الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني.. استعمار يقود العالم إلى الهاوية

في عالم يزداد اضطراباً وفوضوية، يبدو أن الصمت الدولي تجاه ما يحدث في غزة ليس مجرد تواطؤ، بل هو علامة واضحة على انهيار النظام العالمي الذي كان من المفترض أن يحد من العنف والتطرف. فما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد إبادة جماعية للفلسطينيين، بل ربما هو تمهيد لعصر جديد من الفوضى حيث لن يكون هناك رادع لأي قوة تتبنى قانون الغاب.

لقد ظن العالم أنه بوضع نظام دولي بعد الحرب العالمية الثانية، يستطيع كبح جماح التطرف والعنف، ويحقق نوعًا من الاستقرار عبر تنظيم المصالح والمطامع الاستعمارية من خلال بعض القوانين والمفاوضات بعيدًا عن النزاعات التي قد تشعل حروب عالمية جديدة. فقامت الأمم المتحدة ومجلس الأمن و كان يُفترض أن يكون ذلك النظام حصنًا ضد النزاعات المدمرة. إلا أن الواقع كان مغايرًا تمامًا، إذ ما زالت القوى الكبرى تفرض هيمنتها على العالم، محققة مصالحها الاستعمارية بشكل الذي تحب على حساب شعوب الجنوب المستنزفة.

وإلى اليوم، يستمر الاحتلال الإسرائيلي كأقبح أشكال الاستعمار القديم الجديد، غير مكتفٍ بنزع أراضي الفلسطينيين، فالاحتلال الإسرائيلي ليس مجرد استعمار تقليدي، بل هو استعمار إحلالي يعتمد على أساطير دينية تجعله أكثر عنفًا وتطرفًا. إذ يسعى لنزع وإبادة الشعب الأصلي بكامله، ليحل مستوطنون مكانهم، وكل ذلك بدعم من الغرب الذي يدعي التحضر ومكافحة التطرف. و هذا الدعم الغربي ليس مفاجئًا، فهو يعكس حرص تلك الدول على حماية مصالحها الرأسمالية، حتى لو كان ذلك يعني دعم الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

لكن المفارقة تكمن في أن هذا الدعم الغربي لإسرائيل يقود العالم نحو المزيد من الفوضى. فبينما تسعى هذه القوى لتثبيت ركائز النظام الدولي الذي صنعته، نجدها تدمره من الداخل بدعمها للمجازر التي يرتكبها الاحتلال. ولعل مشهد استقبال رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بتصفيق حار في الكونجرس الأمريكي، بينما يواجه اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، هو صورة صارخة لهذا التناقض. كيف يمكن للعالم أن يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان بينما يقف مكتوف الأيدي أمام المجازر في غزة ويحتفي بالقاتل؟

فالحرب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي اعترفت المؤسسات الدولية بطابعها الإبادي، لم تلقَ أي رد فعل حازم من الأمم المتحدة. و هذا الصمت الدولي ليس مجرد عجز، بل هو إشارة إلى أن العالم يوافق ضمنيًا على قانون القوة والعنف. هذا الموقف سيُذكر دائمًا كمثال على عجز النظام الدولي في حماية الأبرياء وهذه ليست المرة الأولى، لذلك سيكون له تداعيات خطيرة في المستقبل القريب.

ففي مناطق أخرى من العالم، وخاصة في أفريقيا، تظهر نتائج هذا الفشل بوضوح. عدم وجود قوة رادعة لمنع التطهير العرقي، وعجز الأمم المتحدة عن التصدي للأزمات الإنسانية بفعالية، ربما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع في مناطق النزاع النشطة والمجمدة. ومع استغلال الفجوات داخل النظام الدولي، ستزداد وحشية الدول الكبرى وأذرعها في الفتك بالمدنيين في مختلف أنحاء العالم. هذا الواقع يزيد من حالة التباعد بين الأفراد والمؤسسات على جميع المستويات، ويمهد الطريق لعالم أكثر فوضوية ودموية.

إن وحشية الاحتلال الإسرائيلي اليوم ليست مجرد حلقة في سلسلة من الجرائم، بل هي مؤشر على مستوى جديد من العنف الممنهج. حجم الدمار في غزة، والقوة التدميرية للقنابل، وعدد الضحايا المدنيين، كل ذلك يعكس مستوى من الوحشية لم نشهده من قبل، بالإضافة إلى ذلك، كلُّ تلك الوحشية تتم علناً تحت خطب دينية متطرفة يقودها نتنياهو، الذي لم يكن معروفًا بتدينه، ولكنه يستخدم الأساطير الدينية اليوم لتشجيع قواته على الفتك بالفلسطينيين.

هذه الهستيريا الدموية التي يقودها نتنياهو، والتي يتغاضى عنها الغرب، سيكون لها تداعيتها شديدة التأثير ربما في وقت ليس ببعيد، فالعالم اليوم أكثر من أي يوم مضى، يقترب من حافة الفوضى، حيث لن يكون هناك مكان للقانون أو العدالة، فالعالم لن ينسى هذا العجز، وسيُذكر دائمًا أن المؤسسات الدولية وقفت صامتة أمام جرائم الإبادة الجماعية. هذا الفشل سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع في مناطق أخرى من العالم، حيث ستستغل الدول الكبرى هذا الصمت لفرض هيمنتها بالعنف، مما قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى والانهيار للنظام العالمي الذي كان من المفترض أن يحمي الإنسانية من ويلات الحروب.

ولا أعتقد أن هناك مبالغة، إذا ما أخذنا ذلك الحدث على المدى البعيد، إذ ربما في المستقبل يمكن أن نتحدث ونحلل كيف أدى دعم الكونجرس الأمريكي المتهور لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل إلى أن يتحول العالم بسرعة إلى عالم لا يرى سوى القوة حلاً، وإلا سوف يتعرض لعدوان يشبه الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعب غزة، وسوف ينجَرّ الجميع إلى الفوضى حيث يبحثون عن حلفاء ليكونوا مدججين بالسلاح. أو على الأقل، سيتم سحب البساط تدريجياً من تحت هيمنة واشنطن، لتشكيل نظام سياسي دولي مماثل لنظام الأمم المتحدة، حيث يتم استبدال الولايات المتحدة الأمريكية بجهة فاعلة أخرى ترسّخ النظام ويتم تطبيق القانون الدولي، على الأقل جزئيًا.

الكاتب – زيد إبراهيم

شاهد أيضاً

أوضح الاتحاد المصري لكرة القدم حقيقة ما يتردد عن احتمال استبعاد منتخب الفراعنة من كأس …