السؤال الذي يخيف الشرق الأوسط والعالم.. متي تتمكن إيران من إنتاج القنبلة النووية؟

“إيران قد تكون على بعد أسابيع معدودة من امتلاك القنبلة النووية”، بهذا التصريح صدم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، العالم، فهل أصبحت القنبلة النووية الإيرانية قريبة بهذا الشكل؟ وما هي الخطوات التي المتبقية لطهران للوصول لها؟

لم يكن تصريح المسؤول الأمريكي هو الأول من نوعه، ولكن جاء بعد إعراب المسؤولين الأوروبيين عن قلق مشابه ولكن أقل حدة، وأقل تشاؤماً فيما يتعلق بالإطار الزمني المحتمل لإنتاج القنبلة النووية الإيرانية.

إذ سبق أن حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان من أنه إذا واصلت إيران خرق الاتفاق النووي، فإنها ستحصل على قنبلة ذرية، قائلاً: “قد تمتلك أسلحة نووية”، إلا أنه توقع ألا يتم ذلك قبل نهاية العام.

ولكن اللافت أن تصريح بلينكين جاء في وقت تلمح فيه الإدارة الأمريكية إلى اعتزامها فرض شروط جديدة للعودة للاتفاق النووي بما في ذلك الحديث عن وضع قيود البرنامج الصاروخي الإيراني، وإدخال أطراف من الشرق الأوسط في الاتفاق (غالباً السعودية)، ومع أن هذه الطلبات تبدو منطقية، وتؤكد انتقادات ترامب للاتفاق الذي انسحب منه.

لكن مثل هذه الشروط الجديدة تتطلب وقتاً، وهو أمر لا ينسجم من التحذير من أننا على بعد أسابيع من مواجهة القنبلة النووية الإيرانية.

ولذا من المهم محاولة فهم الخطوات التي وصل إليها برنامج طهران النووي وهل أوشكت القنبلة النووية الإيرانية على الظهور حقاً؟

تجدر الإشارة إلى أن إيران خالفت العديد من قيود الاتفاق لكنها لا تزال تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتسمح للمفتشين بالدخول في ظل أحد أكثر أنظمة التفتيش النووي صرامة المفروضة على أي دولة.

هل تريد طهران إنتاج القنبلة النووية الإيرانية؟

في عام 2018 عرضت إسرائيل ما قالت إنها أرشيفات أخذتها سراً من إيران والتي أظهرت أن إيران تواصل السعي وراء المعرفة بالأسلحة النووية بعد عام 2015- على الرغم من أن إيران وصفت الاتهام بأنه “سخيف”.

ومع ذلك فإن مجتمع الاستخبارات الأمريكية قيم في يناير/كانون الأول 2019 أن إيران “لا تقوم حالياً بأنشطة تطوير الأسلحة النووية الرئيسية التي نرى أنها ضرورية لإنتاج سلاح نووي”.

يمكن استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب، والذي يحتوي عادةً على 3-5% من تركيز اليورانيوم 235، لإنتاج وقود لمحطات الطاقة النووية التجارية.

اليورانيوم عالي التخصيب تركيز 20% أو أكثر ويستخدم في مفاعلات الأبحاث. اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة يكون مخصباً بنسبة 90% أو أكثر.

ما هي الخطوات التي اتخذتها إيران وأقلقت الغرب لهذه الدرجة؟

كان أحد أبرز أهداف الاتفاق النووي الإيراني عدم تكديس طهران أكثر من 130 طناً من الماء الثقيل، الذي يحتوي على هيدروجين أكثر من الماء العادي، وإعادة تصميم مفاعلها النووي الذي يعمل بالماء الثقيل في آراك نظراً لأن الوقود المستهلك من مفاعل الماء الثقيل يحتوي على البلوتونيوم، والذي يمكن استخدامه في صنع قنبلة نووية.

رداً على ما تعتبره إخفاق الأطراف الأخرى في الالتزام بالاتفاق النووي، اتخذت إيران خطوات “لتقليص” التزاماتها:

في 1 يوليو/تموز 2019، رفعت الحدود المفروضة على مخزوناتها من اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة.

في 7 يوليو/تموز 2019 بدأت في تخصيب اليورانيوم إلى تركيز 4.5% حتى تتمكن من توفير الوقود لمحطة بوشهر لتوليد الكهرباء- بما يتجاوز الحد الأقصى البالغ 3.67%.

في 6 سبتمبر/أيلول 2019، رفعت “جميع القيود” على البحث والتطوير في مجال تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي وبدأت في تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً.

في 5 يناير/كانون الثاني 2020 ، رفعت الحد الأقصى لعدد أجهزة الطرد المركزي العاملة.

وقالت إيران إن الخطوة الخامسة تعني أنه لم يعد هناك أي قيود على برنامج التخصيب وأن العمليات “ستستمر بناء على متطلباتها الفنية من الآن فصاعداً”.

لكنها أضافت أنها ستواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تراقب الاتفاق النووي، وأنها مستعدة للتراجع عن الخطوات الخمس إذا رفعت العقوبات الأمريكية.

16 يناير/كانون الثاني 2020، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران قد تجاوزت مستويات ما قبل خطة العمل الشاملة المشتركة لإنتاج اليورانيوم المخصب.

اختراق مخزون التخصيب

يوليو/تموز 2020، أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن خرق إيران لحد مخزون اليورانيوم المخصب البالغ 300 كيلوغرام قلل بشكل طفيف من “الزمن اللازم نظرياً للحصول على مادة انشطارية كافية لإنتاج قنبلة نووية واحدة”.

لتصنيع قنبلة واحدة ستحتاج إيران إلى إنتاج 1050 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67%، وستحتاج بعد ذلك إلى مزيد من التخصيب إلى 90% أو أكثر.

نوفمبر/تشرين الثاني 2020: أصبح لدى إيران 372 كيلوغراما من اليورانيوم منخفض التخصيب، حسبما ذكرته الوكالة.

 منشأة فوردو المحصنة، لماذا يخشاها الغرب؟

1 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أن إيران ستستأنف تخصيب اليورانيوم 235 بنسبة 20% “في أقرب وقت ممكن” في منشأة فوردو، مضيفاً أنها يجب أن تفعل ذلك للامتثال للتشريع الأخير الذي أقره البرلمان الإيراني.

إن استئناف التخصيب في فوردو مثير للقلق لأن المنشأة مبنية تحت جبل وهي محمية نسبياً من الضربات العسكرية.

5 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن علي أكبر صالحي، رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، أن إيران بصدد تركيب ألف جهاز طرد مركزي جديد من طراز IR-2m سيتم استخدامها لتعزيز إنتاج البلاد من اليورانيوم المخصب بشكل كبير.

11 يناير/كانون الثاني 2021، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي: “من الواضح أنه لم تنتظرنا عدة أشهر. لدينا أسابيع” لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة. (في إشارة إلى وصول إيران لنقطة اللاعودة في تخصيب اليورانيوم).

وتعليقاً على قفزة إيران الأخيرة إلى مستويات تخصيب بنسبة 20%، قال جروسي إن إيران تتقدم “بسرعة كبيرة” وستكون قادرة على إنتاج حوالي 10 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% شهرياً في فوردو.

لماذا يعتبر الوصول لمستوى 20% من التخصيب خطيراً، رغم أن القنبلة تحتاج إلى 90%؟

31 يناير/كانون الثاني2021، أعلنت طهران أنها أنتجت 17 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%- مما يجعلها على بعد خطوة قصيرة من تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% المستخدمة في صنع الأسلحة، وفي انتهاك واضح لخطة العمل الشاملة المشتركة.

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن قرار إيران زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم يمكن أن يشكل أيضاً خطر انتشار بعيد الأمد، وذلك لأن الانتقال من الحالة الطبيعية لليورانيوم البالغة 0.7% من تركيز اليورانيوم 235 إلى 20% يستغرق حوالي 90% من إجمالي الجهد المطلوب للوصول إلى مستوى الأسلحة، أي أن الجهد المطلوب من الانتقال من مستوى تخصيب 20% إلى 90 (الحد اللازم لإنتاج أسلحة نووية) أقل.

ما هو الموعد المحتمل لإنتاج القنبلة النووية الإيرانية؟

قبل الاتفاق النووي كان لدى إيران كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% وعدد من أجهزة الطرد المركزي، وقد قُدر الوقت اللازم لإنتاج القنبلة النووية الإيرانية من قبل البعض بحوالي شهرين إلى ثلاثة أشهر.

أدى الاتفاق إلى إبطاء “وقت الاختراق” إلى عام على الأقل. لكن تخلي إيران عن التزاماتها بشأن التخصيب يمكن أن يسرع ذلك.

إن استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، التي يمكنها تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع وأكثر كفاءة، سيسمح لإيران بتكديس اليورانيوم المخصب بسرعة أكبر.

على الرغم من أنه ظل غير مؤكد ما إذا كانت طهران ستتخذ القرار النهائي لبناء أسلحة نووية، فقد طورت مجموعة من التقنيات، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم وتصميم الرؤوس الحربية وأنظمة الإطلاق، والتي من شأنها أن تمنحها هذا الخيار في إطار زمني قصير نسبياً.

بعد هذه الخروقات يقول العديد من الدبلوماسيين والخبراء النوويين إن القول بأن الوقت اللازم لإنتاج القنبلة النووية الإيرانية هو “سنة” هو تقدير مبالغ به وإن إيران ستحتاج إلى وقت أطول لتحقيق ذلك.

ولكن في المقابل قدّر ديفيد أولبرايت، مفتش الأسلحة السابق للأمم المتحدة الذي يميل إلى اتخاذ موقف متشدد تجاه إيران، في نوفمبر/تشرين الثاني أن زمن اختراق إيران أي زمن وصولها للقنبلة قد يكون “أقصر من 3.5 شهر”، على الرغم من أن هذا يفترض أن إيران ستستخدم 1000 جهاز طرد مركزي متقدمة تمت إزالتها بموجب الاتفاق.

إذا جمعت إيران كمية كافية من المواد الانشطارية، يمكنها تجميع قنبلة واحدة وربما تكون صغيرة بما يكفي لتحملها صواريخها الباليستية.

كم من الوقت سيستغرق ذلك بالضبط غير واضح، لكن تخزين ما يكفي من المواد الانشطارية يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أكبر عقبة في إنتاج سلاح.

وتعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كان لديها برنامج أسلحة نووية أوقفته. وهناك أدلة تشير إلى أن إيران حصلت على تصميم لسلاح نووي ونفذت أنواعاً مختلفة من الأعمال ذات الصلة بصنعها.

ولكن اللافت هنا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سبق أن قالت إن إيران لا تمضي قدماً في عملها النووي بالسرعة التي تتيحها لها إمكانياتها.

يشير تقييم الوكالة إلى أن الطرفين يسيران على حبل مشدود، تحاول إيران التلويح بأنها تقترب من الوصول للقنبلة الذرية ولكن بمعدل بطيء لا يستفز الغرب ويدفعه لعمل متهور مع إحاطة الجدول الزمني تحديداً بالغموض.

في المقابل نعم يبدو الغرب قلقاً من وصول إيران للقنبلة النووية، ولكن الحديث عن أسابيع كما قال وزير الخارجية الأمريكي قد يكون مبالغاً فيه، وقد يكون موجهاً للداخل الأمريكي، لتبرير العودة السريعة للاتفاق النووي الذي يواجه انتقادات داخلية، ولتقليل التوقعات من الشروط الإضافية التي تريد إدارة بايدن إدخالها على الاتفاق.

وبالتالي فأمام جزء من الرأي العام الأمريكي والخليجي تحديداً، فإن العودة للاتفاق ستكون انتصاراً لإدارة بايدن لأنها منعت القنبلة النووية الإيرانية في أسابيعها الأخيرة، بينما كان انسحاب ترامب من الاتفاق هو السبب في اقتراب طهران منها

 

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …