لطالما تم الترويج لإسرائيل على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وسط مجموعة كاملة من الديكتاتوريات العربية وغير العربية. ها نحن اليوم نشاهد مظاهر الديمقراطية الإسرائيلية، وكيفية التعامل مع المصلين، والاقتحام المكرر والضرب والاغتيال في المسجد الأقصى.
ها هي حكومة نتنياهو تقتحم المسجد الأقصى لليوم الثاني على التوالي، بحيث أفرغت قوات الاحتلال كل عداوتها وعنصريتها ضد المعتكفين في المسجد الأقصى، وسرعان ما تحول هذا الهجوم العدواني إلى مواجهة امتدت إلى أنحاء أخرى غير القدس شملت الضفة الغربية وقطاع غزة. الضفة الغربية وحدها شهدت خلال الساعات الماضية 77 عملية إطلاق نار، استهدفت المواطنين الفلسطينيين.
لا يجب على العنصريين في حكومة نتنياهو أن يخطئوا في حساباتهم، ويظنوا أنهم يستطيعون أن يعزلوا صوت المصلين في الأقصى عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فيما يبدو أن سياسة العزل هذه باءت بالفشل لإجماع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة على ضرورة إرسال رسالة لحكومة نتنياهو، مفادها أن مصير الشعب الفلسطيني هو مصير واحد، وأن الفصائل في غزة مستعدة للذهاب بعيداً لحماية الشعب الفلسطيني أينما كان.
رشقات تحذيرية من الصواريخ أطلقتها فصائل المقاومة في غزة، مهمتها الوحيدة هي القول إن الفصائل مستعدة لأي مواجهة قادمة، وإنّ حكومة نتنياهو عليها أن تتراجع عن عمليات اقتحام وانتهاك حرمة المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك.
قد يقلل البعض من أهمية الاعتكاف في المسجد الأقصى، أو إصرار المقدسيين على الصلاة فيه، وقد يهول البعض من حجم الخسائر التي يتكبدها الفلسطينيون خلال عملية الاعتكاف، والتي وصلت إلى أكثر من 200 جريح واعتقال 500 شخص، إلا أن عملية المواجهة الحالية هي حياتية وضرورة ولا بد منها في عمليات المواجهة طويلة الأمد مع قوات الاحتلال ومع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
إن جوقة اليمينيين المتطرفين التي جاء بها نتنياهو، هي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل. خصوصاً إذا ما نظرنا إلى التشريعات التي تحاول هذه الحكومة تمريرها، وتتضمن قوانين عنصرية ووحشية ضد المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
إن ما تقوم به “جوقة نتنياهو”، بقيادة وزير أمنه بن غفير، تهدف إلى إرعاب الفلسطينيين وتهويد القدس وتحويل المسجد الأقصى إلى السيادة الإسرائيلية الكاملة. جوقة نتنياهو اليوم تسعى إلى تصدير أزماتها الداخلية إلى أماكن أخرى من خلال خلق معضلات أمنية في المسجد الأقصى.
وحدها مقاومة الشعب الفلسطيني الحرّ هي التي تكشف الوجه القبيح لهذا المحتل على مستوى العالم. الفلسطينيون، والمقدسيون بشكل خاص، يدركون أهمية المشاركة في الصلاة بشكل سلمي في المسجد الأقصى، وهم يدركون كذلك أهمية الاعتكاف بسلام في المسجد الأقصى، وضرورة تصدير مبادئ قضية التحرر العالمي الأخيرة على المستوى العالمي.
يعلم كل شخص من الأشخاص الذين يصرّون على الاعتكاف في الأقصى أنه عند الخروج إلى الصلاة قد لا يعودون أحياء إلى بيوتهم، ولكن هم يرجحون الهدف الأسمى لهذه الحياة على العيش تحت ذل الاحتلال. إن مقاومة الشعب الفلسطيني هي التي سلطت الضوء على حالة الهوان العربي، ودفعته إلى اتخاذ مواقف ضد عملية القمع المنهجي للشعب الفلسطيني.
ختاماً، ليست المسألة مسألة صلاة أو اعتكاف في المسجد الأقصى، الاعتكاف في الأقصى هو تجريد لصورة الديكتاتور نتنياهو، الذي يحاول تصدير أزماته إلى أمكان أخرى. المسألة هي أن القدس والمقدسيين أثبتوا مرة أخرى أنهم مفتاح الهدوء للمنطقة بأسرها، وأنّ محاولة التهويد والترعيب ضد الفلسطينيين من الممكن أن تدفع الأوضاع إلى الانفجار، ها هي أصواتهم في المسجد الأقصى تصدح مرة أخرى “أليس الصبح بقريب”.
القاهرة – حامد أبو العز