دعم أنقرة للإخوان خلال الربيع العربي كان محوريًا لأهداف أيديولوجية إلى حد كبير لإبراز نفوذها في الشرق الأوسط
كشف تحليل أميركي للعلاقات الخارجية التركية أن أنقرة أدركت أن عودة الإخوان إلى السلطة انتهت وأن الجماعة أصبحت من الماضي، وبالتالي حان الوقت للتخلص من إرث هذه الجماعة التي تحالفت معها منذ الربيع العربي لأهداف أيديولوجية وإعادة العلاقات بمصر.
وتتطلع تركيا إلى إعادة العلاقات مع مصر بعد سنوات من العداء في خطوة يقول محللون إنها جزء من تحول استراتيجي أوسع في مواجهة العزلة المتزايدة لتركيا. وقال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، في وقت سابق من هذا الشهر “يمكن فتح صفحة جديدة في العلاقات مع مصر ودول الخليج”. وأكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن الجهود الدبلوماسية جارية لإصلاح العلاقات.
وبحسب تقرير تحليلي لوكالة VOA الأميركية، تعتبر مصر وتركيا حليفين تقليديين، لكن العلاقات كانت دخلت في حالة جمود عميق منذ سقوط الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في عام 2013، عندها سحب البلدان سفيريهما.
وأوضح التقرير أن دعم أنقرة للإخوان المسلمين خلال الربيع العربي كان محوريًا لأهداف أيديولوجية إلى حد كبير، لإبراز نفوذها في الشرق الأوسط من خلال تعزيز التضامن الإسلامي.
البراغماتية مقابل الأيديولوجية
ويشير المحللون إلى أن أردوغان يبحث عن طريقة لإعادة هذه السياسة إلى الوراء. وقال حسين باجي، من معهد السياسة الخارجية وهو مركز أبحاث في أنقرة: “لقد كان من الخطأ دعم الإخوان المسلمين لكن الحكومة (التركية) تدرك الآن أن الإخوان المسلمين ليس لديهم أدنى فرصة للوصول إلى السلطة مرة أخرى، لذلك لا يمكننا الاستمرار في هذه السياسة”
وأضاف باجي: “لكن كيفية الخروج من هذه السياسة الخاطئة علنًا هي مشكلة أردوغان.. فلا يمكن لتركيا أن تقول رسميًا إننا سوف نتخلى عن دعم الإخوان المسلمين.. أردوغان لن يقول ذلك رسميًا. لكن ربما ببطء سيتحرك من موقفه الرسمي المتمثل في مناهضة الرئيس المصري”.
وبحسب التقرير، لقد دفعت تركيا ثمناً باهظاً لتنفير مصر وفي خطوة أضعفت أنقرة، وقعت القاهرة العام الماضي اتفاقية مع اليونان المنافسة لتركيا لتطوير البحر الأبيض المتوسط. وأثارت اكتشافات الطاقة الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط سلسلة من النزاعات الإقليمية بين اليونان وتركيا.
وقال الأدميرال التركي المتقاعد جيم جوردنيز، وهو محلل إقليمي: “مصر تعمل ضد تركيا فقط بسبب سياسة تركيا الخاطئة القائمة على العقيدة، مثل دعم الإخوان المسلمين، وعندما تترك تركيا هذه السياسة أنا متأكد من أن العلاقات التركية المصرية ستكون أفضل”.
تبديل صعب
وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، السبت الماضي، إن أنقرة على وشك إعادة الاصطفاف مع القاهرة، “لدينا العديد من القيم التاريخية والثقافية المشتركة مع مصر وعندما يتم استخدامها نعتبر أنه قد تكون هناك تطورات مختلفة في الأيام المقبلة.. وتتطلع تركيا إلى اتفاق متوسطي مع القاهرة لإضعاف العلاقات المصرية مع اليونان”
وامتنعت القاهرة حتى الآن عن التعليق على مغازلة أنقرة وقال باجي: “في تركيا، هناك رأي عام بأن المصريين مستعدون دائمًا لما تقترحه تركيا. هذا ليس صحيحًا ولإكمال رقصة التانغو أنت بحاجة إلى اثنين، ومصر ليست مهتمة بهذا القدر. مصر تريد أن تظهر للجمهور أن تركيا قد أخطأت وتركيا مثل الرجل النبيل الذي يريد الرقص. لكن مصر ستدرك أن من مصلحتها اقتصاديًا وسياسيًا وتكنولوجيًا ودبلوماسيًا العمل مع تركيا”.
وأوضح التقرير أن هناك وعياً في أنقرة بضرورة الصبر. وقال مسعود كاسين مستشار الرئاسة التركية من جامعة يديتيب في إسطنبول: “تحدث بعض ضباط المخابرات (الأتراك والمصريون) معا.. لكننا نحتاج إلى محادثات دبلوماسية حقيقية على الطاولة. سيكون ذلك في مصلحة الجميع يمكن أن تكون لدينا علاقات دبلوماسية كاملة بحلول مارس”.
وأضاف كاسين أن جهود تركيا الأخيرة لتحسين العلاقات مع السعودية، الحليف الوثيق لمصر، يمكن أن توفر أيضًا قوة دفع لجهود التقارب المصرية.
أوروبا وإفريقيا
وقام أردوغان مؤخرًا بمبادرات مع حليف رئيسي آخر وهي فرنسا، وجاء في بيان رئاسي تركي بعد أن تحدث أردوغان عبر الفيديو الأسبوع الماضي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، “يمكن لتركيا وفرنسا تقديم مساهمات كبيرة للأمن والاستقرار وجهود السلام من أوروبا إلى القوقاز والشرق الأوسط وإفريقيا”.
ومنذ وقت ليس ببعيد، كان الزعيمان التركي والفرنسي يتبادلان الشتائم، حيث أشار أردوغان في وقت ما إلى أن ماكرون بحاجة إلى علاج للصحة العقلية مما دفع فرنسا إلى استدعاء سفيرها مؤقتًا.
وإلى جانب العداء الشخصي بين الرؤساء، هناك تنافس متزايد في إفريقيا.
وواجهت فرنسا، إلى جانب مصر، تركيا في الحرب الأهلية الليبية. وأدى دعم أنقرة العسكري لحكومة الوفاق الوطني الليبية إلى تفادي هزيمتها شبه المؤكدة أمام قوات الجيش الوطني الليبي. لكن المحللين يشيرون إلى أن أنقرة قد تتعلم أهمية الدبلوماسية.
وقال خبير العلاقات الدولية سولي أوزيل، من جامعة “قادر هاس” في إسطنبول: “لا أعرف كم من الوقت يمكنك الاعتماد على القوة وهو أمر مكلف للغاية”، مشيرًا إلى تورط تركيا في صراعات عسكرية من ليبيا إلى سوريا إلى العراق وهو ما أرهقها بشدة.
العربية