هل النمسا تتجه إلى تقنين بيع واستهلاك نبتة الكيف”الحشيش” للعامة؟

الملايين يحصلون على المخدرات يوميا ويتعاطونها، رغم أنها ممنوعة. وفي النمسا هناك ملامح تغيير في سياسة المخدرات. إذ يُعتقد أن مسألة تقنين وشرعنه بعض المخدرات ستلعب دورا في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية في الأعوام المقبلة

في الجلسة الأخيرة للجنة الصحية في البرلمان، لم يكن الجدل حول وباء كورونا، وإنما حول الحشيش. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها مناقشة هذا الموضوع. لكن هذه المرة تعلق الأمر بمناقشة طلب تقدمت به الكتلة البرلمانية لحزب الحرية  بشأن مراقبة وتقنين استهلاك وبيع الحشيش للبالغين من أجل تعاطيه. ونظرا لتنامي الحاجة عالميا إلى القنب الهندي لأغراض طبية وللتعاطي، هناك دعوات لإنتاجه في النمسا وتصديره للخارج أيضا.

ويظهر هذا الأمر تقدما في النقاش حول مخدرات ممنوعة، وخاصة الحشيش. لأنه ومنذ نصف قرن من “الحرب على المخدرات” لم يتراجع العرض ولا الطلب عليها. فحتى في زمن كورونا لم تتأثر السوق السوداء للمخدرات بالجائحة، حسب ما جاء في تقرير نشره المركز الأوروبي لمراقبة المخدرات والإدمان في أواسط يونيو الجاري.

الحشيش مخدر الشعب“!

يقدر حجم مبيعات المخدرات في أوروبا بنحو 30 مليار يورو سنويا. وكما في باقي أنحاء العالم، فإن الحشيش هو المخدر الأكثر انتشارا. وحسب المركز الأوروبي، فإن نحو 30 بالمائة من البالغين في أوروبا قد دخنوا الحشيش بطريقة ما مرة واحدة على الأقل في حياتهم. وينطبق ذلك على البالغين في النمسا أيضا. لذلك فإنه ليس رجال القانون وعلم الإجرام والشرطة والمربون الاجتماعيون وحدهم يشككون في سياسة المنع، وإنما الساسة أيضا باتوا يتساءلون فيما إذا كانت النيابة العامة والشرطة الأداة المناسبة لحماية الناس من المخدرات صحيا.

والنقاش العالمي حول تقنين استهلاك الحشيش قد أعطى دفعا لمناقشة الموضوع في النمسا أيضا. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من ربع الولايات الأمريكية تسمح ببيع الحشيش للبالغين بهدف تعاطيه. وفي النمسا، تؤيد بعض الأحزاب في البرلمان التقنين وإنهاء المنع.

دعوات لزراعة الحشيش بشكل قانوني في النمسا وتصديره للخارج أيضا نظرا لزيادة الطلب العالمي عليه

البحث عن طرق جديدة

وبغض النظر عن الخلاف حول التفاصيل، فإن أحزاب: الخضر والاشتراكي واليسار متفقة على فشل سياسة المخدرات الراهنة القائمة على المنع، وتطالب بالتقنين وعدم التجريم. وقال نائب من الكتلة البرلمانية لحزب الخضر، في تصريح لوكالة الأخبار النمساوية APA ، إن الألأف في النمسا يتعاطون الحشيش بشكل منتظم. وانتقد النائب ترك هؤلاء تحت رحمة السوق السوداء، حيث يحصلون على نوعية سيئة غير مضمونة من الحشيش، علاوة على أن الدولة تخسر مبلغا كبيرا من المال. وأضاف النائب “إذا تم بيع الحشيش بشكل رسمي، ستحصل الدولة على ضرائب من ذلك، ويمكن استخدام المبلغ من أجل المعالجة”.

وحول المبلغ الذي يمكن تحصيله وتوفيره من تقنين بيع الحشيش، نشر الباحث الاقتصادي، يوستوس هاوكاب، دراسة عام 2018، قدر فيها قيمة الأموال التي سيتم توفيرها من دوريات ومداهمات الشرطة ومن المحاكمات ومن الضريبة التي سيتم تحصيلها، بنحو 500 مليون يورو سنويا.

وحزب الخضر هو الحزب الوحيد الذي قدم حتى الآن مشروع قانون كامل حول تقنين الحشيش، لكن البرلمان رفض المشروع

تجريم المستهلك!

ويرى الباحث الاجتماعي، شتيفر، أن النقاش الحالي حول سياسة المخدرات في النمسا، متأخر جدا. ويشير إلى الرقم الكبير للحالات التي تعاملت معها الشرطة فيما يتعلق بجرائم المخدرات ويقول “لقد وصلت إلى أكثر من 80 ألف حالة” ونحو 80 بالمائة منها كانت أقرب إلى الاستهلاك، ما يعني أنه تم القبض على مدخن ومعه غرامات قليلة من الحشيش أو متعاط للهيرويين ومعه ما يكفيه لاستهلاكه اليومي. وبالتالي يتم تجريم مستهلكين لا يلحقون الضرر بغيرهم، ما ينعكس على محيطهم وعملهم أو تأهيلهم المهني، بالإضافة إلى زيادة عبء الشرطة والقضاء بقضايا غير مهمة. هذا ناهيك عن خطر السوق السوداء والجودة غير المضمونة.

وفي هذا الإطار يشير تقرير المركز الأوروبي لمراقبة المخدرات والإدمان، إلى أن عصابات المخدرات بدلت حشيشا سيء الجودة بمادة صناعية سامة، ما أدى إلى وفاة أكثر من 20 شخصا في هنغاريا الصيف الماضي، في حين أنه ليست هناك معلومات حتى الآن عن وفيات بسبب تعاطي الحشيش الطبيعي الواسع الانتشار.

مفوضة الحكومة لشؤون المخدرات أيضا بدأت بالتحرك

في الأثناء بدأت مفوضة الحكومة لشؤون المخدرات، فراو لودفيك، التي تنتمي لحزب الشعب ، أيضا بالتفكير في مسألة تقنين بيع واستهلاك الحشيش. وصحيح أنها أعربت في أواسط يونيو الجاري في لقاء مع إذاعة جنوب غرب النمسا، عن رفضها لتقنين بيع واستهلاك الحشيش بهدف حماية الشبان، لكنها اعترفت في نفس الوقت بأن “عصا العقوبات ليست مناسبة لشخص يدخن لأول مرة الحشيش”. وأضافت بالإشارة إلى النموذج البرتغالي بأن “عدم التجريم، والحذف من قانون العقوبات، واعتبار الأمر مخالفة للنظام، سيكون حلا بالنسبة لي حين نربط الأمر باستشارة إلزامية”.

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …