صحيفة «نيويورك تايمز»: لماذا لا يقبل المراهقون نصائح آبائهم لحل مشكلاتهم؟

عادةً ما يكون رفض المراهقين نابعًا من أنهم لا يجدون عند آبائهم ما يبحثون عنه حقًّا.

كتبت ليزا دامور، أخصائية الصحة النفسية للمراهقين، مقالًا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تناولت فيه ما يجب على الآباء والأمهات فِعله تجاه أبنائهم المراهقين عندما يطرحون عليهم ما يُواجهونه من مشكلات وأزمات يستعصي عليهم إيجاد حلٍّ لها.

في بداية مقالها، تقول الكاتبة: غالبًا ما يواجه آباء المراهقين وأمهاتهم سلسلة مربكة من الأحداث. أولًا: يطرح المراهقون على آبائهم مشكلاتهم. ثانيًا: يتعامل الآباء مع الأمر بكل جدية، ويقدمون المقترحات والحلول للمشكلات. ثالثًا: يرفض المراهقون ما يطرحه الآباء من أفكار على اعتبار أنها مثيرة لإزعاجهم، أو أنها غير ذات صلة بالمشكلة أو كلا الأمرين.

وتبدو هذه اللحظات مهيأة للتواصل بين الآباء والأبناء، لكن لماذا تفسد هذه اللحظات في كثير من الأحيان؟ تقريبًا وعلى الدوام، يعود السبب في ذلك إلى أننا – نحن الآباء والأمهات – لا نُقدم للمراهقين ما يبحثون عنه حقًّا. وسواءً كنا نعي ذلك أم لا، نقدم لك (في هذا المقال) ما يريده الأبناء المراهقون على الأرجح.

المراهقون بحاجة إلى جليس متحدث لطرح الأفكار

تشرح الكاتبة قائلة: إن المراهقين، تمامًا مثل البالغين، ربما يجدون راحتهم في مجرد التعبير عن مخاوفهم وشواغلهم. وفي الواقع، ينتشر قول مأثور بين الأخصائيين النفسيين مفاده أن معظم المشكلات تخف حدتها عندما تصبح في الخارج وليس في الداخل، وهذا صحيح سواءً كانت التحديات كبيرة أم صغيرة.

وعندما يطرح المراهقون المشكلات علينا، فمن الأفضل أن نبدأ بافتراض أنهم لا يطرحونها من أجل الحصول على مقترحات لحلها، أو أنهم – على أقل تقدير – لا يريدون حتى الآن مقترحات لحلها. لذا دعوهم يُنفِّسُون عما في صدورهم بالتحدث إليكم.

وهذا بالضبط ما أعربت عنه كاثلين ديدي، البالغة من العمر 18 عامًا، وتقيم في مدينة ميشن هيلز، بولاية كانساس الأمريكية قائلة: «أتحدثُ إلى والديَّ بصفتهما مُوجِّه صوتي أو جليس متحدث، خاصةً إذا لم تكن المشكلة مسألة ذات بالٍ بالقدر الكافي ولا أريد فِعل شيء حيالها. وإنما أريد فقط أن أخرجها من بين جوانحي».

وتُضيف الكاتبة قائلة: قد يريد المراهقون أيضًا مشاركة ما يدور في أذهانهم من أفكار على اعتبار أنها وسيلة لطرح أفكارهم المختلطة على الطاولة، إذ يُمكنهم تمحيصها وربما ترتيبها. وبحسب إيسلا ستيفن شنايدر، البالغة من العمر 15 عامًا، والمقيمة في مدينة إميرالد هيلز، بولاية كاليفورنيا، «إن سرد المشكلة، ووصفها بالكلمات يُساعد كثيرًا في حلها». ويُمكن للبالغين المساعدة في خلق المساحة التي يحتاجها المراهقون لفعل ذلك، ما دمنا نتذكر أن نحافظ على الإنصات من دون مقاطعة والكف عن طرح مزيد من الأفكار إلى باقة الأفكار المطروحة.

الآباء والمراهقون.. البحث عن التعاطف

ونوَّهت الأخصائية النفسية إلى أنه من غير الممكن حل كثير من المشكلات التي تُزعج المراهقين. ولا يُمكننا إصلاح قلوبهم المحطمة، أو الحيلولة دون تعرضهم للدراما الاجتماعية، أو فعل أي شيء حيال حقيقة أنهم أمام ثلاث تجارب هائلة مقررة في اليوم نفسه. إلا أن تعرض الشخص لمشكلة من المشكلات لا يُعد، في معظم الأوقات، أسوأ من الشعور بالوحدة التامة مع هذه المشكلة.

وفي أحيان كثيرة، يُواجه المراهقون تحديات بالغة يودون مشاركتها مع آخرين، ولكن ليس مع أصدقائهم. وفي تلك الأوقات، قد يأتون إلينا لا من أجل الحصول على مقترحات وحلول، ولكن بحثًا عن كسب التعاطف معهم فحسب. إن التعبيرات الصادقة التي نقدمها لهم، مثل «يا رجل، هذا أمرٌ سيئ جدًّا»، أو «معك كل الحق في أن تنزعج»، تجعلهم يدركون أننا على استعداد للوقوف إلى جوارهم في أوضاعهم الصعبة.

وتابعت الكاتبة: ولمزيد من التعبير عن تضامننا معهم، قد نسألهم، «هل تريد أن أبقى بالقرب منك، أم من الأفضل أن أتركك لبعض الوقت بمفردك؟» أو «هل يُمكنني فعل أي شيء يساعد لكيلا تُصبح الأمور أسوأ؟» وترسل هذه الأسئلة رسالة قوية مفادها أننا لا نتأخر عن تقديم المساعدة في مشكلات المراهق وستصل هذه الرسالة إليهم وستعلَق في أذهانهم، حتى عندما لا يُمكن فعل أي شيء.

يمكنهم استخدام تصويت الثقة

وتوضح الكاتبة قائلة: على الرغم من صعوبة أن يُمسك الآباء والأمهات أنفسهم عن هذه الرغبة أو يتوقفوا عن فعل هذا الأمر، فإن التسرع في تقديم حلول ومقترحات يحمل في طياته مخاطر أن الآباء يرسخون فكرة في أذهان المراهقين مفادها أنه «لا يمكنك إصلاح هذه المشكلة، لكن أنا الذي يمكنني ذلك». وهذا الأمر قد يصدم المراهقين بأنه إعلان من الوالدين بعدم الثقة فيهم في الوقت الذي يسعون فيه أساسًا إلى طمأنة آبائهم وأمهاتهم بأنهم قادرون على التعامل مع أي شيء يُواجههم في حياتهم.

وبدلًا من اقتراح حلول للمشكلات، يمكننا أن ندعم المراهقين أثناء تفنيدهم للأمور وترتيب الأفكار. كأن تقول لهم «لقد رأيتك من قبل وأنت تجتاز مثل هذه الأشياء» أو «هذا أمر عسير، لكنك أيضًا تمتلك القوة لتجاوزه» وهذه العبارات يُمكنها أن تعير المراهقين بفعالية قدرًا من وجهات النظر، وبعض الثقة عندما تخفق قلوبهم خوفًا من الفشل في حل المشكلات.

ورجَّحت الكاتبة أنه حتى المراهقين، الذين تمكنوا بالفعل من حل إحدى المشكلات التي واجهتهم، يظلون يبحثون عن الذي يُشعِرهم بالاطمئنان. وذكرت كاثلين، أنها تخبر والديها في بعض الأحيان «عن موقف ما تعرَّضت له وما الذي فعلته لكي تنجو منه» للحصول على إقرار بأن ما اتخذته كان الخيار الصائب. وعندما يحدث ذلك، تقول كاثلين إنها «لا تبحث حقًّا عن حلولهم، لكنني أتأكد فقط من أنهم يعتقدون أنني فعلت الشيء الصحيح من خلال خبرتي المحدودة في حل المشكلات».

وترى الكاتبة أن المراهقين يشعرون بالضعف في أغلب الأحيان، وقد يحدث ذلك تحديدًا عندما ينفتحون على البالغين بشأن ما يواجههم من أزمات أو ورطات لا يمكنهم التغلب عليها. وفي هذه الأوقات، يُمكن أن يبدو التوجيه الحسن النية مثل الانتقاد وإلقاء المحاضرات – حتى لو كان مُبرَّرًا – مثل الهجمات الصريحة. وحتى إذا كنتَ ترغب في الإشارة إلى أن المذاكرة للاستعداد لاختبار الكيمياء، الذي كان في نهاية الأسبوع الماضي، بدلًا من الذهاب إلى لعبة كرة السلة ربما كان من الممكن أن يمنع حدوث المشكلة تمامًا، فمن الأفضل، على الأرجح، أن تُؤجل قول هذا لوقت آخر.

يريدون أفكارًا وليس تعليمات

وتُشير الكاتبة إلى أنه في كثير من الأحيان، يكون إنصاتنا لأبنائِنا المراهقين والتعاطف معهم وتشجيعهم هي الأمور التي جاؤوا إلينا للحصول عليها. ولكن إذا ظل ابنك المراهق بعد ذلك يبحث عن حل لمشكلته، فقد تكون بعض النصائح (خيارًا أخيرًا) موضع ترحيب منه. ابدأ بالسؤال عما إذا كان ابنك المراهق يريد المساعدة في حل المشكلة، وإذا حصلت على إجابة بنعم، فقسِّم المشكلة إلى فئات: ما الذي يمكن تغييره وما لا يمكن تغييره.

وتنصح الكاتبة الآباء أن يُركِّزوا، في النوع الأول، على الاحتياجات التي يُحددها الأبناء المراهقون وأن يعملوا معًا على إيجاد الحلول المناسبة. أما في النوع الثاني، يساعدهم الآباء على تقبل الأشياء التي لا يمكنهم التغلب عليها. وكان جوشوا سيجل، البالغ من العمر 16 عامًا والمقيم في مدينة هيوستن، قد فقدَ كل وقت فراغه عندما حل موسم اختراق الضاحية على رأس جدول أعماله المزدحم بالفعل، يقول: «كنت منشغلًا تمامًا في لعبة اختراق الضاحية والفرقة الموسيقية والفصل الدراسي، لكن والديَّ أدركا أن ترك الفريق لم يكن شيئًا أود فعله».

يريدون الإنصات والاستيعاب

وبدلًا من ذلك، وافق والدا جوشوا على مساعدته في تعبئة كمية وفيرة من الطعام ليأخذها إلى المدرسة يوميًّا. وهذا الأمر أتاح له الوقت خلال مدة الغداء وقلل من توتره إلى حد كبير. ومع ذلك، كان يجب عليهم جميعًا قبول أنه سيحتاج إلى أن يضن على نفسه بساعات النوم لأداء واجباته المدرسية حتى انتهاء الموسم. وقال جوشوا: «أنا سعيد عند النوم أو الأكل. وفي الوقت الذي لا أستطيع فيه الحصول على قسط كافٍ من النوم أثناء السفر عبر البلاد، تبين لي أن دعم والديَّ لحاجتي الأساسية للطعام كان ذا قيمة كبيرة».

واختتمت الكاتبة مقالها بالقول: في المقام الأول، ضع هدفًا لأن تحل المشكلة مع ابنك المراهق وليس أن تحلها له. وبغض النظر عن مصدر إلهامنا الذي نعتقد أنه يرشدنا إلى الصواب، فمن الأفضل أن نتراجع قليلًا حتى نسمع ما يقوله المراهقون. وأوضحت إيسلا، البالغة من العمر 15 عامًا من ولاية كاليفورنيا، قائلة: «عندما يُقدم الكبار حلًّا سريعًا جدًّا، يبدو الأمر وكأنهم لا ينصتون أو يفهمون ما يعتريني حقًّا». وغالبًا ما يتضح أن الإنصات لهم واستيعابهم هو كل ما يريده المراهقون أو هو كل ما يحتاجون إليه.

نقلاّ عن ساسة بوست

https://www.sasapost.com/translation/teenagers-reject-parents-solutions/

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …