توفيت اليوم الثلاثاء الموافق 28 من نوفمبر 2017 الفنانة الكبيرة شادية، عن عمر يناهز 86 عامًا، داخل مستشفى الجلاء العسكرى، بعد احتجازها فى غرفة العناية المركزة طوال الفترة الماضية لتعرضها لجلطة فى المخ، ولم تتحسن حالتها الصحية طوال فترة وجودها فى المستشفى.
ولدت الفنانة الراحلة فى 8 فبراير 1931، في حي عابدين، باسم “فاطمة”، كان والدها المهندس أحمد شاكر، أحد أبرز مهندسي الزراعة والري، حيث كان مشرفا على أراضي الخاصة الملكية، ولقبها النقاد والجمهور بدلوعة السينما، وتعد من أبرز نجمات السينما المصرية وأكثرهن تمثيلًا فى الأفلام العربية.
سبب تسميتها
لم يكن لاسم الفنانة الشهيرة نصيبًا من شهرتها، حيث تبدل بمجرد أن لمع ضوئها فى الوسط الفنى، واختلفت الآراء في سبب تسميتها فهناك من يقول إن المنتج والمخرج حلمى رفلة هو من اختار لها اسم شادية، بعد أن قدمت معه فيلم “العقل في إجازة”، وهنالك من يقول أن الممثل يوسف وهبي هو من أطلق عليها اسمها عندما رآها وكان يصور في ذلك الوقت فيلمه شادية الوادي، وهنالك قول يرجح أن الفنان عبد الوارث عسر هو من أسماها شادية لأنه عندما سمع صوتها لأول مره قال: “إنها شادية الكلمات”.
بدايتها الفنية
بدأت الفنانة مسيرتها الفنية عام 1947، وكانت بدايتها على يد المخرج أحمد بدرخان الذي كان يبحث عن وجوه جديدة فتقدمت هي ونالت إعجاب كل من كان في أستوديو مصر، إلا هذا المشروع توقف ولم يكتمل، ولكن في هذا الوقت قامت بدور صغير في فيلم أزهار وأشواك وبعد ذلك رشحها أحمد بدرخان لحلمي رفلة لتقوم بدور البطولة أمام محمد فوزي في أول فيلم من إنتاجه، وأول فيلم من بطولتها، وأول فيلم من إخراج حلمي رفلة العقل في إجازة، وقد حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا مما جعل محمد فوزي يستعين بها بعد ذلك في عدة أفلام الروح والجسد، الزوجة السابعة، صاحبة الملاليم، بنات حواء.
حياتها الأسرية
تزوجت ثلاث مرات، الأولى من المهندس “عزيز فتحي” والثانية من الفنان عماد حمدي لمدة ثلاث سنوات، كما تزوجت من الفنان صلاح ذو الفقار إلى أنها انفصلت عنه بعام 1969، ولم تنجب أبناء، غير أن الفنانة الشهيرة ارتبطت بها قصة حب تدوالتها الصحافة فى الستينيات مع المطرب فريد الأطرش.
كانت أول زيجات شادية من عماد حمدي وكان يكبرها بـ 26 عامًا، واستمر زواجهما ثلاث سنوات، حيث شاركته في أكثر من عمل منهم فيلم “ارحم حبي” عام 1959، وبعد انفصالهما وقعت في غرام فريد الأطرش بعد مشاركتهما في أكثر من عمل منهم فيلم “انت حبيبي” للمخرج يوسف شاهين.
كانت قصة حبهما حديث الصحافة والجميع بسبب الاهتمام الزائد بينهما، ولكن الأطرش كان خائفًا من فكرة الزواج فقرر السفر لفرنسا حتى يُجري بعض الفحوصات الطبية، وظنت شادية أنه يهرب منها، بحسب موقع “فى الفن”.
عندما عاد فريد الأطرش من فرنسا فوجئ بزواج شادية من المهندس عزيز فتحي والذي يعمل مهندسًا بالإذاعة المصرية وقتها، حيث تعرفا ببعضهما في إحدى سهرات فريد الأطرش واعتبرت شادية هذه الزيجة انتقام من سفر الأطرش لفرنسا.
وبعد انفصال شادية عن المهندس عزيز فتحي، تزوجت من الممثل صلاح ذو الفقار، وجمعتهما أفلام لا تنسى مثل “مراتي مدير عام”، و”عفريت مراتي”، ولكنهما انفصلا عام 1969.
ومن المعروف أن شادية لم تُرزق بأطفال، ولكنها كانت تعتبر نادر ابن زوجها الأول عماد حمدي كأنه ابنها، وكان يُناديها بـ “ماما شادية”، وهو ابن الممثلة فتحية شريف.
اعتزالها
عرض كتاب “الفن الواقع والمأمول.. قصص توبة الفنانات والفنانين” رحلة شادية كما ترويها لصحيفة “المسلمون” والتى تقول فيها “ذات ليلة، قبل 10 أعوام، بدأت الفكرة تسيطر على عقلي، وبدأت أحاسيسي كلها تستيقظ وتطالبني بالنجاة.. وأنا أمضي في طريقي مفتونة بأنين داخلي يتردد في كل جوارحي.. فكرة الاعتزال ملأت قلبي وعقلي.. وبدأت رغبتي في الصلاة تزداد بشكل منتظم”.
وأضافت شادية أن فكرة الاعتزال لم تكن تتزحزح من بالها، وكانت دائما تقول لننفسها: “لا بد من العودة ولا بد من النجاة.. هذه رغبة أبي وأمي برغم أنهما يخفيانها عني.. هذه رغبتي الحقيقية والكامنة داخلي، لماذا لا أعود؟ وحين انتهى اليوم الأول من عرض مسرحية (ريّا وسكينة)، وعدت إلى منزلي، دخلت حجرتي مسرعة، واستيقظت أمي على صوت أنين ونحيب، وقد استمر أنيني ونحيبي حتى أعلن المؤذن (الصلاة خير من النوم)”.
وتابعت شادية: “وكنت في كل ليلة أعود فيها إلى المنزل أسارع إلى الصلاة وأبدأ في قراءة القرآن الكريم انتظارا للموعد الجميل مع الفجر، وكنت في كل ليلة أبكي بشدة، تسألني أمي عن السبب؟ فلا أجيب لأنني لا أعرف ماذا يحدث، وفي ذات ليلة استحلفتني أمي أن أخبرها عن سبب بكائي، فخرجت مني جملة واحدة، لا أدري كيف خرجت، جملة لن أنساها طوال حياتي قلت لها: (عايزة أحج) ، ضمتني أمي إلى صدرها وسمعتني وأنا أدعو الله قائلة: (يا رب أحج)”.
اعتزلت شادية عندما أكملت عامها الخمسين، ومن مقولتها الشهيرة عندما قررت الاعتزال وارتداء الحجاب وتبريرها كانت هذه الكلمات الصادقة النابعة من تصميم وإرادة منقطعة النظير:
“لأننى في عز مجدي أفكر في الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويدًا رويدًا…لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعود الناس أن يروني في دور البطلة الشابة، لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي ويقارنون بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها، أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلني الأضواء وإنما سوف أهجرها في الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتى في خيال الناس”.
دور “الشعراوى” فى حياتها
يروى الدكتور محمود جامعة فى كتابه “وعرفت الشعراوي” اللقاء الأول الذي جمع شادية مع الشيخ الشعراوي، موضحا أنه كان لقاء مصادفة في مكة المكرمة عندما نزلت من المصعد ليدخل الشيخ الشعراوي ولم يكن يعرفها، فتعرفت عليه، وقالت: “عمي الشيخ الشعراوي أنا شادية”، فرحب بها، وقالت له: “ربنا يغفر لنا”، فقال لها: “إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك.. وإن الله تواب رحيم”.
وجاء في كتاب “التائبون إلى الله” أن “شادية اتصلت بالشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى ليأخذ بيدها إلى التزام طريق النور، وأخذت منه موعدا للقائه في منزله”.
ووفقا للكتاب: “ودارت ذكريات حياتها والرحلة الطويلة، بحلوها ومرها، في عقل شادية، بسرعة خاطفة وهي تقف على باب منزل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في منطقة مولانا الحسين في حي الأزهر الشريف، تنتظر أن يأتي حارس فضيلة الشيخ ليأذن لها بالدخول.. أو تنصرف”.
وأفاقت شادية من ذكرياتها على صوت الحارس وهو ينبهها: “اتفضلي يا أستاذة.. فضيلة الشيخ في انتظارك”.
وشعرت شادية بثقل خطواتها وهي تتجه إلى غرفة فضيلة الشيخ الشعراوي، ليس ترددا، لكن خوفا، ودرا في رأسها أسئلة كثيرة: “ماذا يمكن أن يقول لها؟ هل تأخرت في الوصول إليه؟ هل سيفتح لها باب التوبة؟ ومن قال إن مفتاح باب التوبة بيد عبد من عباد الله يمكن أن يفتحه أو يغلقه في وجه عبد مثله؟”، لكنها كانت تهدأ نفسها، قائلة: “من المؤكد أن لديه رؤية أوضح عن بداية الطريق ليدلني عليه.. نعم هو البداية ومؤكد سيكون الدليل”.
ودارت هذه الأسئلة في رأس شادية وهي تقترب من باب الشيخ الشعراوي، وما أن دخلت حتى شعرت بأن كل شيء اختفى من رأسها، لم تعد تتذكر شيئاً حتى اسم شادية لم يعد شيء يذكرها به عندما ناداها الشيخ الشعراوي ودار بينهما الحوار التالى:
– أهلا يا ست فاطمة… اتفضلي.
السلام عليكم ورحمة الله.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. اتفضلي أقعدي.
جلست شادية.. تفكر بماذا تبدأ ومن أين؟ وقبل أن تنطق بادرها:
عمرة مقبولة إن شاء الله
ردت بلا تردد:
وناوية إن شاء الله أحج كمان.
– الحمد لله.. هذا من فضل ربي.. وفضل الله عليك.
أنا تعبانة يا عم الشيخ.. مش عارفة أعمل إيه.. ما بقتش قادرة أمشى في نفس الطريق.. حاسة إنه مبقاش بتاعي.
– إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء..
مش عارفة أحفظ أغاني زي الأول ولا أنطق بكلمة واحدة منها.. حتى لما قلت هغني أغاني دينية بس.. برضه مش عارفة.. أعمل إيه؟
– قبل كل شيء عاوز أسألك سؤال.
اتفضل
– إنت إيه اللي جابك هنا؟
مش هاخبي عليك.. من ساعة ما شفت فضيلتك في العمرة وأسئلة كتير بتدور في راسي.. وشيء بيلح عليّا إن الإجابة هلاقيها هنا عند فضيلتك.
– ولو جاوبتك هتلتزمي باللي هقولك عليه؟
طبعا.. وأنا هنا علشان كده واللي هتقول عليه هنفذه بالحرف.
– يبقى لازم قبل أي حاجة إنك تنسي خالص إنك كنت شادية المغنية، إنت الآن السيدة الفاضلة فاطمة.. اللي عرفت طريق الحق تبارك وتعالى.. ولازم تلتزمي بكلامك مع الله.. المسألة بسيطة مش محتاجة واسطة مع الله.. وإن شاء الله ربنا يقبل منا ومنك.
وقال الشيخ نصيحته: “اسمعي يا ابنتي سيقابلك الناس بوجوه مختلفة، سيغيظونك بالكلمات تلميحا أو تصريحا، وبعضهم سيحاول تذكيرك بعملك وجذبك إليه مرة أخرى، كل هؤلاء أصدقاء الشيطان، لا تلتفتي إليهم، ولا تعيريهم اهتماما، لكن هناك آخرين، وهم الأغلبية بإذن الله تعالى، سيفرحون وسيفرحون لك”.
كانت هذه الكلمات هي بداية التحول الجذري في حياة شادية الفنانة، خرجت من منزل الشيخ الشعراوي وهي تشعر براحة وسكينة غير عادية، وجدت نفسها تبكي وتردد: “الحمد لله… حاسة إني اتولدت من جديد”.