بالفيديو – يوم من حياة إنسان العصر الجليدي.. هكذا عاش أسلافنا

كشفت الدراسات الأخيرة في مجال «الحفريات» الكثير من الخبايا عن حياة البشر الأوائل، حتى أننا اليوم نستطيع أن نرسم صورة كاملة عن شكل الحياة في العصورِ المختلفة، وكيف تعامل الإنسان القديم مع تقلبات الطبيعة وتغيرات الطقس مثل الشتاء القارس، وتمكن في النهاية من النجاة واجتياز اختبار البقاء.

من وحي هذه الاكتشافات، نأخذكم في السطور التالية عبر رحلة ليوم في حياة إنسان «العصر الجليدي» بالتحديد، خلالها قد نتمكن من تخيل كيف قضى هذا السلف أقسى عصور الشتاء والطريقة التي استطاع بها تنظيم حياته داخل الكهوف.

«إنسان نياندرتال».. تعرف إلى أفراد مجتمع العصر الجليدي

هناك أسطورة شائعة عن «العصور الجليدية»، تشير إلى أنها فترات تنتهي فيها الحياة من على وجه الأرض، وهي معلومة خاطئة؛ إذ تعد تلك العصور التي يفرش فيها الثلج كغطاءٍ أبيض الكرة الأرضية، اختبارًا للحياة. تشتد فيها سبل المعيشة إلى الحد الذي يجعل البقاء، للأكثر قدرة على التكيف والتعايش معها، وفي ذلك الوقت بحسب النظريات العلمية عاش نوع من أسلاف الإنسان المنقرضين، هو النياندرتال.

يعد «إنسان نياندرتال» من أقرب الأسلاف المنقرضين إلينا، حتى أننا عايشناهم في فترةٍ ما من الزمن، وتزاوجنا معهم. بعض الأبحاث تشير إلى أن أغلب المنحدرين من أصل أوروبي أو آسيوي، يحملون في جيناتهم جزءًا من جينات النياندرتال.

تطور هذا السلف منذ ما يقرب من 400 ألف سنة، وعاش في القارة الأوروبية وأجزاء من آسيا قبل حوالي 300 ألف سنة، وهو الإنسان الذي نجا من «العصر الجليدي»، وعاصر التقلبات القاسية في المُناخ التي كانت أبرد بنسبة 20 درجة مئوية في المتوسط.

في العصر الجليدي الأخير، غطت الثلوج نصف الكرة الشمالي، وامتدت جنوبًا حتى حدود جنوب أفريقيا ونصف أستراليا. وبجانب بحر الشمال المتجمد، عاش النياندرتال بين ملامح الطبيعة القاسية، يحاول استغلال ما تجود به عليه، من أجل البقاء على قيد الحياة.

كان أنسان نياندرتال تشريحيًا أكثر قوة من البشر المعاصرين، كما كان أكثر قدرة على التكيف مع مناخ الشمال القاسي. تميز رأس هذا السلف القديم بعيونٍ كبيرة واسعة، كانت مصممة للرؤية الليلية؛ حيث ليل الشتاء الأكثر ظلمة وطولًا، وهي أحد العوامل التي ساعدتهم على النجاة خلال العصر الجليدي، إلا أنها في الوقتِ ذاته قد احتلت جزءًا من أدمغتهم لحساب العمليات المعقدة للرؤية، وهو ما جعل عقولهم تختلف عن البشر الذين عاشوا في أفريقيا -أسلافنا- وتطورت لديهم الفصوص الأمامية في الدماغ مما ساعدهم على الوصول إلى مستويات أعلى من التفكير والذكاء.

هذا فضلًا عن الأنف الكبير المسحوب الذي تميز به وجه نياندرتال عن البشر الأوائل للتكيف مع البرودة، إذ ساعدته تلك الأنف الكبير على التنفس بطريقة تعمل على تدفئة الهواء الداخل إلى الرئتين وترطيبه، وهو ما جعلهم يمتلكون رئة ضخمة وصدرًا تشريحيًا كبيرًا، يستطيع حرق المزيد من الطاقة للتدفئة.

تميزت أجسادهم بنصفٍ سفلي أقصر من النصف العلوي، للمحافظة على حرارة الجسم، كما استخدموا الفك أداةً تمكنهم من حمل الأشياء، وهو الأمر الذي ساعد في تشكيل عظام وجههم بطريقة مميزة، كما تآكلت أسنانهم الأمامية للسبب ذاته.

«الثورة الصناعية» في العصر الجليدي.. هكذا صنعوا أدواتهم

كل فترة من فترات التاريخ ارتبطت بمعدنٍ نفيس أو مصدر طاقة معين تسبب فيما يشبه ثورة صناعية للعصر، يتشكل حولها المجتمع، وتتحكم في كثيرٍ من الأحيان في حياة أفراده. وقد كان «حجر الصوان» وهو نوع من الصخور يستخدم في إشعال النار، محرك حضارة ومجتمع عصر الجليد.

«قم بضرب الحجر بالحجر تصنع شرر نار»، هكذا كون القدماء أدواتهم وطهوا الطعام وحظوا بالتدفئة في البرد؛ إذ كان إنسان النياندرتال هو أول من أشعل نارًا. كان الأمر أشبه باكتشافنا للحديد أو الكهرباء ومن بعدهم النفط. إذ قام هذا الإنسان القديم بتشذيب حواف الحجر الصوان، بأشكالٍ دقيقة وحادة، صنع بها ما احتاجه من أدوات للبقاء، مثل حواف الرماح لتساعده على مطاردة الفرائس

في ذلك الوقت كانت الكهوف تشكل ملاجئ طبيعية للبشرِ الأوائل، إذ اتخذوا منها بيوتًا ومساكن للحماية سواء من أخطار البرية أو الصقيع، وكان دائمًا ما يقع اختيار الإنسان القديم على ملجأ بالقرب من منبع مياه؛ إذ يوفر ذلك ميزة إضافية في المكان تجعله صالحًا للمعيشة.

اقتات إنسان العصر الجليدي بشكلٍ رئيسي على الصيد، مما جعله أحد أكثر الكائنات المفترسة في وقته، إذ كان صيادًا بارعًا اقترنت حفرياته بما تبقى من حفريات الغزلان القديمة وحيوان الرنة في العصر الجليدي، ووحيد القرن الذي اعتبروه مصدرًا جيدًا للحصول على اللحوم نظرًا لوزنه.

عرف هذا السلف المنقرض أيضًا الملابس؛ بعضهم صنعوا أردية من الفرو، والبعض الآخر ارتدوا جلود الحيوانات الكبيرة حول أكتافهم، وجزء منهم حتى صنعوا أغطية للرأس من أجل مزيدٍ من العزل للبرودة. رغم ذلك كانت أزياء العصر الجليدي أكثر بساطة من أزياء الإنسان الحديث الذي اخترع طرقًا معقدة للملابس تقوم على التشذيب والحياكة.

«بدو رُحل».. هكذا يمكن أن تتخيل فصول حياتهم

اتخذ بشر العصر الجليدي طرقًا مختلفة لتسيير حياتهم خلال الفصول المختلفة التي تأرجح فيها المناخ بين الشتاء القاسي وبعض الشهور الدافئة. هذا جعل حياتهم تتمحور حول شيئين اثنين، الأول كان الترحال في الشهور الدافئة لمطاردة الفرائس في هجراتهم وبالتالي تأمين سُبل معيشتهم، والشيء الثاني هو البحث عن مكان آمن ومعزول خلال الشهور قارسة الشتاء.

في الطقس الجيد، طارد إنسان العصر الجليدي طعامه إلى جانب الأخشاب والأحجار، فخرجوا إلى الغابات والسهول، وكانت حياتهم قائمة على التخييم من أجل جمع ما تجود به الطبيعة، مُتبعين في ذلك أنماط هجرة الحيوانات.

كان أيضًا التنظيم أحد أوجه الحياة لمن عاشوا في العصر الجليدي؛ إذ لم يكن البشر الأوائل فوضويين فيما يخص نمط حياتهم، بل رتبوا الأدوار فيما بينهم. تجدهم يطاردون الفرائس ومن ثم ينقلونها على مواقع خاصة بجانب النهر من أجل سلخها، تختلف عن أماكن سكنهم. وهو ما يشير إلى أن هذا الإنسان القديم عرف نمطًا بدائيًّا للمسالخ، كما اتخذ أماكن للعمل تختلف عن أماكن السكن.

درس البشر الأوائل حركة الطقس، لأنها المركز الذي تمحورت حوله حياتهم والترحال، كما أدركوا جغرافيا الأقاليم التي عاشوا فيها جيدًا ورسموا لها خرائط ذهنية وفقًا لمعتقداتهم، مما ساعدهم على إنجاز مهام الصيد والتخطيط المسبق لأعمالهم.

عاش بشر العصر الجليدي في مجموعات تشبه القبائل في نظامها، وساعد أفراد المجموعة بعضهم بعضًا في الصيد باعتباره أحد الأنشطة الرئيسية في المجتمع، وهو ما يشير إلى أنهم توصلوا لدرجة عالية من التواصل، قد لا تشبه لُغتنا الحالية في تعقيداتها، لكنها مكنتهم من التواصل الاجتماعي، وقد استخدموا فيها الأصوات إلى جانب الغناء والرقص والإشارات، وسائل للتعبير. ونظرًا لقلة أعدادهم كانوا يتزوجون بين بعضهم البعض، أو يستبدلون النساء بين المجموعات المختلفة للمساعدة في الحفاظ على الجينات.

لكن هذا النمط من الحياة لن يستمر كثيرًا بالنسبة لإنسان العصر الجليدي؛ إذ ما إن يحل الشتاء، حتى تختلف سُبل المعيشة في البرد القارس، ويلجأ إلى الأماكن المعزولة مثل الكهوف لحماية نفسه من الريح الجليدية وتقلبات المناخ.

كان ذلك يتطلب ممن عاش في ذلك العصر أن يبحث لذاته عن طرق تشبه ما قامت به الدببة والثدييات الأخرى من عملية «سبات شتوي» للحفاظ على أجسادهم في الشهور الأكثر برودة. وهو ما جعل الإنسان البدائي يتجه إلى النوم طوال شهور الشتاء للمحافظة على درجة حرارة الجسم بالنسبة إلى محدودية الطعام وعملية التمثيل الغذائي التي تهدف إلى تحويل هذا الطعام إلى طاقة. كان هذا يتطلب أيضًا تخزين الطعام الكافي لفترة السبات.

كانت تلك النتيجة هي ما توصل العلماء إليه بناءً على الاكتشافات الأخيرة للعمل في الموقع الأحفوري «Sima de los Huesos» شمال إسبانيا، والذي يطلق عليه بالعربية «منجم العظام». إذ بعدما انتهوا من كشط الرواسب المتحجرة في هذا الكهف الذي اعتبره العلماء مقبرة جماعية للأسلاف، وجدوا أن هناك اختلافات موسمية تنعكس على طريقة نمو العظام لدى البشر الأوائل الذين عاصروا الشتاءات القارسة، تتمثل في معاناة إنسان العصر الجليدي من اضطرابات في نمو العظام نتيجة لحالة السبات هذه. عن ذلك يقول الباحثون إن إستراتيجية «السبات الشتوي» كانت هي الحل الوحيد أمامهم للبقاء على قيد الحياة داخل الكهوف في تلك الظروف المناخية الصعبة.

ساسة بوست

https://www.sasapost.com/that-is-how-cave-men-survived-ice-age/

 

شاهد أيضاً

برعاية ريد بول النمساوى.. تفاصيل رحلة ثنائي الأهلي محمد هاني وكريم فؤاد إلى النمسا

يستعد ثنائي الأهلي المصري، للسفر إلى دولة النمسا للخضوع لكشف طبي واستكمال مرحلة التأهيل من …