احتلت هاشتاغات “سد النهضة” موقع تويتر في مصر اليوم الثلاثاء 6 أبريل/نيسان بعد دقائق من إعلان فشل جولة مفاوضات الفرصة الأخيرة في الكونغو، وتركز الغضب الشعبي المصري على اتفاق إعلان المبادئ الذي يرجع إلى ست سنوات، فما القصة؟
المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية صرح أن جولة المفاوضات التي عقدت في كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية حول سد النهضة الإثيوبي خلال الأيام الثلاثة الماضية “لم تحقق تقدماً، ولم تفضِ إلى اتفاق حول إعادة إطلاق المفاوضات”، حيث رفضت إثيوبيا المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر، بتشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الإفريقي للتوسط بين الدول الثلاث.
السفير أحمد حافظ أضاف في تصريحات نقلتها صحيفة اليوم السابع المصرية أن إثيوبيا رفضت كذلك خلال الاجتماع كافة المقترحات والبدائل الأخرى التي طرحتها مصر وأيدتها السودان، من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الانخراط بنشاط في المباحثات والمشاركة في تسيير المفاوضات، وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية.
بحسب نفس المصدر، رفضت إثيوبيا مقترحاً مصرياً تم تقديمه خلال الجلسة الختامية للاجتماع الوزاري ودعمته السودان بهدف استئناف المفاوضات بقيادة الرئيس الكونغولي وبمشاركة المراقبين وفق الآلية التفاوضية القائمة، “وهو ما يثبت بما يدع مجالاً للشك قدر المرونة والمسؤولية التي تحلت بها كل من مصر والسودان، ويؤكد على رغبتهما الجادة في التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، إلا أن إثيوبيا رفضت هذا الطرح مما أدى إلى فشل الاجتماع في التوصل لتوافق حول إعادة إطلاق المفاوضات”، مضيفاً أن “هذا الموقف يكشف مجدداً عن غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوض بحسن نية وسعيها للمماطلة والتسويف من خلال الاكتفاء بآلية تفاوضية شكلية وغير مجدية، وهو نهج مؤسف يعيه المفاوض المصري جيداً ولا ينطلي عليه”.
موقف إثيوبي متوقع رغم التهديدات المصرية
لا يمكن القول إن الموقف الإثيوبي “المتعنت” –حسب وصف الخارجية المصرية– جاء مفاجئاً، فهو الموقف نفسه الذي تتبناه أديس أبابا منذ وصول رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد لرئاسة الوزراء هناك وهو ما اتضح بشكل لا يقبل التأويل عندما انسحبت إثيوبيا من التوقيع على اتفاقية بشأن السد رعتها الولايات المتحدة والبنك الدولي، رغم مشاركة أديس أبابا في المفاوضات لمدة أكثر من 5 أشهر وفي اللحظة الأخيرة تراجعت عن التوقيع.
وكان كثير من المصريين قد شعر بالتفاؤل خلال الأسبوع الماضي، وبالتحديد يوم الثلاثاء 30 مارس/آذار عندما صدر عن الرئيس عبدالفتاح السيسي أقوى تصريحاته على الإطلاق بشأن قضية سد النهضة ومياه النيل، إذ قال: “محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر واللي عاوز يجرب يجرب.. إحنا ما بنهددش حد، وإلا هيبقى في حالة عدم استقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد”، وهو ما أثار ردود فعل إقليمية ودولية جاء أغلبها داعماً لمصر والسودان في ملف المياه الذي يعتبر حياة أو موتاً لدولتَي المصب لنهر النيل.
ويبدو أن هذا التهديد وما تبعه من تصريح لوزير الخارجية سامح شكري بالقول إن جولة مفاوضات كينشاسا تمثل “الفرصة الأخيرة” للتوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، أعطى البعض بصيصاً من الأمل في أن تتراجع إثيوبيا عن موقفها المتعنت وألا تقدم على الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل كما تخطط قبل التوصل لاتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان
مصر اعتبرت مفاوضات سد النهضة الأخيرة بمثابة الفرصة الأخيرة
لكن كثيراً من المراقبين للمفاوضات الماراثونية بشأن سد النهضة كانوا يقللون من فرص إقدام إثيوبيا على تغيير موقفها، انطلاقاً من استناد أديس أبابا على موقف قانوني يصب في صالحها وهو إعلان المبادئ الذي وقعته مصر برئاسة السيسي والسودان برئاسة المعزول عمر البشير وإثيوبيا التي وقع عنها رئيس الوزراء السابق ديسالين.
انفجار الغضب والسبب إعلان المبادئ
قضية مياه النيل تمثل حياة أو موتاً بالنسبة لمصر، وهذا ما قاله نصاً الرئيس السيسي من على منصة الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2019، وانعكست المتابعة الشعبية لهذه القضية بشكل مباشر الأسبوع الماضي تزامناً مع تهديدات السيسي، واستمرت تلك المتابعة اليوم الثلاثاء بمجرد الإعلان عن فشل مفاوضات كينشاسا، لكن شتان الفارق بين الأجواء الأسبوع الماضي واليوم.
ففي الأسبوع الماضي غلب التفاؤل والثقة على كثير من المنشورات عبر منصات التواصل الاجتماعي وتصدر هاشتاغ “النيل خط أحمر” منصة تويتر في مصر بعد دقائق من تصريحات الرئيس القوية، لكن اليوم انقلب الحال تماماً وغلب الغضب على المنشورات وتصدر هاشتاغ “#قاوم_فساد_الجيش_ضيع_النيل” منصة تويتر، وتركز الحديث حول إعلان المبادئ الذي وقعه السيسي.
فإعلان المبادئ الذي تم توقيعه بالخرطوم في مارس/آذار 2015 لا توجد فيه أي بنود ملزمة لإثيوبيا بالحفاظ على حصة مصر التاريخية في مياه النيل والتي حددتها اتفاقية 1929 وأضيفت لها اتفاقية 1959 بين مصر والسودان وهي اتفاقية تكميلية، نصت على أن حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب من المياه، 48 ملياراً من مياه النهر إضافة إلى 7.5 مليار من خزان السد العالي.
التعنت الإثيوبي في سد النهضة انعكس في رفض التوقيع على الاتفاق الأمريكي/مواقع التواصل الاجتماعي
ليس هذا وحسب، بل إن الإعلان الذي ضم 10 مواد لم يشر من قريب أو بعيد إلى أي اتفاقات أخرى أو حتى مواد القانون الدولي المنظمة للأنهار الدولية، أما ما يتعلق باللجوء إلى الوساطة، فقد نصت المادة الأخيرة من الاتفاق وهي بعنوان “مبدأ التسوية السلمية للمنازعات”، على أن: “تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق، بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة”، وهذا البند تحديداً هو السر وراء التعنت الإثيوبي ورفض الوساطة.
وكان الدكتور أحمد المفتي، المستشار القانوني السابق لوزير الري المصري وقتها والذي استقال من اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبي قد حذر، بعد أيام من توقيع اتفاق المبادئ من أن ذلك الاتفاق قد أدى “لتقنين أوضاع سد النهضة، وحوّله من سد غير مشروع دولياً إلى مشروع قانونياً”.
وفي حوار له نشرته صحيفة “المصري اليوم” في وقتها، قال خبير القانون الدولي إن الاتفاق ساهم في تقوية الموقف الإثيوبي في المفاوضات الثلاثية، ولا يعطي مصر والسودان نقطة مياه واحدة، وأضعف الاتفاقيات التاريخية، موضحاً أنه تمت إعادة صياغة اتفاق المبادئ بما يحقق المصالح الإثيوبية فقط، وحذف الأمن المائي، ما يعني ضعفاً قانونياً للمفاوض المصري والسوداني.
وتابع المفتي: “المشروع الإثيوبي كشف عن تقصيرٍ مصري سوداني 100%، لأن البلدين تجاهَلَا أن أساس أي مشروع مائي على الأنهار الدولية المشتركة، يعتمد على المدخل القانوني، وتقدير الوزن القانوني قبل الشروع في تنفيذ المشروع”.
هل هناك حلول متبقية أمام مصر؟
الموقف الآن أصبح شديد التعقيد في ظل ضيق الوقت قبل أن تشرع إثيوبيا في مرحلة الملء الثاني للسد والتي يرى أغلب الخبراء أن اكتمالها يجعل من خيار توجيه ضربة عسكرية لتدمير السد يمثل تهديداً ضخماً للسودان ومصر، هذا بخلاف ما قد ينتج عن ذلك من ضرب لاستقرار المنطقة وهو ما حذر منه السيسي نفسه في تصريحاته الأسبوع الماضي.
يخشى أبوقاسم من أن السد الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل يمكن أن يفاقم النقص الحاد في المياه الذي أصاب قريته بالفعل
وفي هذا السياق نشر الفقيه الدستوري المصري نور فرحات منشوراً عبر صفحته على فيسبوك بعنوان خطوات مقترحة للتعامل مع مشكلة سد النهضة، تشمل 5 إجراءات أولها “عرض اتفاقية الإطار الموقعة سنة 2015 على مجلس النواب ورفض التصديق عليها”، والمقصود إعلان المبادئ الذي وقعه السيسي وتسبب في التعنت الإثيوبي بعد أن أصبح لدى أديس أبابا ورقة قانونية مكنتها من تحويل السد لأمر واقع، أو كما قال وزير خارجيتها بعد الملء الأول “تحول النيل إلى بحيرة إثيوبية”.