فيينا : فرص ضعيفة أمام الأجئين ومغامرة محبطة في رحلة البحث عن سكن

Asylwohnung

 

يؤدي النقص في المساكن داخل فيينا، والإجراءات القانونية اللازمة للحصول على مسكن، بالإضافة إلى الوساطة غير القانونية، إلى دخول اللاجئين في العاصمة النمساوية فيينا في متاهات محفوفة بالمخاطر في محاولاتهم لإيجاد مسكن.

يقرأ عماد العديد من رسائل البريد الإلكتروني على هاتفه والتي هي أجوبة رفض على طلباته للحصول على مسكن. يقول إنه ليس كافياً أن تقول أن العثور على سكن مستحيل في فيينا، ويريد أن يظهر ذلك بالأرقام، فهو يقضي 6 ساعات يومياً في البحث عبر الإنترنت، بالإضافة إلى زيارات أسبوعية لشركات الإسكان في مختلف أحياء المدينة، بالإضافة إلى العديد من الوثائق التي ينتظر شهوراً للحصول عليها. يقول عماد: “لقد سجلت اسمي للحصول على شقة ألف مرة حتى الآن، كما دُعيت لمعاينة 10 شقق، وفي كل مرة كان هناك من عشرين إلى ثلاثين شخص لمعاينة الشقة في نفس الوقت”.

وفي الوقت الذي كنا نتكلم فيه، تلقى عماد، 44 عاماً، والذي وصل إلى النمسا بعد مغادرته سوريا في عام 2015، مكالمة أخرى من شركة إسكان: “آسف مرة أخرى، ولكن لا يوجد شيء متوفر الآن”، فيسأل عماد: “ولكن من فضلك، هل هناك أي شيء آخر يمكنك القيام به للمساعدة؟”، لكنه يتلقى جواباً لطيفاً بالنفي.

ويعتبر البحث عن سكن عملياً وظيفة بدوام كامل بالنسبة لعماد، الذي ينتظر أيضاً جواباً لطلبه بلم شمل أسرته حتى يتمكن من رؤية زوجته وأطفاله الثلاثة مرة أخرى. وهو يحاول باستمرار أن يتغلب على العوائق غير المرئية والبيروقراطية الدرامية والاعتذارات عن وصوله لطريق مسدود، بالإضافة إلى تلاشي البيوت بشكل أسرع من توافرها.

النقص في المساكن

عماد هو واحد من آلاف اللاجئين الذين يبحثون عن سكن جديد في خضم أزمة نقص البيوت. وفي جميع أنحاء النمسا، هناك نقص يقدر 100 ألف سكن، وفي فيينا، التي تفتقر إلى المساكن الاجتماعية إلى حد كبير، حيث تتزايد أسعار المساكن بسرعة، يزداد الوضع تعقيداً. تستقبل المدينة سنوياً 10 ألف مقيم جديد، إضافة إلى اللاجئين الذين وصلوا مؤخراً. وتشير التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى ما يقرب من 30 ألف سكن جديد لمتوسطي الدخل وحدهم.

في سوق الإيجار لا يتساوى جميع الناس، كما يقول عماد، وبالنسبة لتجربته فإن الشركات تأخذ النمساويين أولاً، ثم الموظفين الأوروبيين، ثم الذين يأخذون المساعدات الإجتماعية من النمساويين والأوروبيين، وأخيراً اللاجئين أو الأشخاص الذين لهم جذور عربية.

بالرغم من أن الأوضاع تختلف من ولاية لأخرى، فإنه يجب على معظم طالبي اللجوء قضاء أشهرهم الأولى في النمسا في مخيم، وبعد ذلك يمكنهم الانتقال إلى مساكنهم الخاصة.

غير أن الضغوط المزدوجة بسبب وضع الإسكان والعدد الكبير من اللاجئين الذين وصلوا إلى المدينة منذ عام 2015 تركت الكثيرين في فيينا في مخيماتهم المؤقتة، وهذا يعني أنه في بعض الحالات، يبقى اللاجئون لسنة أو سنتين في ملاجئ غير مستقرة في أماكن كانت مقرات للمؤتمرات أو مقر شركات قديمة أو صالات رياضية

ويؤكد المتحدث باسم مكتب شؤون اللاجئين في فيينا، الذي يشرف أيضاً على مساكن اللاجئين، أنه يجري إحراز تقدم، ويقول: “في عام 2017، سمح مكتب ولاية فيينا لشؤون اللاجئين لأكثر من ألف شخص باستئجار شقق، ويدفع الآن الإيجار والتدفئة والكهرباء وكذلك التأمين”، ويضيف أنه تم نقل ثلاثة آلاف شخص من المخيمات إلى أماكن مؤقتة ذات مرافق أفضل.

عقبات إضافية

ومع ذلك لا يزال كثيرون يكافحون من أجل إيجاد مسكن خاص بهم، وهي مشكلة لا تفسرها أزمة السكن وحدها. وقد تم تسليط الضوء على ضعف إمكانية الحصول على المعلومات الكافية من قبل اللاجئين، بالإضافة إلى العقبات القانونية والتمييز من قبل مالكي البيوت، وذلك في تقرير صدر مؤخراً عن معهد فيينا للأبحاث المتعلقة بشؤون الاندماج والهجرة، مع التركيز على فيينا وسالزبورج

الوسطاء غير القانونيين السماسرة

في خضم الإجراءات الرسمية البطيئة للحصول على سكن، تزدهر سوق السماسرة، وتوفر هذه الشبكات المتنامية الحصول على بيوت بسرعة، والآن يمكن العثور عليها حتى في شوارع فيينا وعلى مواقع التواصل الإجتماعة الفيس بوك وتويتر

ولكن ذلك ليس دون مقابل بالطبع. وقد شهد وائل خليفاوي، 31 عاماً، ازدهار هذه التجارة منذ وصوله إلى المدينة العام الماضي قادماً من سوريا. في البداية كانوا يطلبون بدفع عمولة بقيمة 100 يورو، أما الآن فقد وصل السعر إلى 1000 يورو، ويمكن أن يصل أحياناً إلى أربعة أو خمسة آلاف يورو. يقول وائل: “يُغرق الناس أنفسهم بالديون ليستطيعوا أن يدفعوا.. وأحياناً يأخذون أموالك ويختفون”.

ويضيف وائل: “معظم اللاجئين الذين يجدون سكناً الآن، يقومون بذلك إما عن طريق الذهاب إلى هؤلاء الوسطاء، أو الاعتماد على شبكات غير رسمية للمساعدة”، ويتابع: “في بعض الأحيان تكون هذه الشبكات عبارة عن أصدقاء أو عائلة يمكنهم البقاء عندهم لبعض الوقت، أو علاقات مع النمساويين أو المتطوعين الذين يمكنهم أن تساعدوا في هذه العملية”.

يتم إهمال اللاجئين

أما بالنسبة لأولئك اللاجئين الذين ليس لديهم نقود أو اتصالات، فيعانون كثيراً من إهمال السلطات لهم. يقول وائل: “كنت قد وصلت أولاً إلى مكان خارج المدينة ثم جئت إلى فيينا، لكن المسؤولين قالوا إنه لا يتسع لي مكان في المخيمات”، ويتابع: “قضيت ثلاثة أشهر دون مأوى”.

كانت هذه الشهور ضبابية مرهقة بالنسبة له. يقول وائل: “في بعض الأحيان كنت أجد معي المال للنوم في نزل لبضع ليال، أو كنت أنام في بيوت الأشخاص الذين سبق والتقيت بهم”، ويضيف: “في بعض الأحيان كنت أجد حانات مفتوحة طوال الليل.، ولكن في كثير من الأحيان كنت أنام في الشارع وفي الحدائق غالباً. كان ذلك في الصيف ولذلك كان الجو دافئاً، ولكن بالرغم من ذلك كان يجب أن أكون حذراً، فقد يكون ذلك خطيراً”.

وأخيراً، وجد وائل غرفة في سكن مشترك، لكنه لا يزال قلقاً بشأن استقرار وضعه، ويقول: “ما زلت أستعيد عافيتي جسدياً ونفسياً من بقائي في الشوارع العام الماضي”.

وكان قد تم إخراج عماد من إحدى المخيمات لأنه طبخ في غرفته، ليضطر إلى المبيت في الشوارع. وبالرغم من وجود بعض أقاربه في المدينة، إلا أن أوضاعه كانت سيئة، حيث انتقل مع أختيه وابن أخته للعيش مع عائلة مكونة من سبعة أشخاص، في سكن يتكون من ثلاث غرف.

والآن يعيش مرة أخرى في مأوى، متقاسماً إحدى الغرف مع أخته وابنها الذي يبلغ ثمانية أعوام، ما يشكل إزعاجاً في بعض الأحيان. يقول عماد: “يجب أن تنطفئ الأضواء عندما يحتاج ابن أختي إلى النوم”، ويتابع: “لا أستطيع الدراسة بهدوء، كما أنه ليس لدي أية خصوصية عندما أتحدث مع عائلتي على السكايب”.

 

تمييز ضد اللاجئين

يقول وائل إن التمييز ضد اللاجئين يعتبر بنيوياً، موضحاً كيف يظهر في البيروقراطية البطيئة والمختلة، على حد تعبيره، ويتابع: “لم يكن نظام السكن في فيينا مصمماً لاستيعاب الأشخاص القادمين من مناطق الحرب”. ولكنه يشعر بذلك على المستوى الشخصي أيضاً، ويضيف: “إذا كنت تحاول الحصول على سكن من خلال شركات خاصة، فإنك تأتي بعد الأوروبيين والأمريكيين، وإذا أردت الحصول على غرفة في سكن مشترك، عليك أن تنسى ذلك، لأن الناس يعتقدون أن اللاجئين سيقلبون البيت إلى فوضى”.

تقول الدكتورة يوتا أومولر، الباحثة في معهد التنمية الديمقراطية والاندماج الاجتماعي: “من الواضح تماماً أن التمييز يلعب دوراً كبيراً. نحن نعلم من الدراسات أن الناس الذين لديهم أصول أجنبية بشكل عام، وخاصة من الدول الإسلامية، لديهم صعوبة أكبر في قبولهم كمستأجرين”.

وتكشف مواقف أصحاب العقارات الذين شملهم الاستطلاع في فيينا وسالزبورج في تقرير معهد فيينا للأبحاث المتعلقة بشؤون الاندماج والهجرة أنه كان لدى العديد منهم تحفظات بشأن إيجار البيوت للاجئين، تحدث بعضهم عن مخاوف بشأن العوائق اللغوية أو الإدارية، والبعض الآخر عن مخاوف طفيفة متعلقة باختلاف “أسلوب حياة الثقافات” كرمي القمامة أو إحداث الضجيج. وقال البعض بشكل صريح إنهم لن يؤجروا للاجئين.

يقول وائل إنه من الممكن تسهيل الوضع من خلال رفع الحد الأدنى الذي يقدمه مكتب السوتسيال لسكن اللاجئين بمقدار 100 يورو ليواكب ارتفاع أسعار الإيجار، ويضيف أن هذا سيوسع خيارات السكن ويجنب الدولة دفع مبالغ أعلى لإسكان اللاجئين في مساكن مؤقتة.

تدابير لتخفيف حدة الوضع

يقدم تقرير معهد فيينا للأبحاث المتعلقة بشؤون الاندماج والهجرة اقتراحات للتخفيف من حدة الوضع. وتقترح – من الجانب الحكومي – زيادة تمويل الأخصائيين الاجتماعيين للمساعدة في دعم اللاجئين في هذه العملية وضمان توافر معلومات أفضل لأولئك الذين يعيشون في الملاجئ. يجب على مالكي العقارات وشركات الإسكان ضمان توفر عقود الإيجار بلغات أكثر، وتوفير التدريب الثقافي للموظفين بالإضافة إلى زيادة فهم الوثائق والبيروقراطية اللازمة المتعلقة بالمستأجرين في نظام اللجوء. ويقترح أيضاً إنشاء مكاتب للشكاوى المحلية لدعم اللاجئين الذين يواجهون حالات تمييز.

يقول وائل: “وحتى يتغير الوضع، سيواصل الناس من كل القطاعات الاستفادة من اللاجئين، كالشركات الخاصة التي تدير الملاجئ، والناس التي تدير النزل، والسماسرة. الجميع يكسب المال من هذا الوضع، واللاجئون هم الخاسر الوحيد، فهم الذين يتم الضغط عليهم”.

 

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …