أنظر إلى ساعتي، إنها تُشير إلى الثانية عشر، منتصف الليل من يوم الخميس، الرابع والعشرين من يونيو 2020، لقد مرت ساعة على آخر مباريات دور المجموعات بطولة يورو 2020، حيث سال اللعاب وارتفع الأدرينالين بعد 180 دقيقة من الخيال في أليانز وبوشكاش أرينا على الترتيب، أسكب كوبا من الشاي بعد يوم ساحر في مدينتي، أجلس في زاوية غرفتي، والستائر مغلقة تحجب العالم الخارجي لأن كرة القدم آسرة، وتأخذنا إلى مستويات عاطفية رائعة.
لقد أمضيت آخر 3 أيام في مشاهدة منتخبات البطولة عن قُرب، لكن ظل عقلي يخبرني أن هناك بعض الفوضى هناك، هذه الأفكار المرعبة جعلتني حقا أشعر بالقلق، في كرة القدم، هناك تفاصيل معينة تبدو مخيفة من حيث الشكل والمضمون، ولكن بمجرد أن تبدأ في قراءتها، لا يمكنك التوقف.
ككاتب، هذه ليست المرة الأولى التي أتساءل فيها عن هدفي، لكن في كل مرة يساورني فيها الشك، أتساءل حقا ما الذي يمكن أن أضيفه؟ حسنا، الإدراك؟ لا انا أنظر إلى ما هو أعمق، السلوك، لقد تم تعليمنا جميعا كأطفال وتذكيرنا كمراهقين وبالغين بأهمية السلوك، ما الذي يمكن أن تأمل في تحقيقه كرة يركلها 22 شخصا؟
شهدت البطولة لحظات تكتيكية مثيرة، في الواقع، أطلق عليها جرائم تكتيكية، أفكار أو أفعال ظن أصحابها بأنها ستكون فعَّالة لكنها جاءت محاطة بسُحب ضبابية، البعض منها تم حله والبعض الآخر لم يتم الكشف عنه، شعرت بسعادة بالغة لم تفاجئني فقط في حدتها، ولكن أيضا بوجودها في الأساس نتيجة إدراكي لتلك الافعال، أغمضت عيني لمدة ثانية، حتى أتمكن من الشعور بها.
جوريتسكا على دكة البدلاء أمام المجر
منح هدف ليون جوريتسكا المتأخر مقعد التأهل للمنتخب الألماني بعد أن كان على وشك الخروج المبكر من البطولة، لكن قبل ذلك بدا أن المانشافت لم يعرف حقا كيف يصل إلى مرمي المجر خصوصا مع قرار يواكيم لوف بالبدء بـ ليروي ساني بعد تأكد عدم جاهزية توماس مولر للمشاركة أساسيا في اللقاء.
لم يؤثر وجود ساني على مركز واحد بل ضرب عدة مراكز معا، قبل شهر من بدء البطولة، كنت أتحدث مع صديق لي حول المنتخب الألماني وقد اتفقنا على أن لوف قد وجد أخيرا اللاعب الذي يستطيع الركض في الجهة اليسرى ما يجعل الفريق يحقق أقصي استفادة منه، لم يكن ذلك اللاعب هو روبن جوسينز، الحائز على جائزة أفضل لاعب في مباراة البرتغال بل كان ليروي ساني، حيث ظهر بشكل جيد في مباريات التصفيات المؤهلة لكأس العالم لكن عدم انضباط اللاعب بمهام أخرى تتعلق أكثر بسلوكه أثناء عدم امتلاك الكرة جعله حبيس دكة البدلاء.
لذلك كانت مشاركة ساني وجوسينز معا جريمة تكتيكية من الفئة الأولي، حيث لم يستطع جوسينز التحرك بحرية كما فعل أمام البرتغال لأن ساني لم يكن جيدا في التحرك بدون كرة، وهو الدور الذي يقوم به توماس مولر بكل بساطة، لذلك ستجد أن ساني لم يعرف أين يجب أن يذهب، ستجده في الجناح الأيسر ثم في الجناح الأيمن ثم في أنصاف المساحات ثم أخيرا في المركز، لتجده في النهاية يَلهَث بعد متابعة لاعب المجر وهو يسجل الهدف الثاني.
كان التحدي الأهم أمام المجر هو كيفية التعامل مع عرض الملعب في الثلث الأوسط، مع لعب المجر بمهاجمين إثنين فقد كان من السهل بالنسبة لهم الضغط ومراقبة توني كروس وإلكاي جندوجان، لذلك كان وجود لاعب ارتكاز وحيد حلا واضحا بدلا من استخدام لاعبين في طريقة 3-4-2-1 من أجل كسر خط الضغط الأول للمجر، حيث سيكون شكل 3+ 1 للاعب الارتكاز مع الثلاثي الدفاعي كافيا لزيادة الفجوة بين ثنائي المجر الهجومي.
ديفيد ألابا قلب دفاع متوسط
جاءت أولي الجرائم التكتيكية المرتكبة في اليورو بواسطة فرانكو فودا المدير الفني لمنتخب النمسا في أول مباراة للفريق في البطولة أمام مقدونيا الشمالية.
اتخذ فودا قرارا غريبا بالابتعاد عن طريقته المعتادة 4-2-3-1، حيث بدأ بـ 3-4-3، وبدلا من إشراك ديفيد ألابا كظهير جناح أيسر أو قلب دفاع أيسر، ومارسيل سابيتزر في المركز رقم 10، أشرك الأول في مركز قلب الدفاع المتوسط والثاني في المركز رقم 8.
كان هناك الكثير من التكهنات حول قرار تغيير مركز ألابا، والتي ركزت بشكل أكبر على قدرة لاعب بايرن ميونيخ السابق على استخدام قدمه بطريقة جيدة للخروج بالكرة من الخلف، لكن أسباب فودا كانت على ما يبدو أكثر تحفظا، وذلك لاستغلال نقاط القوة الدفاعية الأساسية لـ ألابا وقدرته على تغطية المساحة.
مركز قلب الدفاع المتوسط هو الأقل مشاركة بشكل عام بين الثلاثي الدفاعي في بناء اللعب من الخلف، حيث يتم إغلاق زوايا التمرير عليه لمنعه من التمرير العمودي، وبالتالي، فإن تحريك الكرة للأمام يقع على أكتاف قلوب الدفاع في الجوانب اليمنى واليسرى.
ما لم يكن قلب الدفاع المتوسط مميزا في إرسال الكرات الطويلة مثل فيرجيل فان دايك، فإن مساهمته في الاستحواذ ستقتصر على لعب التمريرات الجانبية نحو قلوب الدفاع في الجوانب.
لا يُمثّل ألابا النوع أعلاه من المدافعين، قام فودا فقط بإضعاف قدرات ألابا لمجرد الحصول على قدر إضافي من التغطية في المرحلة الانتقالية، ونتيجة لذلك، فقد اعتمد منتخب النمسا على سابيتزر لتقديم الإبداع، وهو ما فعله في عدة مناسبات في الشوط الأول.
لكن سرعان ما أدركت مقدونيا الشمالية التعادل بسبب سلسلة من الأخطاء، لذلك قام فودا بإقحام مايكل جريجوريتش وماركو أرناوتوفيتش، لكن التأثير الحقيقي جاء حقا عندما قرر فودا نقل ألابا على اليسار في الدقيقة 62.
كان التأثير ملحوظا على الفور، بدأت تحركات ألابا في الجانب الأيسر تعطي مفعولا، حيث انتهى به الأمر أيضا بتمريرة حاسمة ساعدت فريقه على تحقيق الفوز.
تمركز دي روون الغريب
فازت هولندا على أوكرانيا بثلاثة أهداف لهدفين في أحد أكثر المباريات إثارة في البطولة حتى الآن، ومع ذلك، كان تمركز مارتن دي روون غريب أثناء بناء اللعب.
استمر لاعب الوسط الدفاعي في التراجع بجانب الثلاثي الدفاعي ليصنعوا خط رباعي عند الإستحواذ، مما اجبر جورجينيو فينالدوم وفرينكي دي يونج على التراجع أكثر للخلف، لكن الغريب أنه تم تجاهل دي روون تماما وأصبح بالفعل عديم الفائدة في تلك المواقف.
ربما قام دي بور بذلك للسماح لـ ديلي بليند بالإنطلاق أعلى في الجانب الأيسر، لكن هذا لم يكن ضروريا، فإحدى مزايا وجود دفاع ثلاثي تتمثل في أنه يسمح لقلوب الدفاع في الجوانب بالتقدم لأعلى وكسب مساحة، لذلك لم يكن الفريق بحاجة إلى أن يتحرك دي روون إلى الخلف، خاصة عندما يرفض الخصم الضغط، إذن فيما كان يُفكر دي بور؟
إسبانيا بائسة أمام السويد
سيطر المنتخب الإسباني على المباراة بنسبة استحواذ كبيرة، وكان الضغط المضاد ممتازا أيضا حيث تحرك اللاعبون معا كوحدة واحدة، لكن رغم ذلك فقد عانوا في الأمام من مشاكل عديدة.
كان يورينتي يندفع للأعلى في الجانب الأيمن، في الوقت الذي يسقط فيه كوكي للخلف لإنتاج شكل 3-2 لإسبانيا في المرحلة الأولي لبناء اللعب، مما ساعد على خلق زيادة عددية على خط الضغط الأول للسويد، لكن لم يخاطر الفريق بشكل كافي، هنا كان يمكن للفريق كسر خطوط السويد، لكن عندما تم تمرير الكرة إلى باو توريس لم يقم بذلك.
افتقر الفريق إلى شغل المساحة خلف خط الضغط الثاني للسويد، غالبا ما رأينا بيدري يقف أمام كريستوفر أولسون بدلا من التحرك على جانبه الأعمى، وبالتالي كان من المستحيل اللعب بين الخط الثاني والثالث.
كان وجود خمسة لاعبين في نفس المنطقة بعرض الملعب في خط الوسط كثيرا جدا، فقد قاموا بتعطيل بعضهم البعض وكان من السهل جدا على السويد الدفاع.
كان سقوط لاعبي الوسط في العمق مشكلة عانى منها جميع لاعبي خط وسط إسبانيا، على الرغم من أنهم حافظوا على هيكل 2-5-3 حيث احتل اللاعبون جميع القنوات الرأسية الخمسة هنا.
احتل كل من الجناح والظهير المساحات الواسعة على الأطراف، لكن بدون تدريب الأجنحة على الركض القطري خلف خط الدفاع السويدي فإن الإنتاج النهائي يكون سيئا، خصوصا مع وقوف ثلاثي خط الوسط جميعا أمام الدفاع السويدي عندما كان يجب على واحد منهم على الأقل أن ينضم إلى خط الهجوم ليحتل المساحة بين الخطوط مع هبوط موراتا في كثير من الأحيان للوسط، أدى ذلك إلى ازدحام منطقة خط الوسط بدون أي اختراق عمودي.
مارتينيز لم يحسب حساب الدنمارك
لن أتحدث هنا عن ضغط الدنمارك الهائل الذي وضعوه على البلجيكيين خلال المباراة لكن عن رد فعل بلجيكا نتيجة ذلك والتي كانت سيئة حقا.
عندما بدأت الدنمارك في امتلاك الكرة وتدويرها في الخلف، ضغط البلجيكيون بعنف شديد في بعض الأحيان، انخفض ظهيري جناح الدنمارك بشكل أعمق قليلا، لكن المنتخب البلجيكي لم يستخدم أظهرة جناحه في الضغط على فاس ومايلي اللذين ارتبطا تمركزهما بالأجنحة دامسجارد وبرايثوايت، لذلك كان يضطر أحد ثنائي وسط بلجيكا ديدونكير أو تيليمانز إلى الضغط على ظهير جناح الدنمارك قطريا نحو الخارج، مما أدى إلى خلق مواقف 2 ضد 1 في المساحة المركزية مع وجود الظهير الجناح الآخر الذي ينضم إلى الداخل والمهاجم في مواجهة ديناير، وبالتالي نجحوا في تشكيل خطورة كبيرة على مرمي كورتوا.
تُشير ساعتي الآن إلى السادسة صباحا، تبدو هذه الأخطاء في نظري كالجرائم، ربما بالغت في التشبيه، ولكن حتي بعد التفكير الطويل، أجد أنه كان مناسبا بالنظر إلى المعطيات والنتائج، يختلف بطبيعة الحال سلوك البشر لذلك قد يكون الانتقاد غير مناسب في بعض هذه الحالات لكنه يعكس فقط عدم استخدام الأدوات بشكل جيد.
يقول الكاتب الأسكتلندي توماس كارليل:
“يمكنني القول أن أعظم الأخطاء هو أن يكون المرء غير مدرك للأخطاء التي يرتكبها”.
وكالات – شبكة رمضان الإخبارية