كيف أحتفل المسلمون بعيد الفطر في النمسا؟

ها قد انقضى شهر رمضان المبارك بكل طقوسه وأجوائه الحميمة، وجاء عيد الفطر الذي له أيضاً طابعه وجوه الخاص، مهما اختلف المكان الذي يحل فيه.

العيد في الغربة يختلف عنه كثيراً في المجتمعات العربية والمسلمة، ومن أبرز هذه الاختلافات أن أيام العيد للأسف لا تُعد عطلة رسمية مقبوضة في أغلب أوروبا أما في النمسا يسمح بيومين أجازة غير مدفوعة الأجر، وقد يُصادف أن يوافق أول يوم من أيام العيد يوم السبت أو الأحد، وهي أيام عطلة نهاية الأسبوع الرسمية، وهنا فقط يتمكن المسلمون في الغربة من “الشعور” بالعيد، حيث لا دوام للأطفال في المدارس أو للكبار في أماكن العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع! وقد وافق أول يوم من أيام عيد الفطر هذا العام يوم الجمعة  ثم السبت وبعدها الأحد، وهذا شيئاً طيباً بدلاً من أن يأتي أول أيام العيد في بداية الأسبوع ويكون هناك دوام رسمي!

يحتفل المسلمون بـ “عيد الفطر” في جميع أنحاء العالم بطرق مختلفة، تعتمد على الثقافة والتقاليد المحلية التي ينتمي إليها الناس، لكنها تشترك جميعاً في الجو الاحتفالي والشعور العام بالبهجة والسرور. ويعد عيد الفطر في النمسا فرصة للمسلمين المقيمين في البلاد للتعبير عن هويتهم وتقاليدهم الدينية والثقافية، كما يعد فرصة للتواصل والتفاهم والتعارف بين المجتمعات المختلفة في البلاد. وتتميز هذه المناسبة بالعديد من المظاهر التي تجعلها فريدة ومميزة.

عيد الفطر في النمسا

تبدأ احتفالات عيد الفطر في النمسا حيث يؤدي المسلمون صلاة العيد في المساجد والمراكز الإسلامية المنتشرة في المدن النمساوية أو في المنازل، ويوجد بالمدن الكبيرة جاليات مسلمة كبيرة، يتم عادة استئجار وتخصيص قاعات أو صالات رياضية يمكنها استيعاب الأعداد الكبيرة من المصلين الذين يتوافدون في ساعات الصباح الباكر في مجموعات تضم رجالاً ونساء وأطفالاً من مختلف الأعمار والجنسيات، إلى هذه الأماكن التي تُخصص لأداء صلاة العيد.

في العادة تقوم مجموعة من المتطوعين بترتيب وتنظيم هذه الفعاليات، ويتم توزيع المهام فيما بين أفراد المجموعة، فمثلا يقوم البعض باستقبال الناس وإرشادهم إلى أماكن الوضوء والصلاة، ويوزعون عليهم أكياساً بلاستيكية من أجل وضع الأحذية فيها

بعد الانتهاء من شعائر صلاة وخطبة العيد يتبادل الناس التهاني والتبريكات، ويجدها الأطفال فرصة للعب والجري هنا وهناك وقد امتلأت جيوبهم بقطع الحلوى والشوكولاتة التي حصلوا عليها أثناء مغادرة المُصلى، حيث يقوم المنظمون لهذه الفعاليات بتوزيع أكياس صغيرة مليئة بالحلويات على المُغادرين.

خلال أيام عيد الفطر يتم تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والدينية في النمسا، حيث يقوم المسلمون بزيارة المساجد والمشاركة في الأنشطة والفعاليات التي تنظمها المنظمات الإسلامية المحلية. وتُعد هذه المناسبة الجميلة مناسبة مهمة للاحتفال بالتضامن والمحبة والتعاون، كما أنها فرصة لإظهار الجمال والتعددية في الثقافة الإسلامية، والمساهمة في تعزيز التفاهم الثقافي بين المكونات المختلفة في المجتمع.

بالطبع تُعد زيارة الأقارب والأصدقاء من أهم الطقوس الاجتماعية المصاحبة لهذه المناسبة، حيث يقوم المسلمون بزيارة الأقارب والأصدقاء وتبادل التهاني والتبريكات، كما يقومون بتقديم الهدايا والحلويات.

بعضهم يسمى عيد الفطر في النمسا”عيد السُّكَّر”

بمناسبة الحديث عن الحلويات أجد من الطريف أن أُشير إلى أن عيد الفطر يُعرف باسم آخر في اللغة الألمانية، شاع استخدامه بين النمساويين وهو “Zuckerfest”، وتعني حرفياً “عيد السُكَر” في إشارة إلى كمية الحلويات التي يتناولها المسلمون في هذه المناسبة، وهذه التسمية تمت ترجمتها من اللغة التركية، حيث تعني كلمة”Şeker Bayram” في اللغة التركية عيد السُّكر، ولأن الجالية التركية هي من أكبر الجاليات المسلمة في النمسا، فقد شاع استخدام وتداول هذه العبارة، حتى إن كثيراً من النمساويين لا يعرفون أن التسمية الأصلية لعيد الفطر في اللغة العربية مختلفة!

من الممارسات اللطيفة التي يقوم بها عدد كبير من الناس في هذه المناسبة، وأحرص عليها أنا أيضاً، قيام أولياء الأمور بشراء مجموعة متنوعة من الحلويات، ثم يعطونها لأولادهم حين يأتي عيد الفطر أو عيد الأضحى، ويقوم الأطفال بتوزيع هذه الحلويات على أقرانهم وزملائهم، سواء في رياض الأطفال أو في المدارس، وهكذا تُتاح الفرصة للأطفال المسلمين الذين يحتفلون بهذه المناسبة، بتعريف زملائهم بها بطريقة عملية ولطيفة.

في تلك المناسبة نقوم نحن كأولياء أمور بشرح الأمر مُسبقاً للمعلمين والمُربين في رياض الأطفال وفي المدارس، ونُعلمهم برغبة الأطفال في توزيع بعض الحلويات على زملائهم في هذه المناسبة، وطبعاً تكون فرحة الأطفال كبيرة بتلك الحلويات، التي جاءت من غير ميعاد بالنسبة للكثيرين!

أما بالنسبة لأطفال المسلمين فإن سعادتهم أيضاً تتضاعف عند حصولهم على الهدايا والملابس الجديدة في هذه المناسبة، ويكون المنظر جميلاً جداً حين تمتلئ الحدائق العامة والمتنزهات وأماكن اللعب بالعديد من الأطفال وقد لبسوا الملابس الجديدة، وانشغلوا بالألعاب الجديدة التي حصلوا عليها من الأهل أو الأقارب، بينما أياديهم وجيوبهم مليئة بالحلويات والشوكولاتة!

رغم كل ذلك فإن العيد يظل له طعم خاص ونكهة مميزة في المجتمعات العربية والمسلمة، وهي حقيقة يعرفها كل من جرّب أن يعيش في الغربة لفترة طويلة، لكن هذا لا يمنع المسلمين في الغربة من الاحتفال والاستمتاع بهذه المناسبة الحميمة، التي تظل برغم كل الظروف محتفظة بجمالها وحميميتها.

 

Check Also

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …