كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن التحديات التي تواجه مشروع “نيوم”، الذي أطلقه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في إطار خطة تنوع الاقتصاد بعيدا عن النفط.
وقالت الصحيفة مستندا إلى وثائق داخلية لـ “نيوم” ومقابلات، إن المملكة تهدر الأموال على المشروع، كما كشف بعض العيوب الخطيرة في تصميم مدينة “ذا لاين”.
وأضافت أن المملكة لم تنفذ الكثير من خطط المرحلة الأولى في مواجهة حقيقة التكاليف في وقت تنفق فيه البلاد أكثر بكثير مما تجنيه.
وكانت السعودية تخطط لأن يعيش في “ذا لاين”، المدينة المستقبلية التي تمتد على مسافة 170 كيلومترا بين التضاريس الجبلية والصحراوية، 9 ملايين شخص.
و”ذا لاين” واحدة من 4 مناطق تابعة للمشروع الأوسع “نيوم” والذي يتوقع أن تبلغ تكلفته نحو 500 مليار دولار أمريكي.
إلا أن مسؤولين تنفيذيين في “نيوم” توقعوا أن يكون عدد السكان في المرحلة الأولى من “ذا لاين” أقل من 200 ألف نسمة، حسبما قال موظف حالي وسابق مطلع على الخطط، لـ “وول ستريت جورنال”.
إنفاق على بنية ضخمة
ومع ذلك، تنفق “نيوم” على بنية تحتية ضخمة مخصصة لملايين الأشخاص، ويشمل ذلك بناء مطار عملاق، وقطار فائق السرعة يمر عبر نفق جبلي يبلغ طوله 32 كيلومترا، ومحطات تحلية مياه ضخمة، وفق مسؤول سابق.
ورغم وصفها بأنها خالية من الانبعاثات، فقد سعت “نيوم” مؤخرا إلى الحصول على مقاولين لبناء محطتين لتوليد الطاقة بالغاز بإجمالي 800 ميغاوات لتزويد المنطقة بالطاقة، حتى يتم الحصول على مصادر طاقة صديقة للبيئة.
وفي محاولة لإظهار التقدم المحرز لولي العهد، بدأ المهندسون في وضع الأساسات لمدينة “ذا لاين” قبل عامين، حتى قبل أن يتوصل المهندسون المعماريون إلى خطة البناء.
a
وسرعان ما قرر المهندسون المعماريون أن المرحلة الأولى يجب أن يتم بناؤها في مكان آخر، تاركين الأساسات الأولية للخط كما هي، حسبما قال أشخاص مطلعون.
ويخطط المنظمون الآن لبناء حوالي 2.4 كيلومتر من “ذا لاين” في المرحلة الأولى بحلول عام 2030، بدلا من ما يقرب من 16 كيلومترا، كما أعلن من قبل.
محمد بن سلمان يهدر أموال المملكة
وقالت الصحيفة إن محمد بن سلمان “يخاطر بإهدار قدر كبير من أموال البلاد على تجربة غير مسبوقة في بناء المدن، قد يكون من الصعب للغاية تنفيذها”.
وذكرت مضاوي الرشيد الأستاذة الزائرة في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وهي أيضا معارضة سعودية: “محمد بن سلمان يقامر.. إن إنفاق الكثير من المال ينبغي نظريا أن يولد قفزة ملموسة في الاقتصاد السعودي، لكن الكثير من الأموال حتى الآن تم إنفاقها على المستشارين والمهندسين المعماريين الأجانب”.
وردًا على سؤال في مقابلة مع “سي أن بي سي” الشهر الماضي، بشأن تقرير سابق لوكالة “بلومبرغ” توصل إلى أنه تم تقليص حجم البناء في المرحلة الأولى، قال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الإبراهيم، إنّ الطموحات طويلة المدى لمدينة “ذا لاين” لاتزال كما هي.
وأضاف: “ليس هناك تغيير في حجم البناء.. الاقتصاد في المملكة اليوم ينمو بشكل أسرع، لكننا لا نريد أن نفرط في ذلك”.
وذكرت “بلومبرغ”، أن مشروع “نيوم” السعودي يخطط لبيع سنداته بالريال لأول مرة في وقت لاحق من العام الجاري، بهدف الحصول على المزيد من مصادر التمويل لمشاريع البناء المخطط لها للمدينة المستقبلية، وذلك وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
ووفق الوكالة، جاء معظم تمويل المشروع حتى الآن في شكل ضخ أسهم من مالكه، صندوق الثروة السيادية السعودي، الذي يقوده محمد بن سلمان. لكن لإنجاز المشروع الطموح، كان مطورو “نيوم” يبحثون عن مصادر جديدة في الأشهر الأخيرة.
قرض ضخم
وحصلت “نيوم” مؤخرا على قرض بقيمة 10 مليارات ريال من مجموعة من البنوك السعودية، وفقا لما نقلته الوكالة عن شخصين آخرين مطلعين على الصفقة، كما حصل مطورو المشروع على قرض بقيمة 3 مليارات ريال لتمويل جزيرة “سندالة” السياحية الفاخرة في البحر الأحمر.
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى بعض التحديات التي تواجه “نيوم”، من بينها معضلة إيواء أكثر من 100 ألف عامل بناء إضافي في منطقة قاحلة من الصحراء الشاسعة، تبعد ساعتين بالسيارة عن أي مدينة كبيرة.
وتبدو احتياجات “نيوم” من الفولاذ والزجاج الخارجي والمواد الأخرى ضخمة جدا لدرجة أنها قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية، ويكون من الصعب الحصول عليها.
كما أن أسعار البناء ترتفع، وقد بلغت التكلفة المتوقعة لمنتجع للتزلج في المنطقة يعرف باسم “تروجينا”، على مدار عامين وثلث العام، 38 مليار دولار، وفقا لوثائق لنيوم استعرضتها صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وحتى بالنسبة لدولة هي من أكبر مصدري النفط الخام في العالم، فإن مدينة “نيوم” ستكون باهظة الثمن، وتقدر تكاليفها الرسمية بنحو 500 مليار دولار.
لكن بعض المسؤولن التنفيذيين العاملين في المشروع يعتبرون أن هذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي المتوقع.
وقال شخصان مطلعان على الخطط إن أول 2.4 كيلومتر من “ذا لاين” ستتكلف أكثر من 100 مليار دولار، وإذا تم بناء المشروع بالكامل، يتوقعان أن تبلغ قميته أكثر من تريليوني دولار.
ويقولان إن هذا يجعل من غير المرجح أن تجتذب نيوم استثمارات خاصة كبيرة لتمويل المراحل المستقبلية من “ذا لاين”.
مساحة ضخمة للمشروع
وتشير الوثائق الداخلية، التي تعود إلى عام 2021، إلى أن مساحة “ذا لاين” تبلغ أكثر من 7 مليارات قدم مربع، وهو ما يعادل 29 في المئة من جميع المباني في مدينة نيويورك مجتمعة.
وفي وثيقة تحت عنوان “المخاوف الرئيسية”، قال موظف إنه من خلال التركيز على تشييد مبان مرتفعة بطول كيلومترات، قلبت نيوم عملية التصميم العادية رأسا على عقب.
تشكيك كبير
ويشكك العديد من المديرين التنفيذيين العاملين في مشروع “نيوم” في الحاجة إلى مبان يبلغ ارتفاعها 500 متر، وهو ما ينطوي على تحديات هندسية إضافية وتكاليف أعلى ويجعل الإخلاء صعبا في حالات الطوارئ.
ووصف المهندس المعماري البريطاني الشهير، بيتر كوك، المشارك في مشروع “ذا لاين”، ارتفاع المشروع بأنه “غبي بعض الشيء وغير معقول”، وفي فيلم وثائقي لاحق، وصف كوك، الذي أشاد بالمشروع بشكل عام، بأنه “محير حتى لأولئك الذين شاركوا في تصميمه”.
وتقول الصحيفة إن إنشاء مدينة خطية تتعارض مع الطريقة التي طور بها البشر المدن منذ آلاف السنين، حيث يتم البناء بشكل طبيعي إلى الخارج بطريقة دائرية، وعادة ما تكون حول مركز.
وقال جون فرنانديز، الأستاذ في قسم الهندسة المعمارية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: “إنها تحارب التاريخ الكامل للطريقة التي تأسست بها المدن ونموها”.
وحتى المؤيدين يقولون إنها تجربة يمكن أن تفشل بسهولة في الممارسة العملية.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان