أملي أن يساعدني الله – قصص مصيرية في الهجرة من الجنوب إلى الشمال

ترجمة مصطفى درويش
ترجمة مصطفى درويش

 

فيينا : مصطفي درويش : —

منذ عامين والحديث لم ولن ينقطع عن اللاجئين الذين تركوا ومازالوا يتركون أوطانهم من أجل حياة آمنة لهم ولإبنائهم . فالفجوة بين ما يعانون في أوطانهم من فقر وذل ومرض وأمية وحكومات ديكتاتورية متعسفة يدفعهم للهرب وتحمل الصعاب التي قد تصل إلى فقدان حياتهم والتي هي في حقيقة أمرها مفقودة بالفعل . وما محاولة الهروب إلى الشمال إلا محاولة لإستراجع حياتهم المسلوبة وهم على قيد الحياة .

وفي تقرير لجريدة الكورير الصادرة يوم الأحد 02.07.2017 على صفحتها العاشرة العديد من هذه القصص المأساوية والمصيرية والتي تدفع قرآتها إلى التأمل والتدبر في أمور حياتنا وحياة الأخر لنأخذ منها العبر والدروس المستفادة عسي أن تنفعنا ونفيد بها غيرنا .

فهذه قصة ” حمدا ” تلك المرأة الشابة القادمة من الصومال التي انجزت هروبآ محفوفآ بالخطر وإمكانية فقدان الحياة حتي وصلت ليبيا وعبرت منها إلي البحر الأبيض المتوسط حتي استقر بها المقام في مدينة جراتس بالنمسا . وفي جراتس وضعت وليدها ” عبدي ” الذي يبلغ من العمر الآن عاما ونصفا من العام . وفي هذه الأثناء تعلمت حمدا اللغة الألمانية التي هي ليست بالسهلة على الإطلاق حتي جاء اليوم الذي تم ترحيلها فيه إلى ايطاليا وهي الدولة الأولي التي رست فيها من البحر الأبيض وتم أخذ صماتها هناك . وعند سؤالها من قبل مراسل جريدة الكورير عن مصيرها قالت بهدوء : ” لا علم لي على الإطلاق كيف ستسير بي الأمور ، فأنا في حالة انتظار وأملي فقط أن يساعدني الله ” . وفي معسكر اللاجئين بايطاليا وضعت حمدا مولدتها الجديدة وسمتها ” آنيسة ” وهو الأسم الذي يحمل في معناه الأنس والسعادة . تري أي سعادة تلك التي تحلم بها هذه الأم الشابة لإبنتها الرضيعة !

وفي مخيم اللاجئين الذي تقيم فيه حمدا يوجد 85 آخرون معظمهم قادمون من بلدان افريقية مثل اريتريا والصومال والسودان ومالي وجامبيا وساحل العاج ولكل منهم قصة تفوق الخيال ومن الممكن ان تملأ فصولها صفحات الجرائد والكتب والمجلات .

وفي أحد المخيمات الغير مجهزة على الإطلاق لإقامة اللاجئين حيث لا توجد مياة ولا كهرباء وليس له سقف على الإطلاق ولا يوجد به سوي عدد قليل من المراتب للنوم وتكون السماء هي غطائهم يأت إليهم أصحاب القلوب الرحيمة من الإيطاليين ويقدمون لهم الغذاء يوميآ وبجهود ذاتية لساكني هذا المخيم والبالغ عددهم 150 لاجئآ . وأثناء احدي المداهمات الشرطية لهذا المخيم الغير رسمي رقد ” باول ” الشاب الافريقي أمام سيارة الشرطة مجاذفآ بحياته وقال ” دمي أحمر اللون مثل دمكم تمامآ ، وليس أخضرآ أو أسودآ ” .

وعلى جانب آخر يذهب الصومالي ” أحمد ” مع بعض الرفقاء إلي منبع المياة الذي يبعد عن المخيم مئآت من الأمتار وهم ينشدون ويعزفون على علب الصفيح التي سوف يملؤنها بالمياة ويقول أحمد مازحآ ” إن الوضع هنا لم يختلف كثيرآ عن افريقيا حيث كنا نقطع المسافات من أجل الذهاب إلى منابع المياة . وما روما إلا معترجآ صعبآ ” .

حقآ ما اجمل الأوطان التي تحمي ابنائها وتساعدهم على العيشة الهنية بها .

وما اجمل الترحال إن كان إختياريآ إلى حياة أفضل أو موطن أأمن .

وما اجمل الحياة في الأمن والامان .

أما هؤلاء فندعوا الله لهم أن يعينهم على ما أصابهم من بلاء فهو عونهم ونعم النصير . فقد رأينا فيهم الإيمان في قول حمدا ” فأنا في حالة انتظار وأملي فقط أن يساعدني الله ” ، ورأينا فيهم الصبر على البلاء والهوان لما آلوا إليه في فعل باول وإلقاء نفسه أمام سيارة الشرطة قائلآ ” دمي أحمر اللون مثل دمكم تمامآ ، وليس أخضرآ أو أسودآ ” ، كما رأينا الجلد والتحمل في رفاق أحمد وتحمله معهم الصعاب بالدعابة والفكاهة والمرح ” وما روما إلا معترجآ صعبآ ” . فها هي تتجلي فيهم صفتا الإيمان والصبر وبشر الصابرين .

مصطفي درويش                                                                      فيينا 02.07.2017

للمزيد من المقالات للكاتب أضغط هنا

 

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …