الشركة جنت 36 مليار دولار في عام قصة مكاسب لقاح فايزرالمذهلة التي حدثت لأول مرة في التاريخ

قالت صحيفة Financial Times البريطانية، في تقرير نشرته الأربعاء 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، إن ألبرت بورلا الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، أصبح الأكثر جذباً للأضواء في العالم، بسبب كورونا الذي ضرب العالم ودور شركته في صناعة لقاح يساعد في تقليل آثار هذا الفيروس.

نظراً إلى أن اللقاحات سمحت لبعض البلدان بإعادة فتح اقتصاداتها خلال الصيف، سافَرَ الرجل إلى مدينة كورنوال الكندية لحضور قمة مجموعة السبع في يونيو/حزيران 2021، وأوقَفَ طائرته الخاصة، بجوار طائرة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.

ترحيب ياباني برئيس “فايزر”

بعد أسابيع، رحَّبَ به رئيس الوزراء الياباني آنذاك يوشيهيدي سوجا، في الأولمبياد، وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها دار ضيافة الدولة في قصر أكاساكا رئيساً تنفيذياً لشركة. وفي سبتمبر/أيلول 2021، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يصف ألبرت، البالغ من العمر 59 عاماً، بأنه “صديقٌ مُقرَّب” له.

مَنَحَت الفاعلية المُذهِلة للقاح فيروس كوفيد-19 من شركة فايزر، الشركة المفتاح لإنقاذ الأرواح والاقتصادات. تقدِّر منظمة الصحة العالمية أن ما يصل إلى نصف مليون شخص آخرين كانوا سيموتون في عام 2021 بأوروبا وحدها لولا لقاحات الفيروس.

عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، ناشَدَ قادة العالم بورلا الحصول على طلباتٍ للقاح، وفي بعض الحالات كان ذلك على أمل أن ينقذ مناصبهم السياسية. وفي مواجهة معركةٍ انتخابية خسرها في نهاية المطاف، تصدَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، قائمة المتصلين، إذ اتَّصَل به 30 مرة.

انتشار كبير للفيروس

لكن في الوقت الذي كان فيه السياسيون الغربيون يتعاملون مع بورلا، أصبح القادة في العديد من البلدان الفقيرة غاضبين، إذ انتشر الفيروس بين سكَّانهم غير المُحصَّنين باللقاح. يقول سترايف ماسييوا، الملياردير الزيمبابوي الذي ينسِّق فريق اللقاحات في الاتحاد الإفريقي: “لقد تُرِكنا ندخل في الماء… حتى نغرق”.

في أواخر عام 2020، أقنع ماسييوا شركة فايزر بتزويد إفريقيا بمليوني جرعة أوَّلية؛ للمساعدة في تطعيم بعض العاملين بمجال الرعاية الصحية، الذين يُقدَّر عددهم بخمسة ملايين عامل في القارة. وكان ينتظر بفارغ الصبر مسودة العقد.

قال ماسييوا: “ظلوا يقولون: الأسبوع المقبل، ثم وصلنا إلى أبريل/نيسان”. وفي مايو/أيار، شَهَدَ ماسييوا الاتحاد الأوروبي يبرم عقداً ضخماً يصل إلى 1.8 مليار جرعة. وكَتَبَ “احتجاجاً شديد اللهجة” إلى بورلا، سأل فيه عن سبب التأخير. وتلقوا في النهاية بعض الجرعات من مبادرةٍ تديرها إدارة بايدن.

أدَّت الجائحة إلى توسُّعٍ هائلٍ في قوة الدولة؛ من الحرب في السياسة الاقتصادية إلى إجبار الناس على البقاء في منازلهم. ولكن عندما يتعلَّق الأمر بالحلول الطبية للجائحة، كانت الحكومات تعتمد بشكلٍ شبه كاملٍ على الشركات الخاصة.

أحدَثَ اللقاح تحوُّلاً في التأثير السياسي لشركة فايزر. في يوليو/تموز 2018، اضطر سلف بورلا في الرئاسة التنفيذية لـ”فايزر” إلى التخلِّي عن ارتفاع الأسعار بعد أن وَصَمَه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالعار على منصة تويتر. ولسنواتٍ من الزمن، كان أشهر منتجٍ للشركة هو الفياغرا لعلاج ضعف الانتصاب.

الآن، تقف شركة الأدوية الأمريكية وراء المنتج الصيدلاني الذي سجَّلَ رقماً قياسياً بالمبيعات في عامٍ واحد. وتتوقَّع شركة فايزر أن تصل مبيعات اللقاح إلى 36 مليار دولار في عام 2021، وهو على الأقل ضعف مبيعات أقرب منافسيها، شركة موديرنا. أما قدرة شركة فايزر على توسيع الإنتاج بشكلٍ كبير، فقد جعلتها إلى حدٍّ بعيدٍ صانع اللقاحات الأكثر سيطرةً على الإطلاق. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، حصلت الشركة على 80% من حصة السوق للقاحات فيروس كوفيد-19 في الاتحاد الأوروبي، و74% في الولايات المتحدة.

تشكيل مسار الجائحة

منذ الموافقة على اللقاح في نهاية 2020 ساعدت قرارات شركة فايزر في تشكيل مسار الجائحة. ولديها القدرة على تحديد الأسعار، واختيار الدولة التي تأتي أولاً في نظام قائمة انتظارٍ مُبهَم، وضمن ذلك البرامج الداعمة التي تسعى الدول الغنية الآن إلى تسريعها.

اعتماداً على قراراتها، يمكن للبلدان والمناطق، وحتى القارات، أن تفتح اقتصاداتها أو تخاطر بالتخلُّف في سباق السيطرة على الفيروس. ورغم زيادة إمدادات اللقاحات إلى البلدان الفقيرة منذ سبتمبر/أيلول 2021، فإن التفاوتات العالمية صارخة. وحتى الآن، تلقَّى 66% من الأشخاص الذين يعيشون في دول مجموعة السبع جرعتين من اللقاح، ويبلغ هؤلاء في إفريقيا 6% فقط. أما عدد الأشخاص في البلدان مرتفعة الدخل الذين تلقوا جرعاتٍ مُعزَّزة، فيقارب ضعف عددهم في البلدان منخفضة الدخل الذين تلقوا الجرعتين الأولى والثانية.

لقد أبرز ظهور متحوِّر أوميكرون، الذي يُحتَمَل أن يكون خطيراً، خطورة هذا التوزيع غير المتكافئ للقاح. ورغم أن أصل المتحوِّر لايزال غير واضح، حذَّرَ العلماء منذ فترةٍ طويلة، من احتمال ظهور مُتحوِّرات جديدة إذا ظلَّت أجزاءٌ كبيرة من العالم غير مُحصَّنة من الفيروس. يقول سيث بيركلي، الرئيس التنفيذي لـGavi، تحالف اللقاحات المدعوم من الأمم المتحدة: “لا أحد في مأمنٍ حتى يصبح الجميع آمنين”.

عدم كشف المعلومات

تتعامل الشركة مع طريقتها في استخدام قوتها المُكتَشَفة حديثاً، وكذلك مع ما تخطِّط للقيام به بعد ذلك، على أنها أمرٌ سريٌّ للغاية، حيث تقوم الشركة بشطب أجزاءٍ كبيرة من العقود، وتلزم العلماء المستقلين باتفاقيات عدم الإفصاح.

لم يوافق أيُّ مسؤولٍ تنفيذي لشركة فايزر على إجراء مقابلةٍ بخصوص هذه القصة. وبدلاً من ذلك، ردَّت الشركة من خلال متحدِّثٍ رسمي قال إن شركة فايزر “فخورةٌ للغاية” بإنجازها. وقال المتحدِّث: “مع تسليم أكثر من ملياري جرعة حتى الآن، أنقذ لقاحنا ملايين الأرواح في جميع أنحاء العالم”.

تحدَّثَت صحيفة Financial Times البريطانية إلى أكثر من 60 شخصاً مشاركاً في عملية اللقاح، من ضمنهم موظَّفو فايزر الحاليون والسابقون والمسؤولون الحكوميون في جميع أنحاء العالم؛ لرفع الحجاب عن الطريقة التي استخدمتها الشركة، التي ساهمت كثيراً في إنقاذ العالم من كوفيد-19، لضمان أن هذا العمل مُربِحٌ أيضاً. إنهم جميعاً مُمتنون للقاحٍ آمنٍ وفعَّال. لكن كثيرين يتساءلون عمَّا إذا كان ميزان القوى قد انحرف كثيراً لصالح شركة فايزر.

يقول لورانس جوستين، أستاذ قانون الصحة العالمي في جامعة جورج تاون، إن شركة فايزر وصانعي اللقاحات الآخرين كانوا “يتَّسمون بالحِدَّة” في المفاوضات، لأن السياسيين كانوا متردِّدين في الرد.

أضاف جوستين: “أنا لست ضد شركات الأدوية الكبرى… أعتقد أنهم صنعوا معجزةً وحقَّقوا انتصاراً علمياً”. وتابع مستدركاً: “لكن القول بأنهم يمارسون سلطتهم بشكلٍ عادل، ومنفتح، مع شعورٍ بالتعاطف، أمرٌ غير صحيح بشكلٍ واضح”.

شركات دواء رائدة 

كان اللقاح الذي يجري بورلا مكالماتٍ هاتفية مع قادة العالم حوله، قد اختُرِعَ بالفعل في مختبرات شركة بيونتيك، وهي شركة رائدة في مدينة ماينز الألمانية على نهر الراين.

في أواخر يناير/كانون الثاني 2020، شَهَدَ الرئيس التنفيذي لشركة بيونتيك، أوغور شاهين، فيروس كوفيد-19 في الصين. وخوفاً من أن يتسبَّب ذلك في فوضى عالمية، قام شاهين، وهو مهاجرٌ تركي إلى ألمانيا كان من أوائل المؤمنين بتكنولوجيا الحمض النووي الريبوزي المرسال، بتجميع موارد شركة بيونتيك للاستثمار في اكتشاف اللقاح.

لكن، مثل شركة موديرنا، لم يكن لدى شركة بيونتيك منتجاتٍ معتَمَدة، وبالتالي لا مبيعات ولا أرباح. وكان على شاهين أن يبحث عن شريكٍ لديه الأموال التي يحتاجها.

كانت محطته الأولى هي شركة فايزر، لأنهم عملوا معاً بالفعل. في المرة الأولى التي طرح فيها شاهين فكرة الاستثمار في لقاحه، تردَّد المسؤولون التنفيذيون بشركة فايزر في البداية. ولكن في مارس/آذار 2021، عندما ضربت الجائحة أجنحة المستشفيات حول مقر شركة فايزر في مانهاتن، أعلنت الشركتان تدشين التعاون فيما بينهما.

مثلما قال مسؤولٌ حكومي أمريكي سابق مشارك في شراء اللقاح، فإنه “ليس حتى لقاحهم”. أما أنه يُعرَف الآن عالمياً باسم لقاح فايزر، فهذا “أكبر انقلابٍ تسويقي في تاريخ المستحضرات الصيدلانية الأمريكية”.

عكس شركتي أسترازينيكا وجونسون آند جونسون، لم تفكِّر شركة فايزر قط في بيع لقاح كوفيد-19 دون تحقيق ربح. احتاجت شركة بيونتيك إلى كسب المال من أول منتجٍ لها للعودة إلى العمل. تجني شركة بيونتيك نصف الأرباح، لكن شركة فايزر كانت تتحكَّم في تسويق اللقاح بكلِّ دولةٍ، باستثناء الأراضي الأصلية للمؤسِّسين في ألمانيا وتركيا والصين، حيث وقَّعَت شركة بيونتيك بالفعل صفقةً مع شركة فوصن فارما.

بينما حصلت شركة بيونتيك على تمويلٍ يصل إلى 375 مليون يورو من الحكومة الألمانية لتطوير اللقاح، رفضت شركة فايزر أموال الحكومة الأمريكية؛ حتى تتمكَّن من الحفاظ على السيطرة الكاملة على اللقاح، وضمن ذلك المسألة الحاسمة للتسعير.

مفاوضات مع الحكومة الأمريكية

لذلك عندما فتحت شركة فايزر المفاوضات مع الحكومة الأمريكية في أوائل صيف 2020، اتَّخَذَت موقفاً لا هوادة فيه، إذ طلبت الشركة 100 دولار للجرعة، وفقاً لأشخاصٍ مُطَّلِعين.

كان بورلا “يعمل بشكلٍ مثيرٍ للدهشة”، وفقاً لمسؤولٍ سابقٍ في إدارة ترامب، وكان “مشاركاً بشكلٍ شخصي” في المناقشات مع الأشخاص بالحكومة، وضمن ذلك في البيت الأبيض.

كانت الإدارة قد عيَّنَت منصف السلاوي لتأمين اللقاحات. وبصفته أحد المُخضرَمين في شركة غلاكسو سميث كين، لم يكن معادياً للصناعة بالطبع، وكان يعرف مخاطر تطوير اللقاح. ولكنه صُدِمَ، لأن شركة فايزر طلبت مثل هذا السعر الباهظ. تصاعدت الأمور في المفاوضات، ويقول السلاوي إنه حذَّر بورلا من أن الشركة ستبدو كأنها تحاول الاستفادة من “جائحةٍ تحدث مرةً في القرن”.

اتَّهَمَ مسؤولٌ حكومي يشارك في المفاوضات شركة فايزر بـ”محاولة اللعب بقوةٍ خلال فترة الطوارئ الوطنية”.

لم ترد شركة فايزر على أسئلةٍ حول إستراتيجية التسعير الخاصة بها في الولايات المتحدة. لكن مديراً تنفيذياً بالشركة، كان حاضراً في ذلك الوقت، وَصَفَ مناقشة تسعير اللقاح في أثناء الجائحة، مشيراً إلى أن لقاح الالتهاب الرئوي من شركة فايزر يكلِّف نحو 200 دولار. وإذا استخدمت الشركة تكاليف رعاية مرضى كوفيد، أو فوائد إعادة فتح الاقتصاد لتبرير تسعيرها، فقد يكون السعر أعلى.

لقاحات الالتهاب الرئوي

قال المدير التنفيذي: “إذا أجريت مقارنةً سريعةً وقذرة مقابل لقاح الالتهاب الرئوي، فسوف يكون السعر مرتفعاً بشكلٍ يبعث على السخرية. وإذا كنت تأخذ في الاعتبار التأثير الاقتصادي، وليس مجرد التأثير الصحي، فيمكنك أن تحصل على مقابل ما يصل إلى ألف دولار للجرعة، حيث كانت هناك إمكانيةٌ لتجنُّب إنفاق تريليونات الدولارات. لكنك تعود وتفكِّر في أن هذا لن ينجح”.

يقول السلاوي إن بورلا أدرك سريعاً أن مثل هذا السعر سيخاطر بسمعة الشركة. وبعد أن وافقت شركة موديرنا، التي تلقَّت منحاً كبيرة من الحكومة الأمريكية، على سعرٍ أقل بكثير، استقرَّت شركة فايزر في النهاية على جرعةٍ بقيمة 19.50 دولار في العَقد الأوَّليّ مع الولايات المتحدة، وما يعادله في الدول الغربية الأخرى. ولكن هذا كان في الواقع أربعة أضعاف سعر جرعة واحدة من جونسون آند جونسون، وخمس مرات قدر سعر جرعة واحدة من أسترازينيكا

ويصرُّ بورلا على أنه لا يركِّز فقط على المحصِّلة النهائية، وقال لموقع Yahoo Finance في يوليو/تموز 2021: “أنا مقتنعٌ بأن أداء الشركة جيِّد للغاية على الصعيد المالي، لكنني أشعر بالرضا أكثر عندما أذهب إلى مطعمٍ واستُقبِل بحفاوةٍ بالغة، لأن الجميع يشعر بأننا أنقذنا العالم”.

أما ويني بيانيما، الأوغندية التي تدير جهود الأمم المتحدة العالمية للقضاء على فيروس الإيدز، فقد ارتجفت عندما قرأت هذه المقابلة، قائلةً: “لَم ينقذ العالم”، مشيرةً إلى معدَّلات التطعيم المنخفضة للغاية في إفريقيا. وأضافت: “كان بإمكانه فعل ذلك، ولكنه لم يفعل”.

خفَّضَت شركة فايزر الأسعار للبلدان منخفضة الدخل إلى ما يصل إلى 6.75 دولار للجرعة بالنسبة لأفقر البلدان، ومن 10 إلى 11 دولاراً للدول ذات الدخل المتوسط، أي أقل من أسعار شركة موديرنا، ولكنها لاتزال أعلى من شركة أسترازينيكا.

مع ذلك، حتى لو أدَّى ذلك إلى جعل الجرعات ميسورة التكلفة، يشعر العديد من القادة بأن شركة فايزر تجبرهم على الولوج إلى متاهةٍ من أجل الحصول على الجرعات. بينما كان القادة الغربيون يتواصلون مع بورلا، كان التحدي الأول لبعض الدول هو أن تصل أسماعها إليه، أو أيِّ شخصٍ في شركة فايزر.

يقول شخصٌ مُطَّلِعٌ على عملية شراء اللقاحات في الاتحاد الإفريقي: “أبلغتنا البلدان أنها كانت تحاول الحصول على لقاحات فايزر، ولم يرد أحدٌ على مكالماتهم”.

مساعٍ لتوفير اللقاحات

قبل أن يتم الاتفاق على الصفقات، طالبت شركة فايزر الدول بتغيير القوانين الوطنية لحماية صانعي اللقاحات من الدعاوى القضائية. ومن لبنان إلى الفلبين، غيَّرت الحكومات الوطنية قوانينها؛ لضمان توفير اللقاحات.

يقول جارباس باربوسا، مساعد مدير منظمة الصحة للبلدان الأمريكية، إن شروط شركة فايزر كانت “مسيئةً، في وقتٍ لم تكن لدى الحكومات مساحةٌ لتقول فيها لا”، بسبب حالة الطوارئ.

لكن المفاوضين كانوا يخشون من أن يؤدِّي ذلك إلى تأخير تسليم الجرعات. يقول جوناثان كوشينغ، رئيس قسم الصحة العالمية في منظمة الشفافية الدولية: “إنه سباقٌ فعليٌّ نحو القاع. كلُّ من يوقِّع أكثر من غيره، سيحصل على اللقاحات بشكلٍ أسرع”.

تقول سوزان سيلبرمان، الرئيسة السابقة للقاحات فايزر، وقد أنشأت فريق عمل كوفيد-19 التابع للشركة، إن الشركة كانت تعلم أنها لن تكون قادرةً على إمداد العالم بأسره في المرحلة الأوَّلية.

تضيف: “وجدنا أن الحكومات كانت في مراحل مختلفة من النهوض بعمليات شراء خاصة أثناء الجائحة. لم يكن الأمر أننا أردنا التعاقد مع الدولة س أو الدولة ص أولاً، بل كنَّا نجري محادثاتٍ متعدِّدة في الوقت نفسه. وكانت المحادثات تدور في كثيرٍ من الأحيان حول مدى سرعة استجابة الحكومات”.

كانت المفاوضات مع جنوب إفريقيا متوتِّرةً بشكلٍ خاص. واشتكت الحكومة من أن شركة فايزر قدَّمَت ما وصفه وزير الصحة السابق، زويلي مكيزي، بـ”مطالب غير معقولة”، قالت الحكومة إنها أجَّلَت تسليم اللقاحات.

في إحدى المراحل، طلبت الشركة من الحكومة طرح أصولٍ سيادية لتغطية تكاليف أيِّ تعويضٍ مُحتمَل، وهو أمرٌ رفضت الحكومة القيام به. ورفضت وزارة الخزانة طلباً من وزارة الصحة بتوقيع الصفقة مع شركة فايزر، وفقاً لأشخاصٍ مُطَّلِعين على الأمر، بدعوى أنها تماثل “التنازل عن السيادة الوطنية”.

لكن شركة فايزر أصرَّت على التعويض ضد الدعاوى المدنية، وطلبت من الحكومة توفير التمويل لصندوق التعويض.

يقول مسؤولٌ كبيرٌ مُطَّلِعٌ على جهود شراء اللقاحات الإفريقية: “قال لي المسؤولون من جنوب إفريقيا: (هؤلاء يضعون مسدساً على رؤوسنا!). كان الناس يصرخون طلباً للقاح ووقَّعوا على كلِّ ما وُضِعَ أمامهم”.

تقول فاطمة حسن، مؤسِّسة مبادرة العدالة الصحية في جنوب إفريقيا، إن وزارة الصحة غير مُجهَّزة للتفاوض مع شركة أدوية مثل فايزر. وتستعد المبادرة التي أسَّستها حسن، للذهاب إلى المحكمة لفرض نشر العقود غير المنقولة والمُوقَّعة بين شركة فايزر وحكومة جنوب إفريقيا.

يقول حسن: “نريد أن نعرف ما الذي لعبوا عليه بقوةٍ أيضاً. لا يمكن أن تمتلك شركةٌ خاصة كثيراً من القوة هكذا. يجب أن يكون العقد مفتوحاً”.

استفادة غير طبيعية من الفيروس

لن يعلِّق مسؤولٌ حكوميٌّ كبيرٌ في جنوب إفريقيا على شركة فايزر على وجه التحديد، لكنه قال: “أعتقد أنه من غير الأخلاقي أن يستفيد أيُّ شخصٍ إلى الحدِّ الذي حدث على خلفية أزمة خطيرة على البشرية ككل”

في حين حدث التحوُّل التالي عندما رفضت الشركة إطلاق جرعاتٍ حتى تتحقَّق مِمَّا إذا كانت الدول لديها البنية التحتية لتقديم اللقاحات التي تُحفَظ في درجات حرارةٍ باردة للغاية. كان لدى شركة فايزر سببٌ وجيهٌ للقلق، حتى إن كثيراً من مقدِّمي الرعاية الصحية الغربيية كافحوا من أجل تخزين الجرعات. تقول سيلبرمان إن شركة فايزر تتحمَّل مسؤولية مساعدة الحكومات على فهم المُتطلَّبات، لأنه “لا يوجد لقاحٌ مفيدٌ إذا وُضِعَ في حاوية”.

لكن أحد كبار القادة في برنامج كوفاكس، المدعوم من منظمة الصحة العالمية لتقديم اللقاحات إلى العالم النامي، يقول إن بعض الحكومات شعرت بأن شركة فايزر تجاوزت حدودها. ويقول: “اعتقدت بعض البلدان أنها غطَّت كلَّ شيءٍ بالفعل، ثم قامت شركة فايزر إما بتضمين أشياء أخرى أو لم تكن راضيةً عمَّا فعلوه”.

في سبتمبر/أيلول 2021، أثار بورلا كثيرين، من خلال اقتراحه أن إمدادات اللقاح ستكون وفيرةً جداً بحلول العام المقبل. وقال: “نسبة التردُّد في البلدان منخفضة الدخل ستكون أعلى بكثيرٍ من التردُّد في أوروبا أو في الولايات المتحدة أو في اليابان”.

هناك بالفعل بعض الأدلة التي تدعم ذلك، إذ تكافح جنوب إفريقيا، التي واجهت نقصاً في وقتٍ سابقٍ من العام، من أجل إقناع الناس بتلقي اللقاحات المتوافرة. لكن ذلك أضاف إلى الانطباع بأن بورلا بعيدٌ عن واقع الحياة في بلدٍ غير مُحصَّن. يصف توم فريدن، المدير السابق للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، هذا التعليق بأنه “فاضح”.

بدون أي رؤية لدفتر طلبات شركة فايزر، أو ما إذا كان هناك طابور، بدأت بعض الحكومات في الشكِّ في أن هذه الشروط الإضافية كانت تؤخِّر تكتيكات التسليم. يقول بروس إيلوارد، كبير المستشارين في منظمة الصحة العالمية، إن صانعي اللقاحات لا يعطون الأولوية لبرنامج كوفاكس.

ويضيف: “اعرضوا لنا قائمة الانتظار. أين الترتيب؟ وكيف تنظِّمون القائمة الخاصة بكم؟”.

أما شركة فايزر، فقالت إنها شفَّافة فيما يتعلَّق بجداول التسليم الخاصة بها. وقالت إنها تسعى للحصول على النوع نفسه من حماية المسؤولية التي تتمتَّع بها في الولايات المتحدة، وإذا كانت الدول غير قادرة على توفيرها، فإنها تعمل معها لإيجاد “حلول مقبولة للطرفين”.

توزيع عادل لللقاحات

قالت الشركة إنها اتصلت بالبلدان على جميع مستويات الدخل، وإن “التوزيع العادل والمنصف كان بوصلتنا منذ اليوم الأول”. لكن بعد وصولها الأوَّليّ، قالت إنها وجدت الغالبية من اللقاحات كانت محفوظةً لدى الدول ذات الدخل المرتفع، غالباً لأن البلدان الفقيرة تفضِّل اللقاحات التي لا تستلزم مُتطلَّبات سلسلة التبريد الصعبة.

أضافت الشركة: “لقد رأينا ميزان العرض يثقِل كاهل البلدان منخفضة ومتوسِّطة الدخل في النصف الثاني من العام 2021”.

تقول أوريليا نغوين، المديرة الإدارية لبرنامج كوفاكس، إن شركة فايزر حقَّقَت أهدافها في توصيل الإمدادات للبرنامج، لكنها تضيف: “من اتصالنا الأوَّليّ بشركة فايزر، أصبح من الواضح في وقتٍ مبكِّرٍ، أن أفضل ما يمكن أن يتوقَّعه برنامج كوفاكس هو الحدُّ الأدنى من الجرعات عام 2021″.

يقول إيلوارد إن شركة فايزر لم تكن سريعةً بما يكفي، لكن يجب أن يُنسَب الفضل إلى تكثيف إنتاجها هذا الخريف، وسُلِّمَت اللقاحات الآن إلى 161 دولة. قدَّمَت الشركة 740 مليون جرعة للدول منخفضة ومتوسِّطة الدخل في عام 2021، ونحو 100 مليون منها تأتي من تبرُّعاتٍ من إدارة بايدن. ووعدت شركة فايزر بمليارٍ آخر في عام 2022.

ريتشارد هاتشيت، الرئيس التنفيذي للتحالف من أجل الابتكارات والاستعداد للجوائح، وهو أحد مؤيِّدي برنامج كوفاكس، قال إنه يعتقد أن العالم مَدينٌ لشركة فايزر وموديرنا وبيونتيك وأسترازينيكا والعديد من الشركات الأخرى في الصناعة، بـ”شكرٍ كبير”.

كلُّ ما يريده، لمدةٍ محدودةٍ من الجائحة، هو الاطلاع على دفاتر الطلبات. ويقول: “إذا كان الجميع في أعلى مستوى، وكنت تقوم فقط بالتسليم في التسلسل الزمني، فلا ينبغي أن تمثِّل الشفافية مشكلة”.

يضيف: “حِدَّة المشاعر حول هذه القضايا عالية جداً لأسبابٍ واضحة. أعني لأن الناس يموتون”.

وكالات – عربى بوست

شاهد أيضاً

قانون لجوء الأجانب في مصر يثير الجدل.. كيف أجبر الاتحاد الأوروبي القاهرة على الإسراع بتمريره؟

مررت الحكومة المصرية بشكل مبدئي قانون لجوء الأجانب الذي أثار جدلاً حقوقياً وشعبياً واسعاً خلال …