رَّح وزير الخارجية المصري سامح شكري أن القاهرة يُمكنها تجاوز الأضرار الناجمة عن عملية الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي المثير للجدل والمُقَام على النيل الأزرق، وذلك من خلال المشروعات التي تُنفذها الحكومة المصرية لمواجهة أزمة ندرة المياه، لكن مسؤولين آخرين خالفوه الرأي.
نشر موقع «المونيتور» الأمريكي تقريرًا أعدَّته آية أمان، وهي صحفية مصرية تعمل في صحيفة الشروق المحلية، استعرضت فيه إمكانية تجنب مصر الأضرار الناجمة عن عملية الملء الثاني لسد النهضة في أعقاب تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري الأخيرة بشأن قدرة الحكومة المصرية على تجاوز عملية الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي دون الإضرار بالأمن المائي لمصر. لكن في الوقت نفسه، حذَّرت وزارة الخارجية المصرية ووزارة الموارد المائية المصرية من مخاطر أي إجراءات أحادية تتخذها إثيوبيا بشأن السد، بما في ذلك عملية ملء الخزان.
تصريحات متضاربة
وفي بداية تقريرها، أشارت الكاتبة إلى أن هذه التصريحات المتضاربة أثارت عدة تساؤلات بشأن التعامل مع عملية الملء الثاني لخزان السد الكهرومائي بالكيفية التي لا تُلحِق سوى أقل قدر ممكن من الضرر بموارد مصر المائية. وفي تصريحات تلفزيونية أدلى بها وزير الخارجية المصري يوم 19 مايو (أيار) على هامش مؤتمر باريس لحشد الاستثمار الدولي لدعم السودان، طمأن شكري الشعب المصري بشأن عملية الملء الثاني لسد النهضة قائلًا: «لدينا ثقة أن الملء الثاني لسد النهضة لن يكون مؤثرًا على المصالح المصرية، ونستطيع التعامل معه من خلال اتخاذ إجراءات صارمة في إدارة مواردنا المائية»
وأوضحت الكاتبة أن تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري (التي أشادت بها إثيوبيا) أثارت عديدًا من التساؤلات بشأن الملء الثاني لسد النهضة وتهديده لدولتي المصب، مصر والسودان، اللتين كثَّفتا جهودَهما السياسية والدبلوماسية بعد فشل المفاوضات مع إثيوبيا وعدم التوصل إلى اتفاق ملزم يُنظم عمليتي ملء السد وتشغيله. بل إن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حذَّر من خطر نشوب صراع للتصدي لأي خطر يُؤثر في الأمن المائي المصري.
وعلى الرغم من تصريحات شكري المطمئنة، أصدر أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، يوم 20 مايو بيانًا شديد اللهجة على صفحة الوزارة على موقع الفيسبوك، أدان فيه «مساعي إثيوبيا لإجهاض الجهود التي يبذلها وسطاء دوليون وأفارقة لحل أزمة سد النهضة ورغبتها في فرض أمر واقع على دولتي المصب، وهو أمر لم ولن تقبل به مصر». وأضاف البيان أن «إصرار إثيوبيا على استكمال المرحلة الثانية من ملء السد أمر لا يبشر بالخير، وهو تصرف غير مسؤول ومخالفة صريحة لأحكام اتفاق إعلان المبادئ الموقَّع بين الدول الثلاث، فضلًا عن أنه يُعرِّض دولتي المصب لمخاطر كبيرة».
ثلاثة سيناريوهات متوقَّعة!
واستشهد التقرير بما أدلى به محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري المصري، في تصريحات تلفزيونية يوم 19 مايو قائلًا إن: «عملية ملء سد النهضة تُعد صدمة من الصدمات التي ستؤدي إلى تقليل كمية المياه المتدفقة إلى مصر، خاصة في حالة حدوث جفاف طبيعي».
وأوضح الوزير: «أن هناك ثلاثة سيناريوهات مختلفة فيما يتعلق بالمرحلة الثانية بعملية ملء سد النهضة. السيناريو الأول: إذا حدثت فيضانات عالية، ويكون الاحتياطي المائي الإستراتيجي في بحيرة ناصر في السد العالي آمنًا بالقدر الكافي لكي يستوعب هذه الصدمة بكفاءة عالية، فلن تتأثر حصة مصر من المياه.
أما السيناريو الثاني فهو إذا كان مستوى الفيضان متوسطًا، فتقسَّم المياه المتبقية من الكميات المحجوزة خلف سد النهضة مع السودان، ويكون التأثير على أمن مصر المائي منخفض المخاطر. أما السيناريو الثالث وهو الأسوأ، فيتكشَّف عندما تتزامن عملية الملء الثاني مع حدوث جفاف طبيعي، لأن هذا من شأنه أن يُؤدي إلى جفاف مضاعف وأكثر حدة».
مشروعات عملاقة لمواجهة آثار سد النهضة
ونوَّه التقرير إلى أن الحكومة المصرية تُنفذ عدة مشروعات مُكلِّفة لمواجهة التداعيات المتوقعة من سد النهضة الإثيوبي وتغير المناخ للوفاء بالاحتياجات والمتطلبات المتزايدة للسكان المتزايدين بناءً على خطة قومية لإدارة الموارد المائية خلال المدة من عام 2017 حتى عام 2037.
وتتكون الخطة التي تبلغ تكلفتها 40 مليار جنيه مصري (2.55 مليار دولار) من إنشاء محطتين كبيرتين لمعالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في قطاع الزراعة، وإنشاء 120 محطة لمزج المياه المعالجة بالمياه الجوفية وتلبية احتياجات قطاع الزراعة، وتطوير مزيد من أنظمة الري والتحول أكثر من الري بالغمر إلى الري الحديث، بالإضافة إلى إنشاء قنوات وتنفيذ مشروع ضخم لتبطين الترع والمصارف بطول 20 ألف كيلومتر (أكثر من 12 ألف ميل) بتكلفة تصل إلى 80 مليار جنيه مصري (5 مليارات دولار).
ولفت التقرير إلى أن مصر لن تدفع وحدها ثمن هذه الجهود للحفاظ على المياه. وتأثر عدد من المزارعين في جميع أنحاء مصر بقرارات تقنين المياه، إذ لم يتمكنوا من زراعة آلاف الأفدنة بالأرز والموز وقصب السكر لأنها محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه. وقد تقلصت مساحة زراعة الأرز إلى 700 ألف فدان بدلًا من أكثر من مليون فدان في عام 2017.
وأشار التقرير إلى أن إثيوبيا تُخطط لملء خزان سد النهضة بـ 13.5 مليار متر مكعب من المياه (ما يقرب من 11 مليون قدم فدان) خلال مرحلة الملء الثاني المقرر إجراؤها في يوليو (تمّوز)؛ وخزنت 5 مليار متر مكعب (4 مليون قدم فدان) من المياه خلال موسم الأمطار لعام 2020. وتبلغ القدرة الاستيعابية لبحيرة سد النهضة حوالي 74 مليار متر مكعب من المياه، بينما تبلغ حصة مصر السنوية من مياه نهر النيل 55 مليار متر مكعب. ويأتي حوالي 85% من إمدادات المياه المتدفقة إلى خزان السد العالي في أسوان (بحيرة ناصر) على نهر النيل في جنوب مصر من النيل الأزرق، الذي يُشيد عليه سد النهضة الإثيوبي، بينما يتدفق 15٪ من هذه الإمدادات من النيل الأبيض.
رأي المتخصصين والخبراء
وفي حديثه مع موقع «المونيتور»، قال علي البحراوي، أستاذ في قسم الري والهيدروليكا بكلية الهندسة جامعة عين شمس، إن: «تأثير مخزون المياه في خزان سد النهضة الإثيوبي يعتمد على كميات الأمطار وكميات المياه التي ستُطلقها إثيوبيا من السد في اتجاه مجرى النهر، بالإضافة إلى قواعد تشغيل السد أثناء سنوات الملء وبعدها». وأضاف أن: «الاحتياطي المائي الإستراتيجي في بحيرة ناصر قد يحقق مستوى من القدرة على التغلب على أي نقص محتمل في المياه على المدى القريب بسبب عملية الملء الثاني».
وأوضح البحراوي إنه يُعِّول على المشروعات الضخمة التي نفَّذتها الحكومة المصرية مؤخرًا لزيادة الموارد المائية والحفاظ على الموارد المتوفرة. كما حذَّر البحراوي من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لخطط تقنين المياه «في ظل مساعي الحكومة المصرية لإعطاء الأولوية لاستخدام الموارد المائية في أغراض العمران والحضر. إلا أن هذا سيخلف آثارًا اجتماعية شديدة الخطورة إذا تأثرت إمدادات المياه لقطاع الزراعة، والتي تعود بالنفع على نسبة كبيرة من المصريين العاملين في هذا القطاع».
وفي السياق ذاته، أخبر بيتر رياض، أستاذ مساعد في قسم الري والهيدروليكا في كلية الهندسة بجامعة عين شمس، موقع «المونيتور» قائلًا إن: «إثيوبيا تدير عملية الملء السنوي لبحيرة سد النهضة بطريقة غير صحيحة وأحادية الجانب على المستويين العلمي والعملي. بالإضافة إلى أنه لا ينبغي تحديد الجدول الزمني لملء السد مسبقًا، لأن ذلك قد يلحق أضرارًا بالغة بدول المصب، بل ينبغي تحديد الجدول الزمني لملء السد وفقًا لحجم مياه النيل وتدفقها من عام لآخر».
وأضاف رياض أن: «قياس تأثير الملء الثاني على بحيرة ناصر في مصر يعتمد على عوامل عديدة، منها حجم الفيضان (الذي من المبكر جدًّا معرفة قياسه الآن)، وعلى مستوى المياه في البحيرة ومعدل نجاح خطة التقنين التي نفذتها وزارة الري». وحذَّر رياض من «المخاطر التي تتفاقم إذا تعرض نهر النيل لحالة جفاف تمتد لسنوات متتالية وفي حالة إصرار إثيوبيا على خطة تخزين المياه نفسها».
مخاوف القاهرة
وأوضح رياض أن النماذج الحسابية تُشير إلى أن مستوى مياه بحيرة ناصر يمكن أن تنخفض إلى 159 مترًا فوق مستوى سطح البحر بعد 4 سنوات ونصف من استمرار ملء سد النهضة الإثيوبي. وأكد على أن هذا المستوى يُعد من المستويات الحرِجة لبحيرة ناصر، لأنه يمكن أن يؤدي إلى «نقص حاد في توليد الكهرباء في ظل الإخفاق في الوفاء بالاحتياجات اللازمة لري أكثر من 8 مليون فدان في مصر. وعلاوةً على ذلك، تعتمد استعادة المستوى الطبيعي لبحيرة ناصر على حجم الفيضان وكمية المياه المستخدمة في إثيوبيا والسودان».
وتختتم الكاتبة تقريرها بالتأكيد على أنه على الرغم من محاولات التخفيف من الصدمة المحتملة من عملية الملء الثاني لسد النهضة على الموارد المائية في مصر، تظل مخاوف القاهرة من احتمال حدوث جفاف وعدم القدرة على تعويض أي نقص في الاحتياطي المائي الإستراتيجي من بحيرة ناصر أكبر الأمور المثيرة للقلق في ظل إصرار إثيوبيا على استكمال مخططها لملء خزان السد من دون توقيع أي اتفاقيات قانونية مُلزِمة تنظم عملية مشاركة البيانات والتعاون في ملء سدة النهضة وكيفية تشغيله.
هذا المحتوى نقلاّ عن ساسة بوست
https://www.sasapost.com/translation/egypt-second-filling-dam/