العديد من الشباب السورين أرادوا ألا يكونوا ضحية الحرب في بلدهم، ففروا إلى دول آمنة مثل النمسا، إلا أن البعض منهم باتوا اليوم في هذه الدول ضحية داء الإيدز. حوارا مع شابين سوريين وقعوا ضحية هذا المرض الخطير، قبلوا الحوار ولكن بشرط أن يكونوا بأسماء مستعارة ليحذروا كل الشباب العربى من مغبة الانغماس في علاقات جنسية غير شرعية أو التعامل مع إبر المخدرات المشتركة بعيداّ عن عن كل الاحتياطات القصوى الممكنة، خاصة مع الجنسيات الأخرى التى تحل هذة الأعمال
“أعيش في فيينا منذ ما يزيد عن العامين، جئت كأغلبية السوريين فارا من الحرب في وطني آملا في حياة آمنة ومستقرة”، بهذه الكلمات شرع الشاب العشريني مازن (إسم مستعار) صاحب الذقن الكثيف يتكلم إلينا بحسرة وملامح الحزن قد بدت على محياه.
مازن شاب حلبي قدم إلى النمسا تاركا أهله في تركيا من أجل حياة كريمة ومستقبل أفضل، إلا أن “المال أغراه وأراد مثل البعض من رفاقه من الشباب العرب الحصول على المال الوفير في وقت وجيز، وبدون عناء كبير”، كما قال لنا في حديثة معنا بينما نحن في طريقنا في مترو الأنفاق الفييناي، ثم استمر مازن في مجرى حديثه يقول:”تحولت من بائع للمخدرات في محطات المترو إلى مستهلك لها”، ويتابع “كما أصبت بداء الايدز من خلال حقنة من مخدر الهيروين تقاسمتها مع صديق لي كان مصابا بفيروس الايدز”.
أصيب مازن بهذا المرض منذ حوالي سنة كما يقول، لقد سقط عليه نبأ الإصابة كالصاعقة. ثم واصل يتحدث إلينا بصوت خافت :” بإصابتي تغيرت حياتي رأسا على عقب. منذ أن علم أصدقائي ورفاقي خاصة من السوريين بإصابتي أخذوا يبتعدون عني ولا يقتربون إلي إلا بحذر متجنبين لمسي وكأني بمصافحتي لهم سيصابون بالداء”.
يشعر مازن بالرفض من قبل محيطه الاجتماعي وهذا ما يزيد في ألمه واستيائه إزاء أصدقاء كانوا يوما ما أحبة له، كما يضيف يقول مقارنا حياته بداء فقدان المناعة هنا في النمسا بوطنه: “لو كنت في سوريا في الحي الشعبي الذي كنت أقيم فيه لكان الوضع أصعب بكثير مما عليه الحال اليوم. فهنالك لا رعاية نفسية ولا طبية، ناهيك عن الرفض الكامل من كل أفراد المجتمع.” ويواصل مازن يقول بأن أيام حياته في سوريا لما كانت معدودة.
وعلمنا أثناء حوارنا مع الشاب أن عائلته المقيمة في المهجر التركي ليست على علم بإصابته، فقال في هذا الصدد:”لا أريد أن أشغل بال والدي بشأني وبمرضي، أعرف جيدا أن مثل هذا الخبر سيشغل بالهم، كما أن صيت العائلة سينزل إلى الحضيض لو علم الآخرون بذلك”.وتحسبا لسمعة عائلته التي تتكون من ستة أطفال ووالدين أبى مازن إلا أن يحتفظ بدائه ويجعله طي الكتمان.
لقد كان مازن يتحدث متجنبا النظر إلينا. لقد كان يقص علينا قصته الأليمة محدقا في صورة إشهارية علقت في احدي جوانب المترو. ويقول الشاب أنه سعيد بتواجده في العاصمة الألمانية فيينا ،المدينة المليونية، التي يمكن للمرء أن يكون فيها مجهولا على عكس حياته في مدينة حلب. فهنا بإمكانه الحصول على المساعدة النفسية والطبية مجانا. ويقول” أتردد بانتظام إلى منظمة تقوم بمساعدة مرضى الايدز نفسيا”،ففيها أفضفض عن نفسي كما أتلقى الاستشارة”.
“ضحايا الجهل واللامبالاة”
الدكتورة دومينيك طبيبة نفسية تعمل في منظمة مساعدة المصابين بمرض فقدان المناعة. تنظم هذه الأخيرة حلقات حوارية للحديث وتبادل الآراء والتجارب. وتقول السيدة الأربعينية حول المصابين بمرض الايدز لدى الشباب العرب من اللاجئين:” إن هؤلاء اللاجئين كغيرهم من المرضى الآخرين، إنهم ضحايا الجهل واللامبالاة وقلة الوعي بمخاطر تعاطي المخدرات وممارسة الجنس بدون وقاية”. وتؤكد لنا الدكتورة دومنيك أنها تحاول الإحاطة بكل من يأتي إليها كما أنها توفر لزوارها من المصابين ،بغض النظر عن خلفيتهم الثقافية ، لقاءات منفردة أو جماعية، تقدم فيها الدعم النفسي. وأضافت: “نتناول في حلقاتنا كل المواضيع بدون حرج وليس هنالك محرمات، على المرء هنا أن يشعر بأنه ليس لوحده وأن هنالك من يستمع إليه الغاية من كل هذا أن يتعلم المصاب كيف يتعامل مع مرضه ومع محيطه”. وتؤكد الطبيبة الألمانية لزوارها أن بإمكان المصاب أن يعيش سنوات عديدة وطويلة إذا ما استمر في تناول الأدوية بانتظام على عكس ما كان عليه الوضع في السابق.
يقول مازن إن الرعاية التي يتلقاها في هذه المنظمة المختصة في مساعدة مرضى الايدز ضرورية جدا بالنسبة له، ففيها يتسنى له الحديث بدون خجل حول وضعه الصحي ومشاغله مع الآخرين، كما أنه يستفيد بتجارب الآخرين. وواصل يقول بأنه يذهب إلى القسم الاستشفائي في إحدى المستشفيات الفييناية حيث يلقى الرعاية الصحية المنتظمة حيث يخضع للمراقبة الصحية ويحصل على الأدوية المناسبة.
الأسعد (اسم مستعار) هو الآخر شاب سوري مثلي يقيم في فيينا منذ صيف سنة 2015 يتردد هو الآخر إلى نفس اللقاءات الجماعية التي تديرها الدكتورة دومنيك. قصة هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 28 عاما ابتدأت في بداية هذه السنة، وتعود إلى علاقة جنسية مع رجل فييناي. ويقول” لم اعلم بأن هذا الرجل الذي كانت تجمعني به علاقة جنسية بحتة يحمل فيروس الأيدز” ويوضح “لقد تعرفت على إصابتي بهذا الفيروس في المستشفى حينما أصبت بكسر في رجلي وتعين على الطبيب فحص دمي قبل العلاج”. على إثرها أصيب الشاب الحموي بأزمة نفسية حادة مما جعله هو الأخر يتنقل إلى منظمة مساعدة المصابين بداء الايدز في حي السادس الفييناي حيث يلتقي بمازن الذي أضحى له صديقا حميما. تعود إصابة الأسعد إلى “سذاجته” كما يقول ويوضح “تعود إصابتي بالفايروس إلى ثقتي بالآخرين، لقد كنت ساذجا لم أتصور قط أني سأكون يوما ما ضحية هذا المرض.”
ويرى الشاب الحموي أنه محظوظ بتواجده في النمسا ملمحا إلى الإحاطة الطبية والنفسية التي يحظى بها في الغربة. حيث يقول مثل ما أفادنا صديقه مازن:” لو أصبت بهذا الداء في بلدي سوريا لفقدت حياتي بعد أشهر قليلة، ناهيك عن قسوة المحيط الاجتماعي المحافظ الذي لن يغفر لي ولعائلتي مثل هذه الأخطاء”.