لقد خضت اليوم السبت 20.05.2017 تجربة من التجارب التي نادرآ ما قمت بها من قبل في حياتي ، حيث كنت اليوم على موعد مع تشييع جنازة أحد الأشخاص المقربين إلى قلبي وهي سيدة مسيحية فاضلة من دور أمي التي توفت منذ خمس سنوات وكانت تعاملني بمنتهي الحب والود كما لو كنت أنا نفسي أحد أبناها الثلاثة وذلك منذ عرفتها وعرفتي منذ 27 عامآ . والجدير بالذكر أن آخر مرة شاركت في تشييع جنازة هنا في البلدة التي أعيش فيها بالنمسا كانت منذ خمسة عشر عامآ وكان زوج هذه السيدة .
في العام المنصرم كان المرض قد داهما وقضي عليها خاصة في الأسابيع الأخيرة الماضية وكان الخاصة يقومون بزيارتها ويتمنون لها الشفاء والعودة سالمة إلى بيتها ، ولكنها قالت لصديقة عمرها أنها لا تريد العودة إلى بيتها وأنها سوف تذهب إلى بيت خير من بيتها . حينما وصلتني هذه الكلمات علمت أن أمر الله آت . وكانوا قد نقلوها إلى بيت الرعاية الخاص بالمرضي الذين ينتظرون الموت ولا آمل في شفائهم .
فكرت كثيرآ ـ أأذهب لزيارتها وتوديعها أم أترك الأمر على حالة كي تبقي هي في ذاكرتي كما كنت أحبها . وبعد التشاور مع بعض المقربين قررت زيارتها خاصة بعدما أقروا لي بأن زياتي سوف تكون سببآ في سعادتها ، فكيف يكون لي أن أبخل عليها بهذه السعادة الوجيزة وهي التي كانت شديدة الجود معي بكلمات الأم الحنونة التي تحب الخير والسعادة لابنائها .
ذهبت لزيارتها في ذلك المكان المعد لرعاية الراحلين عن حياتنا ، فإذا بي أجد المكان في غاية العناية والتزين ويبعث على الراحة والطمأنينة . لم تطل زيارتي لها عن عشر دقائق تبادلت معها بعض الذكريات الطيبة وهي لا تجاوبني سوي بنعم وإن لم تستطيع فتكون الإجابة بالإيماء . تأملت الغرفة مرة أخري ووجود الزهو بها والروائح الطيبة فتذكرت قول المولي سبحانة وتعالي ” ولقد كرمنا بني آدم ” .
واليوم شيعت جنازتها بقداس الجنازة بالكنيسة ثم الذهاب إلى المقابر لدفنها . بهرني النظام والترتيب والخشوع من جميع الحضور وخاصة وضع حفنة من الطين على نعشها ليتحقق قول المولي ” مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ “. وبنهاية مراسم الدفن ذهب الأهل والأصدقاء المقربون إلى أحدي المطاعم لتناول ” وجبة الجنازة ” والإحتفال بالأكل والشرب والحديث بل والضحك أيضآ إذاننآ بأن هذه هي سنة الحياة وبإن كل نفس ذائقة الموت وتستمر الحياة بإذن الله .
لقد عاشت هذه السيدة مكرمة وماتت مكرمة ودفنت مكرمة .
حين تذكرت ما حدث مع أمي منذ خمس سنوات بالمستشفيات من أهمال وعدم رعاية وما حدث لنا نحن الأبناء أثناء دفنها وما كان يحدث أثناء الزيارات الأولي لها والتي توقفنا عنها تمامآ فلا أستطيع إلا أن أقول ونحن البشر أهنا بني آدم وخالفنا أيضآ قول الرسول ” كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة ” . ولذلك أصبحنا نحب الدنيا ونسينا الآخرة .
رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين
مصطفي درويش فيينا :20.05.2017