تتراكم المعارف العلمية يوما بعد يوم التي تكشف أسرار فيروس كورونا، من بينها دراسة أكدت أن الوباء ليس مرضا للجهاز التنفسي، في وقت تنتشر فيه أخبار كاذبة مشككة في كل شيء، ولا يزال ثلث الأوروبيين مرتابون من جدوى التلقيح.
أظهرت دراسة أن ما يسمى بـ”بروتين سبايك” لفيروس كورونا يلعب دورًا أكبر بكثير مما كان يُعتقد في الإصابة بكوفيدـ19. فقد كشف باحثون من “معهد سالك للدراسات البيولوجية” في إحدى مقاطعات سان دييغو، أن هذا الفيروس يجب تصنيفه في الأساس كمرض للأوعية الدموية وليس للجهاز التنفسي. وتتواجد هذه البروتينات المعقدة في غلاف فيروسات كورونا وتُمكن الفيروس من دخول خلايا جديدة. وذكرت صحيفة “روندشاو” الألمانية (السادس من أبريل / نيسان 2021) أن هذه الدراسة تم توظيفها بشكل خاطئ من قبل بعض الدوائر المشككة في جدوى التطعيم وادعت أنها دليل على أن اللقاح لا يحمي من كورونا المستجد وإنما يسببه. وهذا توظيف خاطئ حسب الباحثين.
وارتبط “بروتين سبايك” بفيروس كورونا منذ البداية وكشفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة “ريسيرش سيركولايشن” العلمية كيف يتسبب فيروس كوفيدـ19 في إتلاف ومهاجمة نظام الأوعية الدموية على المستوى الخلوي. هناك بالفعل إجماع متزايد بين الخبراء حول هذه العملية. لكن كيف يحدث هذا بالضبط؟ هذا ما ليس واضح بعد تماما، ولكن هذه أول دراسة يتم فيها توثيق العملية برمتها. وأوضحت الدراسة بالتالي، أن كورونا المستجد ليس مرضا للجهاز التنفسي كما كان مفترضا في السابق: “يعتقد الكثير من الناس أنه مرض تنفسي، لكنه في الواقع مرض للأوعية الدموية”، كما يقول أوري مانور، أحد المشرفين على الدراسة. وهذا ما يفسر سبب إصابة بعض المصابين بسكتات دماغية أو مضاعفات في أجزاء أخرى من الجسم، كما يوضح مانور.
العلم والشائعات ـ التطعيم في مواجهة التشكيك
تصطدم جهود التلقيح في الولايات المتحدة وأوروبا بحملات تشكيك في جدوى التطعيم. فبعدما تم تلقيح نصف الأميركيين، تباطأت الوتيرة بشكل كبير، فكل الذين كانوا على استعداد لتلقي اللقاح حصلوا عليه، ويتحتم الآن إقناع الآخرين بفعل الشيء نفسه. فلا تزال شرائح واسعة من الأميركيين تنظر بعين الريبة للقاحات بشكل عام. وصرح حوالى 30% من الناخبين الجمهوريين أنهم لا يريدون تلقي اللقاح (مقابل 5% من الديموقراطيين)، وفق دراسة أجراها معهد “كايسر فاميلي فاونديشن” ونشرت نتائجها أواخر مارس / آذار. وسُجلت النسبة نفسها بين المسيحيين الإنجيليين البيض.
من جهته، اعترف الاتحاد الأوروبي على لسان مبعوثه إلى فيينا مارتن سيلماير بحجم معضلة التشكيك في اللقاحات المضادة لكورونا السائدة في معظم دول التكتل، وذلك في تعليق له على دراسة مسحية شاملة بهذا الشأن. وأوضح (الاثنين الثالث من أبريل) أن 33 في المئة من مواطني الاتحاد صرحوا بعدم رغبتهم في تلقي اللقاح بالسرعة الضرورية أو حتى هذا العام. وأضاف أن هذا من شأنه تقويض هدف الاتحاد الأوروبي الرامي إلى تحقيق مناعة القطيع قبل نهاية العام الجاري. وكان سيلماير يشير بذلك إلى استطلاع شمل 27 ألف من مواطني الاتحاد في شهري فبراير/ شباط ومارس / آذار الماضيين. وهناك مشككون في اللقاحات من حيث المبدأ وهناك مشككون في بعض اللقاحات بعينها فعلى سبيل المثال لا الحصر، قررت الحكومة الألمانية الترخيص لاستعمال لقاح أسترازنيكا للجميع، إلا أن الإقبال عليه ظل ضعيفا بسبب الجدل الكبير الذي رافقه منذ الترخيص له. وبهذا الصدد انتقد أولريخ فايغلت رئيس رابطة الأطباء الألمان في تصريح لموقع “تي.أونلاين” (السادس من أبريل) السياسة التواصلية للحكومة بهذا الشأن “لحق ضرر كبير بصورة لقاح أسترازنيكا من غير حق، ما جعل الناس تتخبط في شعور من عدم اليقين حتى يومنا هذا بسبب سياسة التواصل الكارثية في الأشهر القليلة الماضية”.
حالات كورونا الشديدة ـ التلقيح يُبعد شبح الموت !
أكدت دراسة بريطانية جديدة أن هناك بالفعل عددا ضئيلا جدا من الذين تلقوالقاحات فايزر/ بايونتيك أو أسترازينيكا أصيبوا بمرض كوفيد-19 من المسنين أو من الذين يعانون من ضعف عام وهناك منهم من اضطر لدخول المستشفى. وأضاف الباحثون الذين أشرفوا على الدراسة، خلال عرضهم لبيانات ميدانية حول مجموعة من المصابين بكوفيد-19 من المسنين في المستشفيات البريطانية، أن النتائج أظهرت ما يمكن وصفه بـ “فشل للقاحات”.
غير أن تلك النسبة كانت متوقعة حسب الباحثين. وبهذا الصدد قال كالوم سيمبل، أستاذ صحة الأطفال وطب الأوبئة بجامعة ليفربول، الذي شارك في الإشراف على الدراسة “يحدث ذلك في الغالب للفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض شديدة على أي حال، وهي فئة كبار السن، فهم واهنون ومتقدمون في السن جدا (..) لا نقول إن اللقاح غير فعال… في الحقيقة هذا دليل واقعي ودامغ على فعاليته، لكنه يظهر أيضا أن اللقاح ليس مثاليا”.
لقاح فايزر/ بايوننتيك يوفر حماية بنسبة 95%
أكدت دراسة علمية شاملة، فعالية الحماية التي يوفرها لقاح فايزر/ بايوننتيك ضد فيروس كوفيدـ19. الدراسة لم تعتمد على بيانات من المختبرات وإنما من أرض الواقع مباشرة من المُلقحين في إسرائيل، وهي من البلدان التي لديها أعلى نسبة في العالم من البالغين المُطعمين بشكل كامل. وإلى حدود بداية شهر أبريل / نيسان من العام الجاري (2021) تلقى ما لا يقل عن خمسة ملايين شخص في إسرائيل جرعتين من فايزر/ بايونتيك، وهو ما يوازي 70 في المئة من مجموع سكان البلاد. لذلك يتطلع خبراء الأوبئة عبر العالم لنتائج هذه الدراسة التي نشرتها مجلة “ذي لانسيت” الطبية المتخصصة وأكدت الفعالية الكبيرة جدا للقاح بما في ذلك لدى فئة المسنين. وبلغت نسبة الحماية وفق الدراسة، 95% بشرط تلقي الجرعتين المنصوص عليهما من اللقاح وليس جرعة واحدة فقط.
ويرى المراقبون لتطور وضع الجائحة في العالم، في هذه الدراسة مؤشرا يبعث على التفاؤل، لأنها تعني عمليا، قدرة التطعيم الشامل والسريع على القضاء على الوباء عبر العالم. الدراسة كشفت أن جرعتين وفرتا حماية من العدوى نسبتها 95.3 % وحماية من الوفاة بنسبة 96.7 % بعد سبعة أيام من الجرعة الثانية. وبهذا الصدد أوضحت أنيليس وايلدر سميث من كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، في تصريح نقله موقع “دير تاغششبيغل” (السادس من أبريل) عن صحيفة نيويورك تايمز: “هذه أخبار جيدة حقًا”. في هذه المرحلة، يمكن استخدام اللقاح بشكل جيد، على الرغم من وجود متغيرات متداولة تثير القلق، على حد تعبير الخبيرة.
لقاح “سبوتنيك لايت” يقترب من فعالية تراوح 80%
كشف “صندوق الاستثمار المباشر الروسي” عن نتائج دراسات أولية تتعلق بفعالية نسخة جديدة من اللقاح الروسي تحمل اسم “سبوتنيك لايت” تؤكد أن الأخير يوفر حماية من فيروس كورونا تبلغ نسبتها 79.4%. وذكر نفس المصر أن “سبوتنيك لايت” يقلل بشكل ملحوظ احتمالية التعرض لحالات المرض الشديدة (بسبب كورونا) التي تستدعي تلقي العلاج في المستشفى”.
يذكر أن اللقاح الروسي كان بدوره موضوع جدل كبير أدى إلى انقسامات، خصوصا بعدما سارعت روسيا إلى ترخيصه في وقت مبكر من اندلاع الجائحة. خطوة رأى فيها البعض انتهاكا لبرتوكولات وقواعد منظمة الصحة العالمية لأنه لم يكمل تجارب السلامة. واستطاعت موسكو تصدير اللقاح إلى عدة بلدان، فيما رفضته أخرى. كما أن الوكالة الأوروبية للأدوية لم ترخّصه بعد، وإن كانت عدة بلدان أوروبية بمن فيها ألمانيا قد أبدت اهتمامها به. ورغم أن هناك ما لا يقل عن عشرين مليون شخص تلقوا على الأقل جرعة واحدة من “سبوتنيك”، إلا أن السلطات الروسية نفسها تجد صعوبة في إقناع مواطنيها لتلقي اللقاح.
المُلقحون قادرون على نقل العدوى
اللقاحات المتوفرة توفر حماية عالية ضد فيروس كورونا وتقلل بدرجة كبيرة من احتمالات الوفاة لدى الفئات ذات الوضع الصحي الهش. غير أن اللقاح لا يمنع انتقال العدوى وتكاثر الفيروس بشكل كامل بين الملقحين. وفي هذا الصدد أجرى فريق من الأطباء في مدينة لايبزيغ الألمانية فحصا لمساعدين طبيين في مستشفى تم تطعيمهم، لمعرفة مدى سهولة تعرضهم للعدوى ونقل الفيروس لغيرهم. ونقل القسم العلمي لموقع شبكة “إم.دي.إير” الألماني (السادس من مايو) نتائج هذه الدراسة التي كان من بين أهدافها، تحديد ما إذا كان يتعين تخفيف القيود الاجتماعية لصالح المُلقحين.
وأوضح الموقع بهذا الصدد أن “الباحثين في لايبزيغ حذروا من منح أي تسهيلات متسرعة. والسبب هو أنه بالرغم من التطعيم، لا يزال بإمكان الفيروس التكاثر في الأغشية المخاطية للحلق، لذلك لا يزال بإمكان الأشخاص الذين تم تطعيمهم نقل العدوى حتى لو لم يشعروا بها بأنفسهم. هذا ما أظهره أطباء من عيادة سانت جورج في لايبزيغ ومعهد فراونهوفر لعلم المناعة والعلاج الخلوي في دراسة سيتم نشرها في البداية كمطبوعة أولية. وشملت هذه الدراسة ما لا يقل عن مائة شخص يعملون بالمستشفى كلهو تلقوا جرعتين من اللقاح.
ألمانيا ـ تغير نمط الحياة بسبب التباعد الاجتماعي
القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا دفعت بالكثير من الألمان لقضاء معظم الوقت في البيت، ما غير بشكل جذري أوضاعهم المعيشية. ولمعرفة تأثير الوباء على ظروف حياة الناس كشف استطلاع للرأي أجرته مجموعة “إنترهيب” بالتعاون مع معهد “راينهولد” الألمانيين، أن “المنزل أصبح محور الحياة، حيث قال ثلثا الذين شملتهم الدراسة (67٪) أنهم أمضوا وقتًا في المنزل أكثر بكثير مما اعتادوا عليه في الماضي. وهذا بدوره يعني بشكل متزامن: العمل، ورعاية الأطفال، والهوايات، أمور تتعايش بشكل متزامن في مكان واحد”، حسبما أوضحه يورغ أوتيخت، الرئيس التنفيذي لمجموعة “إنترهيب”، وفق موقع “بريسه بورتال” (السادس من أبريل). وأضاف أوتيخت أن “هذا التطور مصحوب أيضًا بتضارب وغموض داخل المنزل، فمن ناحية، البيت هو الذي يحمينا من كورونا، ومن ناحية أخرى، بالكاد نستطيع الهروب منه”.
هل يمكن أن تكون الحياة في البادية هي الحل؟ يبدو الأمر للوهلة الأولى بديلا ممكنا بالنسبة لما يقرب من نصف من شملهم الاستطلاع (42٪)، حيث أكدوا أن البادية هي المكان المثالي للعيش أثناء الوباء. ويرى المستطلعون أن المدينة الكبيرة محمومة وضيقة (66٪). من ناحية أخرى، يشعر الناس في الريف بمزيد من التحرر من قيود كورونا (74٪)، ويقدرون السلام والهدوء هناك (89٪) ويرون أن البيئة الريفية أكثر أمانًا فيما يتعلق بخطر كورونا ( 78%). غير أن أوتيخت أوضح أن الناس قد يحلمون في البداية بالبادية، لكنهم يريدون العيش بالقرب من مدينة كبيرة أو صغيرة أو متوسطة”. وأعرب المشاركون في الاستطلاع عن مخاوفهم قبل كل شيء فيما يتعلق بالبنية التحتية والإمداد والمواصلات في المناطق الريفية.
DW – حسن زنيند