طارق الطيب روائي مصرى سودانى نمساوى مقيم بالنمسا: أعيش في ثقافتين وليس بين ثقافتين

الروائي المصري السوداني، المفيم بالنمسا، طارق الطيب

يظل الروائي السوداني المصري النمساوي طارق الطيب في طليعة الأسماء الأدبية العربية، التي باتت تحظى بالكثير من الاحترام من لدن النقاد والمؤسسات الثقافية، ولا سيما أن اسمه بدا بارزا في سماء الأدب بعد هجرته إلى النمسا للدراسة، ثم العيش وبعده للاستقرار هناك.

هذا السفر المبكر قاد الطيب إلى البحث عن لغة أكثر تمنعا على مستوى التعلم وتحصيل المعرفة، لكن حرصه هذا قاده إلى إتقان هذه اللغة، رغم أنه ظل وفيا للعربية. والمثير للدهشة، هو أن القارئ لأعماله الأولى، يتلمس حجم تأثير البلاد العربية وقضاياها عليه، فهو بالرغم من إقامته في المنفى، بقي مهموما بالاجتماع العربي وقصصه وحكاياته، التي يعمل معها دوما على ممارسة نوع من النوستالجيا الساحرة (الحنين إلى الماضي) عن طريقة الكتابة واللعب بأوتار السرد وفتنة الحكي ونحت شخصيات أقرب إلى الحياة اليومية ومشاغلها.

  • عشت مرحلة الصبا والشباب بين السودان ومصر.. كيف أثر ذلك على نشأتك الأدبية على مستوى الكتابة، خاصة أن الواقع الذي يترعرع فيه الكاتب يكون مؤثرا على مسار تشكيل كتابته وعوالمه وشخصياته؟

ولدت ونشأت في القاهرة من أب سوداني وأم ذات أصول مصرية. وقد كان السودان حاضرا في أبي بتراثه المحمول ولهجته، وكان حاضرا في الجالية السودانية الكبيرة نسبيا والمقيمة في مصر خصوصا في الحي الذي عشنا فيه وما نزال.

عالم القاهرة في الستينيات ذو ثقافة باذخة متاحة في البيت والشارع والمدرسة والسينما والتلفزيون وفي روح علماء وكُتاب مصر العمالقة في تلك الفترة. كل هذا نهلت منه بيسر وسهولة ودخل في تكويني.

حين انتبهت للكتاب وجدت أمامي مكتبة الوالد القارئ النهم، اعتنى بها اعتناء عظيما وتعامل مع الكتب على أنها أيضا فصوص فنية ثمينة، وقد ظننت في صغري أن أبي أديب بسبب طباعته لاسمه على مجموعات الكتب المجلدة في مكتبته.

رافد آخر مؤثر، كان من جارنا القاطن الدور الثاني والأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور عبدالغفار إبراهيم صالح وهو عميد كلية الحقوق لاحقا. أعتني بي وحببني وقربني من أسرار العربية.

ثم رافد داعم، كان في “الكُتّاب” -ما قبل المدرسة- الذي ذهبت إليه لتعلم القراءة والكتابة وبعض قصار السور قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية.

رواية “الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا” صدرت طبعتها الأخيرة حديثا عن دار خطوط الأردنية

  • صدر لك مطلع هذه السنة رواية “الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا” عن دار خطوط بالأردن، ما السر وراء هذا العنوان الذي يجعل قارئ الرواية يشعر وكأنه يرتبط أكثر بعناوين أدب الرحلات واليوميات أكثر من الرواية، رغم بلاغته على مستوى أحداث النص الروائي؟

رواية “الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا”، وهي الطبعة الرابعة الصادرة في الأردن، تحيل إلى رقم رحلة طيران حقيقية ما زالت موجودة بين مصر وفيينا. اعتمدت عليها لربط الواقع بالخيال وبضفر تشويق مقصود.

لكن أيضا لا بأس لو أحال العنوان القارئ نحو أدب الرحلات، فالقصد أن يكون السياق سلسا والسرد ممتعا في متابعة مصير العلاقة العسيرة بين بطلي الرواية آدم وليلى.

  • ما حدود التقاطع والتلاقي داخل روايتك بين الواقع والمتخيل؟

ككل رواية يوجد سرد واقعي وتوجد مقاطع متخيلة وكذلك مقاطع مركبة ومقاطع تبدو كأنها منقولة من مخطوطات سرية وهي حيلة الكاتب ومكر الأدب ولذته.

وإعادة الفصل بينهما مجددا في الرد على هذا السؤال سينفي فنيتها وقيمتها والجهد المبذول لإدغام الواقع بالمتخيل فيها!

  • يعتبر البعض أن الأدب العربي المعاصر هو أدب واقعي، ومع ذلك، فإن روايتك تنسحب من هذا الإسقاط المعرفي لتطرق موضوع الحب بكل جمالياته وأفراحه وأحزانه ومآزقه الوجودية.. لماذا الحب اليوم؟

لو أن الأدب تحول إلى أدب واقعي بحت، بمعنى نقل لاحق بلا استشراف وتخييل لفقد معناه الأصيل كرافد معرفي وجمالي ومحفز، وسيكون مجرد سرد لتاريخ.

الحب هو الطريق الفاتن نحو المعرفة، وهو أول خطوة في درب الفلسفة. إن الحب هو ذلك المجهول المتغير الذي نعرفه ولا نعرفه، الذي نبحث عنه فنتعلم في درب البحث أكثر مما توقعنا.

  • تتميز الرواية بدقة على مستوى الموازنة بين السرد والوصف والتأويل والحلم، فما مدى حرصك اليوم ونحن نشهد هجرة الأجناس الأدبية في ما بينها، خاصة أن الرواية باتت الأكثر احتضانا لهذه الروافد المعرفية التي تتغذى منها؟

الرواية عالم رحب يتقبل العديد من الأجناس الأخرى، لكن الخطأ سيكون في الإخلال بالمقادير المستعملة. الخطأ في أن يتحول التنوع المنسجم إلى تعددية متشظية مربكة.

في ظني أيضا أن الرواية لها معمارها المعتمد على سرد وحوار، في السرد ينبغي الإنصات لمسار الرواية حتى النهاية، وفي الحوار ينبغي الإنصات لنغمة الصوت المتفرد لكل متحدث كما يحدث في فن المسرح.

  • طارق الطيب، كيف أسهمت هجرته إبان ثمانينيات القرن الماضي صوب النمسا في تشكيل وعيه الثقافي خاصة بالنسبة لشخص قادم من بلد عربي مثل مصر، يحمل في طياته تاريخا كبيرا ضاربا في القدم؟

لدي مرحلتان في حياتي: مرحلة مصر التي تتمثل في ربع قرن بالضبط، ثم مرحلة فيينا منذ ما يقرب من الأربعين سنة.

لقد حملت معي إرثا ثقافيا كافيا للمقاومة والبقاء والاستمرار، يترسخ بالاستعادة الدائمة عن بُعد وبالحضور الفيزيقي بالسفر المنتظم إلى مصر.

ولقد أضافت أيضا النمسا إلى تاريخي الثقافي وبالتالي إلى هويتي، سواء بتعلمي في أرقى الجامعات أو بممارسة العمل فيها فيما بعد، ثم إلى إدماجي ضمن بوتقة الأدب النمساوي كأصل وفرع، إضافة إلى الارتباط الحياتي الاجتماعي الطبيعي من زواج وقرابة وصداقات وجيرة.

ولكل ذلك لم يحدث عندي أبدا أي صدام بين الثقافتين، لذلك أقول دائما إنني أعيش (في) ثقافتين وليس (بين) ثقافتين.

  • أي صورة ترسمها لما يمكن أن نسميه “أدب المهجر” أو على الأقل بالنسبة للأدب العربي الذي يكتب في الدول الناطقة بالألمانية، وما مدى تميزه عن الأدب العربي الذي يكتب من داخل العالم العربي؟

أدب المهجر اختلف عن الأدب المهجري القديم، فالقديم ركز على صورة التباين بين الشرق والغرب ورغم أهميته فهو لم يقدم لنا حلولا لرأب الصدع.

الهجرة اختلفت أيضا عن هجرات الرواد، فبسبب تراجع القيمة المعنوية لبلداننا العربية بالكامل في الغرب أصبحنا نمثل بلادنا كأفراد، وصارت نجاحاتنا تحتاج لإصرار أكبر وجلد جبار بلا دعم من بلادنا الأصلية.

أدب المهجر الحديث -ولنحدده مثلا بالنصف قرن الأخير منذ بدايات السبعينيات أو ربما بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967- هذا الأدب الجديد أتى نتيجة تشتت عظيم في البنية الاقتصادية والاجتماعية ونزوح عشوائي لا نظير له في السابق نحو رقعة أوسع في العالم.

لم تعد الهجرة للمثقف أو الأكاديمي أو القادر ماديا فحسب، بل حدث هذا الترحال بسبب حروب موجعة مثل حالة العراق قبل بضعة عقود ثم حالة سوريا مؤخرا، هو نزوح لجحافل وقطاعات كبيرة تشمل أسرا بكاملها من ضمنها رضع وأطفال وعجائز، وتغيرت صورة العربي مرة أخرى في الغرب بعد اهتزاز صورته بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001.

لذا صارت صورة الأدب المهجري حاليا أقرب إلى وصف المعاناة الجديدة والنزوح القسري والتماس الإنساني الجديد، أي أن الأفق اتسع في التناول وفي الاستقبال.

أعتبر أن الأدب المهجري أدب مكمل لصورة أدب الداخل (لو أجزنا مبدئيا هذا التقسيم)، لكن لا تميز لأدب الداخل عن أدب الخارج، فالتناول هو الحاسم للأمر بلا تفريق.

  • تعتبر الترجمة فعلا حضاريا يمد الجسور بين الدول والحضارات، وأنت واحد من الأدباء العرب، الذي أنصفتهم الترجمة في السنوات الأخيرة. كيف تلقيت ترجمات رواياتك، وما الذي يمكن أن ترسمها هذه الأعمال المترجمة كشكل من المثاقفة التلقائية، التي تتم بين الأدب العربي والألماني مثلا؟

ربما كان من حظي الوجود هنا في النمسا ومشاركاتي ضمن زميلاتي وزملائي النمساويين تدريجيا، وترجماتي تعود إلى وقت أطول نسبيا، منذ عقدين سابقين، وتحديدا منذ أواخر التسعينيات بنصوص مترجمة إلى الألمانية تبعتها ترجمات إلى الفرنسية وغيرها من اللغات، ومن حسن حظي أنني ترجمت في شكل كتب إلى 8 لغات، وإلى ما يقرب من 20 لغة أخرى ضمن أنطولوجيات ودوريات أدبية.

هنا في الغرب يتابعوننا بشكل جيد ويدخلون نصوصنا معاصرها قبل قديمها ضمن المجال الأكاديمي والمدرسي، يعني لا يلجؤون لأدب الراحلين فقط، وبهذا ينشط أدبهم وتواصلهم وتفوقهم.

الجزيرة نت – شبكة رمضان الإخبارية

مواضيع ذات الصله : – 

الأديب والشاعر طارق الطيب يحصل على وسام الجمهورية النمساوية

 

 

شاهد أيضاً

برعاية ريد بول النمساوى.. تفاصيل رحلة ثنائي الأهلي محمد هاني وكريم فؤاد إلى النمسا

يستعد ثنائي الأهلي المصري، للسفر إلى دولة النمسا للخضوع لكشف طبي واستكمال مرحلة التأهيل من …