حرب أوكرانيا تضع الاقتصاد الألمانى والنمساوى على صفيح ساخن

لم يكد اقتصاد ألمانيا يجتاز تداعيات كورونا حتى تلقفته ارتدادات حرب أوكرانيا التي ألهبت أسعار الطاقة ومستويات التضخم. وباتت قاطرة أوروبا تترنح، فيما يتوقع معظم معاهد الرصد الاقتصادي آفاقا قاتمة على المدى المنظور.

من مؤشرات تنامي التداعيات السلبية لحرب أوكرانيا على الاقتصاد الألماني، ما أعلنته الحكومة في برلين (27 أبريل / نيسان 2022) بشأن توقعات النمو الاقتصادي خلال العام الجاري، إذ خفضت توقعات نموا الناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 2.2%. تشاؤم دوائر صنع القرار الاقتصادي في برلين شمل أيضا أسعار الاستهلاك، إذ استبعدت تراجعها على المدى المنظور، فيما سيستمر معدل  التضخم في الارتفاع ليصل إلى 6.1%، وهو معدل نادر في ألمانيا ولم يتم تسجليه إلا في حالات استثنائية، كالفترة التي تلت توحيد الألمانيتين أو خلال الأزمة النفطية في سبعينات القرن الماضي. ويذكر أن التضخم وصل إلى مستوى قياسي قدره 7.3% خلال شهر مارس الماضي.

وأكدت وزارة الاقتصاد الألماني أن العدوان الروسي على أوكرانيا هو السبب الرئيسي لتراجع الأداء الاقتصادي في ألمانيا وأوروبا بشكل عام. وأوضحت أن “أسعار الطاقة المرتفعة والعقوبات وتزايد حالة عدم اليقين تخيم على توقعات نمو الاقتصاد الألماني”. وقال وزير الاقتصاد روبرت هابيك: “بعد عامين من انتشار جائحة كورونا، تضيف الحرب في روسيا عبئا جديدا (..). الحرب ضد أوكرانيا وتأثيراتها الاقتصادية تذكرنا بأننا معرضون للإصابة”، مضيفا أن ألمانيا ستحرر نفسها تدريجيا من “قيد الواردات الروسية”، ومؤكدا أن الحكومة تبذل قصارى جهدها للحفاظ على جوهر الاقتصاد الألماني، حتى في الأوقات الصعبة. صحيفة “هاندلسبلات الاقتصادية (27 أبريل / نيسان 2022) حذرت من آفاق تدهور شامل وكتبت معلقة “الاقتصاد الألماني بات هشا بالفعل، كما أن أي وقف لتدفق الغاز الروسي قد يغرق الاقتصاد في أزمة خطيرة”.

انتقادات لعقيدة السياسة الاقتصادية الألمانية

خرج عدد من التعليقات المنتقدة لغياب استراتيجية واضحة للدولة الألمانية خلال العقود الماضية، من حيث السياسة الاقتصادية وتشابكاتها الخارجية. فقد بدا الأمر وكأن برلين وضعت بيضها في سلة واحدة وفوضت حاجياتها من الطاقة إلى روسيا وسلمت سياستها الأمنية للولايات المتحدة ونموها الاقتصادي للصين. وفي حوار مع موقع “ميركور دي.إي” الألماني (28 أبريل) أوضح هانز فيرنر زين، الرئيس السابق لمعهد “إيفو” الاقتصادي أن الدولة لم تعد قادرة على الحفاظ على مستوى الرفاهية الذي تعود عليه الألمان. وأوضح أن “اعتماد ألمانيا الأحادي الجانب على الغاز الروسي أدى إلى الوقوع في الفخ الذي نوجد فيه اليوم”. واستطرد زين أن ألمانيا كانت جيدة فقط على المستوى التجاري “هناك غياب لسياسة بنيوية وهيكلية ذكية للدولة (..). مصادر الطاقة لدينا ينقصها التنوع وهذا ينطبق بشكل خاص على قرار إغلاق محطات  الطاقة النووية  في عام 2011 بعد حادث فوكوشيما بسبب مزاج عام مؤقت. كان هذا القرار تافها وخاطئا”.

ويبدو أن برلين تسعى حاليا لتدارك أخطاء الماضي بالعمل على تقليلها اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية. وزير الاقتصاد روبرت هابيك أكد (27 أبريل) أن نسبة واردات الغاز الروسي وصلت العام الماضي إلى 55% من إجمالي واردات الغاز، وتقلصت حاليا إلى 35% فقط، بعد أن بلغت نسبتها 40% في آذار/ مارس الماضي. وتسعى برلين إلى خفض حصة الغاز الروسي إلى حوالي 30% مع نهاية العام الجاري، وتعويض الفارق بشكل أساسي من خلال شراء الغاز الطبيعي المسال. غير أن مشكلة الاقتصاد الألماني لا تكمن فقط في الغاز ولكن أيضا في استيراد مواد أولية أخرى من روسيا كما أوضح موقع “شبيغل أونلاين (الثالث من أبريل) “بالإضافة إلى الغاز الطبيعي، تعتمد الشركات الألمانية أيضًا على استيراد كميات كبيرة من الكروم والنيكل والبلاديوم من روسيا. لذلك يشدد المعهد الاقتصادي الألماني على ضرورة دفع اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الأخرى إلى الأمام”.

الاقتصاد الألماني تجنب حافة الركود بشق الأنفس..

وفقًا لعدد من الخبراء فإن الاقتصاد الألماني تمكن بصعوبة من تجنب الركودفي الربع الأول من العام الجاري، بالرغم من الحرب الروسية على أوكرانيا. وفي تقريره الشهري أكد البنك المركزي الألماني (بوندسبنك) أن “آثار الحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا على الاقتصاد الألماني كانت محدودة في البداية”. ومع ذلك، فإن الاضطرابات في التجارة الخارجية وسلاسل التوريد، والزيادة الهائلة في أسعار الطاقة وانتشار حالة التردد وعدم اليقين تلقي بظلالها على الشركات وإنفاق الأسر. غير أن التقرير حرص أيضا على التأكيد أنه لا يزال من السابق لأوانه تقييم عواقب الحرب على الاقتصاد الكلي. وبهذا الصدد كتب موقع “مانجر ماغازين” الاقتصادي (28 أبريل) أن تداعيات الحرب في أوكرانيا دفعت إلى العمل عل “تغيير القواعد الأساسية للصناعة الألمانية، إذ يبحث وزير الاقتصاد مع رؤساء الشركات عن أساليب جديدة للتفاعل مع الأزمة (..)، ببلورة استراتيجيات جديدة طويلة الأجل”.

وما يجعل الوضع خطيرا هو الحالة الصعبة للاقتصاد العالمي، بعد عامين من انتشار جائحة كورونا وأكثر من شهرين من الحرب في أوكرانيا، هناك مخاوف من احتمالات ركود شامل. شركات ألمانية مثل “باسف” التي اعتمدت بالكامل على الغاز الروسي الرخيص، تشتكي اليوم بصوت عالي. وهناك أيضًا مشاكل بالجملة في سلاسل التوريد العالمية. لقد أدى الوباء بالفعل إلى صعوبات خطيرة، حيث أصبحت أشباه الموصلات نادرة في جميع أنحاء العالم. وزاد الهجوم الروسي على أوكرانيا وكارثة كورونا في الصين من تفاقم الوضع. وبالتالي، فإن الطلب على سلع معينة موجود فعلا، ولكن هناك عرض أقل بسبب صعوبات الإنتاج وهذا يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار.

قطع الغاز الروسي سلاح ذو حدين

أوقفت روسيا إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا، وهناك مخاوف من أن تشمل الخطوة ألمانيا أيضا. ويبدو أن توقيف إمدادات الغاز الروسي على بولندا وبلغاريا له آثار محدودة. فقد أكدت الحكومة البولندية أن جميع عملاء الغاز في بولندا سيستمرون في التزود بالمستوى السابق. وكانت بولندا قد أعلنت بالفعل أنها لن تجدد عقد التوريد مع شركة الطاقة الروسية غازبروم، والذي ينتهي بنهاية العام. وغطت عمليات التسليم من روسيا من خلال خط يامال الذي يعبر بيلاروسيا، حوالي نصف الاستهلاك البولندي عام 2020. وتحتفظ بولندا بميناء استيراد للغاز الطبيعي المسال وستكون قادرة على الوصول إلى الغاز النرويجي من خلال خط أنابيب جديد عبر الدنمارك. أما بلغاريا فتعتمد بشكل أكبر على روسيا بحوالي 90 بالمائة.

صحيفة “دي ستاندارد” البلجيكية (28 أبريل) نوهت إلى أن الغاز سلاح ذو حدين وكتبت معلقة “تحولت حملة الاحتلال الروسي إلى معركة من أجل بقاء زمرة حاكمة صغيرة في الكرملين. لكن هذا هو بالضبط ما يجعل المرحلة القادمة من هذا الصراع خطيرة للغاية ولا يمكن التنبؤ بمآلاتها. (…). إن مواجهة قوة عالمية مرعوبة أمر محفوف بالمخاطر، خاصة بالنسبة لأوروبا، التي تعاني بالفعل بشدة من العواقب الاقتصادية لهذه الحرب. إذا استخدم بوتين سلاح الغاز بسرعة ضد ألمانيا أيضًا، فسوف ينفد محرك قاطرة أوروبا. إنه سلاح ذو حدين قد يعجل بانهيار روسيا، لكنه لا يخلو من مخاطر ستضر بقارتنا”.

حدود سلاح العقوبات الاقتصادية ضد روسيا

على غرار باقي الدول الغربية، أبدت ألمانيا استعدادها للانخراط في حظر أوروبي تدريجي على واردات النفط الروسية. وذكرت وكالة أنباء بلومبرغ، استنادا لمصادر مطلعة تابعت محادثات بهذا الشأن بين سفراء الاتحاد الأوروبي، أن ألمانيا تفضل دعم عملية مرحلية تشمل واردات النفط وتمت مناقشة عددا من العناصر مثل تحديد سقف للسعر أو آليات الدفع وذلك بغرض حجب أجزاء من الإيرادات القادمة إلى موسكو. وكان الاتحاد الأوروبي اتبع نهجا مماثلا قرره متأخرا عندما حظر التكتل واردات الفحم الروسي في وقت سابق الشهر الجاري. وأفادت المصادر بأن الاتحاد الأوروبي يعمل حاليا على إعداد حزمة عقوبات سادسة ضد روسيا من خلال مشاورات الدول الأعضاء

وكشفت نفس المصادر أنه لم يتم بعد اتخاذ قرار نهائي بشأن الآليات المحددة التي يمكن للاتحاد الأوروبي من خلالها استهداف النفط الروسي بالعقوبات. من جهته، أعرب وزير الاقتصاد وحماية المناخ الألماني روبرت هابيك عن اعتقاده بأن فرض حظر على النفط الروسي أصبح “من الممكن تطبيقه”. وفي أعقاب محادثات مع وزيرة المناخ البولندية انا موسكفا، قال نائب المستشار الألماني أولاف شولتس في وارسو اليوم الثلاثاء إن ألمانيا “اقتربت جدا جدا من الاستغناء عن واردات النفط الروسي”.

وبشأن فرض حظر على الغاز الروسي حذر هانز فيرنر زين، المدير السابق لمعهد “إيفو” من هكذا خطوة وقال “لا أعتقد أن فرض حظر الغاز خطوة منطقية (..). 48 في المائة من المنازل الألمانية تستعمل غاز التدفئة ونصف الغاز يأتي من روسيا. بدون الغاز الروسي، ستواجه ألمانيا صعوبات هائلة، على الأقل في المدى القصير”. واستطرد زين موضحا “تدفع سياسة العقوبات التي التي ينتهجها الغرب روسيا إلى أحضان الصين، مما يعزز قوة الدولة التي تخشاها الولايات المتحدة أكثر من غيرها في المستقبل. طالما لم نقنع الصين بتبني نهجنا، فلا يمكننا هزيمة روسيا بالعقوبات”.

كيف وضعت برلين كل بيضها في سلة الكرملين ..

لا يمكن لألمانيا أن تحرر نفسها بسهولة من واردات الغاز الروسي بحلول عام 2024 كما تخطط لذلك من أجل إضعاف الكرملين في حرب أوكرانيا. فقد وقع عملاء غازبروم الألمان عقودا طويلة الأجل لدفع ثمن الغاز الروسي حتى لو توقفوا عن شرائه. وتحتوي هذه العقود على بنود “الاستلام والدفع” والتي تفرض أخذ حد أدنى من الغاز، وإذا لم يتم أخذ تلك الكمية، فيتعين على المشتري (ألمانيا) دفع ثمن ذلك الغاز حتى لو لم تشتريه. ويفترض الخبراء أن شركة غازبروم لن تسمح بتغيير العقود بما لا يخدم مصلحتها. لكن، إذا قررت الحكومة الألمانية مقاطعة الغاز الروسي، فيمكن إنهاء العقود بحجة “القوة القاهرة”.

وإذا كانت أوروبا تسعى للاستغناء عن الغاز والنفط من روسيا فكيف يمكن تعويضهما بسرعة؟ يتجه الاهتمام حاليًا إلى إفريقيا، حيث توجد احتياطات كبيرة لكن التنقيب يتطلب استثمارات مكلفة واستغلالها الفعلي يستغرق وقتًا طويلاً.

صحيفة “داغينز نيهتر” السويدية الليبرالية كتبت معلقة على عواقب وقف روسيا لتوصيل الغاز إلى بولندا وبلغاريا (28 أبريل): “قطعت روسيا الغاز عن بولندا وبلغاريا. وإذا استمر التدفق إلى الأسواق الضخمة في ألمانيا وإيطاليا وهولندا، فلن يكلف ذلك الكرملين الكثير. سيكون الاختبار الحقيقي عندما يحين دور ألمانيا. فقد استوردت بولندا وبلغاريا معًا 10 مليارات متر مكعب من الغاز الروسي عام 2021، فيما استورد الألمان لوحدهم حوالي 143 مليارًا. ويأمل بوتين أن يرضخ المستشار أولاف شولتز، مثل فيكتور أوربان المجري، لمطالبه بالدفع بالروبل. يجب ألا يحدث ذلك على الإطلاق. تتحمل ألمانيا مسؤولية أخلاقية تجاه أوكرانيا لوقف تمويل نظام بوتين الإرهابي. لم يجبر أحد الحكومات الألمانية على جعل اقتصادها يعتمد على الطاقة الروسية”.

المصدر – DW – حسن زنيند

 

شاهد أيضاً

برعاية ريد بول النمساوى.. تفاصيل رحلة ثنائي الأهلي محمد هاني وكريم فؤاد إلى النمسا

يستعد ثنائي الأهلي المصري، للسفر إلى دولة النمسا للخضوع لكشف طبي واستكمال مرحلة التأهيل من …