كشفت رسائل البريد الإليكتروني المسربة لسفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن، يوسف العتيبة، التي تمت قرصنته عن علاقة متنامية بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومركز بحث وتفكير تابع للمحافظين الجدد ومؤيد لإسرائيل اسمه مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية.
وقال موقع “إنترسبت” الأمريكي الذي نشر عددًا من الرسائل المسرية، وترجمها موقع “عربي21″، إنه للوهلة الأولى ينبغي أن يثير هذا التحالف استغرابًا، وذلك أن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تعترف بإسرائيل، إلا أن البلدين تعاونا في الماضي معًا ضد عدوهما المشترك إيران.
ويعد العتيبة الذي تعرض بريده الإلكتروني الخاص لعملية قرصنة، واحدًا من أكثر الدبلوماسيين الأجانب نفوذًا في واشنطن. ويستمد نفوذه إلى حد كبير من إنفاقه بسخاء.
ومن المعروف عن العتيبة أنه ينظم حفلات عشاء باذخة وحفلات استقبال كبيرة ويقوم باستضافة الشخصيات النافذة من خلال رحلات غاية في الترف.
وذكر الموقع أنه في العاشر من مارس من هذا العام كتب المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبوفيتس رسالة إلكترونية وجهها إلى سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة وكذلك إلى كبير محامي مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية جون هانا – والذي كان قد شغل فيما سبق منصب نائب مستشار الأمن القومي لدى نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني – وكتب في خانة العنوان “قائمة استهداف للشركات التي تستثمر في إيران وفي دولة الإمارات العربية المتحدة وفي المملكة العربية السعودية”.
كتب دوبوفيتس يقول: “عزيزي السيد السفير. تجدون في المذكرة المرفقة تفصيلاً لأسماء الشركات مرتبة حسب البلد ممن يمارسون التجارة مع إيران وأيضًا لهم تعاملات تجارية مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومع المملكة العربية السعودية. هذه قائمة استهداف يقصد منها وضع هذه الشركات أمام خيار واحد كما سبق وأن ناقشنا”.
اشتملت مذكرة دوبوفيتس على قائمة طويلة بأسماء “الشركات غير الأمريكية التي لديها أعمال في المملكة العربية السعودية وفي دولة الإمارات العربية المتحدة وتبحث عن الاستثمار في إيران.”
تتضمن القائمة عددًا من المؤسسات الدولية الكبيرة، بما في ذلك شركة إيرباص الفرنسية وشركة لوكويل الروسية.
يحتمل أن يكون الهدف من تحديد قائمة بأسماء هذه الشركات هو أن تمارس دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عليها ضغوطًا لثنيها عن الاستثمار في إيران، والتي شهدت توسعًا في الاستثمار الأجنبي بعد إبرام صفقة النووي في عام 2015.
نمت العلاقات خلال السنوات الأخيرة بين الممالك الخليجية وإسرائيل حيث يخشى الطرفان من أن إيران كانت تتجه بشكل حثيث نحو تطبيع علاقاتها بالغرب مما سيعضد من نفوذها ويعزز قوتها في المنطقة. إلا أن الإقرار علانية بوجود مثل هذا التحالف بين الطرفين مازال أمرًا نادرُا جدًا.
في تصريح أدلى به مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة “هافنجتون بوست” ضمن تقرير سابق أعدته حول شخصية العتيبة، حدد هذا المسؤول الاعتبار السياسي على النحو التالي: “إن وقوف إسرائيل والعرب معًا هو في نهاية المطاف المكسب الأكبر، لأن ذلك يخلصنا من تعقيدات السياسة والأيديولوجيا. حينما تقف إسرائيل والعرب معًا فإن ذلك يعني القوة”.
تكشف الرسائل المخترقة عن وجود مستوى غير عادي من التعاون عبر القنوات الخلفية بين مملكة خليجية ومركز بحث وتفكير تابع للمحافظين الجدد هو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي يمولها الملياردير الموالي لإسرائيل شيلدون أديلسون، حليف رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو وأحد كبار المتبرعين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية.
يظهر هانا والعتيبة من حين لآخر الود والألفة لبعضهما البعض من خلال ما يتبادلانه بينهما من مراسلات. في السادس عشر من أغسطس من العام الماضي أرسل هانا إلى العتيبة مقالاً يزعم كاتبها أن دولة الإمارات العربية المتحدة ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات كلاهما مسؤولان عن محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، وقال مخاطباً العتيبة: “يشرفني أن أكون في رفقتك.”
وفي تبادل آخر للرسائل في أواخر إبريل اشتكى هانا إلى العتيبة من أن قطر – وهي دولة خليجية منافسة اصطدمت مع دولة الإمارات العربية المتحدة في الشهور الأخيرة حول عدد من القضايا – تستضيف اجتماعاً تعقده حركة حماس في فندق مملوك للإمارات. فرد عليه العتيبة إن ذلك ليس مما تتحمل الحكومة الإماراتية المسؤولية عنه، وأن المشكلة الحقيقية تكمن في وجود القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر، ثم قال العتيبة: “ما رأيك في هذا، انقلوا أنتم القاعدة ثم نحن ننقل الفندق.”
وتتضمن الرسائل المسربة تفاصيل البرنامج المقترح لاجتماع قادم بين مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومسؤولين من الحكومة الإماراتية والذي كان من المقرر انعقاده في الفترة من 11 إلى 14 يونيو. ترد أسماء دوبوفيتس وهانا ضمن قائمة المشاركين في اللقاء بالإضافة إلى جوناثان شانزير نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لشؤون الأبحاث. طلب المسؤولون الإماراتيون بأن يشارك في الاجتماعات الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي وقائد قواتها المسلحة.
يتضمن البرنامج عقد نقاشات مكثفة بين الطرفين حول قطر، وكان من المقرر على سبيل المثال أن يناقشوا “قناة الجزيرة كأداة لإثارة الفوضى في المنطقة”. (يقع المقر الرئيسي لقناة الجزيرة في قطر).
كما يوجد أيضًا “نقاش للسياسات الأمريكية / الإماراتية الممكنة بهدف التأثير إيجابياً على الوضع الداخلي الإيراني، بما في ذلك كجزء من قائمة من السياسات “أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية واستخباراتية وانترنتية” والتي يمكن أن تشكل رداً ممكناً بهدف “احتواء وقهر العدوان الإيراني.”
من الجدير بالذكر أن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات شاركت في الحوارات التي أجرتها إدارة ترامب لصياغة السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، ولذلك من المحتمل أن دولة الإمارات العربية المتحدة ترى في هذه المؤسسة قناة مهمة لممارسة الضغط على ترامب لكي يتبنى خطاً أكثر تشدداً مع إيران. وقد نقل عن دافيد واينبيرج، الزميل المخضرم في المنظمة، قوله الشهر الماضي أن دولة الإمارات العربية المتحدة “تشعر بالانتشاء” تجاه مقاربة إدارة ترامب تجاه المنطقة.
وقد صرح واينبيرج لموقع أراب بيزنيس دوت كوم بما يلي: “ما زالوا منذ فترة يبحثون عن شريك أمريكي لتشديد الخناق على إيران. يريدون من أمريكا أن تحول الكلام إلى أفعال”.
كما طور العتيبة علاقة خاصة مع صهر الرئيس ترامب ومستشاره جاريد كوشنر. وكان الاثنان قد التقيا لأول مرة في يونيو الماضي في ضيافة ثوماس باراك، وهو مستثمر ملياردير يدعم ترامب. وكان مقال نشره موقع بوليتيكو في شهر فبراير الماضي وقد وصف كوشنر بأنه “لا يتوقف باستمرار عن التواصل عبر الهاتف والإيميل” مع السفير.
أياً كانت أجندة دولة الإمارات العربية المتحدة فإن نشر الديمقراطية ليس جزءاً منها. مما ورد في الملف الذي نشر عن العتيبة ما يلي:
بينما كانت الاحتجاجات تنتشر في مصر، ضغط العتيبة بقوة على البيت الأبيض لكي يعلن عن دعمه لمبارك، ولكن جهوده لم تفلح. وبعد أن جاء الإخوان المسلمون إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، عبأ صندوق الوارد في بريد فيل غوردن، كبير مستشاري البيت الأبيض حول الشرق الأوسط، بالرسائل التي تنال من الإخوان المسلمين وتكيل التهم لهم ولداعميهم في قطر. (جوردن رفض التعليق.) يقول أحد المساعدين السابقين في البيت الأبيض: “كان يمطر الناس بالإيميلات. بإمكانك أن تضمن أنه إذا ما كان لدى يوسف شيء يريد قوله حول موضوع ما فإن كبار المسؤولين في كل أنحاء وزارة الخارجية والبيت الأبيض سوف يسمعون عنه من خلال رسائل إيميل متشابهة إن لم تكن متطابقة.”
والآن بدأت تتشكل لدينا فكرة حول شكل تلك الإيميلات. ففي إيميل أرسل في الثالث من يوليو، مباشرة بعد أن أطاح العسكر في مصر بالرئيس المنتخب والمدعوم من قبل الإخوان المسلمين محمد مرسي، سعى العتيبة لممارسة الضغط من خلال مسؤولين سابقين في إدارة بوش مثل ستيفين هادلي – والذي يعمل الآن مستشاراً في رايس هارلي جيتس –وجوشوا بولتن لتمرير وجهة نظره حول مصر والربيع العربي بشكل عام.
حينها قال متحسرًا: “بلاد مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة هي “آخر الصامدين” ضمن معسكر الاعتدال. لقد صاعد الربيع العربي من التطرف على حساب الاعتدال والتسامح.”
وكان يتحدث عن إسقاط مرسي ببهجة وسرور قائلاً: “الحالة اليوم في مصر تمثل ثورة ثانية. أعداد الناس في الشوارع اليوم تفوق أعدادهم في يناير 2011. هذا ليس انقلاباً، وإنما هذه الثورة رقم 2. إنما يكون الانقلاب حينما يفرض العسكر إرادتهم على الناس بالقوة. أما اليوم، فالعسكر يستجيب لرغبات الشعب.”
لقد باتت مصر اليوم دولة دكتاتورية، وأقرب حلفائها هم الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات العربية المتحدة.