اشترت مصر أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات خلال الفترة من 2014 وحتى 2022، فما أبرز تلك الصفقات؟ ومَن الأكثر بيعاً للسلاح لمصر: روسيا أم أمريكا، أم أوروبا؟
كانت صفقة مروحيات شينوك 47-إف الأمريكية لمصر بتكلفة 2.6 مليار دولار، والتي تم الإعلان عنها يوم الخميس الماضى الموافق 26 مايو ، هي أحدث صفقات الأسلحة التي اشترتها مصر خلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي شهدت ارتفاعات قياسية في شراء الأسلحة بمختلف أنواعها، ولا تزال تلك الصفقات مستمرة رغم الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد.
توقيت تلك الصفقة الأخيرة أثار حالة من الجدل الغاضب في مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ يعاني غالبية المصريين من الارتفاعات الخانقة في أسعار جميع السلع الرئيسية، وتعاني الحكومة في مواجهة أعباء الديون الخارجية “135 مليار دولار” بجانب الديون الداخلية والتي قد وصلت إلى 4 ترليون جنية مصري وتمثل تلك الأزمات عوامل ضغط على العملة المحلية أفقدتها أكثر من ربع قيمتها مقابل الدولار الأمريكي خلال الشهرين الأخيرين فقط.
صفقات السلاح لمصر خلال 5 سنوات
بحسب تقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “SIPRI” يغطي تجارة السلاح عالميا خلال العقد الماضي (2011-2020)، شهدت صفقات السلاح لمصر في الفترة من 2013 وحتى 2017، بداية تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور في البلاد بعد الإطاحة بمحمد مرسي، طفرة ضخمة؛ إذ ارتفعت مشتريات الدولة من السلاح بنسبة 225% مقارنة بمتوسط شراء السلاح خلال السنوات السابقة من 2011 إلى 2013.
وإجمالاً خلال النصف الثاني من العقد الماضي، أي 2016 حتى 2020، اشترت مصر أسلحة بقيمة تخطت 34 مليار دولار تقريبا، وشكلت واردات مصر من السلاح 5.8% من حجم واردات السلاح العالمية، وكانت روسيا هي أكبر مزود لها بنسبة 41%، تلتها فرنسا (28 بالمئة)، ثم أمريكا بنسبة 8.7%.
وبشكل إجمالي، زادت مصر وارداتها من السلاح في السنوات الخمس (2016-2020) بنسبة 136%، مقارنة بالفترة بين عامي 2011 و2015، بحسب تقرير معهد ستوكهولم. ومنذ عام 2013، أبرمت مصر العديد من صفقات التسلح أبرزها مع روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، حيث حصلت من روسيا على مقاتلات “ميغ-29” ومروحيات “كا-52” التمساح، ومروحيات “مي-24” الهجومية، وطائرات “إيل-76” العملاقة، ومنظومات الدفاع الجوي “إس-300″ و”بوك إم2″ و”تور إم2”.
بالإضافة إلى الحديث عن حصولها على منظومات “باستيون” الساحلية، و20 مقاتلة “سوخوي-35″، وتسليم 5 منها بالفعل في فبراير 2021.
كما عقدت مصر مع فرنسا صفقات غير مسبوقة شملت مقاتلات “رافال” وفرقاطات “غوويند”، وحاملات المروحيات “ميسترال”، ومن ألمانيا، اشترت مصر صفقة غواصات “تايب”، قبل أن تكشف التقارير عن طفرة هائلة في السلاح الألماني لمصر.
وكان لإيطاليا أيضا نصيب كبير من تورتة صفقات السلاح المصرية في عهد حكومة مدبولى؛ إذ اشترت القاهرة 4 فرقاطات “فريم” و20 سفينة مهام متعددة ساحلية، و24 مقاتلة يوروفايتر تايفون و24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال الخفيف والتدريب وقمراً صناعياً للاستطلاع والتصوير الراداري.
وأصبحت مصر، خلال الفترة من 2016-2020، تحتل المركز الثالث عالميا في استيراد الأسلحة، وهو ترتيب مثير للدهشة، في ظل عدد من المعطيات أبرزها على الإطلاق الأوضاع الاقتصادية للدولة والشكوى المستمرة من الرئيس السيسي من كون مصر “دولة فقيرة”، في معرض تبريره لرفع الدعم عن السلع الرئيسية والخدمات كالكهرباء ومياه الشرب والغاز والبنزين، إضافة إلى زيادة الضرائب والرسوم بصورة مستمرة ومطردة وضعت أعباء هائلة على كاهل الأسر المصرية.
أرقام فلكية دفعتها مصر لشراء السلاح
دفعت مصر لفرنسا عام 2015 نحو 5.8 مليار دولار لشراء 24 طائرة رافال وحاملة طائرات هليكوبتر وصواريخ، ثم اشترت في مايو 2021 نحو 30 طائرة رافال أخرى في صفقة بلغت قيمتها 4.5 مليار دولار. وإجمالا جاءت فرنسا في المركز الثاني بعد روسيا في قائمة أبرز موردي الأسلحة منذ تولى عام 2013 وحتى 2021.
وعلى الرغم من أن الصفقات الضخمة من الأسلحة الفرنسية لمصر أثارت ولا تزال انتقادات عنيفة بسبب حديث باريس عن حقوق الإنسان وسجل القاهرة في هذا المجال، إلا أن التعاون “الأمني والعسكري” بين مصر وفرنسا له شق آخر “سري”، لا أحد يعرف تفاصيله المالية بطبيعة الحال.
وكانت وسائل إعلام فرنسية قد نشرت تفاصيل صادمة عن قيام شركات فرنسية متخصصة في الأسلحة والتكنولوجيا بتوفير نظام مراقبة شامل تستخدمه الحكومة المصرية في مراقبة وسائل التواصل الإجتماعى ، تحت أسم محاربة الإرهاب، بموافقة الرئيس إيمانويل ماكرون.
وكشف موقع استقصائي فرنسي عن تفاصيل تتعلق بمهمة تسمى “سيرلي” هدفها التعاون بين باريس والقاهرة في مكافحة “الإرهاب” في المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا، لكن وثائق حصل عليها الموقع كشفت استخدام “مصر معلومات استخباراتية زوّدتها بها فرنسا مخصصة لمكافحة الإرهاب، في قصف المهربين على الحدود مع ليبيا؛ مما أدى إلى أحتمال سقوط مدنيين أبرياء”، إضافة إلى انتهاكات خطيرة شهدتها العملية العسكرية السرية التي تنفذها فرنسا في مصر.
لكن كعكة صفقات السلاح الأوروبي لمصر لم تكن حكراً على فرنسا؛ إذ كشفت تقارير ألمانية مؤخراً عن احتلال القاهرة مركز الصدارة في قائمة المشترين للأسلحة من برلين عام 2021. ونشرت تقارير متعددة مؤخراً كيف أن مصر اشترت أسلحة العام الماضي فقط من ألمانيا بقيمة 4.8 مليار دولار، مثلت 45% من إجمالي مبيعات السلاح الألماني في 2021 (10.6 مليار دولار)، بحسب تقرير نشره المعهد العربي بواشنطن.
ولم تكن إيطاليا بعيدة عن تلك الصفقات الضخمة؛ إذ وقعت حكومة مدبولى مع روما صفقات أسلحة متعددة خلال السنوات الماضية بلغت قيمتها أكثر من 10.2 مليار دولار، وشملت طائرات تايفون المقاتلة وطرادين بحريين وصواريخ وأجهزة مراقبة ورادار وغيرها.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، فكان لافتاً أن إدارة جو بايدن، الذي وصف الرئيس السيسي بوصف غير لائق ، ووعد بربط ملف حقوق الإنسان بالتعامل مع الحكومة المصرية ، لم تتوقف عن بيع الأسلحة لمصر. وتم الإعلان خلال العام الحالي فقط عن ثلاث صفقات ضخمة تبلغ قيمتها الإجمالية ما يقرب من 6 مليار دولار خلال أقل من 5 أشهر.
واشترت مصر في عهد حكومة مدبولى أسلحة من إسبانيا واليونان وكوريا الجنوبية ودول أخرى، بخلاف روسيا التي تتصدر القائمة بطبيعة الحال. وعلى الرغم من صعوبة الرصد الدقيق لحجم الأموال التي أنفقتها القاهرة على شراء السلاح خلال السنوات الثماني الماضية، إلا أن الأرقام المعلنة تتراوح بين 45 و52 مليار دولار على أقل تقدير.
تساؤلات حول أهداف تلك الصفقات
من الطبيعي أن تثير تلك الأرقام الهائلة التي تنفقها الحكومة المصرية على شراء الأسلحة التساؤلات بشأن الجدوى منها وكذلك الأهداف الحقيقية. يقول الرئيس السيسي دائما إنه يسعى لجعل مصر قوية “لأن القوي لا أحد يمكنه أن يعتدي على قوته”، على حد تعبير الرئيس.
لكن كثير من المراقبين والمحللين، وكثير من المواطنين المصريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتساءلون عن فشل الحكومة المصرية في الحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، والتعنت الإثيوبي الواضح وتمكن أديس أبابا في نهاية المطاف من فرض الأمر الواقع على القاهرة في ملف سد النهضة، وأعلنت إثيوبيا مؤخراً عن الاستعداد للملء الثالث للسد، فبماذا استفادت مصر من تلك الكميات الهائلة من الأسلحة؟، يتساءل أغلب المصريين.
كما لا تزال القوات المسلحة المصرية تواجه تهديدات إرهابية في شبه جزيرة سيناء، وتتعرض قوات مصرية لهجمات دموية على فترات متقطعة، كان آخرها خلال مايو الجاري؛ حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن هجوم راح ضحيته 11 عسكرياً مصرياً في سيناء، بحسب بيان نقلته الصحف المصرية
الهجوم، الذي وقع السبت 7 مايو ، يعد واحداً من أعنف الهجمات في الأعوام الأخيرة بشمال سيناء، حيث تشن قوات الأمن المصرية حملة على مسلحين لهم صلة بتنظيم داعش، ويثير استمرار تلك الهجمات- رغم تراجع وتيرتها- أيضا التساؤلات حول جدوى كل تلك الأسلحة، في بلد يعاني ما يقرب من نصف سكانه من الفقر بدرجات متفاوتة، طبقاً للتقارير الحكومية المصرية.
فهل يا ترى شراء هذه الكميات الضخمة من الأسلحة من أجل العمولات أم أنا القوات المصرية في أشد الأحتياج أليها ، فوفقاً للقانون المصري لا يوجد شيء يسمى “عمولات رسمية” في صفقات الأسلحة، لكن هذه الأمور سرية ومعروفة في الأوساط الاقتصادية وأسواق السلاح في العالم كله. وأثناء التحقيقات مع الرئيس الراحل مبارك تم الكشف أنه كان يحصل على نسبة تقدر بـ 5% عن كل صفقة سلاح، ونسبة قريبة من ذلك لوزير الدفاع والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يقومون بالتعاقد مع شركات السلاح.
الخلاصة هنا، هي أن مصر تشتري أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات، في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن التدخل لحماية الفقراء ومحدودي الدخل من تبعات الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي فاقمها الهجوم الروسي على أوكرانيا، بل ولا يكف الرئيس عن الحديث عن “الدعم الموجه لرغيف الخبز”.
المصدر – الصحف الإنجليزية