في ظل التطورات المتلاحقة للأحداث على الساحة الفلسطينية وسط ترقب لاجتياح بري لقطاع غزة، يهدد به الاحتلال منذ أيام وتحذر من عواقبه الخطيرة عدة دول عربية وكذلك المقاومة التي توعدت الجيش الإسرائيلي بجحيم على الأرض داخل غزة، تتوالى التسريبات بشأن ما بات يطلق عليه “مخطط التهجير” لأهالي القطاع المحاصر وفق خطة تسعى تل أبيب وأمريكا لتنفيذها وترصد لها إمكانيات ضخمة.
وتلقت إسرائيل خسارة فادحة غير مسبوقة في تاريخها وفضيحة كبيرة جراء عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها حماس يوم، 7 أكتوبر الجاري، ما أثار جنون نتنياهو الذي بات مصيره السياسي على المحك، وذهب لقصف غزة بجنون للتغطية على الفضيحة.
أمريكا تستغل الحدث.. فهل ينجح مخطط التهجير؟
ويسعى رئيس وزراء الكيان المحتل حاليا لإلحاق أكبر ضرر ممكن بقطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس، واستغل الأحداث في محاولة تهجير أهالي القطاع في الشمال إلى الجنوب، وسط تسريبات عن مخطط إسرائيلي ـ أمريكي لعملية تهجير قسري كبرى بحق الفلسطينيين في القطاع إلى سيناء المصرية، ودول عربية أخرى.
طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ألقت منشورات تحذير في أرجاء شمالي قطاع غزة تطلب منهم المغادرة إلى جنوب القطاع.
والسبت، قالت الأمم المتحدة، إن الجيش الإسرائيلي أبلغها أنه على كافة سكان شمال القطاع مغادرته إلى الجنوب خلال 24 ساعة، وتقدر الأمم المتحدة أعداد من تشملهم المهلة بأكثر من مليون شخص.
من جانبها، قررت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) نقل عملياتها إلى جنوب القطاع
وبحسب ما كشفته مصادر مطلعة لـ(وطن) في هذا السياق، فقد قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بإجراء اتصالات مكثفة بمسؤولين وقادة استخبارات وقيادات عربية خلال الساعات الماضية في مُحاولة مُضنية لإقناعهم باستضافة سُكان غزة قبل قيام جيش الاحتلال المُتربص خارجها بتسويتها بالأرض (على حد تعبير بلينكن شخصياً).
وكان وزير الخارجية الأمريكي وصل إلى القاهرة في وقت سابق، الأحد، على أن يعود إلى إسرائيل، الاثنين، للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، بعد جولة شملت 6 دول عربية لبحث الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
واجتمع بلينكن بالأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي في الرياض، الأحد، وبعدها طار للقاهرة والتقى أيضا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
تفاصيل خطة أمريكية تهدف لتهجير أهالي غزة
وتتلخص تفاصيل الخطة الأمريكية بنقل مليون مواطن من سُكان قطاع غزة إلى مصر، وتوزيع باقي السُكان على كُلٍ من السعودية وقطر والأردن
والإمارات.
بحسب ذات المصادر التي أوضحت: “بحيث تتكفل السعودية بتوطين نصف مليون فلسطيني و تتكفل باقي البلدان بالبقية.”
وحتى الآن يُواجه المشروع الأمريكي بالرفض من جميع البلدان، بما فيهم قطر التي عرض مسؤولوها استضافة 500 فلسطيني كحد أقصى، تقول المصادر.
فيما هدد “بلينكن” في حالة استمرار التعنُت العربي ورفض خطته، بتحميل مسؤولية الخسائر البشرية المُتوقعه في صفوف الفلسطينيين للقادة العرب، وذلك في حالة قيام إسرائيل بهدم مباني غزة فوق سكانها، وهو ما قد يتسبب في قيام حرب شاملة بالمنطقة.
وتضيف المصادر:”ترفض إسرائيل مُجرد مُناقشة اي مُقترح آخر بديل عن إخلاء غزة بالكامل ممن فيها.. وتنتظر إما أن يقوم بلينكن بإقناع القادة العرب بخطته تلك أو البدء في عمل عسكري شامل ضد غزة.”
الأنباء المتداولة في أروقة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تتحدث عن إمهال القادة العرب، للرد على المُقترح الإسرائيلي وفي حالة استمرار الرفض فمن المتوقع أن تبدأ إسرائيل تحركاتها العسكرية خلال أيام.
من المُتداول أيضاً في أروقة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بحسب المصادر، أن الرهائن الإسرائيليين المتواجدين حالياً في قبضة حماس قد يتم اعتبارهم بالفعل في عداد الخسائر.
مصر تميل لقبول نزوح فلسطيني محتمل تفرضه إسرائيل
وتزامنا مع هذه التسريبات خرج تقرير خطير لموقع “مدى مصر” الإخباري المستقل، يدعم ما جاء في هذه التسريبات بشكل كبير، خاصة وأن التقرير يستند إلى تصريحات من مصادر حكومية وأمنية ودبلوماسية مصرية مقربة من دوائر صنع القرار في مصر، وآخرين دبلوماسيين أجانب يعملون في القاهرة وواشنطن، وباحثين مقربين من أجهزة سيادية.
حيث كشف الموقع عن جود ميل داخل دوائر صناعة القرار السياسي في مصر بالسماح لأعداد من الفلسطينيين للانتقال إلى سيناء في حال أجبرهم العنف الإسرائيلي غير المسبوق والحصار الشامل الذي فرضته على القطاع على ذلك.
وبحسب الموقع المصري فإن الاتفاق المبدئي الذي توصلت إليه مصر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بمشاركة قطرية يمثل خطوة أولى في نقاش أوسع يتواصل سرًا وعلنًا في حال أجبرت الحرب الإسرائيلية جموع من فلسطيني القطاع على النزوح إلى مصر.
ولفت تقرير “مدى مصر” إلى أنه حتى الآن، يظل الموقف الرسمي المصري المُعلن رافضًا بشكل قاطع لسيناريو نزوح فلسطيني جماعي رغم الضغوط الشديدة التي تواصلها الدول الغربية عليها، لكن مقاومة الضغوط المتواصلة ليست بهذه السهولة.
ووفق الموقع فقد هرولت مختلف الأطراف للتعامل مع المعطى الذي فرضته إسرائيل أمرًا واقعًا لا يمكن لأي منهم زحزحته، فتحاول أمريكا والاتحاد الأوروبي الضغط على مصر من أجل قبوله، وتساهم دول عربية مختلفة فيه.
وذكر “مدى مصر” أن مختلف الأطراف الدولية ناقشت مع مصر حوافز مختلفة لها مقابل قبول أي حركة نزوح فلسطيني تتوقعها مختلف الأطراف باتجاه سيناء.
إغراءات مالية ضخمة لاستقطاب السيسي
وأضاف أنه يُفترض أن تحصل مصر على مجموعة من المساعدات المادية هي في أشد الحاجة إليها وسط أزمة اقتصادية خانقة ومعدلات تضخم هائلة، لكن تلك التفاصيل لا تزال قيد النقاش.
وأوضح مصدر دبلوماسي يعمل في واشنطن أنه على الرغم من أن مصر لا تتطلع على الإطلاق لاستضافة فلسطينيين، لكن إذا اضطرت لهذا، لا بد أن يكون هناك تعويض مالي ما”.
ونقل الموقع عن مصدر حكومي رفيع قوله “أنت تواجه وضعًا ماليًا شديد الصعوبة والتعقيد، الدائنون كثر والأعباء مرتفعة جدًا والآن لديك عرض لتقليص حجمها بشكل كبير وشطب نسبة كبيرة من الديون”، فلم لا إذًا؟
وعلى الرغم من التقدم الذي حققته المفاوضات فيما يتعلق بعبور الأجانب في انتظار الإعلان عن استكماله، تظل مسألة السماح لأعداد كبيرة من الفلسطينيين للانتقال إلى سيناء تحمل الكثير من الحساسية السياسية والثقل التاريخي.
وأوضح الموقع أن التفاصيل لا تزال خاضعة لمفاوضات شاقة لم تنته حتى الآن، مشيرا إلى أن مقاومة مصر الضغوط الخارجية يرجع لعدد من العوامل.
وتابع أن “العامل الأكبر عامل أمني، إذ تختلف الآراء داخل دوائر صنع القرار المصري، حول طرق استيعاب النزوح الفلسطيني المحتمل”.
تخوفات من القدرة على استيعاب عدد كبير من الفلسطينيين
وأشار إلى أن المنطقة الوحيدة المتاحة لتسكين الفلسطينيين فيها هي المنطقة العازلة على الجانب المصري من الحدود مباشرة بعمق خمس كيلومترات، لكن هناك تخوفات من القدرة على استيعاب عدد كبير من الفلسطينيين في مساحة محددة كهذه، وما قد يعنيه هذا من تداعيات على سيطرة مصر على حدودها الشرقية بشكل فعلي.
إلى جانب هذا، فإن هذه المنطقة هي التي أخلتها الحكومة المصرية من سكانها في رفح المصرية خلال السنوات الماضية، ويُقدر عددهم بحوالي 100 ألف شخص، في إطار معركتها ضد تنظيم “ولاية سيناء”.
وتعرضت الحكومة المصرية لضغوط كبيرة الأشهر الماضية للسماح لسكان رفح بالعودة إلى أراضيهم، بعد أن اعتصموا في أغسطس/آب الماضي، ووعدتهم بالعودة في موعد أقصاه 10 أكتوبر/تشرين أول الجاري، قبل أربعة أيام، وهو ما لم يتحقق بالطبع.
ولهذا يقترح البعض داخل الأجهزة المعنية بالسماح للفلسطينيين بالتوزع حول محافظات مصر، وهو اقتراح لا يلقى قبولًا واسعًا.
وكان تقرير لشبكة “فوكس نيوز” كشف أن الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لتأجيل الاجتياح البري لقطاع غزة، بسبب تدهور الوضع الإنساني وحتى إيجاد ممر للمدنيين في القطاع.
وأضافت الشبكة الإخبارية الأمريكية، أن واشنطن طلبت من تل أبيب «تأجيل موعد عمليتها البرية في قطاع غزة إلى حين إنشاء ممر إنساني».
من جانبها، ذكرت وكالة «بلومبيرج»، أن إدارة الرئيس جو بايدن، قلقة من عدم امتلاك إسرائيل خططا لمرحلة ما بعد دخولها القطاع بريًا.
قنبلة أمنية موقوتة
وذكر تقرير “مدى مصر” أنه حتى إذا لم يغادر الفلسطينيون القطاع، فإن مجرد نزوح الفلسطينيين من شمال غزة وانتقالهم إلى جنوبها قريبًا من الحدود المصرية يمثل لمصر “قنبلة أمنية موقوتة”، بحسب أحد المصادر الأمنية.
أسباب هذا الميل تتعلق أولًا بمعطيات الأمر الواقع. إذا تحرك مئات الآلاف من الفلسطينيين تجاه سيناء، بينما تدمر إسرائيل القطاع، وبالتالي لن يصبح أمام مصر سوى السماح لهم بالدخول.
وفي هذه الحالة، لم يعد السؤال حول ما إذا كانت مصر ستستقبل الفلسطينيين في حالة نزوحهم. الأسئلة الآن هي كيف، ومتى، وتحت أي شروط، بحسب تعبير أحد المصادر الحكومية.
وبحسب مصدر أمني تحدث للموقع فإن أحد التقديرات يشير إلى احتمالية أن يصل العدد الإجمالي للفلسطينيين المحتمل نزوحهم خلال الحرب الإسرائيلية من القطاع إلى حوالي 300 ألف شخص.
وعلق المصدر قائلا “لا يمكننا السماح لكل الـ300 ألف بالدخول.. [لكننا] سنضطر لإدخال البعض».
بحسب تقديراته، قد يبدأ الأمر بعدة آلاف قد ترتفع لاحقًا إلى 50-60 ألفًا، “لكن لا ينبغي السماح لأكثر من 100 ألف”
وأضاف أن كل هذا يخضع بالطبع لـ”حسابات دقيقة وحساسة” هذه الحسابات لا تزال تقديرية، وترتبط بتطورات الوضع الميداني وحجم الدمار الذي تسببه إسرائيل خلال الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من أن مصر تأمل في ألا يطول بقاء الفلسطينيين في حال نزوحهم أكثر من بضعة أشهر، إلا أن احتمال تمكنهم من العودة إلى غزة سيكون ضئيلًا، بحسب أحد الباحثين المقربين من أجهزة سيادية، والذي أوضح أنه لن يُسمح لهم بمغادرة المنطقة العازلة سوى للمغادرة إلى دولة أخرى، في حال عدم تمكنهم من العودة.
والأحد (15/10/2023)، دخلت معركة طوفان الأقصى يومها التاسع على التوالي، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في آخر احصائية لها مساء اليوم عن وصول عدد الشهداء في غزة إلى 2670 والإصابات إلى 9600.
في حين قال الدفاع المدني بقطاع غزة، إن هناك أكثر 1000 مفقود تحت أنقاض المباني المدمرة ما بين شهيد ومصاب، وتم إخراج العديد من الأحياء من تحت الانقاض بعد مرور 24 ساعة على وقوع القصف.
في المقابل، أعلن عن مقتل 1300 اسرائيلي على الأقل، وإصابة أكثر من 4 آلاف، جراء عمليات المقاومة في طوفان الأقصى.
المصدر – وكالات