تصاعد الخلاف المصري الإماراتي، كما بدا واضحاً من موقف الإمارات من أزمة سد النهضة، ولكن هذا الخلاف له جذور أقدم من الأزمة الأخيرة، كما يبدو أنه مرشح للتفاقم في ضوء التحركات المصرية الأخيرة لتحجيم النفوذ الإماراتي في الأوساط الداخلية المصرية.
وبينما أعربت السعودية والكويت والبحرين عن دعمها لمصر بالتزامن مع تهديدات السيسي الأخيرة لإثيوبيا التي حملت تلويحاً بعمل عسكري أو أمني، فإن أبوظبي لم تدعم القاهرة مثل بقية حلفائها الخليجيين، رغم نفوذها الكبير في القرن الإفريقي، وعلاقتها الوثيقة مع نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي.
إذ اكتفت الإمارات ببيان يبدأ بتهنئة مصر على تعويم السفينة “إيفرغيفن” التي جنحت في القناة، ثم انتقلت للملف الإثيوبي بحذر لا يتصور أن يأتي من أقرب حليف عربي للقاهرة.
إذ أكدت الإمارات- في بيان صادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي– اهتمامها البالغ وحرصها الشديد على استمرار الحوار الدبلوماسي البنّاء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات حول سد النهضة بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، وأهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المرعية للوصول إلى حل يقبله الجميع ويؤمّن حقوق الدول الثلاث وأمنها المائي، وبما يحقق لها الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، ويضمن ازدهار وتعاون جميع دول المنطقة.
واللافت أن القاهرة سارعت برفض وساطة إماراتية للحوار مع إثيوبيا، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي في 30 مارس/آذار 2021، بينما قبلت الحوار الذي دعت له الرئاسة الكونغولية للاتحاد الإفريقي رغم علمها أنها لن تستطيع أن تقدم جديداً، وهو ما حدث بالفعل حيث أعلن عن فشل مفاوضات كينشاسا.
الموقف الإماراتي، على أقل تقدير، ليس مفاجئاً في ضوء عدد من المؤشرات طفت على الساحة في الفترة الأخيرة.
ولكن اللافت هو مواقف القاهرة التي بدت أنها تعبر عن غضب مكتوم من سلسلة من خيبات الأمل التي سببتها الإمارات، كما أنها بدأت ترد بهدوء على مواقف أبوظبي
وعلى مدار الأعوام الماضية، حدثت سلسلة من المواقف الإماراتية المُضرة بالمصالح الحيوية المصرية، ولكن مؤخراً، بدت القاهرة تلمح إلى غضبها.
فما الذي أدى إلى تغير مواقف النظام المصري، من التصرفات الإماراتية المحبطة رغم أنها بدأت منذ فترة طويلة، وكيف سترد القاهرة على أبوظبي.
الخلاف المصري الإماراتي بدأ بتحالف ضد الربيع العربي
يمكن القول إن العلاقة بين الإمارات والنظام الحالي في مصر نشأت قبل نشأة النظام نفسه.
فتقليدياً كانت هناك علاقة وثيقة بين أعضاء نظام مبارك ودول الخليج ومن بينها الإمارات، نشأت بعد عودة العلاقات المصرية العربية في إطار تشابه الأنظمة في عدائها لتيار القومية العربية وإيران وأحياناً الإسلاميين والديمقراطية والعلاقة الوثيقة مع الغرب.
رغم اختلاف الخلفية بين النخب المصرية العسكرية والرأسمالية والدولتية والنخب الخليجية ذات الأصول القبلية المحافظة، توطدت هذه العلاقات لعقود، خاصة بعد حرب تحرير الكويت، وتداخلت فيها الرؤية المتشابهة للأوضاع الداخلية والعلاقات الدولية مع بعض المصالح الشخصية.
ولكن بعد الربيع العربي توطد هذا التحالف أكثر مع شعور فلول مبارك والقادة العسكريين في مصر بأن ديمقراطية الربيع التي جاءت بالإسلاميين للسلطة في مصر خطر مشترك داهم، وهو ما يظهر في الحوار الشهير الذي رواه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في مذكراته عما دار بينه وبين الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، عن عزل مبارك.
ولذا قادت الإمارات والسعودية الثورة المضادة في المنطقة، ونسجت البلدان علاقات قوية مع عناصر الثورة المضادة داخل مصر، وهو ماظهر في اختيار الفريق أحمد شفيق، الذي يوصف بأنه مرشح نظام مبارك في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، الإمارات كمنفى اختياري له بعد اعترافه بنجاح الرئيس الراحل محمد مرسي في الانتخابات.
وبعد مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، التي لعبت وسائل الإعلام الخليجية والممولة خليجياً دوراً في التحريض عليها، والإطاحة بمرسي، بدأ عهد جديد للعلاقات المصرية الإماراتية، أصبحت فيه أبوظبي تعامَل معاملة أهل الدار في السياسة المصرية، وتدفقت الأموال الإماراتية على الساحة المصرية، منها استثمارات ومساعدات وأخرى مخصصة لتمويل منابر إعلامية وبحثية معروفة بالاسم.
تزامن ذلك مع إعجاب ظاهر من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتجربة الإمارات، خاصة دبي التي تجمع بين الحداثة -لاسيما المعمارية- والقمع الصارم، وهو إعجاب تمثل أبرز نتائجه في مشروع العاصمة الجديدة الذي رفضت الإمارات تمويله.
وبعد تولي السيسي السلطة في مصر كانت هناك كيمياء جيدة على مستوى القيادة بين مصر والإمارات، حسب تقرير لموقع مدى مصر.
ولكن بعد فترة من الدعم السخي، نقل كبار المسؤولين في أبوظبي “رسالة واضحة إلى القاهرة، مفادها أن هناك حدوداً للدعم المالي، تضافر ذلك مع تراجع الدعم السعودي، الأمر الذي أدى إلى تنفيذ السيسي سياسات الإصلاح الاقتصادية التي شملت ضمن أشياء أخرى تعويم الجنيه وتحرير أسعار الطاقة، ورفع بعض الضرائب والرسوم”.
العداء للإسلاميين
اتخذت القاهرة وأبوظبي الموقف ذاته فيما يتعلق بليبيا وتونس وسوريا، والذي ينطلق من قاعدة واحدة: العداء للإسلاميين والديمقراطية.
ولكن كان هناك فارق في السرعات بين الجانبين، الإمارات تريد مطاردة كاملة في كل مكان في المنطقة للإسلاميين ومن يتحالف معهم.
ومثلت ليبيا نقطة تلاقي واضحة للنظامين، كلاهما كان يدعم إنشاء قاعدة عسكرية قوية في شرق ليبيا لوضع حد لتوسع نفوذ الإسلاميين، فضلاً عن دعم القوى السياسية الليبرالية والعلمانية في تونس، وكانتا تضغطان على الدول الأوروبية لدعمها، كما أعادتا الاتصال بنظام الأسد.
كما “حاولت الإمارات دعم المعارضة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن أردوغان نجا من هذه المحاولة”، بحسب ما ينقل موقع “مدى مصر” عن سفير أوروبي سابق في أبوظبي.
“كانت الإمارات على استعداد للمحاولة مرة أخرى مع قطر، لكنني أعتقد أنها لم تتلق دعماً مباشراً من مصر في هذا الشأن”، وفقاً لما قاله السفير.
ليبيا ذروة التعاون بين الجانبين وبداية الخلاف
كان الملف الليبي ذروة التعاون بين الجانبين، حيث دعمت القاهرة وأبوظبي بشكل منسق، اللواء المتقاعد خليفة حفتر في حربه ضد حكومة طرابلس المعترف بها دولياً.
ووصل التعاون بين الجانبين إلى مستوى غير مسبوق، وبشكل نادر بين الدول العربية، حيث كان يعمل ضباط إماراتيون في ليبيا لمساعدة حفتر بالتنسيق مع مصر، إضافة إلى إنشاء قاعدة إماراتية في ليبيا وتهريب السلاح بتمويل إماراتي عبر الأراضي المصرية لشرق ليبيا.
وكانت ليبيا أولى نقاط الخلاف بين الجانبين، إذ كانت مصر قلقة منذ فترة طويلة من أن زيادة عدم الاستقرار في جارتها الغربية، التي تشترك معها في حدود طويلة وسهلة الاختراق، يمكن أن تشكل تهديداً محتملاً لأمنها.
بالنسبة للإمارات، لم تكن مخاوف مصر من عدم الاستقرار في ليبيا بالأهمية نفسها، بحسب الباحث المهتم بشؤون شمال إفريقيا في “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية”، جلال حرشاوي، الذي يجادل بأن أبوظبي “تركز على ما تعتبره مخاطر فكرية بدلاً من المخاطر الأمنية التقليدية”.
كما تفيد مؤشرات بأن القاهرة لم تكن متحمسة لهجوم حفتر على طرابلس عام 2019 الذي أنهى عملية التسوية، لأنها لم تكن واثقة بقدرته على حسمه.
ولكن الإمارات قدمت دعماً كبيراً لحملة حفتر، ووفقاً لتقرير عام 2020 الصادر عن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، المكلفة بمراقبة حظر الأسلحة في ليبيا، فإن عمليات نقل أسلحة إماراتية إلى البلاد منذ يناير/كانون الثاني، كانت “واسعة النطاق وصارخة، مع تجاهل تام لتدابير العقوبات”
كما تورطت الإمارات في هجمات الطائرات المسيّرة على طرابلس والتي أسفرت عن خسائر كبيرة بصفوف المدنيين.
حينها، أوضح مسؤول دبلوماسي مصري لـ”مدى مصر”، أن حفتر تهرَّب من المسؤولين المصريين، بينما استمر في التشاور مباشرة مع مسؤولين إماراتيين.
وبالفعل فشل حفتر في اقتحام طرابلس، بل انقلب الوضع مع مجيء الدعم التركي، خاصةً الطائرات المسيّرة التي أرسلتها أنقرة، وتحركت قوات الوفاق وكادت تطرد حفتر من سرت.
ثبت أن ما قالته مصر كان صحيحاً في النهاية: كانت هناك مبالغة في تقدير قدرة حفتر على السيطرة على طرابلس، على الرغم من دعم الإمارات ومصر والأردن وروسيا، حسبما ينقل “مدى مصر” عن مسؤولين مصريين.
ومن أجل الحفاظ على مصالحها الأمنية، علمت مصر أن عليها تقديم تنازلات في غرب ليبيا. في حديثه، بعد وقت قصير من انهيار حملة حفتر التي استمرت 14 شهراً للسيطرة على طرابلس، قال مسؤول مصري إنه “لو لم يخسر حفتر هذه المغامرة العسكرية، لما اضطررنا إلى الذهاب بعيداً في المحادثات مع الإسلاميين”، حسب تقرير مدى مصر.
وبعد ذلك اتسعت شقة الخلاف في الملف الليبي، حيث تفيد تقارير بتشجيع الإمارات لحفتر على رفض التسوية والحكومة التي تمخضت عنها، بينما تميل القاهرة للقبول بها، خاصة في ضوء حرص مكونات الغرب الليبي على إقامة علاقة وثيقة مع مصر، إضافة إلى القلق المصري من تزايد نفوذ الإماراتي في الشرق الليبي الذي تعتبره مصر ساحة طبيعية لنفوذها.
وتفيد معلومات بأن مصر بدأت تعزز نفوذها بشكل مباشر في الشرق الليبي، حيث ذكر العقيد طيار سعيد الفارسي لـ”عربي بوست”، أن “مدينة بنغازي محاصرة بأكثر من 10 نقاط عسكرية، تتمركز في مناطق الطوق، بجنود أغلبهم يتحدثون اللهجة المصرية، ويُرجح أن يكونوا من أبناء قبائل الحدود الليبية المصرية، تابعين للواء 106 التابع لنجل خليفة حفتر صدام”.
كما كشف مصدر عسكري تابع لخليفة حفتر، لـ”عربي بوست”، أن “البعثة العسكرية الإماراتية الموجودة بقاعدة الخادم شرق مدينة بنغازي قد تراجعت قرابة 50% بعد انتخاب المجلس الرئاسي الجديد والحكومة المنبثقة عنه، دون معرفة الأسباب”.
ويعتقد رئيس مركز أسطرلاب للدراسات، عبدالسلام الراجحي، في تصريح لـ”عربي بوست”، أن “تقدّم الدور المصري على الدور الإماراتي بالمنطقة الشرقية هو نتيجة تبايُن في وجهات النظر بين الطرفين”، موضحاً أن “هناك تأخراً في الدور الإماراتي أمام الدور المصري في ليبيا، يدل على وجود خلافات، لكنها ليست بالعميقة”.
ولكن الخلاف المصري الإماراتي على الملف الليبي ظلت له حدود باعتباره خلافاً على مسألة خارج الأراضي المصرية، وضررها ليس مباشراً على مصالح القاهرة.
“إلا قناة السويس”
ولكن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير، من التطبيع الإماراتي مع إسرائيل أو بالأحرى نتائج هذا التطبيع.
فلم تكتفِ الإمارات بأخذ دور القاهرة كمنسق بين العرب وإسرائيل وهو الدور الذي أخذته بعد اتفاقية السلام، وازداد عقب عودة العلاقات العربية المصرية في عهد مبارك، بل إن أبوظبي تعجلت في جني ثمار التطبيع بشكل استفز القاهرة، عبر سعيها لإيجاد بديل لقناة السويس، من خلال الحديث عن إنشاء خطوط سكك حديدية وأنابيب نفط وغاز تربط الخليج بالموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط.
مست الإمارات وإسرائيل بهذا الحديث ليس مصلحة حيوية مصرية فقط، بل أيضاً وتراً حساساً للرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يولي قناة السويس أهمية خاصة ظهرت في إنفاقه 8 مليارات دولار في ذروة أزمة مصر المالية، على حفر ما يعرف بمشروع قناة السويس الجديدة.
ولم تخفِ مصر قلقها من بدائل قناة السويس الإماراتية الإسرائيلية بل عبرت عنه لتل أبيب بالأكثر.
وبدا هذا السخط في التغطية الإعلامية المصرية للتطبيع الإماراتي مع إسرائيل والحملة الإعلامية التي تم شنها على الفنان الشعبي محمد رمضان عندما تم تصويره مع فنان إسرائيلي في الإمارات.
وتسبب النشاط الإماراتي فيما يتعلق بالتطبيع بالمنطقة في توتر علاقة أبوظبي بالقاهرة. يمكن ملاحظة أعراض هذا التوتر في امتناع مصر عن إرسال وزير خارجيتها لحضور توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في البيت الأبيض.
لا تقتربوا من البحر الأحمر والسودان
إنَّ قلق مصر بشأن التقدم الذي حققته اتفاقيات التطبيع الإماراتية لا يقتصر على قناة السويس أو دورها كوسيط بين العرب وإسرائيل، وهو دور يزيد أهمية القاهرة بالنسبة لواشنطن.
فمصر قلقة بشكل خاص، من أن يؤدي التقارب الإماراتي-الإسرائيلي إلى تعاون البلدين في قضايا تهم مصر، من بينها السودان والقرن الإفريقي والبحر الأحمر، حسب موقع”مدى مصر”.
“فلقد امتلأت منطقة شرق إفريقيا بقواعد عسكرية لدول من خارج المنطقة”، هكذا يقول مسؤول مصري، معرباً عن استياء مصر من مشاركة الإمارات في القاعدة الروسية.
وأصبحت الإمارات وسيطاً رئيسياً، ومهندساً أساسياً للترتيب الأمني في البحر الأحمر، الذي يشهد منافسة قوية، مع وجود قاعدة إماراتية في إريتريا جنباً إلى جنب مع قواعد أخرى في بربرة بوساسو على أرض الصومال.
وفقاً لمسؤولين حكوميين في القاهرة، أقامت الإمارات وإسرائيل تعاوناً أمنياً مخططاً بإثيوبيا والصومال، الأمر الذي تخشى مصر من أن يجلب المزيد من عناصر الاستخبارات الإسرائيلية إلى المنطقة.
غاز شرق المتوسط والعلاقة مع تركيا
بينما يبدو أن موقف الإمارات في الخلاف حول غاز شرق المتوسط، في مصلحة مصر، إلا أن التحليل الدقيق يُظهر غير ذلك.
فأولاً التدخل الإماراتي عالي المستوى في هذه الأزمة لدرجة إرسالها طائرة للمشاركة في مناورات مع اليونان (إضافة إلى تدخلها الكثيف في ليبيا)، يتناقض مع ضعف الموقف الإماراتي من أزمة سد النهضة، وهو ما يُظهر أن أبوظبي تدعم القاهرة في مواجهة تركيا فقط وليس عندما تكون مصالح مصر في خطر.
الأمر الثاني أن التشجيع الإماراتي لمصر على التصعيد مع تركيا والتقارب مع اليونان، ليس في مصلحة مصر، لأن توقيع اتفاق ترسيم حدود بحرية بين تركيا ومصر في مصلحة القاهرة أكثر، من الاتفاق اليوناني (بحكم أن الجزر اليونانية التي سترسم منها الحدود أقرب لمصر، وبالتالي المساحة الممنوحة للقاهرة في أي اتفاق مع اليونان ستكون أقل مما تمنحه تركيا للقاهرة وهو ما أكدته أنقرة مراراً).
الأمر الثاني أن الدخول في حالة عناد مع دولة كبيرة مثل تركيا تمتلك أكبر أسطول في شرق المتوسط، لن يعني سوف إفشال أي محاولات جديدة لإقرار وضع نهائي لترسيم الحدود البحرية يسمح باستقبال الشركات الكبرى لاستخراج ثروات المنطقة، لأن هذه الشركات لن تخاطر بدفع المليارات في بيئة أمنية غير مستقرة.
ومن الواضح كذلك أن استفزاز تركيا سيؤدي إلى ردها في ليبيا، وهو ما يشغل مصر عن مشكلتها الحقيقية مع إثيوبيا.
الحديث عن إيجاد بدائل لقناة السويس أغضب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
ومن الواضح أنه كانت هناك حالة من عدم الرضا في الأوساط المصرية المعنية بملف ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، من النهج الرسمي الذي يميل إلى جعل الصراع في تركيا هو المحدد الرئيسي للتحرك المصري.
كما يبدو أنه حدث تغير في نهج القيادة المصرية، تجاه هذا الملف مثلما حدث في الملف الليبي، حيث اختارت القاهرة عند توقيعها اتفاقات مع شركات في مجال الطاقة مراعاة المطالب التركية فيما يتعلق بترسيم الحدود كما قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إضافة إلى عدم تصديق البرلمان المصري على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان التي أغضبت أنقرة.
ومن الصعب تحديد هل هذا التغير في النهج المصري نتيجة التصريحات التركية الإيجابية تجاه القاهرة أم نتيجة ضغوط الإدارات المعنية في الإدارة المصرية أم غضب القيادة المصرية من المواقف الإماراتية.
ولكن اللافت في هذا السياق هو استخدام دولة فلسطين حق الفيتو لمنع انضمام الإمارات لمنتدى غاز شرق المتوسط، وهو موقف لايُتصور أنه جاء بدوافع فلسطينية بحتة، لأن طبيعة العلاقة بين السلطة الفلسطينية ومصر، تعني أن القاهرة كانت تستطيع الضغط عليها لمنعها من مثل هذا القرار، وهو مايؤشر إلى رضا مصري إن لم يكن تشجيعاً لهذا الموقف الفلسطيني (حتى لو كانت هناك دوافع فلسطينية خاصة).
محاولة تحجيم النفوذ الإماراتي في الداخل المصري
بالتزامن مع هذه التطورات، بدا واضحاً للمراقبين أن هناك عملية تحجيم للنفوذ الإماراتي داخل مصر، وهو ظهر فيما حدث للصحفي عبدالرحيم علي رئيس تحرير جريدة البوابة، ومؤسس مركز دراسات الشرق الأوسط، والذي يوصف بأنه أهم رجال الإمارات في مصر.
فلقد أخفق الرجل في انتخابات مجلس النواب، وقبل ذلك سُرب تسجيل صوتي له، بطريقة تشير إلى غضب مؤسسات الدولة المصرية عليه.
كما يمكن ملاحظة موقف القاهرة من النفوذ الإماراتي داخل مصر مما حدث مع رجل الأعمال المصري صلاح دياب، الذي تربطه علاقات عائلية وثيقة بالسفير الإماراتي القوي في واشنطن، يوسف العتيبة، والذي ألقت قوات الأمن القبض عليه في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي(أطلق لاحقاً).
كما أجبرت السلطات المصرية “دياب” على التنازل عن جزء من حصته في مشروع تنموي ضخم، وتقليص عمل صحيفة “المصري اليوم” المستقلة بشكل كبير، والبدء في الإعداد لاتفاق يقضي بتنازله عن الصحيفة لإحدى الشركات الإعلامية المملوكة للدولة.
ومن المعروف أن هناك عدداً من مراكز الأبحاث، التي تشرف عليها أجهزة في الدولة، ترتبط بمؤسسات ومراكز بحثية إماراتية، عبر تعاقدات عمل، أو عبر التبعية بالتمويل، حيث يعمل بها عدد من القيادات السابقة بأجهزة ذات حساسية خاصة، وهو الأمر الذي بات يزعج النظام المصري حالياً، بسبب العلاقات المتشعبة بين عدد من الجهات الإماراتية، ومسؤولين حاليين وسابقين في الدولة المصرية، حسب موقع جريدة العربي الجديد.
الإمارات تدعم إثيوبيا في تيغراي
أدى اندلاع النزاع المسلح بولاية تيغراي الإثيوبية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تيغراي الشعبية، إلى تعميق الخلافات طويلة الأمد بين الإمارات ومصر. إذ دعم كل منهما طرفاً من الأطراف المتعارضة.
وأكدت منصة الاستقصاء المفتوحة المصدر “بيلنجكات”، وجود طائرات بدون طيار صينية الصنع في القاعدة العسكرية الإماراتية بمدينة عصب الإريترية.
وينقل موقع “مدى مصر” عن ثلاثة مسؤولين مصريين ودبلوماسي أوروبي مطلع على شؤون القرن الإفريقي، استخدمت الإمارات القاعدة لإطلاق طائرات مُسيرة شنت هجمات ضد تيغراي، مع تقديم الدعم عبر الحدود للجيش الإثيوبي.
في تلك الأثناء، حاولت مصر الضغط بقوة على السودان لتقديم الدعم لجبهة تحرير تيغراي في إثيوبيا، وفقاً للمسؤولين المصريين؛ في محاولة واضحة لإضعاف آبي أحمد بشكل أكبر، بعد أن وصلت المفاوضات مع حكومته بشأن السد إلى طريق مسدود، رغم الضغط الذي واجهته القاهرة من إريتريا للامتناع عن هذا، وهي حليف مصر التقليدي.
هل هو الفراق بينهما؟ موقف إماراتي صادم في أزمة سد النهضة
لسنوات كانت علاقات الإمارات (وبصورة أقل، السعودية) الوثيقة مع إثيوبيا ودعمها السخي لنظام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تثير حيرة المراقبين لملف أزمة سد النهضة.
ولكن ظل هذا الدعم مختبئاً خلف حقيقة أن القاهرة نفسها كانت تخوض مفاوضات مع أديس أبابا وأنها كانت تطلق تصريحات تحمل مواقف إيجابية تجاه إثيوبيا.
ولذا كان هناك افتراض حسن النية يفيد بأن العلاقات الإماراتية السعودية مع إثيوبيا هي ورقة ضغط خفية يمكن للدولتين تحريكها إذا احتاجتها مصر حليفهما العربي الأكبر.
ولكن ثبت أن هذا الافتراض غير صحيح تماماً، على الأقل بالنسبة للإمارات.
بل العكس، يبدو أنه عندما جاء وقت الاختيار بين إثيوبيا ومصر، اختارت أبوظبي إثيوبيا.
وهو أمر مثير للدهشة، لأنه بالنسبة لأغلب دول العالم، (وليس الدول العربية فقط)، تظل إثيوبيا على أهميتها المتصاعدة أقل أهمية من مصر البلد ذي الأهمية الاستراتيجية والثقافية والسياسية والعسكرية البالغة
الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد
وهذا يشير إلى أن الموقف الإماراتي الأخير من الأزمة الإثيوبية، هو محصلة خلافات بين القاهرة وأبوظبي وصلت ذورتها في أزمة سد النهضة، أو بالأحرى هي عقوبة من الإمارات على القاهرة بسبب تصرفات سابقة.
إذ جاء التصعيد الأخير في أزمة سد النهضة كاشفاً بشكل غير مسبوق، عن حجم الخلاف المصري الإماراتي.
ولم تكتفِ الإمارات بموقف بدا باهتاً وخلا من أي مظاهر تأييد للقاهرة في أزمتها المصيرية مع أديس أبابا.
بل صعّدت أبوظبي في مواجهة القاهرة بشكل غير مسبوق بين البلدين منذ سقوط حكم الرئيس المصري محمد مرسي.
ففي ذروة التوتر المصري الإثيوبي والشارع المصري يتحدث عن احتمالات الحرب مع أديس أبابا بعد تهديدات السيسي ضدها، أعلنت الإمارات أنها أرسلت الخميس 1 أبريل/نيسان 2021، طائرة مساعدات إنسانية تحتوي على مواد غذائية ومستلزمات طبية إلى إثيوبيا، في إطار دعم الوضع الإنساني بإقليم تيغراي.
وقبل ذلك كانت أبوظبي الدولة الوحيدة في العالم، إضافة إلى إريتريا، التي أعلنت تأييدها لحرب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في تيغراي.
الرد المصري قليل الصخب ولكنه يلمس ملفاً حساساً للإمارات
من جانبها، تبدو القاهرة أقل وضوحاً في التعبير عن امتعاضها من الموقف الإماراتي، ولكنها تتحرك على الأرض في واحد من أخطر الملفات حساسية بين البلدين.
إذ تفيد تقارير بإجراءات مصرية غير مسبوقة لتحجيم النفوذ الإماراتي في مصر، وتبدو هذه موجة مختلفة عن موجة عبدالرحيم علي ومحمد رمضان.
فلقد كشفت مصادر خاصة عن صدور تعليمات من دائرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأمنية، بإعداد تقارير حول كافة الاتصالات والزيارات الرسمية التي أجراها مسؤولون مصريون، خلال الأيام الماضية، مع أطراف إماراتية، والوقوف على مضمون التفاصيل الدقيقة لتلك الاتصالات واللقاءات.
وقالت المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، إن التعليمات الصادرة أخيراً جاءت ضي ضوء توتر العلاقات مع الإمارات، الذي أخذ في التصاعد أخيراً على وقع أزمة تحركات أبوظبي في ملف سد النهضة، بشكل يهدد المصالح المصرية، ويدعم بصورة غير مباشرةٍ الحكومة الإثيوبية.
وكشفت المصادر أن التعليمات شملت إعداد تقارير عن شخصيات رفيعة المستوى، تنتمي لجهات حساسة، زارت الإمارات أخيراً، وأجرت اتصالات مع مسؤولين في أبوظبي. وأوضحت أن هناك حالة من القلق داخل أروقة الرئاسة المصرية، من محاولات متكررة من جانب حكام الإمارات، لحديثٍ وصفته المصادر بأنه “مريب”، مع مسؤولين مصريين وشخصيات ذات أهمية، حول تصورات هذه الشخصيات عن الأوضاع في مصر خلال الفترة المقبلة.
كما كشفت المصادر عن صدور تعليمات مشددة لعدد من مراكز الأبحاث المتعاقدة مع جهات إماراتية، وأخرى ممولة إماراتياً، بعدم إعداد أي تقارير، أو دراسات بشأن الوضع الداخلي المصري، أو تأثير الأزمات في الإقليم على وضع النظام المصري والأوضاع الداخلية بشكل عام، أو تلك التي ترتبط بملفات حقوق الإنسان، والعلاقات بين مؤسسات الدولة، وأجهزتها.
وأوضحت المصادر، أن شخصية بارزة في دائرة الرئيس المصري، تحظى بثقة السيسي الكبيرة، هي التي تشرف على التقارير السيادية المطلوبة، بشأن هذه الشخصيات.
وقبل ذلك هناك مؤشرات على أن القاهرة تحاول تحجيم النفوذ الإماراتي في ليبيا.
ما الذي أغضب الإمارات إلى هذا الحد؟
كان مجيء بايدن إلى البيت الأبيض إيذاناً بنهاية شهر العسل المصري والإماراتي الذي بشرت به رئاسة ترامب، وفقاً لما ينقله “مدى مصر” عن اثنين من المسؤولين الحكوميين المصريين المطلعين، ومصدر سياسي إماراتي.
من الواضح أن كل دولة لديها سبب يغضبها من الأخرى، وبينما يبدو أن مصر لديها أسباب عدة للغضب، أبرزها محاولات الإمارات للتعاون مع إسرائيل لإيجاد بديل لقناة السويس.
وهو أمر لمّح له السيسي خلال احتفائه بتعويم السفينة، مقللاً من قيمة الحديث عن بديل لسد النهضة.
في المقابل، فإن سبب الغضب الإماراتي من القاهرة يبدو أنه نتيجة رفض مصر الانصياع للطلب الإماراتي باستمرار التصعيد في ليبيا، والأهم رفض أبوظبي التهدئة المصرية مع تركيا، كما يقول موقع العربي الجديد.
ويلاحظ في هذا الإطار أنه في المقابل، فإن التحركات التركية الإيجابية تتوجه بالأساس للسعودية ومصر، وتجاهلت إلى حد كبيرٍ الإمارات، بل سبقتها تهديدات صريحة وجهها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار للإمارات وتوعد بمعاقبتها.
قائدة المنطقة
يبدو أن الإمارات التي تمتعت بنفوذ هائل منذ نهاية الربيع العربي، عبر خليط من الإمكانات المالية الضخمة والقدرات العسكرية المتقدمة، تتعامل مع نفسها باعتبارها قائداً للمحور الذي يضمها (مصر والسعودية والبحرين).
ولقد تمكن قادة الإمارات عبر علاقة وثيقة مع إدارة ترامب، وإدارة حذقة للتحالفات مع حلفاء أكبر مثل مصر والسعودية وحتى أمريكا، من التمتع بنفوذ استثنائي بالنسبة لحجم دولتهم (وحتى بالنسبة لإمكانات البلاد المادية على ضخامتها).
أما القاهرة فكانت على استعداد لأن تكون شريكاً لدولة الإمارات، وتوقعت في المقابل أن يتم تضمينها في عملية صنع القرار بشأن جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك. وبدلاً من ذلك، اتخذت الإمارات مراراً وتكراراً، زمام المبادرة في القضايا الإقليمية دون استشارة مصر بجدية، وغالباً ما تبنت سياسات عدوانية من جانب واحد وتجاهلت مخاوف القاهرة.
وبالنسبة لأبوظبي لا شيء يعلو على العداء للإسلاميين وتركيا ومصالحها، وضمن ذلك إمكانية تهديد مصالح القاهرة الحيوية، كما يبدو واضحاً في أزمة سد النهضة.
ولكن اليوم مع دخول أبوظبي في خلاف مع أكبر حليف لها مصر، وقبل ذلك تركها الحليف الكبير الآخر (السعودية) تتورط في اليمن، يثار تساؤل مفاده: هل تستطيع الإمارات الحفاظ على هذا النفوذ الذي نالته في السنوات الماضية؟
هناك عوامل عدة ستحدد مصير المغامرة الإماراتية، منها فعالية المصالحة القطرية السعودية ومقدار التقارب المصري التركي، وطبيعة الرد المصري على التحدي الإثيوبي، كما أن الموقف السعودي من الخلاف المصري الإماراتي سيكون له دور كبير في تحديد نتيجة هذا الخلاف، وهل ينتهي قريباً أم يتصاعد؟
نقلاّ عن عربي بوست