نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا مطولا أكدت فيه صحة المعلومات التي تم تداولها خلال الأسابيع الماضية، عن ابتزاز الفلسطينيين الراغبين في الدخول لمصر عبر معبر رفح، وإجبارهم على دفع رشاوى بأرقام كبيرة للعبور ووضع أسمائهم على القوائم.
الصحيفة وفي التقرير الذي أعده “كميل أحمد” و”روث مايكلسون” بعنوان “فلسطينيون يدفعون آلاف الدولارات في محاولة للفرار من الحرب في غزة” قالت إن أعداداً من الفلسطينيين لا يجدون سبيلا للفرار من نيران الحرب في غزة إلا عبر دفع مبالغ تصل إلى 10 آلاف دولار لسماسرة لمساعدتهم على الخروج من القطاع عبر مصر.
ولم يتمكن سوى عدد قليل جداً من الفلسطينيين من مغادرة غزة عبر معبر رفح الحدودي، لكن أولئك الذين يحاولون إدراج أسمائهم على قائمة الأشخاص المسموح لهم بالخروج يومياً يقولون إنه يُطلب منهم “دفع رسوم تنسيق كبيرة من قبل شبكة من السماسرة لها صلات مزعومة بأجهزة المخابرات المصرية”.
متاجرة بدماء الغزيين
وأورد التقرير شهادة لرجل فلسطيني في أمريكا يقول إنه دفع 9 آلاف دولار قبل 3 أسابيع لإدراج زوجته وأطفاله على القائمة، وفي يوم السفر، قيل له إن أسماء أطفاله غير مدرجة وسيتعين عليه دفع مبلغ إضافي قدره 3 آلاف دولار.
وأضاف بأن السماسرة “يحاولون المتاجرة بدماء الغزيين”، معتبراً أن ذلك أمر محبط ومحزن للغاية.
وقال الفلسطيني المتحدث في تصريحاته للغارديان: “يحاولون استغلال الأشخاص الذين يعانون، والذين يحاولون الخروج من الجحيم في غزة”. ولم تغادر عائلته بعد.
وتمتلئ صفحات فيسبوك، التي تعرض أخباراً تتعلق بمعبر رفح، بمنشورات الفلسطينيين الذين يطلبون المساعدة في إدراجهم ضمن قائمة الأشخاص المغادرين عبر المعبر.
ووصف خبير للصحيفة التبريرات المُعلنة من جانب السلطات المصرية لعدم فتح المعابر بأنها “تستر على الفساد الذي يحدث على الأرض”. وأضاف: “هذا ليس فساداً في المستويات المنخفضة، بل إنه فساد تُمكِّنه الدولة”.
ورفض رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التعليق على الأمر عندما تواصلت معه صحيفة الغارديان.
وأوردت الصحيفة البريطانية تقديرات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن 85% من سكان غزة أصبحوا الآن نازحين. معظم هؤلاء النازحين يتكدسون في مدينة رفح جنوب القطاع حيث يدفعهم العدوان الإسرائيلي إلى الخروج من الأجزاء الوسطى والشمالية من المنطقة.
وتقول الغارديان إن “مصر، وهي لاعب إقليمي رئيسي في المفاوضات بشأن غزة، قاومت منذ فترة طويلة فتح معبر رفح، خوفاً من دخول الفلسطينيين إلى سيناء”.
وتضيف بأن “القاهرة تقول إن هذا التدفق قد يشكل تهديداً أمنياً.” وبحسب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فإن التدفق الجماعي للاجئين من غزة سيشكل سابقة منذ تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن.
تجارة بآلام الفلسطينيين
كما أكد تقرير “الغارديان” أنه توجد شبكة من الوسطاء مقرها في العاصمة المصرية القاهرة، تساعد الفلسطينيين على مغادرة غزة وتمارس نشاطها قرب رفح منذ سنوات.
وتابع التقرير: “لكن الأسعار ارتفعت منذ بداية الحرب من 500 دولار للشخص الواحد إلى آلاف الدولارات.”
كاتبا التقرير بالغارديان ذكرا أنهما تحدثا إلى عدد من الأشخاص الذين قيل لهم إنه سيتعين عليهم دفع ما بين 5 إلى 10 آلاف دولار لكل منهم لمغادرة القطاع، وأطلق البعض حملات تمويل جماعي لجمع الأموال. وقيل للآخرين إن بإمكانهم المغادرة عاجلاً إذا دفعوا أكثر.
وقال جميع من أجرت معهم “الغارديان” المقابلات إنهم تواصلوا مع وسطاء من خلال اتصالات في غزة وإن الدفع يتم نقداً وأحيانًا من خلال وسطاء يقيمون في أوروبا والولايات المتحدة.
وفي هذا السياق قال بلال بارود، وهو مواطن أمريكي أصوله من غزة، قال للصحيفة إن وسطاء أخبروه إنه سيحتاج إلى جمع 85 ألف دولار لإخراج 11 من أفراد الأسرة من القطاع بما في ذلك خمسة أطفال دون سن الثالثة.
ولفت التقرير إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت والد بارود البالغ من العمر سبعين عاماً لفترة وجيزة في ديسمبر الماضي، وكان واحداً من مجموعة من الرجال الذين تم تجريدهم من ملابسهم الداخلية وتقييد أيديهم ونقلهم إلى مكان سري كما ظهر في الصور التي تم تداولها قبل أسابيع.
مهند صبري، الخبير في شؤون شبه جزيرة سيناء ومؤلف كتاب “سيناء: عماد مصر، حياة غزة، كابوس إسرائيل”، قال هو الآخر إن السماسرة “يستهدفون الأشخاص الأضعف”.
وأوضح: “إذا كانت عائلة ما، لديها ابن مصاب أو مريض فلا يسعهم الانتظار، وهؤلاء هم الضحايا المثاليون. يمكنهم الضغط بأي مبلغ، وعلى العائلة أن تجلب المال. إنه ابتزاز تام”.
المصدر – صحيفة الجارديان البريطانية