“قنبلة” أديس أبابا تنهي مفاوضات سد النهضة سريعاً.. “عربي بوست” يكشف كواليس فشل اجتماعات القاهرة

قال مصدر مصري مطلع على مفاوضات سد النهضة لـ”عربي بوست”، إنه رغم المرونة التي أبدتها إثيوبيا فيما يتعلق بالتوافق حول تقسيم مرات الملء المقبلة، بحيث لا يكون هناك ضرر مائي واضح على دولتي المصبّ، لكنها ألقت ما يشبه القنبلة في وجه الجميع، حينما طالبت مصر والسودان بالاعتراف بحصتها من مياه نهر النيل.

وواجه هذا الطلب رفضاً قوياً من جانب وفود مصر والسودان في المفاوضات التي انطلقت يوم الأحد، 27 أغسطس/آب، معتبرين أن هدف إثيوبيا من الجلوس في هذه المباحثات لا ترتبط بالوصول لاتفاق ملزم بشأن سد النهضة، ولكن الذهاب إلى أبعد من ذلك عبر الحصول على حصة من المياه غير قابلة للتغيير بما يدعم مشروعاتها الزراعية، بحسب المصدر.

وأوضح المصدر أن القاهرة رفضت بدء المباحثات انطلاقاً من نقطة الصفر، وأنها أصرّت على أن يتم البناء على ما جرى التوصل إليه في آخر مفاوضات رعتها الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي قبل أكثر من 3 سنوات، وهو أمر أيده الجانب السوداني أيضاً، كما وجدت إثيوبيا نفسها غير متضررة من القبول بهذا الطلب، بعد أن أنهت الملء الرابع لخزان سد النهضة تزامناً مع انعقاد الجلسة الثانية، يوم الإثنين، 28 أغسطس/آب.

لكن الطلب الإثيوبي تسبب في إنهاء الاجتماعات سريعاً بعد جلستين فقط، ليهيمن الفشل مجدداً على المباحثات التي استضافتها القاهرة يومي الأحد والإثنين الماضيين بهدف الوصول إلى اتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة على مستوى وزراء الري في مصر والسودان وإثيوبيا وعدد من الخبراء الفنيين، وذلك بعد أن دفعت أديس أبابا نحو تقسيم مياه نهر النيل إلى حصص بين الدول المطلة عليه.

حصة من المياه غير قابلة للتغيير

وأوضح المصدر الحكومي المشارك في المباحثات أن المطلب الإثيوبي كان متوقعاً بعض الشيء، لكن طرحه مع أولى جلسات التفاوض عجَّل بإفشال المباحثات دون تحقيق أي اختراق يُذكر في باقي الملفات المرتبطة بسد النهضة.

وأشار إلى أن أديس أبابا تسعى لأن تكون المباحثات حول نهر النيل وليس سد النهضة، “الطلب ليس منطقياً لأن ذلك يعني إشراك جميع دول حوض النيل الستة المطلة عليه وليس دول المنبع ودولتي المصبّ فقط”، على حدّ قوله.

وذكر المصدر أن القاهرة لا يمكن أن توافق على المطلب الإثيوبي، وأن الرغبة الإثيوبية قد تكون منطقية في حال كان سد النهضة أو أي مشاريع أخرى لديها على نهر النيل توفر كميات جديدة من المياه، وفي تلك الحالة يمكن الحديث عن تقسيم المياه وفقاً لمعايير محددة، لكن الواقع أن السد الإثيوبي يحجز مياه النيل من الوصول إلى دولتي المصب، ويتم استغلال تلك المياه في توليد الكهرباء، ومن الممكن أن تطالب إثيوبيا بحصتها مثلاً من الكهرباء التي يولّدها السد في حالة تشاركت مع أي من دول المصبّ.

واعتبر المتحدث أن الوفد التفاوضي الإثيوبي وضع العقدة في المنشار بهذا الطلب، الذي يبرهن على أنه ليس لديها إرادة سياسية للوصول إلى توافق مع دولتي المصب بشأن سد النهضة، كما أنها ابتعدت كثيراً عن الإطار التنفيذي المبني على اتفاق المبادئ الثلاثي بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان).

وكان المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصري ذكر أن جولة التفاوض المنتهية بالقاهرة لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي، مشيراً إلى أن بلاده “ستستمر في مساعيها الحثيثة للتوصل في أقرب فرصة إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، على النحو الذي يراعي المصالح والثوابت المصرية بالحفاظ على أمنها المائي، والحيلولة دون إلحاق الضرر به، ويحقق المنفعة للدول الثلاث”.

واعتبر أن ذلك الأمر يتطلب أن تتبنى جميع أطراف التفاوض ذات الرؤية الشاملة، التي تجمع بين حماية المصالح الوطنية وتحقيق المنفعة للجميع، وبما ينعكس إيجاباً على جولات التفاوض القادمة بهدف التوصل لاتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة طبقاً للبيان الصادر عن اجتماع قيادتي مصر وإثيوبيا في هذا الشأن.

عدم وجود وسطاء يصعّب مفاوضات سد النهضة

وكشف مصدر حكومي مصري ثانٍ مطلع على ملف المفاوضات، أن القاهرة وضعت في اعتبارها أن أديس أبابا قد تُقدم على هذا الطلب، وذلك بعد أن وجدت صعوبات في الحصول على استثمارات بالقرب من منطقة السد، وأن الاجتماعات الأخيرة انتهت لضرورة الرجوع إلى القيادة السياسية الإثيوبية، وتنحية هذا المطلب جانباً في هذا التوقيت، وأن القاهرة قبلت بالمشاركة في اجتماعات أخرى من المزمع أن تستضيفها أديس أبابا بعد أقل من شهر تقريباً.

ولفت إلى أن المفاوضات تواجه العديد من الصعوبات في ظل عدم وجود وسطاء سواء من الاتحاد الإفريقي أو البنك الدولي أو أي أطراف خارج الدول الثلاث، مع إصرار أديس أبابا على أن تكون بين الوفود الفنية للدول الثلاث فقط، لافتاً إلى أن مصر والسودان قبلا بذلك لضمان عدم تضييع مزيد من الوقت بعد أن تلكأت إثيوبيا في تحديد وفدها المشارك في المباحثات منذ الوصول لاتفاق على استئنافها قبل شهر ونصف تقريباً، على حد تعبيره.

وتدرك القاهرة أن موقف إثيوبيا أضحى أقوى الآن مما سبق بعد أن انتهت من الملء الرابع في حين أن آخر مفاوضات جرت في العام 2020، لم تكن أديس أبابا بدأت الملء الأول، وكانت تتخوف من اتخاذ مصر مواقف خشنة ضدها.

ووفقاً للمصدر ذاته، فإن الرجوع إلى المباحثات هذه المرة جاء بعد أن تمكنت إثيوبيا من تخزين أكثر من 35 مليار متر مكعب من المياه في خزان السد، وأصبح السد أمراً واقعاً، وهناك توربينات بدأت في العمل.

وأوضح لـ”عربي بوست” أن المباحثات كان من المفترض أن تتركز على تحديد مواعيد الملء المتكرر خلال السنوات المقبلة بما لا يؤثر على حصة كلٍّ من مصر والسودان من المياه، إلى جانب الاتفاق على قواعد التشغيل والتي تتضمن كميات المياه التي يصرفها السد لدولتي المصب وكمية تلك المياه في سنوات الجفاف والجفاف الممتد، والتطرق إلى تركيب عدد أكبر من التوربينات المستخدمة في ضخ المياه إلى دولتي المصب، والوصول إلى ضمانات تحظر إثيوبيا من إغلاق تلك التوربينات دون التوافق مع مصر والسودان.

الصورة التي تم التقاطها الاثنين

وكانت وزارة الخارجية الإثيوبية، قد أعلنت انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات الثلاثية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة دون جديد، وأعلنت أن الجولة المقبلة من المفاوضات ستُعقد في أديس أبابا، خلال سبتمبر المقبل، مشيرة إلى أن المفاوضات الثلاثية ستعزز التعاون بين إثيوبيا ومصر والسودان، ومتعهدة بالفوائد الهائلة التي تجنيها مصر والسودان من سد النهضة.

من جهته، أشار رئيس فريق التفاوض الإثيوبي، وفق بيان الخارجية، إلى أن إثيوبيا لها الحق في الاستفادة من مياه نهر النيل لتلبية احتياجات الحاضر والمستقبل مع الالتزام الصارم بالاستخدام العادل والمنصف لمياه نهر النيل، مضيفاً أن إثيوبيا تسعى جاهدة للتوصل إلى حل ودّي من خلال المفاوضات.

نوايا خبيثة

وتُصرّ القاهرة على أن يكون هناك اتفاق لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتعلم أنه ليس المشروع الأخير الذي تشيده إثيوبيا على النيل الأزرق.

ووفقاً لخبير مصري في الشؤون الإفريقية، فإن السلطة المصرية ترى أن عدم الوصول لاتفاق بشأن هذا السد يفتح المجال أمام أديس أبابا للشروع في خططها المستقبلية بشأن السدود، دون أن تضع اعتباراً للأضرار الواقعة على دولتي المصب.

وأكد المصدر أن ما حدث في اجتماعات القاهرة يبرهن على أن أديس أبابا تسعى لإضاعة مزيد من الوقت، وتستهدف إرسال إشارات مفادها أنها حريصة على استئناف المفاوضات أمام العالم، وأنها حضرت إلى القاهرة لإنجاح المباحثات غير أن تهربها من الدخول في تفاصيل الملء والتشغيل يكشف نواياها التي وصفها المصدر بأنها “خبيثة”.

وأشار إلى أن أديس أبابا تطرقت خلال الاجتماع الأخير إلى اعتراضها على أن تكون مصر والسودان شريكين لها في عملية تشغيل وإدارة السد، وأنها عرضت مع بدء تشييده قبل أكثر من عقد أن يشارك البلدان في تمويله، لكنهما رفضا، وبالتالي فإنها لديها الحق في تشغيله دون تدخلهما.

وأوضح لـ”عربي بوست” أن القاهرة ردّت على هذا الاعتراض بالتأكيد على أنها ليست ساعية لأن تكون شريكة في إدارة السد، ولكنها تتحدث فقط عن التنسيق معها بما لا يُحدث أضراراً سلبية في توقعاتها بالدخول في منطقة الشح المائي، وأكد الوفد المفاوض أن مصر ليست لديها أي رغبة في أن تتعدى على السيادة الإثيوبية، وأن التنسيق يكون فقط من بعض الاستشاريين والمهندسين حتى يمكن للقاهرة أن تضع في حساباتها أي نقصان معروف لديها في المياه.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الري المصري، هاني سويلم، كان قد صرح في وقت سابق من هذا الشهر، أن بلاده “تقترب من خط الشح المائي، بنصيب يقارب 500 متر مكعب للفرد سنوياً”، وذلك خلال جلسة “متابعة نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمياه”.

ولفت إلى أن الأمر الذي توصل إليه الجانبان قبل أن تتطرق إثيوبيا لمسألة تحديد حصتها من المياه كان تقسيم عملية الملء التي كان من المتوقع أن تزيد العام المقبل بأكثر من 20 مليار متر مكعب على عامين، بحيث تحقيق زيادة قدرها 10 مليارات فقط، والنصف الآخر في موسم الفيضان الذي يليه في العام 2025.

ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء سدّ النهضة وتشغيله، إلا أنّ جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقاً، ورغم أن مصر والسودان حضّتا مراراً إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزّان السدّ إلى حين التوصّل لاتّفاق شامل، فقد أعلنت أديس أبابا في 22 يونيو استعدادها لإطلاق المرحلة الرابعة من ملء خزّان السدّ الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه.

ويقع سد النهضة على النيل الأزرق في منطقة بني شنقول-قمز على بعد نحو 30 كلم من الحدود مع السودان. ويبلغ طوله 1,8 كلم وارتفاعه 145 متراً.

دشنت إثيوبيا رسمياً في فبراير 2022 إنتاج الكهرباء من السد الذي تُقدّمه على أنّه من بين الأكبر في إفريقيا بتكلفة بناء تجاوزت 4 مليارات دولار. وتمّ تعديل هدف إنتاجه من 6500 إلى 5000 ميغاوات، أي ضعف إنتاج إثيوبيا الحالي، ويتوقع أن يبلغ كامل طاقته الإنتاجية عام 2024.

الوصول لاتفاق صعب

ويقلل مصدر حكومي سوداني سابق كان على صلة وثيقة بالمفاوضات التي جرت قبل 3 سنوات تقريباً، من إمكانية الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم للملء والتشغيل، وأن الأمر يرتبط بعد توفر الإرادة السياسية الكافية للتوافق، إذ إن أديس أبابا تعاني صراعات وأزمات داخلية، ولن يكون رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في حاجة لتقديم مزيد من التنازلات قد تضر بشعبيته في الداخل في حين أنه حقق ما كان يريده.

ويتابع قائلاً: “الوضع في السودان يعلمه الجميع، ولا صوت يعلو فوق صوت الحرب، ولا وجود لحكومة من الأساس، وبالتالي فإن حضورها في المباحثات يبقى شكلياً، وكذلك الأوضاع في مصر مع قرب انتخابات الرئاسة تبقى الصورة غير واضحة”، مشيراً إلى أن الاتفاق القانوني قادر على أن يُنهي كثيراً من التخوفات والمشكلات التي تجعل منطقة حوض النيل على جمرة من النار بسبب التعنت الإثيوبي.

ويربط المتحدث ذاته بين قدرة إثيوبيا على إنتاج الكهرباء مبكراً وتحقيق استفادة لدولتي المصب وبين قدرتها على إقناع مصر والسودان بمواقفها، لأنها في تلك الحالة سوف تثبت لكلتا الدولتين أن أحاديثهما السابقة بشأن مخاطر السد وأضراره وإمكانية حدوث تسربات من جدرانه محض خيال، مع أهمية الوصول لاتفاق بشأن إقامة مشاريع ثلاثية مشتركة تحقق عوائد مهمة للدول المطلة على النيل الأزرق.

المصدر – وكالات – شبكة رمضان

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …