مع تزايد المؤشرات على تسوية محتملة بين السعودية والحوثيين، ظهر حديث عن الدور الصيني باليمن، فيما مثَّل مفاجأة استراتيجية جديدة صدمت الأمريكيين مرة أخرى وهم الذين لم يستوعبوا بعدُ صدمة الوساطة الصينية بين طهران والرياض، وفي الوقت ذاته يؤكد الدور الصيني وجهة النظر القائلة بأن أمريكا هي التي تعرقل السلام بالمنطقة.
في واحدة من أكثر المبادرات جدية، يبدو أنَّ الحرب باليمن في طريقها إلى الانتهاء، إذ أفادت وسائل إعلام أمريكية، الخميس 6 أبريل/نيسان، بأنَّه جرى الاتفاق على وقف لإطلاق النار يمتد حتى نهاية 2023، رغم نفي منسوب للحوثيين لوقف إلنار.
وقال مصدر بمطار صنعاء الدولي إن وسطاء عمانيين وصلوا إلى اليمن، أمس السبت؛ لبحث هدنة جديدة بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران من جهة والحكومة الشرعية والمدعومة من السعودية من جهة أخرى، وسط تحركات جديدة لإنهاء الصراع المستمر منذ ثماني سنوات، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
وأفاد موقع محطة الميادين، وهي وسيلة إعلامية لبنانية موالية لإيران وحزب الله وداعمة للحوثيين في العموم، الجمعة 7 أبريل/نيسان، بوجود تفاؤل من جانب الحوثيين بأنَّ الاتفاق حقيقي وأنَّ الحرب تؤول إلى نهايتها تدريجياً. وطابقت وكالة رويترز لاحقاً يوم الجمعة تقرير الميادين، مؤكِّدةً أنَّ مبعوثين سعوديين سيسافرون إلى صنعاء؛ لمناقشة شروط “وقف إطلاق نار دائم”.
الأمر المثير للدهشة هنا هو الدور الواضح للصين -والغياب التام للولايات المتحدة والرئيس جو بايدن- في إبرام الاتفاق اليمني، حسبما ورد في تقرير لموقع The Intercept الأمريكي.
ويُدعَّم الاتفاق اليمني باتفاق آخر توسَّطت فيه الصين من أجل التقارب بين إيران والسعودية، حيث التقى وزيرا الخارجية الإيراني والسعودية، في بكين، الخميس؛ لوضع اللمسات النهائية على اتفاق يعيد الرحلات الجوية المباشرة بين الرياض وطهران، ويعيد فتح السفارتين، ويُوسِّع التعاون الاقتصادي.
تفاصيل الدور الصيني باليمن غير معروفة، ولكن الأمور تتقدم
ولم يتضح من تقرير الموقع الأمريكي مدى الدور الصيني في الاتفاق اليمني الأخير، وهل الدور الصيني يأتي من الوساطة بين الرياض وطهران التي مهدت للمضي قدماً في التسوية بالأزمة اليمنية مع ترك التفاصيل للأطراف الإقليمية مثل سلطنة عمان وإيران والسعودية والحوثيين، أم أن الصينيين دخلوا في تفاصيل الاتفاق اليمني.
وقال مسؤول بجماعة الحوثي اليمنية يوم السبت، إن الجماعة استقبلت 13 أسيراً أفرجت عنهم السعودية مقابل أسير سعودي أُفرج عنه في وقت سابق، وذلك قبيل تبادل أوسع للأسرى اتفق عليه الطرفان المتحاربان.
وقالت مصادر لـ”رويترز” إنه من المتوقع أن يجتمع مبعوثون سعوديون وعمانيون في صنعاء؛ للتفاوض حول اتفاق وقف إطلاق نار دائم مع المسؤولين الحوثيين، وذلك بناءً على اتفاق هدنة توسطت فيه الأمم المتحدة لكن انتهى أجله.
وأعلن كبير مفاوضي جماعة الحوثي، محمد عبد السلام، وصول الوفد العماني إلى العاصمة صنعاء، فيما أكد مستشار وزارة الإعلام اليمنية مختار الرحبي، عبر حسابه على تويتر، أن “السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، وصل إلى صنعاء على رأس وفد سعودي”، دون مزيد من المعلومات.
وتزامناً مع وصول الوفد العماني، أعلن رئيس الوفد التفاوضي لجماعة الحوثي محمد عبد السلام، السبت، أن جماعته “متمسكة بمطالب عادلة وستجري نقاشاً حولها بهذه الجولة”، بحسب ما نقلته وكالة سبأ التابعة للحوثيين.
الصين حققت الوعد الذي فشل بايدن في تحقيقه
وقال تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم المسؤول: “تعهَّد بايدن بإنهاء الحرب في اليمن، وربما أوفت الصين بهذا التعهُّد.
ومكَّنت عقودٌ من السياسة الخارجية الأمريكية المُسلَّحة في الشرق الأوسط الصين من الاضطلاع بدور صانعة السلام، في حين أنَّ واشنطن عالقة وعاجزة عن عرض أكثر من مجرد صفقات سلاح وضمانات أمنية على نحوٍ متزايد”.
وسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في عام 2014 بعدما استغلوا الفوضى الناجمة عن الربيع اليمني والإطاحة بالرئيس الراحل علي عبد الله صالح، ما أدى إلى اندلاع صراع مع الحكومة الشرعية المدعومة من قبل تحالف عسكري تقوده الرياض ذات الثقل الإقليمي.
ولطالما دعمت الولايات المتحدة السعودية تماماً وعارضت الحوثيين بقوة، وهم المدعومون من إيران.
ما هي شروط الحوثيين؟
ومن المطالب التي طرحها رئيس الوفد التفاوضي لجماعة الحوثي محمد عبد السلام، “صرف مرتبات جميع الموظفين من استحقاقات إيرادات النفط والغاز (في مناطق الحكومة)، وإعادة الإعمار، وخروج القوات الأجنبية من اليمن والتعويضات”.
ويقول الموقع الأمريكي: “لقد انتزعت الصين الآن تنازلات من السعوديين جعلت مباحثات وقف إطلاق النار ممكنة. ويبدو أنَّ السعوديين وافقوا على مطالب الحوثيين بالكامل، والتي تتضمَّن فتحاً لميناء رئيسي من أجل السماح بدخول الإمدادات الضرورية إلى البلاد، والسماح بالرحلات الجوية إلى صنعاء، والسماح للحكومة بالوصول إلى عملتها من أجل دفع رواتب العاملين وتحقيق استقرار الاقتصاد.
وقد تذكّر هذه الشروط بالنموذج الذي كان سائداً في لبنان قبل سنوات، حينما كان الحكم في البلاد شراكة مضطربة بين حلفاء السعودية من ناحية وحلفاء إيران ونظام الأسد من ناحية أخرى، شراكة تتيح السيطرة الأمنية لحلفاء إيران وبقاء الحالة الميليشياوية أعلى من سلطة الدولة، كل ذلك في الحالة اللبنانية يتم والدولة يتم تمويلها من قِبل السعودية والخليج، وبصورة أقل: الغرب.
المفارقة أنه قد يكون للرياض حافز لتنفيذ ولو جزء من هذه المعادلة في اليمن أكثر من لبنان؛ لمجاورته للسعودية، وحاجة المملكة لتأمين حدودها ووقف تهديدات الحوثيين.
ولكن السؤال هو: هل يلتزم الحوثيون بالمعادلة أم يفعلون مثل حزب الله ويستغلونها لتوسيع نفوذهم، خاصةً أن الحوثيين أقل التزاماً بأوامر إيران وأقل اكتراثاً بتأثيرات الضغوط الاقتصادية والأمنية والمعيشية للأزمات على مواطني بلادهم من اكتراث حزب الله بأزمات لبنان؟
أولوية السعودية حماية أراضيها والتركيز على التنمية المحلية
وقال إريك سبيرلينغ، المدير التنفيذي لمؤسسة “Just Foreign Policy” (سياسة خارجية عادلة)، التي تعمل من أجل إنهاء الحرب في اليمن منذ سنوات: “تُظهِر التنازلات السعودية -وضمن ذلك الرفع المحتمل للحصار والخروج من الحرب- أنَّ أولويتها هي حماية الأراضي السعودية من الهجوم، والتركيز على التنمية الاقتصادية في الداخل.
يختلف هذا عن النهج الذي يُفضِّله كثير من نخب السياسة الخارجية في واشنطن، التي ما يزال يحدوها الأمل بأنَّ الحرب والحصار السعوديين يمكن أن يجبرا الحوثيين على تقديم تنازلات والتنازل عن مزيد من السلطة للحكومة اليمينية المدعومة من الولايات المتحدة”.
وقال بارسي: “ليس واضحاً ما إذا كانت الصين قد لعبت دوراً محورياً في البعد اليمني. لكن سيُنسَب بعض الفضل لبكين، بسبب دورها في جمع الرياض وطهران”.
كانت السياسة الأمريكية تجاه الصراع اليمني معادية جداً للسلام، ويبدو أنها غير مرحبة بالتطورات في العلاقات بين السعودية وإيران، حيث أفادت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، يوم الخميس، بأنَّ الولايات المتحدة تشعر بإحباط عميق من مدى العقلانية التي تتصرف بها الأطراف المختلفة.
ففي زيارة غير معلنة للسعودية هذا الأسبوع، أعرب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وليام بيرنز، عن إحباطه من السعوديين، وذلك وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة. قال بيرنز لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إنَّ الولايات المتحدة شعرت بالصدمة من تقارب الرياض مع إيران وسوريا تحت رعاية خصوم واشنطن الدوليين.
كل هذا جزء من برنامج أكبر للدبلوماسية الصينية –عكس تهديدات الحرب الأمريكية- في الشرق الأوسط. إذ قال وزير الخارجية الإيراني علناً، إنَّه عقد أيضاً لقاءً موسعاً لمدة ساعتين مع نظيرته الفرنسية حين كانت هي الأخرى في الصين. تأتي اللقاءت قبيل قمة إقليمية مزمعة ستُنظِّمها الصين وتشمل السعودية وإيران.
ما مصير الحكومة اليمنية الموالية للرياض والمعترف بها دولياً؟
وفي ظل تخلي السعوديين عن دعم المسلحين في حرب اليمن، لن يكون لدى تلك الفصائل الموالية لها في اليمن قدرة كبيرة متبقية للقتال، ولو أنَّه ستظل هنالك على الأرجح بعض الصدامات قبل التوصل إلى سلام نهائي. وقال بعض المراقبين إنَّ الولايات المتحدة ما زال بإمكانها أن تدعم جهود إنهاء الحرب وصولاً إلى نهايتها النهائية.
وقال حسن الطيب، المدير التشريعي لسياسة الشرق الأوسط في لجنة الأصدقاء للتشريعات الوطنية: “إذا رفضت واشنطن تقاسم القوة الإقليمي وعرقلت عالماً يكون للدول الأخرى فيه مصلحة راسخة في السلام، فإنَّها تخاطر بمصالح أمريكا الاقتصادية والأمنية وسُمعتها الدولية”.
تهدد الطريقة التي قد تنتهي بها الحرب أيضاً مدى عدم شرعية “الحكومة” اليمنية المدعومة من الولايات المتحدة في السنوات العديدة الماضية.
موقع The Intercept قال إنه في الواقع، إنَّ هذه الحكومة عبارة عن مجموعة من المنفيين الذين يعيشون في فنادق بالرياض، مدعومين بالكامل من السعودية وطوع بنانها. وكانت السعودية تشير إليها لفترة في الوثائق الرسمية باعتبارها “الحكومة الشرعية لليمن”، ولو أنَّه لم يكن لها حكم فعلي ولم يكن لها شرعية خارج فنادقها، حسب الموقع.
ووفقاً لقناة الميادين: “قالت المصادر اليمنية إنَّ الرياض وضعت رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي في صورة تفاهماتها غير المعلنة مع حكومة صنعاء”. كانت تلك هي النهاية المؤسفة للحكومة اليمنية التي تحظى باعتراف الولايات المتحدة.
وقال سبيرلينغ: “على الرغم من أنَّ الحوثيين حركة معيبة للغاية، فإنَّه من غير الأخلاقي وغير الفعَّال محاولة مواجهتهم من خلال دفع عشرات الملايين من اليمنيين إلى حافة المجاعة. السعوديون أذكياء لتقليص خسائرهم وإنهاء ضلوعهم في كابوس حقوق الإنسان هذا وإعادة تركيز انتباههم على تنميتهم الاقتصادية”.
ويمثل اليمن أهم وأسخن ساحات الصراع السعودي الإيراني، والأكثر حساسية بالنسبة للرياض، وورقة الضغط الأقوى والأقل تكلفة في يد طهران تجاه السعودية، بل العالم، في ظل موقع اليمن الاستراتيجي المجاور للسعودية ولمضيق باب المندب أحد أهم الممرات الملاحية، إضافة إلى وعورة تضاريس البلاد التي تعطي أفضلية عسكرية كبيرة للحوثيين حتى أمام جيش حديث مثل الجيش السعودي.
لكن قد يجد الصينيون أنَّ التوسُّط في السلام أصعب من الحفاظ عليه. فهذا الأسبوع، شنَّت مجموعات متحالفة مع إيران في لبنان ضربات صاروخية على إسرائيل رداً على اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى المبارك في القدس. ردَّت إسرائيل، التي تحرَّكت للاقتراب بصورة متزايدة من السعودية، على الصواريخ بمهاجمة كلٍّ من غزة ولبنان. ولن يعاني الرئيس شي جين بينغ، من نقص في الخلافات التي تعوزها الحلول في قمته المقبلة.
كما أن الغرب والانفصاليين المدعومين من الإمارات قد يعرقلون الاتفاق المحتمل.
وقد تكون إحدى المفارقات القليلة في الأزمة اليمنية أن الشيء الوحيد الذي يكاد تتفق عليه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمدعومة من السعودية، والحوثيون المدعومون من إيران هو وحدة اليمن والقلق من أجندة المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالية.
المصدر – عربى بوست – شبكة رمضان