وجوده في الأعمال الدرامية التي شارك بها يشبه أساس البيت، لا تراه بشكل واضح لكن البناء لا يقوم من دونه، لم يتمتع يوماً بأجواء الفرقعة، والظهور الباهر الذي يطغى على من حوله، دائماً مميز لكن على طريقته، لا يمكن لأحد أن يتخيل الأعمال التي شارك بها من دون وجوده بها، رغم أنه لم يكن نجمها الأوحد، عزت العلايلي واحد من أبرز وجوه الزمن الجميل الذين ما زالوا يمتعون جمهورهم، رغم بلوغه الـ 86 فإن وجوده ما زال مميزاً سواء كان في عمل درامي أو في لقاء صحفي، جاء ظهوره الأخير مع صاحبة السعادة فارقاً ومميزاً للكثيرين، فرسم ابتسامة من القلب على وجوه مشاهديه تارة، واستفز دمعة من العيون تارة أخرى.
صفقة عزت العلايلي
ربما لم يتخيل عزت الشاب خلال دراسته بالمعهد العالي للفنون المسرحية أن فنه سيجوب العالم، وأن الأفلام التي شارك بها ستشارك في مهرجانات العالم كموسكو وكان وغيرهما، وأن فيلم “الأرض” الذي يعده البداية الحقيقية له سيحصل على هذا القدر من الجوائز.
في الواقع عقد عزت ببداية حياته صفقة من نوع خاص مع القدر، قدم من حوله على نفسه فقدمت له الحياة أجمل ما لديها، “كنت براعي إخواتي”، هكذا فسّر تأخر ظهوره كممثل محترف في المسرح والتلفزيون، صحيح أنه تخرج في معهد التمثيل عام 1959 لكنه لم يبدأ التمثيل إلا عام 1963، حيث عمل خلال تلك الفترة كمخرج في التلفزيون، ثم بدأ العمل كممثل محترف عقب تخرجه بأربعة أعوام.
لم يدع عزت أمراً في مجال الفن إلا وقدمه، لا يعلم الكثيرون أنه غنى ورقص على المسرح في مسرحيته الغنائية “ملك الشحاتين”: “كنت بغني الأغاني كل يوم بصوتي، مكانش تسجيل، بس أنا مش مطرب، أنا مؤدي، أؤمن بأن الغناء المسرحي مينفعش يكون تطريب عشان الناس ميفوتهاش متابعة المسرحية”، مع ذلك يؤمن العلايلي بأنه لا فارق بين المسرح والسينما “الاتنين لازم يقولوا قضية”.
فتى رياضي وأب لا يذاكر لأبنائه
على الرغم من وسامته ولياقته البدنية لم يقدم العلايلي نفسه يوماً كدونجوان في أعماله كما فعل كثير من زملائه الذين حرصوا على تصدير صورة بعينها عن أنفسهم، 58 عاماً من التمثيل المتواصل حافظ خلالها على فنه ونفسه، كشخص مميز أينما حل ترك علامة مميزة كما هو الحال في أفلام: “الأرض والاختيار والطريق إلى إيلات”، لم يتورط أو يورط أحد معه بمشكلات، كما لم يكن من تلك النوعية المزواجة كثيرة العلاقات.
في واحد من اللقاءات النادرة التي ظهر فيها طفلا عزت العلايلي (رحاب ومحمود) اعترف العلايلي بأنه ليس من الآباء الذين يذاكرون لأبنائهم “معنديش صبر أذاكر لهم، ممكن أساعدهم في الدين والعربي أحياناً”، لكنه مع ذلك أكد قيامه بلعب الرياضة وسماع الموسيقى وهم بصحبته، حيث كان يحرص على ممارسة عدة رياضات “بلعب كل الألعاب: أسكواش وتنس وجمباز، لأني كنت بمارسه من طفولته”.
مع ذلك لم يكن العلايلي يوماً أباً مهملاً لأبنائه، يمكنك أن تكتشف ذلك من خلال مقطع فيديو من اللقاء الذي استضافته خلاله ناهد جبر في سبعينيات القرن الماضي، لم يتوقف العلايلي عن مداعبة أبنائه والتربيت عليهم، كان يتحدث بينما ابنته في حضنه، يداعب يديها، ويحتضنها، كذلك الأمر مع ابنه، وحين سألته بنهاية الحلقة عن أمنيته، قال لها: “نفسي أكسب ثقة الجمهور وأربي ولادي كويس يطلعوا كويسين”، ويبدو أن القدر حقق له أمنيته، حيث يشغل ابنه محمود منصب رئيس حزب المصريين الأحرار، بينما ابنته تعيش حياة سعيدة برفقة أسرتها.
زوجته مخزن الأسرار
توقفت كثيراً عند حالة الانهيار والبكاء الحار التي اعترت كثير من الممثلين في عزاء السيدة سناء الحديدي، زوجة عزت العلايلي، التي توفيت قبل ثلاث سنوات بسبب مشاكل في الكبد والكلى.
لن تجد صورة تذكر للزوجة التي يشهد لها زوجها بالكثير، حتى في مرضها كان العلايلي شديد التكتم على مرض زوجته، وطلب إجازة وقتها من مسلسله “قصر العشاق” دون أن يذكر السبب، ومع وفاتها لم يكن قادراً على التماسك خلال جنازتها.
علاقة الحديدي بأفراد الوسط الفني كانت من القوة والخصوصية بحيث لم يفوت عزاءها أحد، ففي الوقت الذي خلت فيه عزاءات الكثيرين من الوجوه المعروفة، ضج عزاء الحديدي بعدد ضخم من الفنانين الذين لم يظهروا بهذا القدر من التنوع والعدد في مكان واحد أبداً
“الجدودية” -أن يصير له أحفاد- يقول عنها: “أحلى حاجة في الدنيا، برجع بيبي معاهم مريم بنت محمود محققة نجاحات رائعة بكون في منتهى الفشخرة اللي في الدنيا بيهم، وعادل ابن هابي -رحاب العلايلي- الدنيا كلها مهندس يا حبيبي بشوفه بفرح”.
رغم تاريخه الطويل فإن ملمحاً هاماً من ملامح عزت العلايلي ارتسم عقب حديثه عن زوجته، في تلك اللحظة حين لم يستطع أن يتمالك نفسه من البكاء قائلاً عنها: “هي صاحبة فضل كبير جداً أنا مجيش فيها حاجة، مكنتش متخيل إنها تسيبني، ساعات أدوخ وأنا لوحدي في البيت ومفيش حد معايا أسمع صوتها ساعات، وساعات أقوم من النوم على صوتها، أعطتني كتير جداً، كتير كتير، مقدرش أوفيها حقها، أنا كنت هبقى ولا حاجة من غيرها، هي عارفة ده”، وفاء من الرجل لزوجته يبدو أنه قد عز في الزمن الحالي، حيث علقت واحدة من الجمهوره لتؤكد: “أول مرة أشوف رجل يعترف بفضل زوجته عليه”.
حين خشيت منه فاتن حمامة
في فيلم “لا عزاء للسيدات” جاء اختيار عزت العلايلي بقرار من فاتن حمامة نفسها، حيث قالت: “هاتولنا عزت”، وعلى الرغم من أنه اختيارها فإنها كانت تحسب له الكثير من الحسابات، تروي المخرجة إيناس الدغيدي والتي كانت في ذلك التوقيت مساعد مخرج: “كانوا بيعلموا تلات أربع بروفات عشان توصل لمقدرته الفنية كانت تقولهم مش مهم عدد البروفات، أنا محتاجة أعرف أقف قصاده لأنه قيمة فنية كبيرة، عمرها ما عملتها مع فنان كبير لكن مع عزت العلايلي، دا موقف يتحسب لفنه وقيمته”.
الكثير من الشهادات الطيبة بحق العلايلي لكن أبرزها بالنسبة لي تلك الشهادة عن علاقته بالعمال والشخصيات البسيطة وراء الكواليس، حيث يشهد له الكثيرون ومن بينهم الدغيدي، بأنه من تلك النوعية التي تجالس الجميع وتأكل معهم من طبق واحد: “كنت لسه طالبة لما اشتغلت معاه، وراء الكواليس شخصيته جميلة وبسيطة بيتعامل بيها مع العمال والناس البسيطة كأنه واحد منهم، قليلين يقعدوا ياكلوا مع العمال ويسألوا على أهلهم، بحكم شغلي كمساعد مخرج كنت بعرف علاقة الفنانين ببعض ومين عامل حساب لمين، اشتغلت في (لا عزاء لسيدات)، واكتشفت إن محدش في الوسط ما بيحبش عزت العلايلي”
أسرار جمعته بمبارك وسعاد حسني
اعترف العلايلي بشكل غير مباشر بأن سعاد حسني قُتلت، جاء ذلك بغتة حين سألته المذيعة إنجي علي فجأة عمن قتل سعاد حسني فرد: “مقدرش أقول مين قتلها، لكن الأكيد إنها اتظلمت، كانت عاشقة لفنها، الناس مفهموهاش، فهموا جانب واحد منها، اتظلمت من بعض الناس، ساعات كانت تناقشي أنا وزوجتي بوعي بحترمه فيها، مقدرش أقول من اللي قتلها دي حاجات يعلمها المحققون، لكنه شيء غامض” كانت زوجته سناء هي مخزن أسرار سعاد لذا أكد العلايلي أن أسرار السندريلا رحلت برحيل زوجته.
من الأمور الغريبة بحياة العلايلي هو عدم تفضيله أن يكون من بين “فناني الرئيس مبارك”، وعلى الرغم من أن الأخير عُرف بحبه للفنانين وتواصله الدائم معهم فإن علاقته مع العلايلي لم تكن قط على ما يرام، بدأ الأمر خلال إحدى المناسبات الوطنية التي حضرها العلايلي فقام مبارك بدعوته إلى مأدبة عشاء، لكن العلايلي غادر المناسبة الوطنية مبكراً ولم يحضر المأدبة ما جعله من بين “المغضوب عليهم”، ويبدو أن الموقف قد أثر في الرئيس الراحل بشدة حتى إنه عاتب العلايلي، فأكد الأخير أنه كان مرتبطاً بأعمال استدعت اعتذاره تليفونياً عن الحضور، لكن مبارك أكد له “عذرك غير مقبول !”.