في زمنٍ تُباع فيه زجاجات الماء بسعر الذهب في بعض المدن الكبرى، تخرج فيينا من بين الزحام الحضري لتقدم مثالًا حيًّا على أن الرفاهية يمكن أن تكون مجانية… ومنعشة! فمع وصول عدد نوافير الشرب العامة إلى 1,600 نافورة، تسجّل العاصمة النمساوية رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا، وتتحول إلى عاصمة المياه المجانية بامتياز.
في كل زاوية… رشفة نقاء
ما يميز نوافير فيينا ليس فقط عددها الهائل، بل موقعها المدروس بعناية. من الأزقة التاريخية في قلب المدينة القديمة إلى المساحات الخضراء الرحبة وحدائق الأحياء، تجد دائمًا نافورة في الطريق، وكأن المدينة تتنفس ماءً باردًا لتنعشك في أكثر اللحظات حرارة.
ومع قدوم فصل الربيع، تتفتح فيينا ليس فقط بالأزهار، بل أيضًا بهذه النوافير التي تعود للعمل تدريجيًا بالتزامن مع اليوم العالمي للمياه، في طقس أشبه باحتفال مائي صامت يخدم الإنسان والطبيعة.
برلين وميونيخ؟ لم تبلغا بعد!
بمعدل 80 نافورة لكل 100,000 نسمة، تتفوق فيينا على كل المدن الأوروبية، وتترك برلين تائهة وراءها بـ6 نوافير فقط، وميونيخ بنحو 5! وفي وقت تنشغل فيه مدن العالم بتحديث شبكات الإنترنت أو بناء ناطحات السحاب، اختارت فيينا أن تطوّر شبكة الحياة نفسها: الماء.
نوافير تروي الجسد والروح
ولأن المدينة لا تكتفي بالقواعد، أضافت إلى نوافير الشرب وحدات رشّ الضباب “برونهيلدن” وأعمدة الضباب التي تنثر الهواء البارد في الشوارع، فتجعل من المشي تحت شمس يوليو أشبه بنزهة في واحة صيفية.
“فيينا لا تُروى فقط من الماء، بل من كرمها تجاه سكانها وزوّارها” يقول أحد سكان المدينة، وهو يحتسي جرعة منعشة من نافورة في زاوية شارع مزدحم.
رؤية خضراء لمستقبل أزرق
ولأن الطموح لا يتوقف عند رقم، تعمل بلدية فيينا على توسيع شبكة النوافير لتشمل مناطق التوسع العمراني والمشاريع الجديدة، لتبقى المياه حقًا لكل إنسان، في كل مكان.
فيينا… حيث الماء لا يُباع، بل يُشارك!
في وقت ترتفع فيه درجات الحرارة وأسعار المياه على حدٍ سواء، تضع فيينا معيارًا جديدًا للمدن الذكية والإنسانية: نافورة في كل شارع، وراحة في كل قطرة.
هل فكرت يومًا أن جرعة ماء من نافورة يمكن أن تُشعرك بأنك في أجمل مدن الأرض؟ فيينا تقول لك: تفضل… واشرب!