في محاولة لتقليل التأثيرات الخارجية والأجندة السياسية التي يجلبها معهم رجال الدين المسلمين القادمين من وراء الحدود، أطلقت ألمانيا برنامجاً لإعداد كوادر دينية، لكن هذه المبادرة ما زالت محلّ تشكيك من قبل جمعيات إسلامية.
افتتح بشكل رسمي اليوم الثلاثاء (15 حزيران/يونيو 2021) برنامج حكومي ألماني لإعداد الأئمة المسلمين. وباشر أمس الاثنين نحو أربعين رجلا وامرأة هذا الإعداد الذي يستمر لسنتين ويوفره معهد الإسلام في اوسنابروك في شمال غرب ألمانيا. وجرت أول الدروس الاثنين في المكتبة الواسعة التي تضم 12 ألف مؤلف تم شراؤها من مصر.
وهذا الإعداد متاح لحاملي شهادة في الفقه الإسلامي أو شهادة موازية ويتضمن فترات تدريب محورها الجانب العملي وتثقيف سياسي أيضا. وتدعم السلطات الفدرالية ومقاطعة ساكسونيا السفلى خصوصا هذا البرنامج ماليا في بلد يراوح عدد المسلمين فيه بين 5,3 و5,6 مليون إنسان، أي 6,4 إلى 6,7 % من إجمالي السكان.
وكانت المستشارة الألمانية دعت إلى اعتماد برنامج لإعداد الأئمة اعتبارا من العام 2018 أمام النواب. وأكدت “هذا الأمر سيجعلنا أكثر استقلالية وهذا ضروري من أجل المستقبل”.
“أجندة سياسة”
يقول اسنيف بيجيتش الذي يرأس معهد الإسلام إن هذا الإعداد: “يتسم بميزتين إذ نريد أن نعكس واقع حياة المسلمين في ألمانيا فيما الدروس تتم حصرا باللغة الألمانية”. وأضاف أحد الطلاب ويدعى إندر تشتن الذي يعمل بشكل تطوعي في سجن أحداث في برلين: “نحن ألمان مسلمون نحن جزء لا يتجزأ من المجتمع ولدينا الآن فرصة لنصبح أئمة يتلقون إعدادا محليا”.
وحتى الآن يأتي غالبية الأئمة في ألمانيا من دول مسلمة ولا سيما تركيا ويتلقون الإعداد في دولهم الأم التي تدفع رواتبهم. فنصف رجال الدين الذين تراوح أعدادهم بين ألفين و2500 ينتمون إلى منظمة “ديتيب “التركية التابعة مباشرة لوزارة الأوقاف التركية وتدير 986 مسجدا في ألمانيا على ما تفيد مؤسسة كونراد أديناور.
أما الآخرون فيأتون بنسبة 80 إلى 90 % من دول شمال إفريقيا وألبانيا ويوغوسلافيا السابقة وفق المصدر نفسه. وفي غالبية الأحيان يأتي هؤلاء إلى ألمانيا لفترة أربع إلى خمس سنوات بعضهم مع تأشيرة دخول سياحية من دون أن يعرفوا البيئة الثقافية والاجتماعية المحلية.
ويوضح إندر تشتن وهو ابن مهاجرين أتراك ولد في برلين “رجال الدين هؤلاء لا يتكلمون لغة الشباب الذين لا يفهمون التركية جيدا في غالب الأحيان. ومن المهم أن يكونوا على تماس مع واقع المجتمع المتعدد الثقافات والذي يتعايش في إطاره مسيحيون ويهود وملحدون ومسلمون”. ويضيف أن بعض رجال الدين وهم موظفون لدى الدولة التركية “يطبقون أجندة” سياسية في ألمانيا.
نفوذ تركي؟
وتظهر مسالة النفوذ الذي تمارسه تركيا، بانتظام في النقاشات خصوصا منذ محاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العام 2016. وفي العام 2017 اشتبه القضاء الألماني بأن أربعة رجال دين من أعضاء “ديتيب” تجسسوا على معارضين ومنتقدين للسلطة التركية.
إلا أن إعداد رجال دين بدعم مالي من الدولة الألمانية يثير انتقادات لأنه يصطدم بمبدأ مفاده أن الجماعات الدينية هي وحدها مؤهلة للإعداد. فلا تشارك “ديتيب” و”ميلي غوروش”، ثاني اكبر جماعة مسلمة في ألمانيا ويقال إنها قريبة من حزب العدالة والتنمية التركي، برنامج معهد اوسنابروك لا بل اطلقت “ديتيب” برنامج إعداد خاصا بها في ألمانيا العام الماضي. ولكن هناك جمعيات واتحاد إسلامية أخرى مشاركة كـ “المجلس المركزي للمسلمين” في ألمانيا.
ويفيد بكر اطلس الأمين العام لميلي غوروش أن إعداد رجال الدين “يجب أن يكون بمنأى عن أي تأثير خارجي ولا سيما التأثير السياسي”. إلا أن رئيس معهد الإسلام يؤكد “أن لا تأثير للدولة بتاتا وهي لم تتدخل بتاتا في وضع البرامج”.
وتبقى مسألة إيجاد عمل وهي أمر شائك إذ تبقى الأجور متدنية ورهن بتبرعات المؤمنين. وحذر اسنيف بيجيتش “نحن لسنا وكالة توظيف” مهمتها إيجاد عمل للطلاب.
خ.س/ع.ج.م (أ ف ب، ك ن أ)