تعرض مسجد قيد الإنشاء في دورماغن غرب ألمانيا إلى اعتداء عام 2014 من خلال رسم الصليب المعقوف (شعار النازية) على جدران المسجد. الصورة رمزية وليست للمسجد المذكور في المقال.
يتحدث إمام مسجد طلب نشر اسمه مختصرا بالحرف الأول وهو الألف/ أ. : “مرة ما، قبل أعوام، رسم أحدهم على جدار المبنى والنوافذ صلبانا معقوفة (شعار النازية)”. بهذه الجملة يبدأ إمام المسجد أ. حديثه مع DW موضحا الهجوم الذي تعرض له مسجده في بلدة صغيرة غرب ألمانيا. في حادث من حوادث أخرى كثيرة، وفيما إذا كان عددها قد ارتفع في الأعوام الماضية أم لا؟ إمام المسجد يجيب قائلا “لا يمكنني سوى القول بكل وضوح: نعم”.
أضحى العداء للمسلمين، مثل العداء لليهود سلوكا يوميا في ألمانيا. وبحسب وزارة الداخلية الألمانية بلغ عدد الهجمات التي طالت مسلمين أو رموزا إسلامية 1026 حالة في عام 2020. معاداة المسلمين وتهديدهم في ارتفاع ليس في ألمانيا وحدها، بل وعبر شبكة الانترنت بشكل خاص.
المفوض الخاص لمجلس أوروبا المعني بشؤونمعاداة السامية ومعاداة المسلمين دانييل هولتغن حقق في قضية أبعاد خطاب الكراهية ضد المسلمين في ثمان دول أوروبية. دراسة أولية ذكرت أن “النتائج مازالت غير مكتملة” يقول هولتغن حول الأرقام التي ذكرتها الدراسة. إلا أنه يشير إلى أنها “حافز للبحث أكثر”، فيما طالبت أغلب الجمعيات الإسلامية المؤسسات الحكومية بالعمل أكثر. الجدير ذكره هنا أن مجلس أوروبا، هو منظمة دولية هدفها دعم حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون ويضم 47 دولة تقع في قارة أوروبا، وهو مجلس موسع أكثر من الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة.
“لغة قاسية”
يتحدث هولتغن كيف أنه “بالنسبة للجمعيات قد أصبح التهجم في الأنترنت مشابها من حيث خطورته للتمييز العنصري أو الإساءات اللفظية في الشارع”. هولتغن يتحدث أيضا عن “لغة قاسية” و”صارخة للغاية”، لغة تزداد عدوانية وتهديدا مع مرور الوقت. “ظهرت تهديدات مباشرة بالقتل، عنصرية واضحة ودعوات لممارسة العنف. هذه وقائع ذات صلة جنائية ولا علاقة لها بحرية التعبير”.
المفوض الخاص لمجلس أوروبا المعني بشؤون معاداة السامية ومعاداة المسلمين دانيل هولتغن مع رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أيمن مزيك.
انعدام الشعور بالأمان
ويوضح الإمام أ. عواقب الشعور بعدم الأمان والتعرض للتهديد، فبعد رسم الصليب المعقوف على جدران المسجد انخفض عدد المصلين في المسجد أيام الجمعة. فبعد أن كان العدد 100 مصل انخفض إلى 10 مصلين فقط، وبالخصوص يشعر الشباب منهم بعدم الأمان خلال مجيئهم إلى المسجد. بعد الحادث أجرت الشرطة تحقيقا، فيما حاولت إدارة البلدة وضع كاميرات مراقبة، لكن في النهاية انتقل المسجد إلى مكان آخر وتم نصب كاميرات لغرض المراقبة.
إلا أن الأمام يتحدث أيضا عن رسائل تصل المسجد، مكتوبة بالآلة الطابعة أو بأحرف مقطوعة من عناوين الصحف يقول فيها مرسلوها :”عودوا إلى أوطانكم” و “ليس لديكم شيء هنا”. يقول الإمام إن مثل هذه الرسائل “تصل بشكل منتظم”. في الفترة الأخيرة وصلته أيضا صور كاريكاتورية للنبي محمد، موضحا بالقول إن التهديدات الإلكترونية تصله نادرا، ربما لأنه يعيش في منطقة ريفية.
“تصريحات خطيرة”
لدى هولتغن انطباع أن أغلب رسائل الكراهية لا يتم التبليغ عنها فعليا. إما لعدم معرفة المسلمين الذين توجه لهم مثل هذه الرسائل بطريقة التبليغ عنها، أو لأنهم يعتقدون أن التبليغ لن يغير شيئا. ويشير إلى نتيجة مفادها :”أغلب رسائل الكراهية ترسل من مرسل مجهول. أصبح من المقبول مع مرور الوقت استعمال ألفاظ عنصرية على الانترنت، وهو أمر مثير للقلق جدا”.
فالأنترنت فضاء مفتوح وإلى درجة كبيرة “بلا قوانين تديره” ويمكن أن يتسبب في ظهور مجرمين آخرين. ويتذكر هولتغن كيف أن منفذ الهجوم الإرهابي في مدينة هاله في عام 2019 ، قد بث هجومه مباشرة عن طريق الانترنت، كي يتمكن من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس. ويعود ويُذكّر بقانون الاتحاد الأوروبي بشأن الخدمات الرقمية، والذي جعل من مؤسسات الإنترنت في نهاية عام 2020 أكثر مسؤولية تجاه المحتوى الذي ينشر على مواقعها. ويوضح: “المنصات يجب أن تمتثل للقوانين التي نضعها”.
“خطر على الديمقراطية”
أيمن مزيك، رئيسالمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا يتكلم حول ظاهرة الكراهية بشكل عام والكراهية على النت كظاهرة “جديدة”. لكنها زادت في السنوات الأخيرة “بشكل كبير جدا”. في ألمانيا كان هناك أكثر من ألف حادث كراهية ذا صلة جنائية في عام 2020 ، بما في ذلك الهجمات على ما يقرب من 150 مسجدا. إلا أنه يعرب عن أمله في أن يوفر التحقيق الذي يجريه مجلس أوروبا دافعا لاتخاذ إجراءات ضد هذه الكراهية. وأوضح مزيك بالقول، في نهاية المطاف، كما هو الحال مع معاداة السامية والعنصرية، فإن الأمر يتعلق بتعريض الحرية والديمقراطية للخطر.
من جانبه يتحفظ مفوض المجلس الأوروبي تجاه تقييم سياسة دول الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يتردد في مدح خطوة معينة. فهو يرى أن “مجموعة الخبراء في موضوع كراهية المسلمين” التي أنشأها وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2020، خطوة يمكن الاحتذاء بها. ويضيف “أريد أن أوصي بأن تتخذ دول أخرى نفس الخطوة”.
عواقب
الدراسة الاستقصائية التي أجراها هولتغن لا تغطي كل البلدان الأوروبية، فهي تركز عملها في 8 بلدان من مجموع 47 بلدا أوروبيا. لكنها أجريت مع ذلك في بلدان تعيش فيها أقليات مسلمة كبيرة نسبيا، مثل فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا والنمسا. ويعلن أن “المفوضية الأوروبية ستقدم مقترحين لمناهضة العنصرية وعدم التسامح، في نهاية عام 2021 لدينا مقترح لمكافحة العنصرية وفي عام 2022 هناك مقترح آخر لمكافحة العداء ضد المسلمين. ويرى أن مثل هذه “المقترحات السياسية تأتي نادرا”.
اما بالنسبة لإمام المسجد الذي اختصر اسمه بحرف أ. فقط، فإنه يرحب بكل ضيف سواء من الساسة أو من الصحافة. ويقول “نحن لسنا صندوقا أسودا مغلقا، نحن ننتمي بكل بساطة إلى هذا المجتمع ”
كريستوف شتراك/ ع.خ