على الرغم من أن التسول قد يبدو لكثيرين أنه حرفة كسب المال مريحة، فإنه يخفي أحيانا وراء واجهته قذارة وبشاعة واستغلالا تتحكم فيها وتسيرها مافيات لا إنسانية. يكون ضحاياه بالدرجة الأولى الفتيات والفتيان الفقراء. صورة فظيعة ومقرفة لهذا العالم سجلها بفنية فائقة المخرج البريطاني داني بويل في فيلمه الرائع “المليونير المتشرد” 2008 المقتبس عن رواية “سؤال وجواب” المهم مقطع فيديو يظهر مجموعة متسولين من الرجال داخل محطات القطارات في فيينا يتظاهرون بأنهم لا يملكون المال لشراء تذكرة القطار إلى الجهة التي يفصحون عليها للضحية
فقد لاحظ الكتير من سكان العاصمة فيينا أن رجال ونساء مشكوك فيهم يقفون داخل المحطات على هيئة مسافرين ، ويحاولون الألتحاق بالمارة ويتحدثون إلى ركاب آخرين ويمسكون قطعة من الورق ويسألون أولاً عن الاتجاهات، وفي معظم الأحيان،من أجل السفر إلى دول أخرى ، يتم استغلال رغبة الأخرين في المساعدة وأن معظم الناس متعاونون وخاصة بعد وصل الأوكرانيين بالألاف إلى فيينا ويحاولون شرح الطريق للرجال الذين يبدون مشوشين، لكن كل هذا مجرد خدعة إنتهازية لأن، بعد ذلك بوقت قصير، المحتالون يطلبون المال، وهنا يستخدمون أعذاراً أخرى لخداع الضحايا بإسم الشفقة
والمعروف أنه في الآونة الأخيرة، عرفت ظاهرة التسول في العاصمة فيينا انتشارا واسعا وشرسا مدثرا بالجشع أنياب الافتراس، سواء على صعيد التسول الحي المباشر للأفراد رجالا ونساء في الشوارع والطرقات أو غير مباشر مثل التسول عبر الأنترنيت وخلق مشاهد وسيناريوهات وطرق متنوعة لابتزاز المال.
ومن المفترض أن تقنع “البطاقة المصرفية التالفة” الشخص بالتبرع ببضعة يوروهات مقابل تذكرة القطار التي تشتد الحاجة إليها، ويستسلم الكثيرون لهذه الحجج ويتبرعون بالاموال، بعض المحتالين المزعومين يتسمون بالوقاحة بشكل خاص، ثم يطلبون أكثر من الاموال التي يتم التبرع
تمكن شخص من تصوير خدعة الحقيبة بهاتفه الذكي، ويُظهر الفيديو كيف يتقدم أحد المتسولين، ويخاطب العديد من الأشخاص.
وأكد المتحدث باسم شرطة فيينا ، أن هناك زيادة في التسول في محطات التقل العام الرئيسية منذ أيام قليلة، ومع ذلك، لم تكن هناك أي سرقات ملحوظة حتى الآن، وأوضح المتحدث باسم الشرطة أن خدمة الدوريات يتم تكثيفها في المواقع، حيث يقوم المزيد من المارة بتوعية المسؤولين المحليين عن متسولي المال والكيف
كما لم تعد هناك مدينة في العالم تقريبا لم تجتحها ظاهرة التسول بكل أنواعه وأشكاله، التي تتوالد وتتجدد كل يوم وتأخذ أشكلا وصورا متوالدة. ففي العاصمة النمساوية فيينا مثلا، لا يمكن للإنسان أن يتصور يوما بليله أو نهاره في أيام العمل أو في نهاية الأسبوع أو في أيام العطل أو الأعياد دون أن يلاقي متسولا أو أكثر وهو يستقل مختلف المواصلات المتعددة داخل المدينة، من قطارات الأنفاق والقطارات السريعة أو قطارات الشوارع. تتعدد هنا الطرق والتسول واحد. إنهم كثيرون نساء ورجال؛ منهم ذوو الأصول النمساوية، أناس دون مأوى إما عن اختيار أو عن اضطرار وكثير من هؤلاء مدمنون على المخدرات أو الكحول.
أغلبهم يتسولون عن طريق بيع جريدة أسبوعية اسمها “جريدة الـ بدون مأوى” أنشأتها سنة 1995 جمعية المشردين، خاصة للذين لا مأوى لهم تباع بسعر محدد، يتقاضى المتشرد عن كل نسخة باعها جزءا من ثمنها، وقد ينال تبرعات يجود بها المواطنون عليهم فوق سعر النسخة. هؤلاء المتسولون عندهم شيء من القناعة، فهم يقبلون بكل أنواع الصدقات طعاما كان أو قنينات فارغة للجعة أو غيرها من المشروبات، يبيعونها لاحقا للصناديق الأوتوماتيكية للبيئة المنتشرة في كل الأسواق.
أحياناّ متسول برفقة كلبين لا يطلب لنفسه شيئا وإنما لكلبيه اللذين لهما نظرات تثير الشفقة وكلهم يأمل في صدقات بلغة وطريقة مزجاة. أحد أظرف المتسولين رجل في سترة نظيفة بربطة عنق وشعر مصفف وله وسامة، يذرع شارع منطقة رفاه ذهابا وإيابا وهو دائما في حالة استعجال من أمره يوقف المارة وفي الغالب النساء يطلب منهن مبلغا زهيدا من أجل إجراء مكالمة هاتفية مستعجلة؛ لأن هاتفه المحمول، الذي يمسكه بيده، قد نفدت شحنته الكهربائية.
على عكس هؤلاء هناك متسولون آخرون من طينة أخرى، متسولون من جنسيات مختلفة، عرب وأتراك يمثلون أقلية أمام الأغلبية الغجرية المتسولة القادمة من دول أوروبية مختلفة، وخاصة من أوروبا الشرقية. قليل منهم الرجال وأكثرهم النساء والفتيان والفتيات، وهؤلاء الأخيرون يتحدثون اللغة الألمانية بطلاقة؛ لكنهم يلعبون دائما دور الجاهل بهذه اللغة.
في النمسا، يعيش الكثير من الغجر وهم كذلك طوائف وينتمون إلى فصائل غجرية مختلفة؛ فمنهم من يتسول بلغته الرومانية أو الصربية، ومنهم من يكتب طلبه على ورقة بخط واضح ويدور اليوم كله متنقلا بين عربات قطارات الأنفاق أو السريعة، منهم نساء يتسولن برفقة أطفالهن (إن كانوا أطفالهن حقا. فالأطفال يستأجرون أيضا من أجل التسول)، وهناك شابات حاملات حملا دائما لا يضعن حملن أبدا، ومنهم الموسيقيون الذين يعزفون اليوم كله من قطار إلى آخر نفس المعزوفة الصادرة عن مكبرات الصوت من الحجم الصغير أو المتوسط التي يجرونها خلفهم. معزوفاتهم من نوع البلاليكا الروسية.
هناك متسولون لهم قدرة تجسيد التكيف والتأقلم مع الحوادث والمناسبات. مثل أولئك النساء اللاتي يجلسن قبل صلاة الجمعة عند أبواب المساجد أو في الطرقات المؤدية إليها. يغطين رؤوسهن بمناديل على طريقة (حجاب) المسلمات، ويمكثن هناك حتى نهاية صلاة الجمعة وانصراف آخر مصل من المسجد، وكل من مر بهن يحيينه بتحية “السلام عليكم” (بالعربية) يمنحن الشعور بأنهن مسلمات. في يوم السبت، يجلسن عند مداخل الممرات المفضية إلى المعابد اليهودية وعلى رؤوسهن مناديل على طريقة النساء اليهوديات، ويحيين كل مار بهن بتحية “شلوم”. وفي يوم الأحد، يجلسون رجالا ونساء بأبواب الكنائس وكل من مر بهم ذهابا أو إيابا يرسمون أمامه إشارة الصليب على جباههم وصدورهم.
آخر يضع على الكرسي بجانب كل مسافر حزمة مناشف الورق ثم بعد فترة يجمعها. صور عديدة للتسول تتوالد وتتطور كل يوم، التي لا يمكن حصرها في سطور محدودة.
جماعة من الفتيان والفتيات الغجر من خلال لباسهم يقدمون أنفسهم كمنظمة خيرية تهتم بمكفوفي البصر في بلدانهم الأصلية. يحملون في أياديهم لوائح يطلبون من المارين التوقيع عليها كدعم لمطالبهم بحقوق المكفوفين. وحين يقع أحدهم في شباكهم ويوقع يطلبون منه التبرع بعشرة يورو للمنظمة. وغالبا ما يقع الموقع في حرج فيتبرع بقسط من المال.
هناك طبعا الكسيحون، العرج والمعاقون منهم من يجلسون في كراس متحركة أو يتكئون على العكاكيز؛ لكن بمجرد أن تنتهي فترة تجسيد الدور، ينهضون من كراسيهم، يستقيمون من اعوجاجهم، تطوى هذه الإكسسوارات وتجمع هذه الأدوات وتوضع في سيارة وإلى الغد.