الحضانة يحتاج الوالدانِ إلى مكانٍ يحتضنُ أطفالهم في الأوقاتِ التي يعملونَ فيها، أو عند ممارستهم لأنشطة مُهمّةٍ في حياتهم تقتضي عدم اصطحابهم لأطفالهم معهم، إضافة إلى رغبة بعض الآباءِ والأمّهاتِ بإثراءِ أطفالهم منذ طفولتهم بالعِلم والتجارب المُفيدة؛ لذا يلجأ العديدُ منهم إلى وضعِ أطفالهم في مكانٍ يُقدِّم لهم تلكَ الخدمات تحت مُسمّى (الحضانة)، وتُعرَّف الحضانةُ بأنّها: نوعٌ غيرُ رسميٍّ من المدارس المُخصَّصة للأطفالِ في مراحلهم العُمريّة المُبكِّرة، حيث تُقدِّمُ لهم الرعاية، ويتعلّمونَ فيها العديدَ من الأشياء، إضافة إلى اكتسابهم لمهاراتٍ جديدة، كما أنّهم يتدرَّبونَ على السلوك الاجتماعيّ الصحيح، وذلكَ من خلالِ الأنشطة المختلفة، كاللعبِ، والتمارينِ، والموسيقى، والحِرَف اليدويّة البسيطة، وغيرها من الأنشطةِ الترفيهيّة ذاتِ الطابع التعليميّ، وعادةً ما تضمّ الحضانة أطفالاً تتراوحُ أعمارهم بين 4-6 سنوات،[١] وقد تختلف أعمار الأطفال من بلد إلى آخر، ومن الجدير بالذكر أنّ مُصطلَح الحضانة في بعض الدُّول يُطلَق على دُور رعاية الرضَّع الذين تتراوح أعمارهم من 3 أشهر إلى 3 سنوات، أمّا المرحلة الثانية من الحضانة، فتُسمَّى (مدرسة الأمومة)، أو (مدرسة الحضانة)، وفي الولايات المُتَّحِدة، تُعَدّ الحضانة جزءاً من التعليم الابتدائيّ.[٢]
موقع أوّل دار حضانة في العالم
كان التأسيس الفعليّ لأُولى دُور الحضانة في العالَم عام 1837م، في ألمانيا، حيث أنشأها فريديريك فروبل المولود في ألمانيا سنة 1782م، علماً بأنّ والد فروبل كان وزيراً، أمّا أمّه فقد تُوفِّيت وهو لم يتجاوز السنة من عمره بعد، وقد تلقّى فروبل تعليمه في عدّة مدارس؛ إذ كانَ ينتقل من مدرسةٍ إلى أخرى باستمرار، وكان يتلقّى تدريباً في مِهَنٍ مختلفة؛ لذا كانت حياته الأكاديميّة غير مُستقِرّة، واستمرّ الوضعُ على حالهِ حتى التحقَ فروبل بجامعة ألمانيّة، ثمّ خدمَ في الجيش الألمانيّ سنة 1813م، خاض فيها الحرب بين صفوفه، ثمّ عادَ إلى برلين حيث كانَت تُقيم أسرة أخيه الذي لَقِي حَتْفه، فأخذَ على عاتقه تربية أطفاله، والاهتمام بهم، وبهذا أنشأ فروبل أوّل مدرسة له سنة 1817م، إلّا أنّه كانَ يشعر بأنّ مدرسته ينقصُها نظامٌ تعليميٌّ مُوحَّد، فانتقلَ إلى بلانكنبورغ، وأنشأ فيها مدرسته التي أطلقَ عليها لأوّل مرّة اسم “حضانة أطفال” (بالإنجليزيّة:kindergarten) سنة 1837م وقد جاءَ أصل التسمية من المبدأ الذي اتّخذه فروبل لمدرسته بأنَّ الأطفال عبارة عن نباتات يعتني بها المُدرِّسون كمُزارعين في حديقة؛ فكلمة (kinder) ألمانيّة وتعني: طفل، أمّا كلمة (garten) الألمانيّة فهي تعني: حديقة.[٣]
كانَ الهدف الرئيسيّ لحضانة فروبل هو جَعْل الأطفال يتعلَّمونَ عن طريق اللعب، ويخوضونَ تجارب منذ طفولتهم ليتعلَّموا منها، علماً بأنّ الأنشطة بدأت في الحضانة بسيطة، ثمّ أصبحت أكثر تطوُّراً، وقد أوجدَ فروبل 10 ألعاب تعليميّة للأطفال وَصَفها بأنّها هدايا من الله للأطفال؛ حتى يتعلَّموا، واستمرَّ في تطوير حضانته لمدّة 10 سنوات، أَوجدَ خلالها 20 هديّة، منها: ألعاب تعليميّة، ومسرحيّات بالأصابع، وأغانٍ عديدة، وقد طوَّر فروبل مبادئ رئيسيّة لحضانة الأطفال، منها: التعلُّم عن طريق التعبير، واللعب المَنهجيّ، وهي مبادئ لا تزال تستخدمُها الحضانات في الزمن المعاصر.[٣]
انتشار دور الحضانة
لم تقتصر دُور الحضانة على وجودها في ألمانيا فقط، بل انتشرت في العديد من المناطق حول العالَم؛ إذ بدأت دُور الحضانة تنتشرُ في الولايات المُتَّحِدة سنة 1848م؛ بسبب هجرة الألمانيّين إلى الولايات المُتَّحِدة من بلادهم التي تشتعلُ بفِعْل الثورة، وقد تأسَّست أوّل دار حضانة ألمانيّة منزليّة في ولاية ويسكونسن سنة 1855م، على يد الألمانيّة مارغريتا شروز، واتّبعت هذه الحضانة مبادئ فروبل التي طبَّقها في حضانته الموجودة في ألمانيا، وعندما التقت مارغريتا شروز بالسيدة إليزابيث بيابودي، حدّثَتها عن حضانتها، فأُعجِبت السيدة إليزابيث بيابودي بفكرة الحضانة، وبدأت تقرأ مبادئ فروبل، ثمّ اتّجهت إلى ألمانيا، والتحقت بحضانة فروبل، وعَمِلت مع أفضل مُدرِّبي رياض الأطفال هناك، ثمّ افتتحَت أوّل حضانة للمُتحدِّثين باللغة الإنجليزيّة سنة 1960م في مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس الأمريكيّة، علماً بأنّ الحاجة إلى دُور الحضانة ازدادت؛ بسبب التحاق الأُمّهات بالقُوى العاملة في القرنين: التاسع عشر، والعشرين، علماً بأنّ الحضانة النهاريّة كان لها الدور الكبير في تربية الأطفال، والاعتناء بهم، وفي سنة 1914م، كانت لكلّ مدينة رئيسيّة في الولايات المُتَّحِدة دار حضانة عامّة للأطفال.[٣]
أهميّة الحضانة للطفل
تُعَدّ العناية بالطفل في مراحل عمره المُبكِّرة أمراً بالغ الأهمّية؛ فالطفل يمتلك جانبين لا بُدّ من تعزيزهما في مراحل نُموّه المُبكِّرة، وهما: الذكاء الحركيّ؛ ويمتدّ منذ ولادته وحتى الثانية من عُمره، حيث يُعزِّز الطفل في هذا الجانب استخدام عضلاته، وحواسّه؛ للتفاعُل مع الأشياء من حوله، كما يبدأ بإدراك البيئة المُحيطة به عن طريق البَصَر، واللَّمس، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل بتكوين مَلَكَته اللغويّة، أمّا المرحلة الثانية، فتتمثّل بالذكاء التمثيليّ الذي يبدأ منذ بلوغ الطفل العام الثاني من العُمر، وتمتدُّ حتى بلوغه سنّ السابعة، أو الثامنة، وتتمثّل بنُموّ الطفل؛ إذ يبدأ بتطوير قدراته اللغويّة، والتعلُّّم عن طريق التجربة، وتكوين العلاقات المكانيّة، والزمانيّة، وتمييز أنواع العلاقات المنطقيّة، والرياضيّة الأوليّة، وحتى يستطيع الطفل أن ينموَ بشكلٍ مُتكاملٍ في كلتا المرحلتَين، فإنّه لا بُدَّ من إيجادِ بيئةٍ مناسبةٍ؛ حتى يتعلَّم هذه المهارات، ويأتي هنا دَور دُور الحضانة في تقديم تلكَ البيئة التعليميّة، حيث تُركِّز على تنمية اللغة، وتقديم الألعاب التعليميّة التي تُحفِّز اهتمام الطفل بالتعلُّم، كما أنّها تحرص على وَضْع الطفل ضمن بيئة جماعيّة وليست فرديّة؛ حتى يتفاعلَ مع الأطفال الآخرين،[٢][٤] ومن أهمّ الأنشطة التي تُقدِّمها الحضانة الحديثة للأطفال:[٤]
القراءة: حيث وُجِد أنّ قراءة القصص للأطفال نشاط يسود في ما نسبته 90% من الفصول في الحضانات.
الأنشطة الإبداعيّة: مثل: عروض المسرحيّات البسيطة الدراميّة، والموسيقى، والحِرَف اليدويّة البسيطة.
الأنشطة الحركيّة: مثل: الركض، والقَفْز، والتسلُّق، وغيرها من الألعاب الحُرّة. الأنشطة التعليميّة: وذلك باتّباع وسائل مختلفة؛ لتعليم الرياضيّات، والعلوم.