الأربعاء , 11 ديسمبر 2024

خمسة من الأشياء ستتغير العالم – إذا نجح العلماء في تجارب تجميد أجساد البشر أحياء

نعرف جميعًا «السبات الشتوي»، تلك الحالة من السكون التي تسمح للحيوانات والطيور وبعض أنواع الحشرات والأسماك إبطاء عملية التمثيل الغذائي، وتتسم بانخفاض درجة حرارة الجسم وعدم النشاط. يحدث ذلك لمساعدة الحيوانات للحفاظ على الطاقة خلال الشهور الباردة في الشتاء.

هذا بالضبط هو ما يرغب العلماء في تطبيقه على البشر، وذلك عن طريق تجميد أعضائهم في درجات حرارة منخفضة، تمامًا مثلما يحدث في أفلام الخيال العلمي، من أجل المحافظة على حياتهم في الوقت الحالي وإعادتهم للحياة بعد ذلك. ولكنهم لم ينجحوا بعد في ذلك، لأن الجسم إذا ما تجمد أكتر من ثلاث ساعات في حالة البشر يموت الإنسان، وهو الأمر الذي يعملون على كسره من خلال الأبحاث. وفي السطور التالية نأخذك عزيزي القارئ في رحلة قصيرة نتخيل فيها ما يمكن أن يتغير في المستقبل إن نجح العلماء في تطبيق تلك الآليات على البشر.

حادثة تزلج.. كانت السبب في اكتشاف الأمر

عام 1999، عانت آنا باجنهولم من ارتطام الرأس خلال حادثة تزلج على الجليد، وضعتها على حافة الموت؛ بعدما انخفضت درجة حرارة جسدها إلى درجة لم يصل إليها أي إنسان من قبل، حينها لم يتوقع أحد أن تعود باجنهولم إلى الحياة مرةً أخرى، إلا أن المعجزة حدثت.

عملت آنا داخل مستشفى الجامعة شمال النرويج، طبيبة آشعة، تجري الفحوص للمرضى؛ إلا أنها في المستشفى ذاته قبل عقدين من الزمن كانت أيضًا المريضة المُلقاة على طاولة العمليات وبحاجة إلى إنقاذ. صباح يوم الحادثة لم يكن مختلفًا عن أي صباح عادي. أنهت آنا عملها داخل المستشفى هي واثنان من الزملاء، ومن ثم توجهوا إلى منطقة جبال هولمن كولن، لأجل فسحة من التزلج اعتادوا عليها في تلك الناحية من مملكة النرويج.

إلا أن القدر كان يخبئ لهم كارثة، إذ تعثرت باجنهولم في الثلوج عن طريق الخطأ، حينها فقدت زلاجتها واصطدمت بجدولٍ متجمد، حينها انكسر الجليد وسقطت الطبيبة الشابة في الماء المتدفق تحت الجليد، رأسًا على عقب.

حاول أصدقاؤها حينذاك منعها من الغرق، وقاموا بطلب المساعدة، وأثناء وجود آنا في الجدول المتجمد كانت محظوظة كفاية لأن تجد بقعة من الهواء يمكن أن تتنفس منها؛ إلا أن جسدها بعد فترة انخفضت درجة حرارته وبدأت تفقد الوعي.

آنا باجنهولم – المصدر SOS Hydration

عندما وصل فريق الإنقاذ إلى آنا باجنهولم، كانت درجة حرارة جسدها شديدة الانخفاض بعدما قضت حوالي 80 دقيقة في جدول المياه المتجمد. قلبها كان متوقفًا عن النبض وبشرتها بيضاء كالجثث، وقد قضت في مروحية الإنقاذ ساعة أخرى قبل أن يصلوا للمشفى، حاول خلالها المسعفون إنعاش قلبها.

عن ذلك يشير رئيس قسم الطوارئ إلى أنه حتى بعد وصول آنا إلى المستشفى الجامعي، كانت درجة حرارتها ما زالت منخفضة، ويستطرد قائلًا: «كانت ميتة، بلا أية إشارة للحياة»، لكن رغم ذلك، كان قرار فريق الأطباء هو عدم إعلان الوفاة قبل أن يجري تدفئة جسدها أثناء إنعاشه؛ بارقة أمل أخيرة قد تنقذ حياتها.

داخل غرفة العمليات، قاموا بتوصيل قلبها والرئتين بالأجهزة، حينها تم ضخ الدم خارج جسدها في جهاز لتدفئته ومن ثم جرى ضخه مرةً أخرى داخل الجسد، وذلك أثناء مراقبة وظائفها الحيوية، وكانت النتيجة أن ارتفعت درجة حرارتها تدريجيًا، لكن المفاجأة الحقيقية، تمثلت في عودة قلبها للعمل بشكلٍ طبيعي مرةً أخرى بعد مرور عدة ساعات.

لم يعد جسمها طبيعيًا إلا بعد مرور 12 يومًا، بدأت فيهم وظائفها الحيوية في الاستجابة لعملية الشفاء البطيئة تلك، حتى استيقظت باجنهولم أخيرًا، وفتحت عينيها. رغم ذلك استغرق الأمر عدة سنوات أخرى حتى تتمكن من المشي والحركة.

بحسب العلماء، إذا كانت الموت عملية يتوقف خلالها الجسد عن العمل، فإن البرد يبطئ تلك العملية لحين القيام بالإجراء الطبي المناسب. في حالة تشبه عملية «السبات الشتوي»، التي تقوم بها الحيوانات خلال شهور الشتاء الباردة. إذا تعتبر البرودة في أبسط أشكالها مجرد نقص في الطاقة، في حين تأتي الحرارة من الحركة.

«السبات العميق».. كيف يمكن أن يغير الطب في المستقبل؟

علميًا، عندما يتعرض سطح الجسد لدرجات الحرارة المنخفضة، يبدأ في الدفاع عن نفسه ضد التجمد، حينها تنقبض الأوعية الدموية مانعة الدماء عن الوصول إلى الأطراف، إذ تحتفظ بها في القلب، حيث يمكن أن تظل دافئة، مما يساعد الجسد على الصمود والبقاء على قيد الحياة.

إذا لم تكن درجة الحرارة المحفوظة داخل الجسد دافئة كفاية، يبدأ الجسد في صنع المزيد من الدفء عن طريق «العضلات»، يمكنك أن تشعر بذلك عن طريق الرعشات اللاإرادية التي نعاني منها في الجو البارد، إذ تبدأ عضلات الجسد في الاهتزاز بدءًا من الصدر وحتى الذراعين والساق، في محاولة لتوليد الحرارة.

رغم ذلك، إذا استمرت درجة حرارة الجسم في الانخفاض، يبدأ ضغط الدم في الانخفاض ويتنفس الجسم بصعوبة ويبدأ الدماغ في فقدان الأكسجين. أعادت حادثة آنا باجنهولم تعريف ما هو ممكن خلال انخفاض درجات الحرارة. كان العلماء قد بدأوا بالفعل منذ فترة طويلة دراسة عملية «السبات الشتوي» للحيوانات وكيف يمكن تطبيقها على البشر.

عن ذلك تقول كيلي درو، أستاذة البيولوجيا في جامعة ألاسكا -القطب الشمالي: «ليس مُستبعدًا أن يتمكن البشر من السبات مُستقبلًا». يكمن جوهر «السبات» بحسب درو في تنظيم درجة حرارة الجسم؛ أو بمعنى أصح الحفاظ عليها؛ إذ يؤدي انخفاض درجة حرارة الجسم إلى انخفاض حالة التمثيل الغذائي بطريقة تجعل الحيوانات لا يحتاجون للطعام تقريبًا.

يعتبر الإنسان من «ذوات الدم الحار»، وهي الكائنات التي تستخدم حرق السعرات الحرارية في الحفاظ على درجة حرارة أجسامها. أما عملية السبات الشتوي، فتعمل على تقليل احتياج الجسم للسعرات الحرارية إلى 2%، وذلك عن طريق خفض درجة حرارته.

أكبر مثال على ذلك، هو لجوء الجراحين إلى خفض درجة حرارة الجسم، أثناء خضوع المريض للعمليات الكبرى التي تعتمد على توقف عضلة القلب عن العمل، والسماح للدماغ وباقي أعضاء الجسم بالبقاء على قيد الحياة؛ إذ تعمل البرودة على تقليل الخطر الدائم على القلب والجهاز العصبي المركزي. كما يمكن أن يستخدم «التبريد» في حالات الطوارئ عند تعرض المرضى للسكتة القلبية.

هذا ما جعل العلماء يعتقدون بإمكانية الحفاظ على حياة البشر عند تعرضهم للإصابات الخطيرة، عن طريق حفظ الجسد باردًا، وهو ما يمكن أن يغير نظرة الإنسان للطب في المستقبل.

1- إمكانية حفظ أجساد البشر المعطوبة حتى يتم إصلاحها

يعود اكتشاف فوائد البرودة للإصابات الخطيرة إلى حقبة «نابليون»؛ إذ اكتشف الأطباء حينذاك أن قدرة الجنود الجرحى الذين تركوا في الأماكن الباردة على البقاء، كانت أعلى من الجنود الذين فضلوا البقاء بالخيام الدافئة بجانب النار. وهو الأمر الذي جعل العلاج بانخفاض درجة الحرارة أمرًا شائعًا اليوم داخل الكثير من المستشفيات.

في حالات الطوارئ، يتبع الأطباء بروتوكولا تجريبيًّا قد يمكنهم من كسب الوقت أثناء الجراحات الطارئة للحالات التي يتوقف فيها القلب عن العمل، وذلك عن طريق تبريد أجسام الضحايا وحفظها في درجات حرارة منخفضة، لإبطاء طريقة عمل الجسم التي تعتمد على حرق السعرات للحصول على الطاقة، وهو الأمر الذي يكسب الأطباء بعض الوقت لإنقاذ الحيوات.

 

أثناء العمليات الجراحية للقلب يعمل انخفاض درجة حرارة الجسم على حماية أنسجة القلب من التلف الذي من الممكن أن تتعرض له نتيجة انخفاض تدفق الدم في الأوعية. إذ يؤدي انخفاض درجة حرارة الجسم إلى انخفاض حاجة الخلايا للأكسجين، مما يتيح للكائنات الحية البقاء في الظروف التي يتعثر فيها الحصول على الأكسجين الكافي لعمل خلايا الجسم.

يشير الأطباء إلى أن عملية «التبريد» الصناعي هذه تعد معادلًا لعملية «السبات الشتوي» التلقائية عند الثدييات الأخرى. الفرق الوحيد هو أن الحيوانات تعرف بالفعل كيفية الدخول بأمان في حالة السبات هذه بشكلٍ واع تلقائيًا، أما البشر، فإنهم يحتاجون إلى عقاقير وأدوية لإدخالهم في الحالة ذاتها.

في غرف الطوارئ بالمستشفيات، يبحث الأطباء أولًا عن طريقة لإيقاف الوقت، خاصةً مع الحالات الخطيرة التي تتطلب تدخلًا جراحيًا سريعًا بعد فقدانهم الكثير من الدماء. يعتقد العلماء أن السبات البشري قد يمكن العلماء في النهاية من حفظ الأجساد المعطوبة التي لم ينجح الطب حتى الآن في علاجها، إلى وقتٍ ما في المستقبل يمكنهم فيه إعادة النبض إليهم وعلاجهم بسبل الطب الحديثة.

2- تسهيل السفر عبر الفضاء

كانت القدرة على تعطيل العمليات البيولوجية للبشر وإعادتها مرة أخرى، فكرة تداعب كتاب الخيال العلمي، إلا أن العلماء على مدار القرن الفائت قد درسوا بشتى الطرق إمكانية تطبيقها، خاصةً في خمسينيات القرن الماضي، مع بداية سباق الفضاء.

حينذاك، أنفقت «وكالة ناسا» الكثير من الأموال على الأبحاث البيولوجية، لبحث إمكانية وضع رواد الفضاء في حالة من «السبات العميق» لحمايتهم من الأشعة الكونية الخطيرة، ولخفض كميات الطعام والماء والأكسجين التي يحتاجونها خلال رحلاتهم الطويلة.

كان جيمس لوفلوك واحدًا من العلماء الذين تلقوا تمويلات لهذا البحث، وقد استخدم قوارض الأقداد أو «الهامستر» لإجراء تجاربه، إذ قام بغمس أجسادهم في الثلج حتى توقفت قلوبهم عن النبض، ومن ثم أعاد إليهم الحياة باستخدام «ملعقة شاي ساخنة»؛ إذ أدت صدمة الحرارة المفاجئة إلى إعادة النبض لقلوبهم مرةً أخرى، إلا أن تلك التجارب لم تتجاوز القوارض يومًا وتصل للبشر. رغم ذلك كانت أبحاث لوفلوك هي البداية التي بني عليها أبحاث السبات البشري فيما بعد

 

عادة ما تستغرق رحلات الفضاء أوقاتًا طويلة، بعضها قد يصل إلى سنوات يقضيها رواد الفضاء داخل سفنهم. وهو ما جعل العلماء يدرسون إمكانية دخول رواد الفضاء في حالة «سبات» أو نوم عميق للحفاظ على الموارد الحيوية وكميات الطعام، وفي الوقت ذاته تجنب الملل أو التعرض للتأثيرات النفسية العنيفة الناتجة عن التواجد في مكانٍ واحد فترات طويلة.

يشير فلاديسلاف فيازوفسكي، أستاذ الأعصاب المساعد بـ«جامعة أكسفورد» إلى أنه كان بالفعل جزءًا من فريق نظمته وكالة الفضاء الأوروبية لدراسة إمكانية دخول رواد الفضاء في حالة نوم عميق، وذلك عن طريق خفض درجة حرارة الجسم والتحكم في عملية التمثيل الغذائي. إذا نجحت تلك الأبحاث في المستقبل، قد نسمع عن رواد فضاء تحفظ أجسادهم في بيئة باردة بلا نبض فترات طويلة من الزمن، حتى يجري إيقاظهم بعد الوصول إلى وجهتهم المحددة.

3- يمكن استغلاله في إنقاص الوزن!

في الأيام الباردة والمظلمة، يلجأ الحيوانات لـ«السبات الشتوي»، عن طريق إبطاء حركة وظائفهم الحيوية واللجوء إلى مخازن الدهون داخل أجسامهم من أجل الحصول على الطاقة اللازمة للحياة في شهور الشتاء، وهو الأمر الذي يمكن أن يستغله البشر بنفس الطريقة من أجل إنقاص الوزن.

وجد الباحثون أن قدرة الحيوانات على اكتساب وزن زائد خلال الشهور الباردة غير مرجح، وذلك بسبب آليات عملية السبات الشتوي؛ إذ يساعد السبات وخفض درجة حرارة الجسد على إبطاء عملية التمثيل الغذائي في موسم البرد، مما يساعدهم على تحمل ندرة الطعام. يشير الباحثون إلى أن تلك العملية تمكن من يمارسون السبات من التخلص من الوزن الزائد. وهو ما جعلهم يعتقدون أن الآليات الجينية التي تعمل على تنظيم السبات، تلعب دورًا رئيسيًا في السيطرة على السمنة في الحيوانات، وهو الأمر الذي ينطبق على الإنسان.

4-الحفاظ على المخ

تشبه عملية التبريد أو التجميد تلك، الساعة المتوقفة؛ إذ تظل أعضاء الجسد في حالة من الثبات؛ إلا أنها في الوقت ذاته سليمة ولا ينقصها سوى بعض الحرارة لتعود للعمل مرةً أخرى. يشير البروفيسور روب هاينينج خلال أبحاثه عن السبات البشري في المركز الطبي الجامعي جرونينجن «UMCG» عام 2008، إلى أن الصفائح الدموية تختفي من الجسم في حالة البرودة مما يمنع تكون الجلطات الدموية لدى الحيوانات في حالة «السبات»، إلا أنها تعاود الظهور مرةً أخرى في حالة التدفئة، وهو أمر يمكن أن يساعد في السبات البشري دون الخوف من حدوث تجلطات دموية للأشخاص الخاضعين له.

يشير الباحثون إلى أن العملية ذاتها تساعد على نجاة البشر من «السكتة الدماغية»؛ إذ يتيح السبات إدارة انخفاض الأكسجين في الدم، في الوقتِ ذاته يبحث العلماء وضع الأدمغة في حالة من السكون باستخدام الأدوية مع المحافظة على ذاكرتهم، مما يتيح إنقاذ مرضى السكتات الدماغية عن طريق تبريد أجسادهم حتى إجراء الإنعاش الطارئ عن طريق إعادة تنشيط الدورة الدموية.

تساعد تلك العملية -في حالة التوصل إلى الطريقة المناسبة لتطبيقها- على حماية الدماغ والحفاظ على خلايا المخ. إذ يشير علماء المعهد الوطني الأمريكي للاضطرابات العصبية إلى أنه يمكن حماية مرضى السكتة الدماغية من تلف أنسجة المخ عن طريق «السبات» القائم على التبريد، والذي يمكن الدماغ من البقاء سليمًا بسبب انخفاض تدفق الدم. وهو ما يحاول العلماء حاليًا تطبيقه على البشر من خلال العقاقير.

5- قد تستخدمه الجيوش للمحافظة على حياة الجنود

بدأ الجيش الأمريكي في العقود الأخيرة هو الآخر بحث إمكانية الحفاظ على حياة الجنود المصابين في المعارك حتى يجري نقلهم إلى الوطن لعلاجهم. وهو الأمر الذي جعل المؤسسة العسكرية الأمريكية تعمل على تمويل أبحاث السبات هي الأخرى، من خلال مركز أبحاث «التطبيب عن بعد»، والذي يستخدم أيضًا التكنولوجيا المتقدمة في صناعة الأطراف الصناعية والروبوتات.

الهدف الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية هو جعل الجراحين على دراية بتقنيات خفض درجة حرارة الجسم، وذلك من أجل التخطيط لتبريد أجساد المرضى إلى الدرجة التي يتوقف معها نبض القلب وتدفق الدماء في العروق، وحتى إمكانية سحبها ووضع محلول ملحي مثلج داخل الجسد للمحافظة عليه باردًا. هذا الأبحاث قد تمكن الأطباء في السنوات القادمة، من تجميد أجساد الجنود حتى تتم معالجتهم بالطريقة المناسبة.

 

شاهد أيضاً

مستشار النمسا يبدى استعداد بلاده للتعاون مع أوروبا في إعادة إعمار سوريا

أكد المستشار النمساوي كارل نيهمر أن بلاده على استعداد للمساهمة في إعادة إعمار سوريا. وقال …