المقاطعة الاقتصادية هي استراتيجية يستخدمها الأفراد أو المجتمعات للتأثير وتحقيق أهداف معينة. تتمثل هذه الاستراتيجية في امتناع الأفراد عن الشراء أو التعامل مع منتجات أو خدمات معينة، أو سحب استثماراتهم من شركات أو دول محددة.
تحوِّل المقاطعة الاقتصادية قوة الاستهلاك إلى سلاح مؤثر يستخدمه الأفراد والمجتمعات للتعبير عن صوتهم بوضوح في ساحة الاقتصاد، إذ تمزج بين قوة الاختيار الشخصي والرغبة في إحداث التغيير الاجتماعي، من ثم تتحوّل إلى رسالة غاضبة لا يمكن تجاهلها.
حيث يجتمع المستهلكون الغاضبون من سلوك أو سياسات معينة، محاولين كبح هذه التصرفات من خلال المقاطعة. تصبح المتاجر والشركات الكبيرة هدفاً لهؤلاء المستهلكين، وحتى الدول لا تسلم من تأثير المقاطعة. وهذا يوضح كيف يمكن للاقتصاد أن يتحول إلى ساحة معركة مليئة بالتحدي والتغيير والمبادرة.
ما الذي يدفع الشعوب للمقاطعة؟
في عالم مليء بالتحديات وانحسار في العدالة، ينبض قلب العديد من الأفراد والمجتمعات بنار الاحتجاج والتغيير. تتعاظم الرغبة في الوقوف في وجه الظلم والتعبير عن الرأي بقوة، ومن هنا تنبع جذور المقاطعة الاقتصادية كوسيلة فعالة للتأثير وتحقيق التغيير.
حيث يمكن توجيه المقاطعة للضغط على الشركات لتحسين سياساتها أو تعديل ممارساتها غير القانونية أو غير الأخلاقية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام المقاطعة كوسيلة لتحقيق التغيير السياسي أو الديمقراطي عن طريق مقاطعة الدول أو المؤسسات التي يعتبرها الأفراد أو المجتمعات غير مشروعة أو غير حكومية.
بشكل عام، يتحفز الأفراد والمجتمعات لممارسة المقاطعة الاقتصادية بسبب إيمانهم بالقضايا المشروعة والحقوق الإنسانية، ورغبتهم في تحقيق التغيير والتحسين في العالم.
ما هي استراتيجيات وأنماط المقاطعة؟
وتتنوع استراتيجيات وأنماط المقاطعة بين:
- مقاطعة المنتجات: يتم تجنب شراء المنتجات أو الخدمات المرتبطة بممارسات غير عادلة أو انتهاكات لحقوق الإنسان. يتم إيصال رسالة واضحة من خلال رفض دعم تلك المنتجات وإظهار الاستنكار للشركات المسؤولة عنها.
- مقاطعة الشركات: يشمل سحب الاستثمارات أو عدم التعامل مع الشركات التي تشارك في سياسات غير قانونية أو غير أخلاقية أو تابعة لدولة معادية للأفراد المقاطعين. يهدف الأفراد والمجتمعات إلى الضغط على هذه الشركات لتغيير سلوكها أو تبني ممارسات أكثر أخلاقية.
- مقاطعة الدول: تتم مقاطعة دولة ما بسبب سياستها أو تصرفاتها، سواء كانت تشن حروباً على دول أخرى أم تنتهج سياسات معادية للمقاطعين أم حتى بسبب حيازتها لأسلحة دمار شامل. يهدف هذا النوع من المقاطعة إلى تحقيق تأثير اقتصادي يضطر الدولة المقاطعة لتغيير سياستها أو تقويم سياساتها وسلوكها في مجالات محددة أو الانسحاب من الصراعات.
- مقاطعة الاستثمار: في هذا النمط من المقاطعة، يعمل الأفراد والمؤسسات وحتى الدول على سحب الاستثمارات من الشركات أو الصناديق أو الأصول من الدول أو الشركات التي تتعارض سياستها مع القيم الأخلاقية، أو تساهم في المقابل في الظلم والاستغلال.
هل تؤثر المقاطعة الاقتصادية على الأفراد بشكل إيجابي؟
إن تأثيرات المقاطعة تتراوح بين الفرد والشركات والاقتصاد بشكل عام. ومن المهم ملاحظة أن لها تأثيرات على المدى القصير والمدى الطويل.
على مستوى الفرد، قد يكون للمقاطعة الاقتصادية تأثير إيجابي على الشعور بالانتماء والمشاركة الفعالة في التغيير. إذ يمكن للفرد أن يشعر بالقوة وتأثير الذات عندما يستخدم قوته الشرائية لدعم القضايا والقيم التي يؤمن بها.
ومع ذلك، قد يواجه الفرد تحديات قصيرة الأجل مثل عدم توفر بدائل للمنتجات والخدمات واضطراره لتعديل نمط حياته الاقتصادي. ففي بعض الحالات، قد يكون التأثير السلبي مباشراً إذا كان الفرد يعمل أو يعتمد على إحدى الشركات المتعرضة للمقاطعة.
أما بالنسبة للشركات، فقد يكون للمقاطعة تأثير كبير على سلوكها وسياساتها. قد تتعرض الشركات المستهدفة لفقدان العملاء والإيرادات، ما يضعها أمام ضرورة لتغيير سلوكها وممارساتها لاستعادة الثقة والدعم. بالإضافة إلى ذلك، قد تتعرض الشركات لضغوط من المستثمرين والمساهمين لتبني ممارسات أكثر مسؤولية.
أما عن تأثير المقاطعة على الاقتصاد بشكل عام، فإن المقاطعة قد تؤثر بشكل غير مباشر على عجلة الاقتصاد من بوابة الأسعار والعرض والطلب. عندما يتراجع الطلب على منتجات أو خدمات معينة بسبب المقاطعة، فإن الشركات المتعرضة للمقاطعة قد تضطر إلى خفض الأسعار أو تقليص الإنتاج. ومع مرور الوقت، قد تحدث تغيرات في السوق؛ ما قد يعطي الفرصة لمنتجات وخدمات أخرى أو جديدة في الظهور.
على المدى الطويل، قد تسهم المقاطعة بإحداث تأثير إيجابي على المستوى الاقتصادي للأفراد، من خلال تحسين الممارسات الاقتصادية وتعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات. وبذلك، يمكن أن تتغير السياسات الحكومية وتتحسن قوانين الحماية الاستهلاكية والعمالية، ما قد يساهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر عدالة واستدامة.
نماذج من التاريخ عن المقاطعات الاقتصادية
شهد التاريخ الإنساني المعاصر العديد من حالات المقاطعة الاقتصادية كوسيلة للردع أو للضغط السلمي. في عام 1921، أصدر حزب الوفد المصري قراراً بمقاطعة شاملة لبريطانيا، حثّ فيه المصريين على مقاطعة البضائع البريطانية، وسحب ودائعهم من المصارف الإنجليزية بعد اعتقال رئيس وزرائهم سعد زغلول.
كما اعتمد الزعيم الهندي المهاتما غاندي سياسة المقاطعة الاقتصادية كوسيلة لمواجهة الاحتلال البريطاني للهند. فقال جملته الشهيرة: “كلوا مما تنتجون، والبسوا مما تصنعون، وقاطعوا بضائع العدو.. احملوا مغازلكم واتبعوني”.
فقرر الهنود منذ تلك اللحظة التي تحدث فيها غاندي مقاطعة الملابس القطنية البريطانية التي تصنع من عَرق جبينهم، وتسببوا بخسارة الشركات البريطانية لملايين الدولارات، وكانت الخسائر الاقتصادية التي مُنيت بها بريطانيا في الهند واحدة من الأسباب التي أدت إلى انسحابها لاحقاً من الهند عام 1947.
أما في السياق الفلسطيني، فتواصل المنظمات الفلسطينية منذ عقود حملات دولية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية ومنتجات المستوطنات والشركات العالمية التي تدعم إسرائيل. تعتبر حركة BDS واحدة من أهم التنظيمات الشعبية التي تعمل في مجال المقاطعة الاقتصادية في قضية فلسطين.
وفي أعقاب حرب روسيا على أوكرانيا التي بدأت في فبراير 2022، قامت العديد من الدول، خاصة الدول الغربية، بمقاطعة روسيا اقتصادياً وفرض عقوبات عليها. تكبدت روسيا والدول المقاطِعة خسائر اقتصادية كبيرة نظراً لدور روسيا الكبير والمؤثر في الاقتصاد العالمي.
إن هذه الأمثلة تظهر كيف أن المقاطعة الاقتصادية قد تكون أداة قوية في التأثير على الأوضاع السياسية والاقتصادية، وقد تؤثر في قرارات الدول والشركات.
هل تنجح حملة المقاطعة الاقتصادية للمنتجات والشركات السويدية؟
رغم إدانة الحكومة السويدية لحادث إحراق رجل عراقي يقيم في السويد نسخة من المصحف أمام مسجد ستوكهولم الرئيسي، يمكن أن نشهد تجدداً في حملات المقاطعة الاقتصادية للمنتجات والشركات السويدية.
تحقيق هدف هذه الحملات سيعتمد على استجابة وتفاعل الشعوب الإسلامية مع حملات الحشد والمناصرة لمقاطعة المنتجات السويدية. إذ إنه تم تنفيذ حملة مشابهة في الماضي للسبب نفسه، ولكنها لم تحقق النتائج المتوقعة.
لذا يجدر بنا اليوم الوعي بأن المقاطعة الاقتصادية أداة ذات تأثيرات متعددة ومتنوعة، حيث يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية اعتماداً على السياق والهدف. ومن الممكن أن تساهم في تشكيل الممارسات الاقتصادية وتحقيق التغيير على المستوى الفردي والشركات والاقتصاد بشكل عام. لذا حالياً، يجب علينا مراقبة قوة حملة مقاطعة المنتجات السويدية وتفاعل المجتمع الإسلامي معها، ومدى تأثيرها على الشركات والمنتجات، بالإضافة إلى التأثير المحتمل على قرارات الحكومة السويدية في المستقبل.
الكاتب – شبكة رمضان