نيويورك تايمز عاصمة مصر الجديدة تذكّر بأمجاد الفراعنة، ولكن هل تساهم في إنعاش الأقتصاد؟

عمليات البناء مستمرة في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر

تمتد العاصمة الإدارية الجديدة لمصر عبر رقعة من الصحراء تبلغ أربعة أضعاف مساحة العاصمة الأمريكية واشنطن، وتؤكد الحكومة أن بناءها يساهم في تقليل البطالة وأن الانتقال إليها سيقلل زحام القاهرة، ولكن المشروع بات محل انتقادات كثيرة حتى من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ووصفت صحيفة New York Times الأمريكية، العاصمة الإدارية الجديدة لمصر بأنها عاصمة جديدة مبهرجة، إمبراطورية من حيث الحجم والأسلوب، تجسد الطموحات العظيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي وعباءته كحاكم للبلاد بلا منازع.

وتضم العاصمة الإدارية الجديدة، الواقعة خارج القاهرة، أعلى مبنى في إفريقيا وهرماً بلورياً وقصراً واسعاً على شكل قرص للرئيس لسيسي مستوحى من رموز إله الشمس المصري القديم. ست سنوات في الإعداد بتكلفة تقدر بـ59 مليار دولار، وهي الأكبر في عدد كبير من المشاريع العملاقة التي بناها الرئيس المصمم على إعادة تشكيل مصر، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.

وتخترق الطرق السريعة المكونة من ثماني حارات شوارع القاهرة المتهدمة، وتحيط بالمقابر القديمة وأهرامات الجيزة. تمتد الجسور العملاقة، التي أُقيمَت حديثاً، على نهر النيل. تلمع مدينة العلمين كعاصمة صيفية جديدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط​​، خارج مدينة الإسكندرية.

حكام مصر منذ قرون وهم حريصون على تشييد المشروعات العملاقة

هذه المشاريع التي شيدها في الغالب الجيش القوي والحاكم في البلاد، تجعل من السيسي الأحدث في سلسلة طويلة من القادة المصريين، الذين امتدوا لقرون من الزمن، والذين سعوا إلى أن تنعكس سلطتهم في فرض الهياكل التي ترتفع من الصحراء.

ولكن في الوقت الذي تمر فيه مصر بحالة من التباطؤ الاقتصادي الحاد، تتعرض مواردها المالية لضغط خطير، وتتزايد الشكوك الصاخبة حول ما إذا كانت البلاد قادرة على تحمل أحلام السيسي العظيمة. في السنوات الست الماضية وحدها، منح صندوق النقد الدولي مصر ثلاثة قروض يبلغ مجموعها حوالي 20 مليار دولار، حتى مع استمرار تدفق المساعدات الأمريكية. ومع ذلك، فإن البلاد في مأزق مرة أخرى.

ولكن محللين يقولون إنها تبنى للأثرياء بقروض يدفعها الفقراء

قال ماجد مندور، المحلل السياسي المصري، إن الرئيس “يقترض المال من الخارج لبناء مدينة ضخمة للأثرياء”. لكنه أضاف أن المصريين الفقراء ومن الطبقة المتوسطة يدفعون ثمن المشاريع العملاقة من خلال الضرائب، وانخفاض الاستثمار في الخدمات الاجتماعية وخفض الدعم، حتى عندما يكون المنطق الاقتصادي لهذه المشروعات موضع تساؤل.

ورغم أن تمويل المشاريع الجديدة لا يزال غامضاً، ولكن يعتقد أنها تُموَّل جزئياً من رأس المال الصيني، بالإضافة إلى السندات عالية الفائدة التي سيكون سدادها مكلفاً على مصر في السنوات المقبلة. يعمل بعض المطورين الإماراتيين أيضاً في العاصمة الجديدة.

ومصر ثالث أكبر مشتر للسلاح في العالم والمستثمرون الأجانب هربوا

كانت الأوضاع المالية لمصر بشكل عام هشة حتى قبل أن تغزو روسيا أوكرانيا في فبراير الماضى لقد اقترضت الحكومة المصرية بكثافة لتمويل المشاريع العملاقة، بالإضافة إلى مليارات الدولارات من مشتريات الأسلحة ، والتى قدرت بحوالى 52 مليار دولار ، حيث كانت مصر ثالث أكبر مشتر للسلاح في العالم بين عامي 2016-2020، مما ساعد على مضاعفة الدين الوطني أربع مرات على مدى عقد من الزمان.

وابتعد المستثمرون الأجانب في الغالب عن مصر، بسبب قبضة الجيش الشديدة على الاقتصاد المصرى. هذا إلى جانب عدم التركيز على تطوير الصناعات المحلية، مما يعني أن القطاع الخاص، خارج النفط والغاز، قد انكمش كل شهر منذ ما يقرب من عامين.

وها هي مصر بحاجة إلى خطة إنقاذ بقيمة 15 مليار دولار

قدَّر بنك غودمان ساكس مؤخراً أن مصر بحاجة إلى خطة إنقاذ بقيمة 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لسد دائنيها. وزير المالية المصري، الذي يؤكد أن البلاد تسعى للحصول على قرض جديد من صندوق النقد، يقول إن المبلغ الفعلي الذي سيحصل عليه أصغر بكثير، وقدَّر الدبلوماسيون المبلغ بـ3 مليارات دولار.

أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ترنح سوق الأوراق المالية المصرية. مع ارتفاع أسعار الفائدة وأسعار المواد الغذائية هذا الصيف، أصبحت المالية العامة متوترة للغاية، لدرجة أن الحكومة أمرت مراكز التسوق والملاعب والمرافق العامة الأخرى بتقنين تكييف الهواء وإطفاء الأنوار حتى تتمكن من بيع المزيد من الغاز إلى الخارج، من خلال تقليل استهلاك محطات الكهرباء.

الآن، يحذر الاقتصاديون من أن مصر أصبحت واحدة من عدد قليل من البلدان التي تتعرض لخطر كبير بالتخلف عن سداد الديون، وحتى أنصار الرئيس السيسي قلقون بشأن الألم الاقتصادي في المستقبل.

حلفاؤها الغربيون والخليجيون سارعوا لإنقاذها

كما كان من قبل، قد ينقذ مصر حلفاؤها من كارثة. استثمرت المملكة السعودية والإمارات وقطر ما لا يقل عن 22 مليار دولار في البلاد هذا العام. وتوفر الولايات المتحدة، التي دعمت خطة الإنقاذ التي قدمت من قبل صندوق النقد في عام 2016، دفقاً ثابتاً من المساعدات العسكرية.

ورغم أن السيسي واجه انتقادات نادرة من بعض مؤيديه بشأن المشاريع العملاقة المبهرة، فقد أصر على المضي قدماً ، لكن هذا لا يعني أن اقتصاده المتعثر يمكن أن يدعم هذه المشروعات.

الحكومة تتوقع أن توفر ملايين الوظائف

في حين وعدت الحكومة بأن المدن الجديدة ستوفر ملايين الوظائف والمساكن التي تمس الحاجة إليها، يقول الاقتصاديون إن غالبية الوظائف التي تم إنشاؤها حتى الآن هي وظائف في مجال البناء منخفضة الأجر.

ما لم يُدخل السيسي تغييرات أكبر، مثل تخفيف القبضة الاقتصادية للجيش وبدء الصناعة الخاصة، فإنهم يقولون إن فوائد المشاريع الجديدة ستكون قصيرة الأجل.

لقد دفع المصريون العاديون، الذين تعرضوا للضغط بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات المعيشة، تكاليف مشروعات الحكومة المصرية الطموحة من قبل.

المشروعات القومية السابقة لم تؤتِ أكلها

في عام 2015 افتتح قناة السويس التي تكلف حفرها 8 مليارات دولار والتي بشرت بأنها “ولادة جديدة لمصر”. لكنها فشلت في تحقيق المكاسب المفاجئة الموعودة.

حققت قناة السويس إيرادات بقيمة 6.3 مليار دولار العام الماضي، أقل بكثير من التوقعات الحكومية الأصلية البالغة 13 مليار دولار بحلول عام 2023.

بدت أولى علامات القلق من المصريين على أحدث المشاريع العملاقة في عام 2019، عندما ردد المتظاهرون، خلال احتجاجات نادرة مناهضة للحكومة في القاهرة، انتقادات ضد بناء قصر رئاسي في العاصمة الإدارية وقصور أخرى فى مدينة العالمين الجديدة .

نظراً لأن تداعيات الحرب في أوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية هذا العام، فقد انتشرت الوسوم المناهضة للحكومة المصرية على وسائل التواصل الاجتماعي

عمليات البناء مستمرة في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر

كان من المفترض أن توفر العاصمة المصرية الجديدة فترة راحة من فوضى القاهرة التي يخنقها الدخان، حيث تجاوز عدد سكانها 20 مليون نسمة.

ورغم أن فكرة إنشاء مدينة موازية للقاهرة، تعود لحسني مبارك، الذي أطيح به في انتفاضات الربيع العربي عام 2011، فقد ارتقت الحكومة إلى آفاق جديدة: ناطحة سحاب صينية تسمى البرج الأيقوني ترتفع إلى ما يقرب من 395 متراً، لتصبح أطول مبنى في إفريقيا.

بُنِيَت بالفعل عشرات الآلاف من الوحدات السكنية في العاصمة الجديدة، رغم أن القليل منها مؤثَّث أو مطلي، مما يعطي المدينة الجديدة مظهر موقع بناء شاسع.

لكن تصميمات الكمبيوتر تصور الشوارع الخضراء وخطوط الترام والاستخدام المكثف للتكنولوجيا الرقمية: ستراقب حوالي 6 آلاف كاميرا شوارع المدينة الجديدة، إذ ستستخدم السلطات الذكاء الاصطناعي لتحسين استخدام المياه وإدارة النفايات، وسيقدم المقيمون الشكاوى باستخدام تطبيق الهاتف المحمول.

يفترض أن التمويل كان سيأتي من المستثمرين الأجانب

كانت الحكومة المصرية قد وعدت أصلاً بتمويل العاصمة الجديدة من قبل المستثمرين الأجانب والمحليين وبيع الأراضي الحكومية في وسط القاهرة. وتعرض المطورون المصريون- بعضهم لهم صلات بالجيش- لضغوط من الحكومة للمساعدة في بنائها، حسب الصحيفة الأمريكية.

ولكن مع تراجع اهتمام المستثمرين، أعلن الرئيس أن الحكومة ستدفع للمطورين حوالي 203 ملايين دولار سنوياً لاستئجار الوزارات والمباني الرسمية الأخرى في منطقة المكاتب الجديدة، مما يضع عبئاً مباشراً على دافعي الضرائب.

المصريون العاديون لن يسكنوا فيها

في ظهيرة أحد الأيام أثناء بناء المدينة، وقف محمد محمود، 27 عاماً، وعمر شيخ، 28 عاماً، وهما عاملا بناء وسط الرافعات والغبار في انتظار حافلة تصل إلى سوهاج، على بعد 350 ميلاً من النيل. مع حشو أمتعتهم في أكياس من القماش، قالوا إنهم يشكون في أنهم سيعودون إلى المدينة الجديدة البراقة، بعد الانتهاء من البناء، حيث تصل تكلفة أرخص شقة إلى 80 ألف دولار (ما يقرب من مليونين و600 ألف جنيه).

قليلون يجادلون في أن مصر، التي يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة ويزداد عددهم بأكثر من مليون سنوياً، تحتاج بشكل عاجل إلى المزيد من المساكن. لكن مخططي المدن يقولون إن من الأفضل للحكومة إصلاح مدنها المحطمة بدلاً من بناء مدن جديدة.

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …