يشتكي عدد من الأفارقة الفارين من الحرب في أوكرانيا من تعرضهم للتمييز بعد وصولهم إلى ألمانيا، ما ضاعف من معاناتهم عقب تعرضهم للعنصرية خلال رحلة الفرار من المعارك في أوكرانيا.
بات الشاب النيجيري تشيزي مرهقا ومثقلا بالهموم بعد فراره من مدينة خاركيف الأوكرانية حيث كان يدرس الاقتصاد، بيد أن الأمر لا يعود برمته إلى مشقة الفرار وإنما لما عايشه من تمييز وعنصرية.
وفي مقابلة مع DW، قال تشيزي – اسم مستعار – “إنه لوضع صعب للغاية حتى بالنسبة لصديقتي”، في إشارة إلى سيدة ألمانية تعرف عليها في شوارع برلين بعد أن أصبح بلا مأوى عقب هروبه من أوكرانيا بعد قصفت روسيا الجامعة التي كان يدرس فيها في مارس / آذار.
واستضافت هذه السيدة الألمانية تشيزي كي تنقذه من التشرد.
وفي ذلك، قال “هذه السيدة مثل أمي إذ تهتم بأمري وتقدم يد العون، وأعجز عن إيجاد كلمات لشكرها”.
عدم المساواة في المعاناة فقط؟
يشار إلى أن قرابة ثمانين ألف طالب من دول آسيوية ولاتينية وأفريقية كانوا مسجلين في جامعات أوكرانية، لكن العديد منهم فر مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط.
ورغم تساوي المعاناة من الحرب، إلا أن المعاملة التي حصل عليها الفارون من الحرب في أوكرانيا لم تكن متساوية خاصة في أعقاب وصلهم إلى المعابر الحدودية، إذ اشتكى الكثير منهم من أن حرس الحدود الأوكرانيين كانوا يعطون الأولوية للأوكرانيين فيما كان يتعين على الفارين ممن ينتمون إلى الدول الأفريقية الانتظار في طوابير تمتد لعدة كيلومترات.
وما زاد الطين بلة تعرض البعض منهم للتمييز في البلدان التي فروا إليها بما في ذلك ألمانيا
الأوقات الجيدة لا تدوم
وبالنسبة للشاب النيجيري تشيزي، فكانت حياته في أوكرانيا قبل الحرب جيدة حيث كان يعيش في سكن الجامعة وقطع أشواطا طويلة في الاندماج في الجامعة والمجتمع، إلا أن حياته انقلبت رأسا على عقب استيقاظه ورفاقه على صوت القصف الروسي. وقال “قبل أن نتمكن من الهروب من غرفنا، أدركنا أن العديد من الأشخاص قد فروا فيما وجد آخرون طرقا للهروب إلى الملاجئ كي يشعروا بالأمان. وبعد ذلك بأسبوع، كنا نعتقد أن الأمور ستهدأ، لكن الأمور ساءت وتفاقم الوضع”.
وبنبرة مريرة، يسرد تشيزي واقعة مروعة عاصرها عندما ذهب لاستلام أوراقه من إدارة الجامعة، مضيفا “لقد شاهدت انفجار قنبلة في الجامعة”. وقال “فور الانفجار، جرى نقل البعض منا ممن كانوا في المكتب إلى مخابئ تحت الأرض بحثا عن الأمان. وقد غادرت أوكرانيا بعد ذك بيوم إذ كنت بحاجة إلى إيجاد طريق للهروب.. وكان يٌفترض أن أرحل”.
لكن تشيزي أضطر إلى البقاء في أوكرانيا لخمسة أيام أخرى ثم نجح في عبور سلوفاكيا ليصل إلى وجهته النهائية ألمانيا، فيما كان الأمر شديد الصعوبة نظرا لقيام حرس الحدود بتصعيب مغادرة الأجانب البلاد. وقال ” لم يكن أي شخص يعرف ماذا سيحدث خاصة بعد أن أبلغنا بأن الروس لا يقصفون فقط المباني الحكومية وإنما أيضا المباني الخاصة، لذا استغرق هروبنا من أوكرانيا بعض الوقت”.
معاملة غير إنسانية
وقال إن الطريقة الوحيدة لتجاوز حدود سلوفاكيا بشكل أمن وبلا مخاطر كان استقلال القطار بدون توقف، لكن المسافرين الأوكرانيين ممن كانوا على متن القطار أدركوا أنه ورفاقه أفارقة وليسوا من أبناء جنسهم، ليبدأ فصل جديد من المعاناة
وقال تشيزي إنه بمجرد وصول القطار إلى الحدود السلوفاكية، جرى إبلاغه ورفاقه بأنهم قد وصلوا إلى وجهتهم النهائية وأن القطار لن يتحرك بعد ذلك.
وفي حالة صدمة، أضاف أنه بمجرد مغادرتهم القطار، فوجئوا بأن القطار استمر في الرحلة التي كانت بمثابة أسهل طريقة لتجاوز الحدود دون خطر، مشيرا “إذا غادرت القطار فسوف تقضي بضعة أيام قبل أن تسمح لك سلطات الهجرة بالمرور”.
وقال إنه اضطر وغيره من الطلاب الأجانب إلى البقاء في محطة القطارات لثلاثة أيام فيما كانوا يتناولون فقط البسكويت والماء بسبب عدم امتلاكهم أي نقود لشراء الطعام، مضيفا أن سلطات الهجرة في سلوفاكيا سحمت لهم بالعبور إلى المجر في رحلة مدتها ثماني ساعات ثم كان يتعين عليهم البقاء ليلة أخرى في محطة قطارات قبل قصد ألمانيا.
صدمة الواقع المرير
وقال تشيزي إنه لم يكن لديه أي أصدقاء أو معارف في ألمانيا، مضيفا “جئت إلى ألمانيا لكي تساعدني الحكومة في العيش بأمان وأن أتمكن من استكمال دراستي”.
لكنه فوجئ بأن الحقيقة كانت على النقيض تماما، إذ بمجرد وصوله الأراضي الألمانية جرى نقله وآخرين إلى مركز استقبال اللاجئين في برلين للحصول على الحق بالحماية.
وقال إنه اضطر للبقاء في المركز لمدة شهر إذ جرى اختيار الأوكرانيين فقط، مضيفا “مكثنا في هذا المخيم لمدة شهر بدون أتصال. وفي ظل ذلك، اشتكى البعض من أننا لا نعرف ماذا سيحدث فيما لم يكن أي شخص يهتم بوضعنا باستثناء جلب الطعام لنا”.
وأضاف أنه بعد شهر، أبلغنا بأن الأوكرانيين فقط يمكنهم استقلال حافلة والانتقال إلى مدن أخرى فيما اضطر تشيزي وغيره من الفارين من غير الأوكرانيين إلى التحرك صوب ميونيخ حيث بقوا هناك لمدة شهر دون معرفة مصيرهم.
وفي ذلك، قال “تلقينا رسالة بعد بضعة أسابيع من التسجيل تفيد بأننا يجب أن نعود إلى بلادنا لأننا لسنا أوكرانيين. وعلى الفور، قمنا بالتواصل مع الأسر الألمانية التي استضافتنا وقد ابلغتنا بأن الأمر ليس صحيحا وأن الرسالة لم تكن سوى تهديد ويتعين علينا عدم الشعور بالذعر بسببها”
المزيد من “رسائل التهديد”
وقال إن الأمر لم يتوقف عند هذه الرسالة، مضيفا “تلقينا رسالة أخرى تفيد بأننا لن نحصل على إعانات اجتماعية لأننا لسنا أوكرانيين”.
وعلى وقع هذا الأمر، اضطر تشيزي إلى مغادرة ميونيخ والتوجه إلى برلين بعد نصحهم بعض الأشخاص بأن الوضع في العاصمة الألمانية سيكون مختلفا. وقال إنه لم يحصل على إعانة من السلطات، إذ اقتصر الأمر على المساعدات التي كانت تقدمها العائلة الألمانية في ميونيخ التي استضافته ووفرت له حجرة والطعام.
تظاهرة في برلين
يشار إلى أن عددا من اللاجئين والنشطاء نظموا مظاهرة في 17 مايو / آيار أمام مقر المجلس الاتحادي في ألمانيا ” البوندسرات ” في برلين ضد التمييز الذي يتعرض له الفارون من أوكرانيا من غير الأوكرانيين.
وفقا للموقع الخاص بمجلس اللاجئين، فإنه جرى تسهيل حصول الأوكرانيين الفارين على تصاريح الإقامة وتصاريح العمل وإعانات اجتماعية في ألمانيا فيما جرى حرمان الفارين من أوكرانيا غير الحاملين للجنسية الأوكرانية من الحق في الحصول على الحماية المؤقتة باعتبارهم نازحين بسبب الحرب.
وطالب المتظاهرون بمعاملة جميع الفارين من أوكرانيا بما في ذلك الذين لا يحملون الجنسية الأوكرانية، على قدم المساواة.
ادعاءات بمعاملة عنصرية
وبدورها، قالت جوليان غيبل، التي أسست منظمة غير حكومية لمساعدة الفارين من أوكرانيا، إن المظاهرة كانت ترمي إلى إثارة هذه القضايا.
وفي مقابلة مع DW، قالت إنه خلال الصراعات “يمكن رؤية حوادث تنم عن تمييز ومعاملة مختلفة للاجئين بسبب جنسياتهم. لقد أظهرت هذه الحرب أن معاملة اللاجئين يمكن أن تكون مختلفة وأفضل عما كان عليه الوضع في السنوات الأخيرة في ألمانيا”. وأضافت “يمكن الحصول بسهولة على فرصة عمل وسكن واستكمال الدراسة الجامعية، لكن هذه المزايا متاحة بالتأكيد للمواطنين الأوكرانيين، وكان يجب أن يحصل عليها جميع اللاجئين، لكن لسوء الحظ، لم يكن الأمر كذلك”. وتابعت “على وقع ذلك، نطالب بأن يشمل ذلك جميع اللاجئين من دول أخرى”.
توبوري أوفوري / م ع