في الوقت الذي أعلنت فيه إثيوبيا، السبت 6 فبراير/شباط 2021، رفضها أي اتفاق يحيد عن إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إن بلاده انخرطت بحسن نية في المسار الإفريقي؛ أملاً في التوصل للاتفاق المنشود، فيما أكد السودان أن أي ملء للسد في يوليو/تموز المقبل، سيُشكّل تهديداً مباشراً لأمنه.
حيث واصل وزير المياه والري الإثيوبي سلشي بيكيلي، السبت، تصريحاته شديدة اللهجة لليوم الثاني على التوالي، مؤكداً رفض بلاده أي اتفاق يحيد عن إعلان المبادئ بشأن سد النهضة الذي تم توقيعه في مارس/آذار 2015، بحضور السيسي، والرئيس السوداني السابق عمر البشير.
الوزير الإثيوبي شدّد على أن هناك مشاكل خطيرة ظهرت في المفاوضات الثلاثية بسبب ما وصفه بـ”حملة تشويه” للسد، الذي قال إنه يجري بناؤه بشكل سريع، ومن المتوقع أن يخزن 13.5 مليار متر مكعب من المياه في موسم الأمطار القادم، منوها إلى أن القاهرة والخرطوم لم تتمكنا من التوصل إلى اتفاق بإثارة “آراء متناقضة”.
كان بيكيلي قد اتهم، الجمعة 5 فبراير/شباط 2021، دولتي مصر والسودان باتخاذ مسار يعطل مفاوضات “سد النهضة”، مُحمّلاً القاهرة والخرطوم مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق لإنهاء تلك الأزمة المستمرة منذ سنوات طويلة.
الأعمال المدنية والهندسية في السد وصلت إلى 91%
كما أكد الوزير الإثيوبي أن بلاده غير معنية بفشل الأطراف في التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة خلال الجولات الـ7 الماضية التي كان يرعاها الاتحاد الإفريقي، مُعلناً عن تقدم في أعمال البناء بنسبة 4.05% خلال الأشهر الـ6 الماضية.
فقد اكتملت أعمال بناء سد النهضة بنسبة 78.3%، فضلاً عن أن الأعمال المدنية والهندسية في السد وصلت إلى 91%، وستبدأ عملية الملء الثاني للسد خلال الأشهر القليلة المقبلة، طبقاً لما أورده بيكيلي الذي أكد أن الأداء الذي تم تحقيقه في هذا المشروع، خلال الأشهر الماضية، هو الأسرع منذ بناء السد.
الوزير نفسه كان قد أعلن مؤخراً، أن بناء سد النهضة، المثير للجدل، يسير كما هو مُخطط له، وأن أعمال البناء جارية على قدم وساق، الأمر الذي يعني تجاهل أديس أبابا التحذيرات المصرية والسودانية من الإصرار على المضي قدماً في مخطط البناء دون التوصل لحل يرضي الأطراف كافة.
تصريحات وزير المياه والري الإثيوبي المتواصلة تعتبر تحدياً واضحاً ومعلناً للقاهرة والخرطوم، ما يشير إلى استمرار تعقد أزمة سد النهضة، وأنه لا أفق يلوح الآن للتوافق بشأنها.
السيسي انخرطت في المفاوضات بـ”حسن نية”
فيما قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، السبت 6 فبراير/شباط 2021، إن بلاده تثق بالاتحاد الإفريقي للوصول إلى اتفاق حول سد النهضة، وذلك عبر “المساهمة في دفع المساعي الرامية للتوصل إلى الاتفاق المنشود بما يراعي مصالح الأطراف المعنية، ويحفظ حقوق مصر المائية في مياه نهر النيل”.
تصريحات السيسي جاءت في كلمة له، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، خلال أعمال الدورة العادية الـ34 لمؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي.
كما توجّه السيسي بالشكر والتقدير إلى الرئيس الجنوب إفريقي، سيريل رامافوزا، على جهوده في إطار رعاية المفاوضات الثلاثية الساعية لحل الخلافات المستمرة، خاصةً الأمور التي تتعلق بملء وتشغيل سد النهضة، مؤكداً أن “مصر انخرطت بحسن نية وجدية في المسار الإفريقي؛ أملاً في التوصل إلى الاتفاق المنشود بما يراعي مصالح وحقوق الأطراف المعنية، وهو الهدف الذي لن يتأتى تحقيقه إلا بتوافر الإرادة السياسية لكافة الأطراف”.
الرئيس المصري ذكر أيضاً، أن بلاده حريصة كثيراً على حل الأزمة من خلال “المفاوضات الجادة، بما يعزز الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة”.
“ملء السد يهدد الأمن القومي للسودان”
في السياق ذاته، قال وزير الري السوداني ياسر عباس، السبت 6 فبراير/شباط الجاري، إن بلاده ترى أن أي ملء لسد النهضة الإثيوبي من جانب واحد، في يوليو/تموز المقبل، سيُشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي السوداني.
عباس أكد، في مقابلة مع وكالة رويترز، أن السودان يقترح توسيع مظلة التفاوض بين السودان ومصر وإثيوبيا لتشمل مع الاتحاد الإفريقي الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وتحويل دور هذه المؤسسات الأربع من مراقبين إلى وسطاء.
عمدة أديس أبابا ندشن حملة لجمع التبرعات
إلى ذلك، دشنت أدانيتش أبابي، عمدة أديس أبابا، الجمعة 5 فبراير/شباط 2021، حملة لجمع تبرعات من سكان العاصمة لاستكمال مشروع بناء السد، وقد جمعت حتى الآن نحو 51 مليون دولار أمريكي.
كانت السلطات الإثيوبية قد ناشدت المواطنين تحويل أموال عبر هواتفهم المحمولة؛ لاستكمال المشروع البالغة تكلفته 5 مليارات دولار.
فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات مثل كل الجولات
يأتي ذلك بعدما فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات السد، إثر إعلان الخارجية السودانية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول “سد النهضة”، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى “طريق مسدود”.
في اليوم التالي أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة إلى مفاوضات “ذات جدوى” في ملف سد النهضة، ملوحاً بأن الخرطوم لديها “خيارات” أخرى.
بدوره قال وزير الري السوداني ياسر عباس، إنه لا يمكنهم الاستمرار في “هذه الحلقة المفرغة من المباحثات بشأن سد النهضة إلى ما لا نهاية”، مشدداً على أن “المفاوضات انتهت إلى الفشل”.
تسع سنوات من الفشل
كانت الإدارة الأمريكية أعلنت في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.
لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية. حيث تُصر أديس أبابا على ملء السد، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه مع القاهرة والخرطوم، فيما تصر الأخيرتان على ضرورة التوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي؛ لضمان عدم تأثر حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل