب بعد فشل العملية السياسية. وقد تفجرت الحرب في الثالث عشر من أبريل / نيسان 2023 حينما قال الجيش السوداني إنّ تعبئة قوات الدعم السريع تنطوي على خطر حدوث مواجهة. وبعد يومين، اندلعت اشتباكات بين الجانبين في الخرطوم ومدن أخرى.
بعدها في 21 أبريل/ نيسان 2023: تزايد عدد السكان الفارين من الخرطوم بسرعة مع تصاعد الضربات الجوية التي نفذها الجيش والاشتباكات الإضافة إلى عمليات النهب في العاصمة. كما هرع الدبلوماسيون والوافدون إلى المطارات والحدود ومناطق إخلاء أخرى في الأيام والأسابيع التالية.
أما في 20 مايو/ أيار 2023: اتفق طرفا الصراع في محادثات عقدت في جدة على وقف لإطلاق النار لمدة سبعة أيام، لكن القتال لم يتوقف. ولم تفلح المفاوضات بوساطة سعودية وأميركية في تسوية الصراع.
كذلك وفي يوليو/ تموز 2023: توسع نطاق الصراع ليشمل منطقة دارفور غرب البلاد التي تمكنت فيها قوات الدعم السريع من تحقيق المزيد من المكاسب في الأشهر التالية. كما اتهمت قوات الدعم السريع وميليشيات عربية موالية لها بارتكاب عمليات قتل بدوافع عرقية في ولاية غرب دارفور.
أما في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2023: حذرت الأمم المتحدة من أن الأسر في مناطق الصراع قد تواجه ظروفاً مماثلة للمجاعة في 2024، حيث يحتاج نحو 30 مليوناً، بما يشكل نحو ثلثي سكان البلاد، إلى مساعدات وهو ضعف العدد قبل الحرب. كما تزايدت التحذيرات من احتدام الأزمة الإنسانية في الأشهر التالية.
تلى ذلك في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023: انسحب الجيش مع تقدم قوات الدعم السريع للسيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. وسيطرت قوات الدعم السريع بشكل كبير على الخرطوم المجاورة وكل منطقة دارفور تقريباً وأغلب ولاية كردفان، بينما سيطر الجيش على الشمال والشرق بما يشمل الميناء الرئيسي للبلاد على البحر الأحمر. كما قالت الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن الجانبين ارتكبا انتهاكات خلال المعارك.
في حين أنه في 12 مارس/ آذار 2024: قال الجيش إنه سيطر على مقر هيئة البث الرسمية في أم درمان المقابلة للخرطوم في إطار أكبر تقدم يحققه على قوات الدعم السريع منذ أشهر. وقال مصدرها إن طائرات مسيرة إيرانية الصنع ساعدت الجيش في ترجيح كفة الصراع لصالحه.
كذلك في التاسع من أبريل / نيسان 2024: وصل القتال إلى ولاية القضارف الزراعية التي كانت تنعُم قبل ذلك بالهدوء ويحتمي فيها ما يصل إلى نصف مليون نازح.
حتى وصل الوضع في السودان إلى 26 سبتمبر/ أيلول 2024، حيث أعلن الجيش السوداني عن عملية “هجوم الخميس” على تمركزات قوات الدعم السريع في الخرطوم وما حولها من مدن هامة من أجل العمل على تحرير البلاد من سيطرة قوات الدعم السريع.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية