لا تعد ظاهرة تغيير اليهود لأسمائهم جديدة، فقبل تأسيس دولة إسرائيل بعقود كان ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة، أول اليهود الذين عُرفوا بتغيير اسمهم الحقيقي، فاختار اسم بنيامين زئيف.
يُعتبر ثيودور هرتزل (بنيامين زئيف)، الأب الروحي للصهاينة، وهو الذي قاد أول مؤتمر صهيوني في بازل بسويسرا سنة 1897، والذي خرج بقرار إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وشجع على الهجرة لفلسطين.
وبعد النكبة الفلسطينية سنة 1948، وإعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، أوصت الحكومة المؤقتة لدولة إسرائيل المواطنين الإسرائيليين ذوي الأسماء الأجنبية، خصوصاً القادمين من دول أوروبا الشرقية بالتخلي عنها واتخاذ أسماء عبرية جديدة.
سهلت أول حكومة إسرائيلية عملية تغيير الأسماء الشخصية والعائلية لليهود المهاجرين إلى فلسطين، إذ كان يتم تقديم طلب إلى وزارة الهجرة (وزارة استيعاب المهاجرين قديماً)، واستشارة وزارة الثقافة لاختيار لقب مناسب مع دفع ضريبة منخفضة مرة واحدة فقط لكل أسرة.
لماذا غير اليهود أسماءهم؟
جاءت المبادرة الحكومية الإسرائيلية انسجاماً مع مخرجات المؤتمر الصهيوني الأول، الذي انتصر في تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي اعتبر أن القليل من اليهود في الشتات يحتفظون بألقاب عبرية، في الوقت الذي يحمل فيه أغلب اليهود المنتشرين في العالم حينها أسماء غربية.
وبدأت وزارة الثقافة الإسرائيلية، حسب دراسة منشورة على (Revue internationale d’onomastique) تقترح ألقاباً تبنتها الشخصيات المؤسسة لدولة إسرائيل، أو ألقاباً مشتقة من ألقاب الشخصيات البارزة حينها، وتأتي معانيها من أسماء جغرافية كالجبال ومناطق صحراوية كسيناء، بالإضافة إلى أسماء بعض الحيوانات كالذئب والأسد.
فيما اختار البعض الآخر من زعماء الحركة الصهيونية بداية القرن الـ20 التغيير إلى أسماء يسهل نطقها باللغة العبرية، مع الاحتفاظ بالأحرف الأولى لألقابهم الأصلية التي هاجروا بها إلى أرض فلسطين.
أما اليهود الذين وصلوا من بولندا وألمانيا فكانوا يبحثون القطيعة مع كل ما يذكرهم ببلدهم الأصلي، الأمر الذي أدى إلى تسريع عملية عبرنة الأسماء. وكذلك فعلت الرغبة في التكيف الاجتماعي حتى قبل قيام إسرائيل.
ولعل أبرز مثال أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بن غوريون، والذي كان يدعى غرين (ربما مشتقة من كلمة غرون، التي تعني الأخضر باللغة الألمانية)، وبعد استقراره في فلسطين اختار اسم بن غوريون (ابن الشبل)، ولقد تبنى هذا اللقب مجموعة من الشخصيات الإسرائيلية بعده.
كما أن أول وزير عدل إسرائيلي بنحاس روزن كان اسمه الحقيقي فيليكس روسنبلوت وهاجر إلى فلسطين من ألمانيا واختار تغيير اسمه.
ومن بين أول الشخصيات اليهودية الذين غيروا أسماءهم عند تأسيس دولة إسرائيل العالم اللغوي الإسرائيلي والعالم في الكتاب المقدس، والذي هاجر إلى فلسطين من أوكرانيا كان يحمل اسم هاري تورزينر (Harry Torczyner) وغيره لـ”نافتالي هيرتس تور سيناي” والتي تعني (جبل سيناء) بالآرامية.
ومن الشخصيات اليهودية التي اشتقت اسمها الجديد من اللغة الآرامية، الحاخام مائير برلين (le Rabbin Berlin)، والذي غير برلين إلى بار إيلان (Bar-Ilan)، والذي تعني باللغة الآرامية ابن الشجرة.
وقد اختارت بعض الشخصيات الصهيونية تغيير أسمائهم واشتقوا أسماء جديد باللغة الآرامية، والتي تعتبر لغة بعض فصول التوراة، وتمثل اللغة الآرامية بالنسبة للغة العبرية نفس ما تمثله اللاتينية للغة الفرنسية.
كما أن بعد الصهاينة الذين تبدأ ألقابهم الحقيقية بكلمة “Gold” والتي تعني الذهب بالإنجليزية، اختاروا التغيير إلى أسماء تبدأ بـ”Gôlân” (محافظة الجولان المحتلة)، مثال: (Goldberg Goldstein, Goldschmidtà).
وبتاريخ 7 مارس/آذار 1949 اختار أول وزير خارجية للاحتلال الإسرائيلي موشيه شاريت، كما أن أول وزير الاقتصاد إليعازر كابلان غير اسمه الحقيقي الذي أتى به من أوكرانيا.
ويعتبر زونز ليوبولد مؤسس علم اليهودية، وأول من استخدم المناهج الأدبية والتاريخية الحديثة في دراسة الكتابات اليهودية في دراسته (Die)، ونادى باتخاذ الأسماء الأجنبية.
المستعربون وتغيير الألقاب
ومن بين أسباب تغيير الإسرائيليين ألقابهم الرغبة في الاندماج لأغراض أمنية قبل قيام دولة الاحتلال سنة 1948، عمدت الجماعات المسلحة لتنفيذ مخطط يهدف لاختراق المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية عموماً في المنطقة تحت اسم “المستعربين”، ممن قاموا بتهجير العديد من اليهود في الدول العربية إلى فلسطين، لا سيما في العراق.
وفي 1953 قاموا بتهجير عشرات آخرين من دول عربية أخرى للاستيطان في قرى وتجمعات سكانية فلسطينية، هؤلاء المستعربون أنشأوا عائلات عربية من خلال الزواج بنساء فلسطينيات مسلمات، وإنجاب الأطفال منهن، بهدف استمرار “عملية التمويه”، والاندماج مع العرب دون إثارة الشكوك.
حتى إن بعضهم قطع تماماً علاقته مع عائلته الإسرائيلية لفترات طويلة، وخاضوا تدريبات متنوعة تضمنت تعلم مفاهيم الإسلام وقراءة القرآن، وإتقان اللهجات الفلسطينية والعربية المحلية، وهو ما نلاحظه أحياناً مع خبراء الشؤون العربية الذين يظهرون على شاشات التلفزة.
من جهة أخرى حاول اليهود على مرّ التاريخ الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها، ففي أوروبا الغربية خلال العصور الوسطى سعى يهود الشتات (الأشكناز) للاندماج في الإمبراطورية الرومانية.
أما سفرديم، الذين طردوا من إسبانيا والبرتغال خلال القرن الـ15، واستوطنوا شمال أفريقيا وآسيا والشام، فهم أيضاً عاشوا في شمال أفريقيا في عزلة عن جيرانهم، على عكس المسيحيين.
وإلى يومنا هذا، لا يزال القانون الإسرائيلي يعطي لكل مواطن مقيم في دولة الاحتلال الحق في تغيير اسمه مرة كل 7 سنوات، وتتكلف وزارة السكان والهجرة بالعملية التقنية، شرط أن تكون الأسماء عبرية.
من بن غوريون إلى نتنياهو
خلال عملية رصد قام بها “عربي بوست” فإن جميع رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على إسرائيل منذ قيامها سنة 1948، غيروا أسماءهم الأصلية إلى أسماء تنتمي إلى المجتمع الشرقي.
دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيل وهو من أعلن قيام دولة إسرائيل، من أصول بولندية، إذ ولد في مدينة بلونسك (تابعة للاتحاد السوفييتي، واسمه الحقيقي ديفيد غرين أو ديفيد جرينز وغير اسمه لبن غوريون عندما بدأ في ممارسة حياته السياسية).
أيضاً موشيه شاريت وهو أوكراني ولد في خرسون اسمه الحقيقي حسب ما جاء في الموسوعة البريطانية هو موشي شيرتوك (يخدم)، وهاجر هو وعائلته سنة 1906 من أوكرانيا إلى فلسطين خلال فترة الانتداب العثماني.
ليفي إشكول ثالث رئيس وزراء إسرائيلي ولد في كييف بأوكرانيا وهاجر سنة 1914، اسمه الحقيقي هو ليفي إسحاق شكولينك، حسب الموسوعة البريطانية.
إيغال آلون رابع رئيس وزراء إسرائيلي اسمه الحقيقي هو إيغال بيكوفيتش، ولد في الجليل لكن والديه قدما من روسيا، وغير اسمه عند قيام إسرائيل سنة 1948.
جولدا مائير خامس رئيس وزراء إسرائيلي وهي المرأة الوحيدة التي تقلدت المنصب للآن، وهي أوكرانية من مدينة كييف، واسمها الحقيقي جولدا مابوفيتش غيرته لمايرسون نسبة لزوجها.
إسحاق رابين وهو سادس رئيس وزراء في إسرائيل، أوكراني انتقلت عائلته إلى مدينة القدس خلال فترة الانتداب البريطاني، وكان الاسم الحقيقي لعائلته هو إسحاق روبيتزوف.
مناحيم بيجِن سابع رئيس وزراء إسرائيلي ولد في روسيا البيضاء، واسمه الحقيقي هو مناحيم وولفوفيتش بيغن، وأزال الاسم الأول من اسمه العائلي.
إسحاق شامير ثامن رئيس وزراء وهو بولندي، اسمه الحقيقي هو يتسحاق يزرنيتسكي هاجر إلى فلسطين سنة 1935، وغير اسمه.
شمعون بيريز، تاسع رئيس وزراء في إسرائيل، بولندي الأصل، واسمه الحقيقي شيمون بيرسكي.
أرييل شارون أصله بولندي، والده هو شمؤول شاينرمان وهذا هو الاسم الحقيقي له، لكنه اختار تغييره لشارون، وهو اسم عائلي منتشر في إسرائيل، أما إيهود أولمرت، والذي تولى أيضاً رئاسة وزراء إسرائيل فهو من أصول روسية، ووالده هو مردخاي أولمرت، والمذكور في الموسوعة البريطانية أنه لم يغير اسمه الأصلي.
بنيامين نتنياهو بولندي اسمه الحقيقي نتنياهو ميليكوفسكي، ووالده هو بنزيون ميليكوفسكي، أما إيهود باراك فأصله ليتواني اسمه الأصلي هو إيهود بروغ.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان