علاء.. هارب من الحرب السورية على مشارف تمثيل اللاجئين أولمبياً

غادر وطنه مرغماً، لكنه مرشح اليوم للمشاركة في الألعاب الأولمبية في طوكيو ضمن فريق اللاجئين، وأمله تمثيل ملايين المهاجرين غصباً على أحسن وجه، ورد الاعتبار لصورتهم عبر رياضة السباحة. فمن يكون علاء ماسو؟ وما قصته؟

يبلغ اليوم 21 سنة، يحمل صفة لاجئ في ألمانيا حيث يستقر رفقة أخيه الأكبر. هو شاب سوري يافع بروح تملؤها الطاقة والتفاؤل. من حلب بدأت قصة علاء مع السباحة ولم يتعدى عمره أربع سنوات، حين قرر والده الضابط المتقاعد منذ 30 سنة، التفرغ لتدريب أطفال المدينة على السباحة، وكانا طفلاه من بين تلاميذه الأوائل، ليستمر عزمهما إلى اليوم، ويصبح أصغرهما مرشحا لتمثيل فريق اللاجئين في الألعاب الأولمبية في طوكيو.

ثابر علاء إلى جانب أخيه محمد طيلة سنتين واجتهدا في التدريب مع الوالد. بعد ذلك، انتقل لمجموعة بنادي الاتحاد بحلب مع مدربه أبو فراس، استمر عضوا ضمن الفريق لمدة 3 سنوات، حصل خلالها على أول ميدالية جمهورية له في بطولة المدارس بمدينة اللاذقية السورية.

انتقل علاء بعد ذلك للمجموعة الأولى بنادي الاتحاد مع المدرب محمود جدعان الذي كان بطل غرب آسيا في السباحة، واستمر مع مدربه لغاية بلوغه سن 15 عاماً، إلى غاية مغادرته سوريا، خلال تلك الفترة حقق بطولة الجمهورية لفئته العمرية ورقم سوري قياسي لفئة الصغار، لم يتم تجاوزه لمدة 11 عاماً، وهو مسافة 50 متر حرة، فكانت فترته الأخيرة في سوريا تتسم بتطور كبير على يد مدربه حقق فيها إنجازات كثيرة بعمر صغير.

علاء ماسو.. اللاجئ السوري خلال مشاركته في مسابقة رياضة السباحة

قصة اللجوء

اضطرت الأسرة للتفكير في تدبير رحلة لجوء لكل من علاء وأخيه الأكبر، بعد وصول هذا الأخير لسن سيضطر فيه الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، وهو ما كانت الأسرة ترفضه لعدم رغبتها في مشاركة أبنائها في النزاع السوري مع أي طرف كان، فقرروا تهريب الشقيقين سنة 2015.

بدأت رحلة اللجوء والهدف الوصول إلى هولاندا، مرورا بدول عدة من بينها تركيا واليونان مقدونيا صربيا النمسا ثم ألمانيا. حين وصولهم إلى إحدى نقاط التفتيش في ألمانيا، “طلب منا إمضاء أوراق للتأكد من سجلنا الإجرامي، لكننا في الواقع أمضينا طلب لجوء دون أن ندرك”، يقول علاء.

بعد وصول الشقيقين إلى هولاندا بستة أشهر توصلا بقرار يستوجب عودتهم إلى ألمانيا، أي البلد الأول الذي طلبوا فيه اللجوء وهم غير مدركين لذلك، حاولوا عبر محام الطعن في القرار قانونياً، لكن الأمر كان مستحيلا، ليضطرا للعودة إلى ألمانيا.

خلال فترة تواجدهما في هولاندا، تابع الشقيقين ماسو التدريب كما اعتادا، وبعد الوصول إلى ألمانيا طلبا الانضمام لفريق مدينة هانوفر، وتم قبولهما كل في فئته العمرية بدون صعوبات.

الانضمام لفريق اللاجئين

“سنة 2018 حاولت المشاركة باسم الفريق السوري بالبطولات الدولية، وراسلتهم في الموضوع، لكنهم أهملوا طلبي ورفضوه”، يحكي علاء بحسرة لا تخفيها نبرة صوته. لكن نصيحة إحدى بطلات الفريق السوري بتقديم طلب الانضمام لفريق اللاجئين كان نقطة التحول في حياته. يقول علاء “سمعت لنصيحتها، وبعثت طلب الانضمام لفريق اللاجئين سنة 2019، وتوصلت برد فوري من رئيس المشروع يرحب بي ويعدني بدراسة الملف والرد، وهو أمر لم أتوقعه أبدا وفرحت به كثيراً ومنحني أملا بعد الخيبة التي سببها لي رفض الفريق السوري”. بعد شهرين توصلت بقبول طلبي، وأصبحت عضواً ضمن الفريق منذ شهر ديسمبر/كانون الأول بشكل رسمي.

علاء ماسو خلال مشاركته ببطولة برلين الدولية فبراير 2020

خلال تلك الفترة كان علاء قد تقدم بطلب الانضمام لفريق اللجنة الأولمبية في ألمانيا، مشيراً في طلبه أنه تقدم بطلب عضوية فريق اللاجئين. تمت الموافقة على طلبه بعد شهرين، بعدما تأكدت اللجنة من سلامة وقوة ملفه، بسبب ما حققه سابقاً من ألقاب.

“بدأت التدريبات ضمن فريق اللجنة ضمن المنشأة التدريبية الرياضية بمدينة هانوفر، حيث لم تتوقف التدريبات لنخبة الشباب في كل الرياضات، واستفاد علاء من تدريبات مكثفة مع مدرب حصل على ألقاب أولمبية سابقة، مع فريق قوي يحمل المنتمون إليه ألقاباً عالمية، “كانت هذه فرصة كبيرة مكنتني من استمراري في ملاحقة حلمي”، يقول علاء.

اليوم، يستمر علاء في التدريب ضمن فريق اللجنة الأولمبية التي دعمته ماديا ومعنويا، ويستعد لتمثيل فريق اللاجئين في الأولمبيات المقبلة المزمع تنظيمها في طوكيو، إن تم قبول ترشيحه. وقد تأسس فريق اللاجئين سنة 2016 ويضم 50 رياضياً من 18 جنسية مختلفة، يمارس المنتمون إليه 24 رياضة مختلفة ويوجدون في مختلف دول العالم من كل القارات. بينهم 4 سباحين 3 شباب منهم علاء في ألمانيا وفتاة واحدة، سيتمكن منهم شاب وشابة من التأهل لتمثيل الفريق ضمن رياضة السباحة ضمن أولمبيات طوكيو.

وللظفر بهذا الشرف، يواصل علاء تدريباته ومحاولات بناء قوة جسدية تؤهله للمنافسة ضمن الأولمبيات، إذ يتدرب علاء مع مجموعة اللجنة الأولمبية لحوالي 25 ساعة بالأسبوع، كما يستمر في محاولات تجميع نقاط أو تجاوز الرقم التأهيلي، في انتظار إعلان نتائج الترشيح خلال الشهرين المقبلين.

امتنان وتقدير

وتمثل المشاركة في الألعاب الأولمبية في طوكيو للاجئ السوري الشاب “محصول الجهد الذي بذلته، ومحفزا كبيراً طبعاً”، يقول علاء. وحتى في حال حدوث العكس، يقول علاء إنه سيظل مثابراً للتقديم لغيرها من المسابقات الدولية، مشيراً إلى أن “زملائي أيضا يقومون بمجهودات كبيرة لتمثيل الفريق على أحسن وجه، وأي منا يستحق. والهدف ليس التأهل فقط بل المنافسة الجيدة في الأولمبيات.

صورة تجمع علاء بزملائه حين مشاركتهم في معسكر تدريبي خلال فبراير 2020 في إسبانيا

وعن الدعم الذي تلقاه خلال مسيرته، يقول علاء “كل الفضل يعود لوالداي على دعمهما المادي والمعنوي، ومدرباي في سوريا، الذين مهدوا أمامي الطريق. كما كان لأخي الأكبر نصيب كبير في مساندتي في مسيرتي وغربتي”، متحدثا بكثير من الامتنان أيضا لمدربه الحالي في ألمانيا ولزملائه الألمان الذين يتدرب معهم، و”الذين لم يشعروني ولو لمرة أني غريب أو مختلف، بل عاملوني دائما بمودة وترحاب كبيرين”.

تمثيل فريق اللاجئين بالنسبة لعلاء “يمثل رسالة مهمة، لكل من يرى في اللاجئين عبئاً فقط، أريد أن أفهمهم أن لنا قدرات وأننا متميزون فيما نقوم به، وأن لنا أهدافا وأحلاما وعزيمة كبيرة لتحقيق النجاح”، مبرزاً أن “تمثيل فريق اللاجئين هو تمثيل للشعب السوري المهجر من بلده غصباً، ولكل من غادر وطنه مجبراً بحثا عن الأمان المفقود”.

ولم ينس علاء، التعبير عن امتنانه للدولة التي احتضنت موهبته، ومنحته الفرصة وهو ما يزال حاملا لصفة لاجئ، إذ قال “إن أتيح لي في المستقبل تمثيل فريق البلد الذي احتضنني وأعطاني الفرصة، سأكون فخوراً بذلك، فأنا أعيد لألمانيا جزءاً مما منحتني إياه عن طريق الرياضة والألقاب، سيكون شيئا عظيماً، لكني سأستمر دائماً في الافتخار بانتمائي لسوريا واعتزازي بذلك”.

ماجدة بوعزة، المهاجرنيوز

 

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …